|
شيعي محمدي
|
رقم العضوية : 30624
|
الإنتساب : Feb 2009
|
المشاركات : 3,716
|
بمعدل : 0.65 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
تشرين ربيعة
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
بتاريخ : 31-07-2009 الساعة : 02:35 PM
مشروع : نظام الإدارة الثلاثية لمحافظة كركوك
في عام 2005 طرحنا نظام الإدارة الثلاثية على طالة البحث في مقالاتنا السابقة تحت عنوان (نموذج بروكسل) باعتباره الحل الامثل لمشكلة كركوك، وعقدنا عدة ندوات حوله، ولكنه لم يلقى آذانا صاغية في حينه في خضم الأفكار والمشاريع كانت مطروحة بحثأ عن حل يرضي جميع الاطراف على قاعدة التوافق المبني على نظام المحاصصة الطائفية والعرقية.
من بين تلك الحلول ما كان يسبغ وضعاً خاصاً لمحافظة كركوك والعاصمة بغداد. وقد تم صياغته في قانون الذي اصدره مجلس الحكم المؤقت في عهد بريمر، في المادة 58 ببنودها الاربعة، التي اعطت لمحافظة كركوك والعاصمة بغداد وضعاً خاصاً، غير أن الدستور العراقي عام 2005 رحل المادة المذكورة بعد حذف ثلاث فقرات منها الى المادة 140 وحدد لتطبيقها مدة زمنية انتهت في نهاية عام 2007.
لم تنجز اللجان التي تولت تطبيق المادة المذكورة، اعمالها خلال المحددة لها، ولكن الطرف الكردي ظل مصراً على تطبيقها رغم معارضة الكتل والكيانات العراقية عليها، ورغم صدور قانون الانتخابات المحلية الذي نص في المادة 23 منه على تقاسم السلطة في المحافظة بنسب متساوية (32%) لكل من الكتلة العربية والكردية والتركمانية و4% لكلدواشوريين، وان التمسك الطرف الكردي واصراره على وجوب تطبيق المادة 140 التي ادخلت في الدستور العراقي مما يؤكد على انها صيغت لتؤمن مصالح الطرف الكردي، تُقربه من هدفه النهائي المعلن وربما غير المعلن ايضا.
بدخول المادة 140 الى الطريق المسدود وتحولها الى مادة ميتة لانتهاء السقف الزمني المنصوص عليه في الدستور، ظهرتْ أفكارا وآراء وصيغ حلول اخرى في صورة مشاريع او مقترحات طرحها بعض الاشخاص او الجهات السياسية العراقية وغير العراقية، بديلاً عن المادة المذكورة، منها مشروع إقامة إقليم مستقل لمحافظة كركوك أو إقامة فيدرالية ثلاثية او رباعية تضم في ثناياها محافظة كركوك، وقد تولدتْ منها صياغة المادة 23 في قانون الانتخابات المحلية، صاغها مجموعة من النواب عرفوا بكتلة 22 تموز. تشكلت بموجبها لجنة تقصي الحقائق، ما برحت تعمل لتثبيت التجاوزات على الاملاك العامة والخاصة والتغيير الديموغرافي الذي طرأ على التركيبة السكانية لمدينة كركوك بعد 2003 لأغراض سياسية معروفة للجميع.
جدوى المشاريع والافكار المتداولة لحل مشكلة كركوك
هناك تساؤلات عدة يمكن اثارتها حول جدوى المشاريع أو الحلول المطروحة لانهاء المشكلة والصراع المحتدم، منذ عقود طويلة، حول هوية المحافظة وعائديتها او ارتباطها الاداري بالمركز، كما يطالب به الكتلتين التركمانية والعربية في مجلس المحافظة يدعمها الكتل السياسية العربية والتركمانية في عموم العراق، او بالاقليم الكردي حسب مطلب الكتلة الكردية ومن ورائها التحالف الكردي.
بإلقاء نظرة فاحصة على صيغ الحلول والمقترحات المطروحة، نجد انها تتضمن صيغاً مقبولة بمجملها او في معظم جوانبها ولكن لطرف معين دون الاطراف الاخرى. لذلك لم تسفر أياً منها الى نتيجة مرضية للجميع، هذا من جهة، وهناك اسباب وصعوبات تزيد من شدة تعقيدات الاوضاع التي اصبحت شائكة، تعترض طريق الحل والتوصل الى الاتفاق بين الاطراف على صيغة حل معين، ومن تلك الاسباب والصعوبات ما يلي:
اولاً- ملابسات الصراع الناجمة عن المخاوف من خلفية الأطماع السياسية والاقتصادية للاستحواذ على المحافظة لوجود ثروة نفطية هائلة فيها ولأهمية موقعها الجيوستراتيجي الذي يشكل عقدة المواصلات تربط المحافظات الشمالية ومنها الى اوربا ودول اواسط آسيا عبر تركيا وايران.
