الجزء الأول
ظَلامٌ دَامْسٌ جَالَ سَماءْ تلكَ المدِيِنةِ السَاحْرة ، تَلألأتْ النُجومُ في سُكونٍ وهِدوءٍ
عجَـتْ بِتـَرانيِمٍ تَتـَراقْصُ في أَبحـرِ سَمائهـاَ .. فَامتَزجتْ بِرَوائحِ الزُهورِ والوُردِ أخَاذة
.!.
بينمـا الساعاتُ تمضي في هدوءٍ وسكونٍ فتح وليد عيناه بثـقل
فإذا بِقيثارةٍ ساحرة تصـدر من نــافدةِ غرفته المفتوحة..!
دخــلت بجعبتها التي كانت تحملُ أصوات..!
أصواتٌ كـانت تهلل وتكبـر بحـلولِ وقتِ صلاة الفجـر
عـلتْ بسمةً في وجهِ وليد قائلاً: لبِيِـكَ ربـَاهُ لبيِِــكْ
هـا أنـا قـآئمٌ لأهيـمَ فيِ يَنـابِيعِ عشقكَ
هـا أنـا قــــآئـــــمٌ لأتلــذذُ بأمنـــكَ
هـا أنـا قـآئمٌ للصلاةِ وراحتيِ وحبـي
ثمَّ نهضَ وتـوضأ ليصلـي
فـرشَ مُصلاته والبهجةُ تمـلأُ قلبه
كَبَـرَ بِلِسََانٍ يَحْملُ كُلَ المَعَانْيِ الخَاشِعة
بِصَــوتٍ يَحمـلُ حُروفــاً إلهـيـِـهَ بــاسلـــة
تَسلــلتْ دُمــوُعــهُ خُشوعـــاً وخشيـــه
هــامَ فـــي مَــلــذاتِ عِشــقْــهِ للعِبادة
أنهـىَ صَلاتهُ التـيِ زَادتهُ إيِمانً وراحــة
رَفــعَ أنَامــلهُ الصَغْيــرةْ لدُعـــاءِ يبتغـي
مـــنْ اللهِ عـزَ وجــلَ تــَوفــــيـــقً
فنَــاجـىَ اللهُ بقلبٍ خـــاشــــعٍ
فــامتلأتْ روحهُ الصغيــرةَ بأنوارً
زيــــنــتْ قــلبــــهُ بالإيمـــانِ
أردفَ براحةٍ وطمأنينة: أديتُ واجبي والحمدُ لله ، نحن الآن في عامٍ جديد وهـذا أول يــوم في الفصـل الدراسي .. يجب أن أيقظ الجميع لأذهب مبكراً للمدرسة
ثمَّ خرج من غرفته التـي تعجُ بروحانيةِ الإيمان ، أخذتهُ خطواته لغرفة والدهِ حيـدر ، طـرق الباب .. ثمَّ فتحه
فـَـــتــــحـْــتُ البـَــــابَ لأرى
صَوتٌ تتـَراقصْ عليهِ أنغامُ العبادة
صـوتٌ عذبـاً يـُرتلُ القــرآنَ تـرتيـلا
صوتٌ لِجَمالهِ تبسمتْ الجدرانُ الهائمة
صوتٌ ليسَ غريبً عنْ مسامعي
إنهُ صوتُ الحَـنانْ .. الأمان
إنهُ صــوتُ تغــاريدْ الـــروح
إنهُ صـــوتُ نبضـاتْ القلب
إنهُ صــوتُ والــديِ حيــدر
نَـاظرني بـابتســامةٍ تعلوُ شفتيه
فأكملَ بِشذى صوتهِ ترتيـل كتابْ الله
جلستُ علىَ فراشهِ الناعم أراقبه
وأتمعنْ الاستماعْ لصــدىَ صوتهُ العذب
إنه صـــــوت أبــــي
"كـم أنـا فخـوراً بكَ يــا أبــى"
لك صـوت يسحـر كـل من يسمعه
صوتٌ يقشعـرْ لهُ البدن
صــوتٌ كَعــزفِ الأوتـــار
صوتٌ كنَسـيمِ الـــربيـع
صـــوتٌ كـرونقِ الأمــــل
صـــوتٌ يـردُ روحَ الإيمان
أنتهـى من قـراءةِ القــرآن .. قبـَّل المصحف الشـريف ثمَّ وضعهُ على الطـاولة
تَبسمتُ في وجهي أبني .. فقلت: تعـال بُني لحجر أبيك لقد أصبح جـاهزاً لاستقبالك
ابتسمتُ لدى سماعي لكـلمـاتِ أبي فأقبلت نحوه وأرتميتُ بين أحضانهِ الدافئة
أحضـــانٌ
تـَـزرعُ نفحاتْ الحــنـان
تــروي عَطشتَ الظمـآن
تــرممُ قــــلبَ الحيــــــران
تَسحـرُ يــاقوتَ الـأمـــــان
تـذبـــذبُ الألوان الأشجـان
حـيدر -يضم وليد- : بُني هـل أديتَ صلاتكـ..؟
وليد: أجـل أبى
حيدر: باركـ اللهُ فيك .. تقبل اللهُ منا ومنك
وليد: ومنكَ أبـى
حيدر: أراك من الآن ترتدي ملابس المدرسة..!
وليد -واقفٌ- : أجل كـي تأخذني الآن
حيدر -متبسمٌ- : تريث صغيري مازالا الوقتُ مبكراً .. السـاعةُ الآن الخـامسة .. بقيه ساعة ليفتح الحـارس بوابة المدرسة
وليد: أعلم ، ولكني متشوقٌ كثيراً لروية أصدقائي والأساتذة
حيـدر: مـا زلت ترى أصدقائك يا بُني..!
