العفة:
إن الزهراء -عليها السلام- عِبرةٌ وعَبرة.. صحيح نحنُ نتألم لما جرى عليها، ونفرح بمولدها، ونحبها ونحب أباها وبعلها وذُريتها.. ولكن يجب أيضاً أن نستن بسُنةٍ من سننها -صلوات اللهِ وسلامهُ عليها- وكيفَ كانت تعيش في هذهِ الدنُيا!.. فاطمة -صلوات اللهِ عليها- ضربت أعلى المُثُل في العفة.. وعفةُ فاطمة أمرٌ مشهورٌ في تاريخ البشرية، هي سيدة النساء، وصفاتها سيدةُ الصفات، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها:
1. تعاملها مع الأعمى: روي عن الإمام علي -عليه السلام- أنه قال: (استأذن أعمى على فاطمة -عليها السلام- فَحَجَبَتْهُ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله- لها: لِمَ حَجَبْتِيه، وهو لا يراك؟.. فقالت -عليها السلام-: إن لم يكن يراني فإني أراه، وهو يشم الريح.. فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: أشهد أنك بضعة منّي)..
2. فرحها بمسألة التابوت: لأنه لن يرى حجمَ بدنها أجنبي، رغمَّ أن التشييع كانَ ليلاً، والمشيعون أمثال سلمان..ورد في الرواية: (أسرّ رسول الله (ص) إلى فاطمة (ع) أنها أُولى من يلحق به من أهل بيته، فلما قُبض ونالها من القوم ما نالها، لزمت الفراش، ونحل جسمها، وذاب لحمها، وصارت كالخيال، وعاشت بعد رسول الله (ص) سبعين يوماً.. فلما احتضرت قالت لأسماء بنت عميس: كيف أُحمل على رقاب الرجال مكشوفة، وقد صرت كالخيال، وجفّ جلدي على عظمي؟.. قالت أسماء: يا بنت رسول الله!.. إنّ قضى الله عليك بأمر، فسوف أصنع لك شيئاً رأيته في بلد الحبشة، قالت (ع): وما هو؟.. قالت: النعش يجعلونه من فوق السرير على الميت يستره، قالت لها (ع): افعلي!.. فلما قُبضت -صلوات الله عليها- صنعته لها أسماء، فكان أول نعش عُمل للنساء في الإسلام).
3. احتجابها عن الرجال: عندما دخلت (ع) المسجد: (لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها، ونساء قومها.. تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله -صلى الله عليه وآله- حتـّى دخلت على أبي بكر، وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة..).. وكذلك سيرة ابنتها زينب -صلوات اللهِ عليها- هذهِ الخفرة، عندما دخلت في مجلس الطاغية.. البعضُ يقرأها: متكبرة، أو متنكرة.. إن صفة التعالي على الرجال، صفةٌ مطلوبة للمرأة -التكبر المحمود-.. لأنَ إحساسها بهذا الجو؛ يجعلها لا تسترسل مع الرجال، هذا هو المقصود بهذهِ العبارة.. أو متنكرة؛ لئلا يشارُ إليها على أنها ابنةُ أمير المؤمنين.
فإذن، إن هذهِ الأمور بديهية في حياتها -صلوات الله وسلامهُ عليها-.