ثانياً- فقدان الثقة بسبب الشكوك حول نوايا الطرف الكردي لمسقبل المحافظة، بما له علاقة بوحدة العراق وسلامة اراضيه.
ثالثاً - استخدام اسلوب لوي الاذرع من قبل القوى السياسية الكبيرة للحصول على مكاسب اكثر واستحقاقات اكبر، على حساب القوى الاصغر أو الاضعف، من خلال المشاريع التي تصوغها الكتل المهيمنة على العملية السياسية التي تقدمها عادةً كطبخة جاهزة للكتل الاخرى غير المشاركة في العملية السياسية او وجودها هامشية فيها.
رابعاً- ضخامة التخريبات التي احدثها التغيير الديمغرافي في التركيبة السكانية والمجتمعية في المحافظة بعد عام 2003 وعجز الاليات الموضوعة لإزالة التجاوزات التي اطالت الاملاك العامة والخاصة والتغيير الديمغرافي الهائل الذي حدث بعد ذلك التاريخ.
خامساً - وجود مواد دستورية وقوانين حقوق الإنسان تتقاطع مع الاجراءآت الكفيلة لإزالة التجاوزات والخروقات منها، ( حق السكن والعمل والإقامة) المنصوص عليها في الدستور العراقي وفي العهود الدولية التي تمانع سلب المواطنيين من تلك الحقوق الفردية المعترف بها دستورياً ودولياً.
سادساً - فشل تجربة الديمقراطية التوافقية المتبعة في العراق الجديد لحد التاريخ لحل المشاكل، ولا ادل على ذلك من عجز البرلمان العراقي في اصدار العديد من القوانين الحيوية لالتزامه بصيغة التوافق وفق المحاصصة الطائفية والقومية العقيمة التي لا تنجب حلولاً ترضي الاطراف المتخندقة التي ترحج مصالحها الفئوية الخاصة على المصلحة العراقية العامة. لهذه الاسباب الموضوعية وغيرها، نعتقد أن المشاريع المطروحة كافة، وبضمنها المادة 23 بما فيها تقاسم السلطة، لا تجدي نفعاً لتطبيع الاوضاع وتوفير الأمن والاستقرار ولا تحسم المشاكل المعقدة القائمة التي تفاقمت بتقادم الزمن.
المشاريع المطروحة في ضوء مصالح التركمان الحيوية
بالقاء نظرة فاحصة على الصيغ والحلول المطروحة لتطبيع الاوضاع في محافظة كركوك في ضوء مصالح التركمان الحيوية، نرى انها جميعاً، بما فيها تلك التي يطالب بها بعض الكيانات السياسية التركمانية، كمطلب إنشاء إقليم مستقل يرتبط بالمركز أو إنشاء فيدرالية ثلاثية او رباعية تضم (الموصل، كركوك، ديالى وصلاح الدين ) او تقاصم السلطة بموجب المادة 23 من قانون الانتخابات المحلية المعمول به حالياً الى جانب المادة 140 التي دست في الدستور العراقي في غفلة من الزمن، نراها جميعا لا تصب في صالح التركمان في المدى المتوسط والبعيد. كما لاتحقق الهدف المنشود بالنسبة للشعب التركمان سواءً فيما يخص استعادة مدينة كركوك التي تعتبر مركزاً للالهام القومي والثقافي له، إلى سابق عهدها بحيث تعود مقولة (كركوك مدينة تركمانية وستبقى تركمانية) التي سقطت لتحل محلها مقولة (كركوك مدينة التآخي) أو(كركوك مديبة كردستانية) وللاسف الشديد.
اما فيما يخص تعرض الكيان التركماني المتناثر من اقصى الشمال الغربي الى اقصى الجنوب الشرقي الى حالة التهري والضمور التي يتعرض لها منذ تأسيس الدولة العراقية ولحد الآن، فإن المشاريع المطروحة بمجملها لا تغيير من الامر شيئاً في هذا المجال، لطالما بقي مقسماً الى خمس إدارات ( محافظات) فضلاً عن السلطة في بغداد، تهيمن عليها عناصر من القوميتين العربية او الكردية بتهميش دور التركمان فيها بدرجة خطيرة.
