|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 6731
|
الإنتساب : Jul 2007
|
المشاركات : 51
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
في إحدى اليالي
بتاريخ : 31-07-2007 الساعة : 04:23 PM
في إحدى الليالي .. وبعد فراغي من كتابة واجباتـي و ترتيب كراساتـي .. أويت إلى فراشي ..
وقبل أن يطرق الكرى الأجفان .. أخذت أقلّب الأفكار .. واستعرض الخواطر فيما قد جرى وصار ..
عندها بدأت مخيلتي تسبح في أغوار الماضي مقتبسةً منه أروع الصور ، وأجمل الذكريات ..
استوقفتني إحداها .. ولعلها كانت من أكثر الصور في ذهني رسوخاً .. وأشدها ثباتاً !!
قبل بضع عشرة سنة .. وتحديداً عندما بلغت السابعة ..
أمسكتِ يا أمي الحبيبة بيدي الصغيرة .. تسابقين الخطى .. يسألك الرائح والغادي .. أين يا أم الأشبال ؟!!
تردين بكلّ فخرٍ وَ اعتزاز : سألحق ابني بمدارس تحفيظ القرآن ..
الجميع باستنكار : مالكِ ولهذه المدارس يا أم الأشبال ؟!!..
فحصص القرآن فيها كثيرة.. ومناهجها كثيفة.. ارفقـي بالبني فهو مازال صغيرا..
كنت تردين بكلّ عزة وإباء .. وصمود وكبرياء : [ على قدر أهل العزم تأتي العزائم ]
أماه .. كنتِ بالفعل جبارة .. قاومتِ المجتمع والأقارب وأهل الحارة ..
لم يثنيكِ عن عزيمتكِ تثبيط مثبط .. ولا تخذيل متخاذل ..
تهافتت الذكريات ..
دلفت بوابة المدرسة متأبط حقيبتي.. كنتِ برفقتي تشدين أزري ، وتقيلين عثـرتي..
رمقتني بنظرات كلها حنانٌ وعطف .. ربـتِّ على كتفي بلطف ..
وعدتني بالبقاء .. وأن لا تتركيني وحيدة ...
أدخلتني غرفة الصف، وجلست خارجه .. عيناكِ كانتا تراقبانـي.. وكفاكِ كانتا تدعـوان لي ..
مرّت الأيام والسنين ..
كانت سعادتكِ بـي غامرة.. وفرحتكِ بـي بالغة ..
كلما طرق مسمعي حديث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم أن حامل القرآن يُـوضع على رأسه يوم القيامة تاج الوقار ، ويكسي والديه حلتيـن لا يقوم لهما أهل الدنيا .. فيقولان : بم كسينا ؟!! .. فيقال: بأخذ ولدكما القرآن..
تخيّلت ذاك المشهد .. وسألت الله أن يبلغني إياه..
إنه العز الحقيقي والراحة السرمدية التي تذوب فيها جميع المصاعب، وتتكسر أمامها كلّ التحديات..
أمي الحبيبة.. عندما أردتِ أن أكون متميز.. أردتِ أن تصنعي مني فتى صالح، وداعي ناجح، ومربي فاضل..
عندما أردتِ أن أكون متميز.. اخترتِ لي العيش في ظلال القرآن حيث الأمان والاطمئنان..
أردت أن تحافظي علي كما يُحافظ على الدرّ والياقوت والمرجان..
لكن بقي في ذهني سؤال.. سؤال صال في خاطري وجال..
بعد مضيّ هذه السنوات الطوال .. هل أنا حقاً حفظت القرآن ؟!!
أكان حفظي للقرآن يعني فقط تـجويدي لحروفه، و ضبطي لمخارجه ؟!! ..
أكان حفظي للقرآن يعني فقط ترديدي لآياته، وإتقانـي لحركاته وسكـتاته ؟!! ..
أم هناك للحفظ معناً آخر.. أعمّ وأشـمل !!! ..
كما طرحت هذا السؤال ..فأنا من سيتولى الإجابة..
إن حفظي للقرآن يعني لي الكثير.. الكثير..
يعني لي الحفظ بكافة صوره.. فأجوّد حروفه ، وأقف عند حدوده.. أردد آياته، وأعمل بأحكامه ..
أن أُعرف به بين الناس عِلماً وعملاً وسلوكاً .. مـظهراً ومـخبراً ..
يؤسفني كثيراً .. عندما أعقد بعض المقارنات بيني وبين بعض الأقران ..ممن لم ينفقن أعمارهم في حفظ سورة من القرآن .. بل قد لا يقرأنه إلا في رمضان .. فأجد الفروق بيننا ليست بالكبيرة !!..
فالاهتمامات متشابهة .. والطموحات متقاربة .. حتى الشكل واحد .. لا فرق يُـذْكر !! ..
أين بصمات كتاب الله على سلوكي ومظهري ؟!! .. لقد قضيت في حفظي لكتاب الله عُـمُراً .. فأين التحصيل ؟!!
أين الثمرة التي تعاهدتها بالسقاية والرعاية يا أمي ؟!! ..
أمـي الحبيبة :
عندما أدخلتني المدرسة قاومتِ كلام الكثيرات.. استسهلتِ الصعب في سبيل التحاق ابنكِ بركب الحافظين..
هيئتِ لي السبل كي احفظ كتاب الله فأرجوكِ ثم أرجوكِ واصلي معي المسير ..
إن دورك يا أماه لا ينتهي عند بوابة المدرسة .. أو عند انخراطي مع الطلاب في الصف .. لا يا أمي ..
إن متابعتك إياي وخاصّة فيما يتعلق بسلوكياتـي أمر في غاية الأهمية فأنتِ أقرب الناس إليّ ..
قد تشغلك مهام الحياة ومتطلباتها عني .. ولكن تذكري دائماً أنكِ برعايتك إياي لا تبنِيـنَ فرداً بل تصنعينَ أمّـــة ..
قد ينتابني ما ينتاب بنين جنسي من لحظات العناد .. و تقلبات المراهقين فتعاملكي معي بحكمة ..
حذريني من الانسياق خلف رغباتـي التي لا حدود لها..فلا تغضّي الطرف عنها، ولا تنساقي خلفها ..
بل اعرضيها معي على الشرع.. على الشرع يا أمي..
اصنعي داخلي ميزاناً حساساً أميّز به الغث من السمين .. أذكي في داخلي روح العزة والكرامة ..
ذكّريني بمن أكون .. ذكريني أنني ابن علي..
اشعلي في داخلي الحماس والرغبة في طلب العلم ..
ذكريني دائماً بما يجب عليّ تجاه ديني ومجتمعي وبالأخصّ بنين جنسي..
فأنا الآن في مقام المسئولية.. فأنا ابن القرآن..
واعلمي يا أماه أن تاج الوقار الذي طالما تـمنيتُه ثقيل الميزان .. لن تناله إلا من اتسمت بالوقار وكان خُلُقها القرآن ..
التميز مطلب عظيم .. تتمناه كلّ أم لابنها .. ولا أشك لحظة يا أماه أنك تطلبينه لي ..
فاجعليه تميزاً في الـحياة وفي الممات !! .. في الدنيا والآخرة !! ..
ودائماً اسألي الله لي الثبات.. وألّحي عليه بالدعاء أن يجعلني ممن يَصدق قوله فعله.. أنه سميعٌ مجيب الدعوات..
|
|
|
|
|