سلبيات المدنية:
منذُ أن خَلقَ اللهُ -عز وجل- آدم (ع) لم يبلغ الفساد أوجهُ كهذا العصر، هذا المد التكنولوجي هذهِ الأيام، جاء بكُلِ خيرٍ وشر.. فيما مضى من الأيام، إذا كان هناك فتاة غير مؤمنة، ولها دوافع شيطانية؛ فإنها لا تصل للحرام بسهولة، حيث كان يوجد ألف مانع.. وهذه نعمة: ألا يجد الإنسان بغيتهُ من الحرام!.. ولكن هذهِ الأيام الشاب والشابة؛ بإمكانهما في غضونِ ساعات أن يصلا إلى ما يريدان: إما صوتاً، أو صورةً، أو حقيقة؛ وهذهِ كارثة!.. والجميع -تقريباً- بدأ يعترف بمفاسد هذا الوضع: فالحياة الزوجية أصبحت مهزوزة، وقد كثر الطلاق في جميع المجتمعات.. حتى أن الطلاق يتم في شهر العسل، وبعدَ العقد مباشرة، وذلك لأنَ الشاب لهُ تجارب سابقة، والفتاة لها تجارب أيضاً.. فذهن الشاب مليء بعشرات الصور، التي لا يُقاس جمالها بجمال زوجته.. وفي ذهن الفتاة، كذلك عشرات الصور.. لذا أصبحَ الرجل جمالهُ باهتاً، والمرأةِ أصبح جمالها باهتاً.. وبالتالي، فإنه من الطبيعي أن تكون الضحية الأولى هي الحياة الزوجية.. في الأزمنة القديمة عندما كانَ يأتي الرجل إلى البيت، كانت المرأة تستقبلهُ على أنهُ هو الملك، والأمير؛ لأنها لا ترى رجلاً غيره، فتعد الساعات عدّاً لعودته.. بينما هذهِ الأيام العلاقة فاترة: لا احترام، ولا تقدير؛ فضلاً عن الأمراض البدنية.. فالأسرة المتماسكة هي ضحية ما نحنُ فيه.
كيفَ ينبغي أن تكون العلاقة بينَ الرجل والمرأة؟..
من خلال القرآن الكريم:
أولاً: سورة النور.. إن سورة "النور" فيها آية "النور"، يقول تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.. والإدمان والإكثار من قراءة سورة النور، من أقل آثارها أن تعطي الإنسان نوراً في الباطن.. رب العالمين جعلَ الآيات المتعلقة بالزوجين في سورة النور في آية: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
1. حفظ الفرج من النظر: إن النور الإلهي لا يأتي جُزافاً، وأولُ خطوةٍ في جلب هذا النور، أن يتحكم الإنسان في شهوتهِ، وفي غضبه.. يقول تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ..}، {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}.. والله العالم كأن هذهِ الآية ناظرة لعصرنا هذا، فظاهر الآية هو: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}؛ أي عن الزنا.. فإذن، إن هناكَ زنا النظر، وهناكَ زنا الفرج، ولكن ورد في الرواية عن الصادق (عليه السلام): (أن كل آية في القرآن في حفظ الفروج فهي من الزنا، إلا هذه الآية فهي من النظر).. أي لا تجعل هذهِ العُورة تُرى من قبل الغير!.. وهذا هو الذي وقع في هذا العصر، فالمُشكلة كُلُها في زنا النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه، وإنما سميت العورة بهذا الاسم؛ لأنَ الإنسان يستحي من إبدائها.. انظروا اليوم المدنية الجديدة ماذا عملت في هذا المجال: ما ينبغي أن يُستر، أصبحَ مادةً للإعلامِ والفسادِ وغيرهِ!.. سُبحان الله كأنَ هذهِ الآية ناظرة لهذهِ الأيام، وإلى ما وصلت إليهِ الفضائيات، وعالم الاتصال في هذا المجال.