من وجهة نظري الخاصة
اولاً- نبدأ بآلية المادة 23 ونتسائل: على فرض نجاح لجنة تقصي الحقائق في حل المشكلة بالتعويل على فقرات المادة 23 في تثبيت التجاوزات على العقارات، ونفترض ايضاً انها نجحت في تثبيت حجم التغيير الديموغرافي الحاصل بعد 2003، ورفعتْ توصياتها الى البرلمان العراقي، وعلى فرض موافقة البرلمان العراقي على توصيات لجنة التقصي، واصدر قانوناً يقضي ازالة تلك التجاوزات، وعُرض القانون على المجلس الرئاسي وفق الآلية الديمقراطية، فهل يُتوقع مصادقة المجلس الرئاسي على مثل هذا القانون.؟ هذا اولاً، ومن ثم هل يُتوقع صدور قرار تنفيذي حاسم من الحكومة الحالية اوالحكومات المقبلة، يقضي ازالة التجاوزات التي تُعد بمئآت الالوف من الوحدات السكنية التي اصبحت تحيط بالمدينة من جهاتها الاربعة، وإعادة أكثر من 600 الف نسمة نزحوا بصورة غير شرعية الى كركوك.؟ علماً هناك مواد في الدستور العراقي منقولة من قوانين الامم المتحدة لحقوق الإنسان وفي العهود الدولية تنص على (حق السكن والعمل والتنقل والإقامة) للمواطنين حسب اختيارهم ولا يجوز حرمانهم منه، الامر الذي يقف حائلاً لتنفيذ قرار إزالة التجاوزات وترحيل النازحين، وعليه فإن الجهود التي تبذلها لجنة تقصي الحقائق ستذهب ادراج الرياح.
ثانيا- هناك اتجاه لمنع النازحين الى ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها، وعلى رأسها محافظة كركوك، من المشاركة في الانتحابات لمدة عشر سنوات، كما هناك دعوة الى اعتماد احصاء عام 1957 في الانتخابات المقبلة في محافظة كركوك.. فالسؤال هنا: ماذا بعد انقضاء مدة عشر سنوات.؟ حيث سيعود حق المشاركة لهم ولاولادهم البالغين خلال الفترة، مما يعني في احسن الاحوال ترحيل المشكلة التي لها ابعاد اجتماعية وسياسية وثقافية ونفسية، الى وقت آخر ليس إلا ، عندئذ قد يعود الطرف الكردي مجدداً الى المطالبة باجراء استفتاء حول عائدية المحافظة وارتباطها الى الاقليم الكردي بعد انقضاء مدة السنوات العشر.. فما الذي سيتغير بالنسبة لتطلعات الشعب التركماني في الحفاظ على مركز الهامهم القومي والثقافي بإبقائها خارج الاقليم الكردي الذي تعتبره الكتلة التركمانية، هدفاً سياسيا،ً تسعى الى تحقيقه منذ امد بعيد، على هذا الاساس يمكنني القول بان المشاريع المذكورة لا تحاكي آمال وتطلعات الشعب التركماني وأن الجهود السياسية التي يبذلها الساسة التركمان في هذا المجال ستذهب بدورها ادراج الرياح.
ثالثاً- اما فيما يتعلق بالمشاريع الاخرى التي سبق وان طرحتها بعض الجهات اوالاشخاص. لقد اوضحنا ملابساتها باسهاب في مقالااتنا السابقة، ونؤكد عليها هنا مرة اخرى مبيناً، ان الافكار والمشاريع كالتي جاء في تقريرً ممثل الامم المتحدة في العراق استيفان دي مستورا الاخير، المتضمن اربعة فقرات تشكل مقترحات لحل مشكلة كركوك وبعض المناطق المتنازع عليها، بدورها سوف لم ولن تكفل بقاء محافظة كركوك خارج إطار المشروع الكردي لاكثر من المدى المنظور، طالما لا يحتمل صدور قرار حكومي يقضي ازالة التجاوزات على العقارات التي تعد بمئآت الالوف وتتعذر اعادة النازحين بمئآت الالوف ايضا الى المناطق التي نزحوا منها الى المحافظة، كما اشرنا الي ذلك فيما تقدم، وطالما ان التحالف الكردي بقي متمسكاً باجندته للاستحواذ على المحافظة بسبب ثروتها النفطية وموقعا الجيوستراتيجي الهام.