وليد: هذا صحيح .. ولكن المدرسين هل أراهم..!
حـيدر -بضحكه مثيرة- : هههه ، لا بأس صغيري ، سأذهب الآن لأيقظ عمك فـادي
وليد: أبى لا تتعب نفسك أنا سأذهب لأيقظه أنتَ أبقى لتبدل ملابسك وسأكون بانتظاركَ في الصالة ، حسناً..؟
حيدر: حسناً يا قرة عيني
أنـا قرةُ عينيّ أبي.. أنـا..!
كـم أسعدتني هذهـِ الكلمتان
بعثت في قلبي سعـادة كبيره..!
قـبّل والدهُ في جبينه .. سـارتْ خطـواتهُ لغرفة عمهِ فـادي ، طـرق البـاب ودخـل
دخـلتُ تلكَ الغرفة التي تـزينتْ بأنــوارِ الإيمـــان
كانَ عمي رافعاً يداهُ للدعـاء
كـانَ يناجــي اللهَ والإيمـانُ يشع من وجهه
يشعُ كفلقة القمرِ المضيــئة
والدموع تذرف منْ عينيهِ خشيةٍ من الباري
يا لكَ من عمٍ يـا عمي
دائماً تبهجُ قلبي
دائماً تُنيرُ دربي
"أنَّـي فخوراً بكَ يـا عم"
انتهى من مناجاةِ ربه وقبـّل تلكَ التربةُ الحسينية ووضعها في مكانها
وليد -متبسماً- :"اللهُمَّ صَلِ عَلىَ محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ"
فادي -نظر لوليد متبسماً أيضاً- : "اللهُمَّ صَلِ عَلىَ محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ" ، منذُ متى وأنت هنا..؟
وليد: تقبل اللهُ منا ومنك يـا عم ، منذُ قليل .. طرقتُ الباب ودخلت
فادي: منا ومنك وليد ، لم أنتبه
وليد: عمي فالتبدل ملابسك حتى يأخذنــا والدي للمدرسة
فادي -ينظر للساعة- : وليد مـازالَ الوقتُ مبكراً .. سأنام قليلاً
ثمَّ استلقى على فـراشة..!!
وليد: أرجوكَ عمي انهض ، أريدُ الذهاب مبكراً
فادي: وليد أنَّي متعب من تدريباتِ البارحة فـلم أنم إلا في وقت متأخرً
وليد: فقط هذا اليوم .. فلتنهض
فادي - متثائباً- : بـعـ .. بعـد قليل
وليد - بخيبة أمـل- : لا عمــي
وليد - في نفسه- : مـا العـمل الآن..؟!
خـرجَ من غرفةِ عمه والخيبة تملئ قلبه .. نزل السلالمْ متجهاً للمطبخ ولكن لم يرىَ جدته .. ذهب للغرفة الجـلوس لم يجد جده أيضاً..!! .. خـجلَ من الذهابِ لإيقاظهما فوقفَ أمام السـلم..!
صـرختُ صرخةً وأنـا مغمضُ العينين
تـوقفتُ لدىَ سماعي لخطـواتٍ تقترب مني
فتحتُ مقلتايّ فإذا بالجميـع أمامي
..!..
أَوَّلُهُمْ تَـاْجُ رَأْسِيْ
نَبــْـــعُ قَلْبـِــيْ
هَمـْـسُ رُوْحِيْ
جَـوْهـَرَةُ عُمـْرِيْ
أَبــِــيْ
..!..
ضمَ حيـدر وليد بكـلتىَ يديه
حيـدر –بقلبٍ خائف ونبرات ترتعد- : مـآبكـ بُني..؟ ،، ماذا حدث..؟
وليد -محمر الوجنتين- : لا شيء أبى
فـادي -متعجباً- : إذاً لـمَ كنت تصرخ..؟
وليد -خجـلاً- : لأنّي أردتُ إيقاظكم
فادي - منزعج- : وهكذا تيقظنا..؟
حيـدر -صارماً- : هـل هذهِ تصرفات العلماء..؟
وليد -بنبض الحزن- : لا .. لا أبى ، أنا أعتذر ولن أكررها
فادي: هذا وأنت تدرس وتتعلم..! ، تفعـل هكذا..!!
حـسن: لا توبخا حفيدي فهـو لم يقصد ، تعال بُني .. تعال لجدك
اقتـربتُ من قلبِ جدي
ضمني ضمةَ العــطوف
شعـرتُ بأمانٍ وحنانٍ
تسللتْ دموعي
لأنني أخطأت
نعم أخطأت
لم يكن يجب عليّ أن أتصرف هكذا
فهذهِ الدعابة كانتْ سخيفة
ليستْ من تصرفاتِ العلماء
ولـيد -يمسح دمعهُ بيدهِ الصغيرة- : أعتذر إن كنتُ أخفتكم فأنا لم أقصد ذلك ولن أكررها مرةٌ أخرى .. لقد كانت دعابةً سخيفة
زينب: لا بأس بُني لسنا غاضبين منك والمهم أنك اعترفت بخطئك وأتمنى أن لا تقع فيهِ مُجدداً .. بُني حيدر وأنت فادي حاولا أن تسرعا قليلاً فهذا اليوم الأول من الفصل الدراسي وأنتما تعرفان جيداً بأن وليد يحب الذهاب مبكراً في مثل هذا اليـوم
حسن: نعـم هذا صحيح ، لا تبكـي بُني
وليد -علتهُ الابتسامة- : شكراً جدي ، شكراً جدتي
فادي: حسناً ، سأبدل ملابسي ، عن أذنكم
زينب: أذنك معك بُني
ذهبت زينب لتعد الفطـور
يتبـع..