2. الحجاب الشرعي: يقول تعالى أيضاً في سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}؛ الخُمُر: جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، وينسدل على صدرها.. والجيوب: جمع جيب، والمراد بالجيوب الصدور، والمعنى: وليلقين بأطراف مقانعهن على صدورهن، ليسترنها بها.. أي هذا الحجاب ليكن فضفاضاً، ساتراً للرأسِ والصدرِ معاً.. هذهِ الأيام هناك تلاعب في الحجاب، المرأة التي تريد أن تلبس الحجاب، إن كانَ إرضاءً لله -عز وجل- فلتراعي المواصفات الشرعية للحجاب!.. بعض النساء تتحايل على الدين: تغطي شعرها بما هو زينة، وتغطي بدنها بما يلفت النظر.. إن كان المُراد هو التستر، فلماذا هذا التلاعب؟.. إن كانَ الحجاب عن رغبة وعن ميل، فلماذا هذهِ الحركات الشيطانية في لبس الحجاب؟.. هذا الحجاب القهري والاجتماعي، يتلاشى مع أول فرصة من فُرص الفرار.. حيث هناك نساء لا يبدينَ وجوههن؛ خوفاً من المجتمع والعُرف، وعندما يذهبن إلى بلاد الغرب، يتركن كُلَّ الحدود وهن في الطائرة وقبل أن تُغادر البلدَ.. هذا هو الحجاب الإجباري القهري، الذي يكون بسبب العُرف والتقاليد، وهو لا قيمةَ له.. على المرأة أن تعلم أنَ اللهَ -عزَ وجل- خَلقَ هذا الجمال بالدرجة الأولى للزوج فقط!.. مع الأسف هذهِ الأيام الرجال الفسقة، يشتكون من زوجاتهم الفاسقات: أنها في البيت لا يُطاق النظر إليها، ولكن عندما تخرج وإذا بها ملكة جمال العالم.. الزوج هو المحروم، والكُل هو المستمتع، هكذا وصلت الأمور!..
إن السافرات لعلَ لهنَ أعمالاً صالحة، ولكن السافرة بلسان حالها لا بلسان مقالها، كأنها تقول: يا رجال العالم، تعطفوا عليَّ بنظرتكم الشهوية؛ فأنا محتاجة لهذهِ النظرات، وكأنها فقيرة إلى شهوة الرجال!.. يصل الأمر بالمرأة أن تستعطف الرجال، كي ينظروا إليها بشهوةٍ وريبة!.. بعض الرجال يخرجون مع زوجاتهم بوضعٍ مُريب ومثير، ويفرحون عندما ينظر الرجال إليهن.. هذا الرجل مُلحقٌ بالبهائمِ، هناكَ قُصص تُنقل أن الحيوانات لها غيرة على أنثاها، يستميت في الدفاع عنها، لكن بعض الناس كما يقول القُرآن الكريم: {إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا}.
3. إخفاء الزينة: ويقول تعالى أيضاً: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ}.. أي إصدار أصوات الزينة: كالخلخال، والعقد، والقرط، والسوار.. فيما مضى من الأيام كان من المتعارف لبس الخلخال، ولكن -بحمد الله- هذا العرف أصبحَ عُرفاً قديماً مُضحكاً.. ولكن عوّضَ عنهُ بهذهِ الأحذية التي تخرج أصواتاً مُزعجة، تجعل الإنسان يتأذى من صوتها الرتيب.. الإسلام يقول: إياكِ أيتها المرأة أن تقومي بحركة، تصدر أصوات الزينة من الذهب وغيره!.. لأن الرجال عندما يسمعون صوت هذا الذهب، يتأثرون بذلك!.. فرب العالمين جعلَ هذا التجاذب بينَ الزوجين من باب: التناكح، والتناسل، وملء الأرض بالنسل المبارك.
ثانياً: سورة الأحزاب.. في هذه السورة تم توجيه الكلام لزوجات النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حيث يقول تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا}.