واما بالنسبة الى فكرة إقامة اقليم مستقل ترتبط بالمركز او فكرة تقاسم السلطة بين مكونات المحافظة، اواقامة اقليم من ثلاث محافظات تضم (الموصل وكركوك وديالى) بدورها لا تجدي نفعاً لحل المشاكل المتجذرة لان نظام اقليم مستقل لمحافطة كركوك سوف يصطدم بصيغة الاكثرية والاقلية ويفتح الطريق امام التحالفات التكتيكية واستمرار الصراعات حول المكاسب الفئوية، عندئذ نعود الى مربع الصيغة التوافقية التي اخفقت في ايجاد حل لاية مشكلة قائمة، الامر الذي دفع رئيس الوزراء نوري المالكي الى نبذ الديمقراطية التوافقية مفضلاً الاعتماد على الديمقراطية الانتخابية بدلاً منها، ويعني ذلك حكم الاكثرية..وبما يعني أن كلتا الصيغتين لا تنصف تواجد التركمان لا في كركوك ولا في عموم منطقة تركمان ايلي.
مطلب تحويل قضائي تلعفر وطوز خورماتو الى محافظتين
من ضمن مطالب الكيانات التركمانية لتحويل كل من قضاء تلعفر وقضاء طوز خورماتو الى محافظة، نظراً لتوفر المعايير التي تؤهل كل منهما لكي يتحول الى المحافظة، وهذا استحقاق اداري لهما بلا ادني شك لحاجتهما إلى إدارة مؤهلة اكثر لتحمل الأعباء الإدارية التي لم يعد مجلس القضاء قادرا على القيام بها. غير ان هذا الامر سوف لن تساعد على حل مشكلة محافظة كركوك لا من قريب او من بعيد، ولا تساهم في تقوية موقف التركمان ككتلة واحدة في العملية السياسية بشكل ملحوظ، وإذا كان المقصود ايضاً إقامة اقليم مستقل مؤلف من ثلاثة محافظات (كركوك وتلعفر وطوز خورماتو) بعد تحويل الاخيرين الى محافطتين وجعل ارتباط الاقليم المزمع بالمركز، في هذه الحالة ايضأ، نعتقد بانه لا يكفل انهاء الحساسيات القائمة بين القوميات المتواجد في الاقليم المزمع إقامته، كما لا تجدي نفعاً لإنهاء الصراع والتنافس على السلطة لاسباب تتعلق بالذهنية التسلطية سواءً من خلال حكم الاكثرية او من جراء مساوئ الديمقراطية التوافقية في إطار الطائفية السياسية ونزعة الهيمنة التي تتحكم في سلوك السياسيين العراقيين بشكل عام.
ولمزيد من الايضاح نبين، صحيح ان تلعفر مدينة تركمانية صرفة ولكن هناك عدد من العشائر تدعي انتماءها الى القومية العربية وهذا يعني عدد منهم سينالون العضوية في برلمان الاقليم. وهناك نسبة لا يستهان بها من الكرد والعرب في محافظتي كركوك وطوزخورماتو وعليه ان مجموع ممثلي العرب والاكراد في برلمان الاقليم عند تأسيسه، ربما يضاهي عدد ممثلي التركمان اويزيد، وعليه ستلعب المساومات السياسية والاطماع الفردية او الفئوية دورها كما جرى ويجري في محافظة كركوك حول المناصب والمكاسب.
تداعيات تناثر المجتمع التركماني
إن أكثر تداعيات التي يعاني منها المكون التركماني في العراق والتي لها تأثيرات سلبية ملحوظة في اختزال حجمه ووزنه السياسي وبالتالي اضعاف دوره في المعادلات السياسية، ينجم في الاساس عن تناثر المجتمع التركماني في اكثر من إدارة محلية فضلاً عن سلطة المركز، وستبقى هذه الحالة قائمة حتى فيما إذا تم تحويل قضائي تلعفر وطوزخورماتو الى محافظتين، إذ سيستمر تآكل ونخر المجتمع التركماني جراء انصهاره في بودقة العرب او الكرد، وبالتالي يختزل حجمه ويتراجع دوره السياسي في الحراك السياسي العراقي ربما الى مستوى الاقليات الاثنية حكماً أو حقيقةً.
على هذا الاساس ليست من الحكمة، حشد كل الجهود السياسية لمعالجة مشكلة كركوك وأغماض العين عن تداعيات المفاصل الاخرى من القضية التركمانية، ولاسيما تلك التي تعرض قوة وتماسك الكيان التركماني الى التشرذم والهزل، وبعبارة اخرى، ليس من الحكمة التصدي لمشاكل محافظة كركوك بمعزل عن مجمل قضايا التركمان، وإنما يجب التصدي لها بكل مفاصلها بحزمة واحدة من الحلول ولمعالجات.