1. عدم الخضوع بالقول: يقول تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}.. كأصوات المُذيعات في القنوات الفضائية هذهِ الأيام.. ليست كُل الناس مرضى، ولكنّ هناك أناساً مرضى.. ولهذا بعض السافرات المتهتكات في حجابهن قد تقول: أنا لم أرتكب حراماً في حياتي قط، أنا أمشي مشية مُستقيمة، ما لي وللرجال، هُم تأثروا بي!.. ولكنْ هل هذا الجواب مُقنع يومَ القيامة؟.. عندما يؤتى بالفتاة التي تدّعي أنها لم ترتكب الحرام أبداً، ويقال لها: هؤلاء هُم ضحاياك!.. عشرات الشباب في الجامعة وغيرها، نظروا إليها، وتأثروا بها.. هي لم تمكنهم من الحرام؛ ولكن هذا الشاب ذهبَ ليفرغَ حرامهُ في مكانٍ آخر.. فإذن هي السبب!.. يومَ القيامة تتفاجأ، ليسَ فقط بعشرات الضحايا، بل بآلاف الضحايا؛ لأن العشرات جروا العشرات، وهكذا!.. فهي بحجابها، وبقولها، وبفعلها، كانت سبباً في انحراف الآلاف.. يومَ القيامة ما هو حساب أصحاب الفساد المُنظم؟.. مثلاً: الذي يؤسس فضائية، أو موقعاً لترويج الفساد، ثم يموت.. وهو في القبر وهذهِ الفضائية تعمل ليلاً ونهاراً؛ هذا من أشد الناس خزياً!.. هناك صدقةٌ جارية، وهناك أيضاً خزي جار: أنشأَ صحيفة، أو مُجلة، أو فضائية، أو موقعاً، ذَهبَ إلى جهنم وبئسَ المصير!.. وإلى عشرات السنين والوزرُ والنارُ والعذاب، ينزلُ في قبره؛ ما هذا العقل؟.. من يريد أن يُتاجر، هُنالكَ السوق بوسعهِ، لماذا يُتاجر بالحرام؟..
2. قول المعروف:يقول تعالى في سورة الأحزاب: {وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا}.. نساء النبي منهُنَ أُم سلمى وغيرها من كبار السن، ولكن الخطاب لنساء النبي عموماً: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ}.. قد يقول قائل: وما لنا ولنساء النبي، هذا خطاب لنساء النبي؟.. إن المرأة التي يكون زوجها مُتميزاً في إيمانه، أو صاحب مسجد، أو حسينية؛ فهي ليست كباقي النساء، لأن الحُجة عليها أتم!.. كذلك الإنسان الذي يكون في بلاد المُسلمين، هل يُحاسب كمن يعيش في بلاد الغرب؟.. مثلاً: فتاة ضائعة في بلاد الغرب، من أبوين فاسقين؛ هل حسابها يكون كحساب فتاة من أبوين مؤمنين، يُتلى في بيتها آيات الله -عز وجل- صباحاً ومساءً؟!.. {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء}.
فإذن، هذا درس عملي، ينطبق أيضاً على الرجال: فالشاب الذي تربى في بيت إيماني، والشاب المنتسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله-، والسادة المحترمون؛ هؤلاء تقريباً في حُكم نساء النبي؛ وهذا من موجبات مضاعفة الوزر عليهم.
3. التحدث من خلف حجاب:يقول تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}.. وسؤالهن متاعاً؛ كناية عن تكليمهن لحاجة، أي إذا مست الحاجة إلى تكليمكم أزواج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فكلموهن من وراء حجاب.. فبنت شُعيب عندما ذهبت إلى موسى -عليه السلام- جاءت تمشي على استحياء، {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء}.. وموسى الكليم -عليه السلام- عندما أرادَ أن يلبي دعوة شعيب -عليه السلام- أمر الفتاة أن تمشي خلفه؛ لئلا ينظر إلى بدنها.
من خلال الروايات:
بعض الأوقات يخاف الإنسان من زوجته، ولا يخاف من الله عزَ وجل.. مثلاً: هناك رجل يمشي مع زوجته في الشارع، إذا كان أمامهُ منظر محرم، فإنه ينظر إلى جِهةٍ، وهو من ناحيةِ ينظر إلى ما يُريد؛ خوفاً من عيونها، وهذا ما يُسمى بـ{خَائِنَةَ الأَعْيُنِ}.. الخائنة: مصدر كالخيانة، نظيرة الكاذبة واللاغية؛ بمعنى الكذب واللغو.. وليس المراد بخائنة الأعين: كل معصية من معاصيها، بل المعاصي التي لا تظهر للغير: كسارقة النظر.. يقول الإمام الصادق (ع): (ألم تر الرجل ينظر إلى الشيء، وكأنه لا ينظر إليه).. وهذا يتفق في بعض مقاهي الانترنت، الإنسان يخافُ من الغير، فينظر وكأنهُ مشغولٌ بأمرٍ آخر، فإذا جاءَ شخص، قلبَ الموقع إلى موقع آخر.. أي يخافُ من الناس، ولا يخافُ من الرقيب، الذي هو على كُلِ شيءٍ شهيد!..