نظرة خاطفة على إداء التركمان السياسي إزاء المشاريع المطروحة
في هذا السياق، نرى ان الإداء السياسي التركماني لم يكون بمستوى طموح الشعب التركماني، فقد اقتصر في معظم الاحوال على ردود الافعال ازاء تلك المشاريع المطروحة كطبخة جاهزة من قبل الاطراف الاخرى، كما ظلت السياسة التي اتبعتها الكتلتين التركمانية والعربية في مجلس المحافظة طيلة الفترة الماضية، منشغلة بالسجال السياسي والتجاذبات دارت حول معطيات تلك المشاريع، مما اتاح انشغالهما هذا، فرصة نادرة وفسحة من الوقت للطرف الكردي، استغلها لاجراء مزيداً من التغيير في ديموغرافية محافظة كركوك، باستخدام سياسية فرض الامر الواقع.
ومن جهة ثانية، ان انشغال الفكر السياسي التركماني في تعامله مع الافكار والمشاريع المطروحة من قبل الاطراف الاخرى للذود عن المخاطر المحدقة التي تنطوي عليها تلك الافكار والمشاريع، مما جعله عاجزأ عن بلورة مشروع سياسي خاص نابع من ضمير الرأي العام التركماني، يهدف تحقيق المصالح الحيوية للشعب التركماني، بدلاُ من انجرارها وراء المشاريع التي لا تخدم مصالحه في شيئ، حيث أن المشاريع والافكار وصيغ الحلول المطروحة تلك لايجاد حل لمشكلة المحافظة لا يشتمل بالضرورة لا من قريب ولا من بعيد، معالجة تداعيات المشاكل التي يعاني منها المجتمع التركماني في الاقليم التركماني (تركمان ايلي)، فيما يخص الحفاظ على تماسك المجتمع التركمان المتناثر على طول البلاد وعرضها، الامر الذي كان ولا يزال سبباً في اختزال عديده وانصهاره في بودقة العرب او الكرد، بفعل الضغوط السياسية ومغريات الحياة.
وعلى هذا الاساس نرى ان قضية كركوك وإن كانت القضية المركزية والمشكلة الحيوية الاولى للمكون التركماني، إلا انها ليست الوحيدة، بل هناك تداعيات كثيرة تنجم عن معوقات تحول دون امكانية حشد طاقات الكيان التركماني الفعلية وقدراته الحقيقية ووزنه السياسي سواءاً في المعادلة السياسية اوعلى صعيد التعبئة الجماهيرية والقاعدة الشعبية، للمطالبة بالحقوق المشروعة من خلال ممارسة الآليات الديمقراطية.
وان اهم هذه المعوقات تكمن في تمزق المجتمع التركماني وانتشاره جغرافياً طولياً من اقصى الشمال الغربي الى اقصى الجنوب الشرقي ومنقسم الى اكثر من خمس إدارات محلية. ومن هذه الزاوية، نرى ان المعالجات الهادفة لحل اشكاليات محافظة كركوك، لا تفضي بالضرورة الى إزالة حالة انقسام المجتمع التركماني إلى خمس إدارات محلية التي تقف حائلاً لبلوغ المكون التركماني موقعه الطبيعي والحقيقي بين المكونات الشعب العراقي.
لذلك ينبغي عند البحث عن معالجة اشكاليات محافظة كركوك اخذ تداعيات المجتمع التركماني بنظر الاعتبار بحيث يكون الحل المنشود لمشكلة كركوك بوابة لمعالجة التداعيات التي تعيق تطور المكون التركماني التي ليست ناجمة من تناثره جغرافياً فحسب، وانما من انقسامه إدارياً الى عدة إدارات، كما اشرنا اليه فيما تقدم، وبعبارة اخرى، ينبغي عدم فصل بين شقي القضية التركمانية، الاول المتمثل بمشكلة كركوك والصراع حولها والثاني المتمثل بمسألة الحفاظ على المجتمع التركماني وكيانه من الهزل الضمور، ولزيادة التاكيد على أهمية وحدة قضية التركمان، ينبغي ان لا يغرب عن البال معضلات الشق الثاني عندما يجري البحث عن الحل لمعضلات الشق الاول، حيث ان المصلحة الستراتيجية القومية والوطنية للمكون التركماني تكمن اساساً في الحفاظ على تماسك المجتمع التركماني في جميع اجزاء الاقليم التركماني (تركمانايلي) ولا يمكن تحقيق ذلك، بحسب رؤيتنا الخاصة، إلا بنظام إداري يكفل توحيد اجزاء تركمانايلي بإدارة تركمانية واحدة، مركزها في قلب مدينة كركوك. وهذا يعني بعبارة اكثر شمولية، إعتماد ( نظام إدارة ثلاثية ) للمحافظة، احداها تختص بشؤون التركمان والثانية خاصة للاكراد والثالثة للعرب.