أولاً: إن المؤمن الملتزم متحكمٌ في نظره، وهذا الحديث القُدسي، يبعث الاطمئنان في القلوب: (النظرة سهم من سهام إبليس، فمن تركها من مخافتي؛ أبدلته بها إيماناً يجد حلاوته في قلبه).. غض البصر لا من مخافة القانون، ولا من مخافة الزوجةِ والناس.. شتانَ بين إنسان ينظر إلى منظرٍ مُحرم وينتهي، ويقوم وهو يضربُ على رأسه، ويبكي -دموع التماسيح-، وفي ليلةٍ أخرى يعود إلى ما كان عليه.. وبينَ إنسان ينظرُ إلى الحرام، ويقول: اللهمَ!.. إني أخافك!.. وشتان بينَ حلاوة في القلب، وبينَ متعة صور الكترونية في التلفاز!..
ثانياً: إن العزاب عليهم بتوصية أمير المؤمنين -عليهِ السلام-.. وهذا ينطبق على النساء والفتيات أيضاً، يقول (ع): (إذا رأى أحدكم امرأةً تعجبه فليأت أهله، فإنّ عند أهله مثل ما رأى، ولا يجعلن للشيطان إلى قلبه سبيلا، وليصرف بصره عنها.. فإن لم تكن له زوجةٌ، فليصلّ ركعتين، ويحمد الله كثيراً، ويصلّي على النبي وآله، ثم ليسأل الله من فضله؛ فإنه يبيح له برأفته ما يغنيه).. هنا من الممكن أن يُعطى ذلك الإنسان إيماناً، يجعله يزهد في النساء قبلَ الزواج؛ وهذه نعمة!.. فرب العالمين لهُ أساليبهُ في ذلك.
ثالثاً: هذهِ رواية فيها زخم معرفي وعرفاني، ما شئتَ فعبر!.. وهي للخواصِ أيضاً، يقول الإمام الصادق -عليهِ السلام-: (ما اعتصم أحد بمثل ما اعتصم بغض البصر، فإن البصر لا يغض عن محارم الله؛ إلا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال).. أي الذي يغض الطرفَ عن جمالٍ بشريٍّ يزول، الله -عزَ وجل- يُريه الجمال الإلهي؛ فأينَ جمالَ الله، وأينَ جمالُ الفانيات؟!.. هذا الجمال الذي نراهُ في الطبيعة، وجمال النساء؛ ما هو إلا رشحة من رشحاتِ صنعه تعالى!..
من خلال الفتوى:
أولاً: هذهِ الأيام يكثر السؤال: ما حكم المحادثة من خلال الشبكة العنكبوتية؟.. ونعمَ الاسم!.. حيث أن العنكبوت يصطاد فريسته من خلال هذه الشبكة، وكذلك بالنسبة إلى الانترنت؛ حيث قلَّ من يستفيد استفادة إيجابية!.. والإجابة على هذا السؤال من خلال فقيهٍ من فقهاءِ أهل البيت (ع): "لا يجوز، لما فيه من خوف الوقوع في الحرام، ولو بالانجرار إليه شيئاً فشيئاً".. والفقهاء هم وكلاءُ الإمام (عج) في زماننا.. فقد تكون هذه المحادثة في منتدى إسلامي، أو فقهي، أو أخلاقي؛ بذريعة التواصل بالأمور الدينية، ولكن الأمرِ ينتهي بالفاحشة!..