وهذا هو المشروع المقترح الذي نشرته عام 2005 وطرحته للنقاش لاغنائه بمزيد من الاراء والافكار والملاحظات المعلوماتية، تحت عنوان (نموذج بروكسل، هو الحل الامثل لمشكلة كركوك) واكرر طرحه هنا مجدداً تحت عنوان جديد ( نظام الإدارة الثلاثية) هو الحل الامثل، بعد ان اخفقت كافة الحلول التي طرحت لحل اشكاليات الازمة السياسية حول محافظة كركوك لحد الان، ليست لأنها لا تلبي تطلعات القومية التركمانية فحسب، وانما لانها حلولاً مبتورة ثبت عقمها وعجزها عن تأمين مصالح الاطراف المتنافسة او المتصارعة، بصورة عادلة. وعليه ان الحل الامثل لانهاء التنافس والصراع يكمن في انشاء إدارات مستقلة لكل قومية من القوميات الثلاثة الكبيرة، على ان يُمنح للكتلة الرابعة ( الكلدوآشورية ) حرية اختيار الإدارة الانسب لها من وجهة نظرها.
سنعود الى نظام الإدارة الثلاثية (نموذج بروكسل) لتقديم مزيداً من التفاصيل عنه في الفقرات القادمة
1- ضبابية الرؤية وغياب الهدف.
من المعلوم ان عمر السياسية التركمانية العلنية ليس طويلاً، لذلك فإن التجربة السياسية التركمانية تعتبر حديثة العهد، لاتزيد عن عشرين عاماً تقريباً، تبدأ من تشكيل اول حزب تركماني علني عام 1990.
ولكن إذا اخذنا التقدم العلمي والتكنولوجي وثورة الاتصالات بنظر الاعتبار في مجال الاتصالات ووسائل الاعلام المرئية والمقرؤة من خلال الفضائيات وخدمة مواقع الانترنيت وتلفون النقال والصحافة المتطورة ودخولها الى العراق بشكل مكثف بعد سقوط النظام السابق التي فتحت افاقاً واسعة ورحبة امام الجميع للحصول على المعلومات في كافة المجالات، لذلك يمكن اعتبار مدة عشرين عاماً، منها ستة اعوام الاخيرة التي فتحت الابواب على مصراعيها امام المعلومات والتي اصبحت متاحة للجميع من خلال وسائل الاعلام التي تبث على مدار 24 ساعة بكل اللغات، وتغطي الاحداث اليومية بكل تفاصيلهاً الدقيقة، مما يجعل الاعوام الستة الاخيرة ليست بمدة قصيرة لتنمية الثقافة السياسية والاعلامية والديمقراطية.
لقد استثمرتْها بجدية بعض الاطراف السياسية احزاباً او كتل او كيانات، ونجحت في اعطاء نقلة نوعية لإدائها السياسي رغم ان بعضها حديثة التشكيل، تشكلت بعد سقوط النظام السابق، بينما ظلت كيانات سياسية اخرى جامدة، وعاجزة عن مواكبة التطورات في مجال العملية السياسية، ربما لأنها ظلت منشغلة بالتعامل اليومي مع مستجدات الاحداث المتسارعة وتداعياتها، والتهت بالامور الشكلية التافهة لمجرد تسليط الاضواء على اعمالها الشكلية التي لاتسمن ولا تغني الشعب من الجوع، كما لا تجدي نفعاً لحل المشاكل العالقة والمزمنة، الامر الذي يشير بوضوح الى ضبابية الرؤية وغياب الهدف الستراتيجي المحدد والواضح.