ثانياً: يُسأل الفقيه: هل يجوز أن تجلس امرأة بجانبِ أخِ الزوج، لتوصيلها إلى مكانٍ ما؟.. يقول الفقيه: "لا يجوز معَ عدم الأمنِ منَ الحرام".. وهذهِ الأيام -مع الأسف- أختُ الزوجة في حكم الزوجة، وأخ الزوج في حكم الزوج.. وبالتالي، يكون هناك حديث مسترسل، والجلوس معاً على مائدة الطعام، والسفر معاً.. أخ الزوج أجنبي كأي أجنبي في الشارع!.. بل مع وجود الصلة؛ فإن الخوف أكثر!.. لأنَ الأجنبي لا يمكنهُ الدخول إلى بيت غريب عنه، أما أخ الزوج بإمكانهِ أن يدخل حتى في غياب الزوج.. وبعضُ النساء تستقبل أخ الزوج في خلوة مُريبة!.. الأجنبيُ أجنبي، والأجنبيةُ أجنبية!.. البعض يقول: هذهِ أخت زوجتي، ولا يجوز أن أتزوجَ منها!.. ولكنْ هل هذا مُجوز؛ لأن يتحدث معها في استرسال؛ هذهِ أجنبية كباقي الأجنبيات؟!.. لذا يجب الحذر من الأجنبي والأجنبية منَ الأقارب؛ لأنَ أرضية التواصل موجودة: فبنت العم، وبنتُ الخال، وبنتُ الخالة؛ هذهِ مواطن ألغام -كما يُقال-.. أيها الشاب!.. إياكَ وإياك أن تنظر إليها بعين الرحمية؛ فإن النظر بعين الرحمية مُقدمة للتعامل الشيطاني.. وقد سمعنا كثيراً بالتجاوزات بينَ الأرحام: بينَ الأخِ والأخت، وبينَ العمِ وابنة الأخ.. يا لها من كارثة، وقد وصلوا إلى ذلك؛ لأنهم لم يُراعوا هذهِ الحدود. الخلاصة: 1- أن عفةَ فاطمة – صلوات الله عليها- أمرٌ مشهورٌ في تاريخ البشرية، فهي سيدة النساء، وصفاتها سيدةُ الصفات.
2- أن المد التكنولوجي هذهِ الأيام، جاء بكُلِ خيرٍ وشر، وكانت الأسرة المتماسكة هي الضحية الأولى لما نحن فيه.
3- أن الإدمان والإكثار من قراءة سورة النور، من أقل آثارها أن تعطي الإنسان نوراً في الباطن.
4- إن النور الإلهي لا يأتي جُزافاً، وأولُ خطوةٍ في جلب هذا النور، أن يتحكم الإنسان في شهوتهِ، وفي غضبه.
5- أن مُشكلتنا في هذا العصر كُلُها في زنا النظر، بمد البصر إلى ما لا يجوز النظر إليه، والمدنية الجديدة عملت على إبداء العورات وجعله مادةً للإعلامِ والفسادِ وغيرهِ!.
6- أن حجاب المرأة إن كانَ إرضاءً لله -عز وجل-فعليها أن تراعي فيه المواصفات الشرعية للحجاب الظاهرية : بكونه ساترا فضفاضا غير ملفت للنظر، والسلوكية: كعدم الخضوع بالقول، وقول المعروف.
7- أن الذي يغض الطرفَ عن جمالٍ بشريٍّ يزول، الله -عزَ وجل- يُريه الجمال الإلهي الذي لا يزول.
8-أنه ينبغي الالتفات إلى الحكم في المحادثة من خلال الشبكة العنكبوتية كما يوضحه فقهاءِ أهل البيت (ع) وهو:"لا يجوز، لما فيه من خوف الوقوع في الحرام، ولو بالانجرار إليه شيئاً فشيئاً" .