لقد اضطرت مثل هذه الكيانات السياسية على الاكتفاء باظهار ردود الافعال ازاء الاحداث والانقياد اضطراراً بما تطرح من الافكار والمشاريع من قبل الاطراف الاخرى، منها بعض الكيانات السياسية التركمانية والعربية في تعاملها معها، من موقع الدفاع عن وجهات النظر والمصالح الخاصة التي غالباً ما تكون غائبة في تلك المشاريع والافكار والحلول، سواءاً لجهة حل اشكاليات المشهد العراقي او تلك التي تتعلق في صميم الشأن التركماني كمشلة كركوك وغيرها التي تهدد وجود الشعب التركماني في العراق، مما يؤكد وبلا ادنى شك، غياب مشروع سياسي تركماني خالص وبسبب ضبابية الرؤية في تحديد الهدف بوضوح وشفافية، في بعض المشاريع التي ينادي بها بعض الاشخاص او الكيانات االسياسية التركمانية، بحيث يضمن للمكون التركماني مكانته الاجتماعية ووزنه السياسي ومستواه الثقافي بين مكونات الشعب العراقي، وبعبارة اخرى الافتقار الى برنامج عمل ومشروع سياسي واضحة المعالم والاهداف.
وعليه ان المطلوب هو تأسيس مشروع تركماني خالص واضحة المعالم والاهداف، على ان الاهداف المحدده فيه يجب ألا تناقض المبادئ الوطنية العامة المتمثلة بوحدة العراق ارضاً وشعباً.
2- وجود هدف ستراتيجي وغياب مشروع سياسي
لقد اثبتت الكيانات التركمانية السياسية بشكل عام، بعد النظر والحصافة، فيما يخص تحديد الهدف الستراتيجي وذلك بتمسكها بالمبادئ الوطنية من خلال تاكيدها على وحدة العراق ارضاً وشعباً وتصديها للمشاريع التي من شأنها تؤدي الى التجزأة وتقسيم العراق الى الفيدراليات والاقاليم .. لكنها أهملت تأسيس مشروع تركماني يتضمن اهدافاً تؤمن المصالح القومية التركمانية في اطار الاهداف الوطنية العراقية، لذلك نسطيع القول بوجود الكثير من السلبية في هذا المجال ، سماتها الاساسية اعتماد ثقافة التظلم. واتباع سياسة خجولة. والتردد في استعمال الحق، ومؤآثرة السلبية في استخدام الآليات الديمقراطية لانتزاع الحقوق المشروعة للشعب التركماني، لذلك يلاحظ ان سقف مطالبها واطئة على طول الخط، في كل المجالات التي تنافسها فيها اطرافاً اخرى التي جعلت سقف مطالبها عالية جداً تتجاوز الخطوط الحمراء في حين ان المطالب التركمانية لم تلامس حتى الخطوط الخصراء مع انها تعتبر مشروعة بكل المعاير الوطنية والاقليمة والدولية
3- المطلوب كسر حاجز الخوف والتردد في استعمال الحق
لعل السمة البارزة للسلبية في الايداء السياسي التركماني ترددها في اسعمال الحق بعدم اقدامها لكسر حاجز التردد في استعمال هذا الحق والدفاع عنه بكل السبل المتاحة.
لايضاح هذه الفكرة نشير الى التجربة الكردية في هذا المجال (على سبيل المثال وليس الحصر). لقد تمثلت في الخطوات التي اتخذتها القيادات الكردية في مجال كسر حواجز التردد لتحقيق اهدافها القومية المرسومة، تمثلت اولها في تكريس تسمية كردستان على شمال العراق التي لم تكون متداولة قبل بداية التسعينات من القرن الماضي. والثانية تمثلت في المطالبة بحق تقرير المصير من خلال مؤتمر المعارضة العراقية في (فيينا) عام 1992. والثالثة في مشروع الفيدرالية الكردية في المؤتمر التكميلي في صلاح الدين، تشرين الاول من العام نفسه، تعقبها مطالبات الحدودية لرسم حدود كردستان
لقد واجهت مطالب، حق تقريرالمصير، والفيدرالية الكردية، وتسمية كردستان الى مناطق شاسعة من شمال العراق التي كانت توصف بربوع العراق الحبيب، معارضة شديدة من الاطراف العراقية ودول الجوار في بداية الامر، ولكن الان لم يبق من لا يقر بمطلبهم سواءاً فيما يتعلق بحق تقرير المصير او الفيدرالية الكردية او اطلاق كردستان إلى شمال العراق سوى قلة من الناس..
وبعد سقوط النظام السابق كرس العلم الكردستاني والكتابة باللغة الكردية اسماء الشوارع والمحلات ودوائر الرسمية، كما رفع التحالف الكردي من سقف مطالبه حول مسألة السيادة والصلاحيات ومناطق النفوذ والامتيازات النفطية ويجادل الان للحصول على ما يمكنهم من الحصول عليها
هذا لايعني انني أُروج التلقيد او الاقتداء بسياسات الاطراف الاخرى اوالمطالبة بما يطالبون به تحديداً، وانما اريد فقط توجية الانظار الى مسألة واحدة فقط من تلك السياسة، وهي ما يتعلق بكسر التردد في استعمال الحق الامر الذي تتحاشاه الساسة التركمان لحد الان.
4- المطلوب من الكيانات السياسية التركمانية اجمالاً
أولا- الاقلاع عن ثقافة التظلم من التعرض للاضطهاد والتشكي من التهميش، بل ينبغي اظهار ردود فعل ايجابية مناسبة ازاء مثل هذه الممارسات باللجوء الى استخدام الآليات الدستورية والديمقرطية وعدم الاكتفاء بالتظلم والتباكي عبر وسائل الاعلام فحسب
ثانيا- كسر حاجز التردد في استعمال التسميات والمصطلحات كحق تقرير المصير مثلاً، وهو الحق الذي يعتبر متاحاً للشعوب المضطهدة في القانون الدولي، تقره الأمم المتحدة، فلماذا التردد في المطالبة بمثل هذا الحق من قبل الكيانات التركمانية طالما ان الاهداف التركمانية بعيدة كل البعد عن نعرة الانفصال او الاخلال بوحدة العراق ارضاً وشعباً، وهي ليست اكثر من المطالبة بحق الاختيار وتقرير المصير رفضاً للهيمنة والتبعية لهذه الجهة او تلك، فهي لا تقع خارج إطار تشكيل إدارة مستقلة للمكون التركماني كشكل من اشكال الحكم الذاتي استناداً على القانون الدولي والمواد الخاصة بحرية الاختيار في الدستور العراقي.
ثالثاً- عدم العزوف عن استعمال بعض المسميات مثل (تركمانستان) او(الاقليم التركماني) مثلاً، بدلاً من (تركمان ايلي) التي يثقل على لسان العرب والقوميات الاخرى, وليس هناك ما يمنع استعمال الساسة التركمان ومثقفيهم مثل هذه المصطلحات القانونية والدستورية، طالما انها اصبحت متاحة للكتل العراقية، يجاهرون بها ويدافعون عنها بقوة، فلماذا التوجس من استعمالها من قبل الكيانات السياسية التركمانية، في حين لم يعد هناك مجال للمهادنة السياسية والتخلي عن استعمال الحق والاكتفاء بالتظلم والتشكي من التهميش والغبن، قد تقوم هذا النهج السياسي التركماني على مبررات مفادها رعاية مشاعر الوطنيين العراقيين العرب وغيرهم، من جهة، ولغرض التأكيد على الالتزام الاخلاقي بفكرة الدولة الأُحادية (اليونيتارية) التي تأسست الدولة العراقية بموجبها عام 1921 حيث لم تكن تلكم المصطلحات مألوفة او متداولة قبل اقل من العقدين من الزمان، ولكن لم يعد الامر كذلك الآن، فقد اصبحت تلك المصطلحات مشاعة ومتداولة في اللغة السياسية العراقية، بل لها ذكر في الدستور العراقي، وقد تم تبنيها وتكريسها من قبل بعض الكيانات بالاعتماد على البنود الدستورية.
ألا يعني بهذا النهج البقاء في نفس المربع، في الوقت الذي طرأ على المشهد العراقي تطورات هائلة خلال الفترة الاخيرة، وألا يعتبر تخلفاً عن مواكبة التطورات الحاصلة. وعليه نعتقد بات لزاما على الكيانات التركمانية كسر حاجز التردد والانطلاق لاستعمال كامل الحق الدستوري المتاح للجميع بالتساوي.
ولا بد من عدم التقاعس في تطبيق الآليات الديمقراطية كتنظيم المظاهرات والاعتصامات عندما تدعو الحاجة اليها، وكذلك اللجوء الى المحافل الدولية لمطالبة تدخلها لإيقاف انتهاكات حقوق اللإنسان وحقوق الشعب التركماني .
رابعاً- اتخاذ تدابير عملية وجدية لتنظيم قوة رادعة للأعتداءآت على أهلنا في مناطق التركمانية. علماً بانني سعيت الى خلق مثل هذه القوة منذ عام 1993 ولكن للاسف الشديد لم تنجح المساعي التي بذلتها طيلة السنوات السابقة لسقوط النظام السابق، فلو كانت تحققت مطلبنا في حينه، لما سمعنا اصواتاً تتعالى هذا اليوم مطالبة بها وبعد ( خراب كركوك)
|
|
|
|
|