التحدي الزينبي، صنع أجيال وأجيال، وفق دراسة استغاثة واستفاقة.. وكتب على جبين العفاف.. هنا زينب
يازينب.. بإسم الله نرتضي ذكر آل محمد، في عموم الشدائد وعند قوارض البلاءات..
عند المقال تكتب الحقيقة اسمها، ويفتخر منطقها عن كونه نموذجا يخاطب القافية، بلطف التغيير وحيوية المعنى، وصبر الجملة لانقيادها ذكر الخطوة المجللة بالعافية، وملازمة الخلود، وعمر التضحية في كل خطوة.
يخجل القلم صدقا من رواية الحق، ويكاد حبره ينبض عشقا لحب أزلي ولد منذ بدء الرحلة الذارية.
الكلمة هنا تراود فتاها، وتغزوا نظيرها بقوة، لأن العقل يشد عليها ويرفدها بحرا من رسائل.
وريقات تجوب البحث بصرامة، وترفل بحفاوة، لتعطي صورة هي الجاثية، فيض هو الكلام، وعمرا يكابحنا كي نصل إلى عمق الحقيقة، في عالم الوجود، ينال منا الوهج شطره، ويبادر اللسان شكره لشخوص كانت ولا زالت كعظمة الثريا بين الترائب.
التاريخ يهيم على وجهه التراب خجلا، لخذلانه حق الرواية وعمقها في حق المعجزة.. ياترى، ماهي عظمة الخلد فيه، وكيف استيقظ هنا الضمير لمباغتة الفصل والقضاء؟!
مبدئيا، تعلمنا من روضة المتعافين، أن لكل قلم وكتاب سيدة اسمها زينب.
في بيت السيدة زينب، تعلمت الحروف قد المكاشفة وسبيل العلم، ورياضة الفكر، وجمال الأسلوب وقوة التدبير..
في بيت مولاتي زينب الكبرى تكلمت الأفواه بالحقيقة، ولاشيء سواه من منبر العقيلة زينب، تقلد العلماء أدب الإشارة، وانضباط البحث، ووفرة الحصون.
من مجالس الدمعة لزينب، نبأ يخوض العلم عمقا ووعيا وإيثارا.. في شخص زينب الحوراء، اجتمعت الدمعة وقوة النص، ومثابرة الاستنهاض.. روحها مهدا للشريعة، وفهمها توقيع أزلي من أفواه شهدت لها ثقة وإصرار..
كقول مولانا سيد الساجدين عنها سلام الله عليها، إنها عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة.
إنها لؤلؤة، لا شرقية ولا غربية، يكاد علمها يضيء نور على نور، يهدي الله بنورها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
هي إعجاز الكتاب، وقلم مغفور، وشكرا يتسلل ليلا لجسد القيامة عند الطور المبتور اصبعا، ليسجد خضوعا ويقول: تقبل هذا القربان من آل محمد.
أي عظمة، تستقطب غضب الدجى، وبأي صورة تمتعض من فعل الجور، لتشير باصبعها استصغارا لقاعدة الوثن يزيد، بأنك زائل تحت خنجر قدمي.
كلام لا يفي حق البطولة لسيدتي، بدمعة أحرقت اسطولا، بكتف العصمة استنهضت نفوس متفرقة.
محافلنا، لازالت مكانك راوح، بحق السيدة زينب، سوى ما استفاض من حلم الولاء وحب من جروح الزمن ومن سطور بلون المأساة توافدت على قلب اللحظة فاتفقت على خطاب شجي ونداء مع صبغة النهضة يرتل ثورة فكانت هي المبدأ ولسان قلم يتكلم صمودا عتيا وضلع بكى قوة وشجاعة.
السيدة زينب.. ورسالة التقوى
التقوى، ثوب يتقمصه من يليق به.. في السيدة زينب نجد تلك الخصوصية، ودليل الفكرة قابع خلف نظرها الواسع وادراكها الفذ..
بصيرة لاحدود لها، وإيمان مطلق، لها من الكون ومضة صاعق يرهب الظلمة قلاعهم.. فيرتدوا على أدبارهم خاسئين..
قد حكمت الظروف للسيدة زينب، أن تعيش أدواراً متكررة من المأساة وذا سمة مختلفة الوتد وسيف المواجهة، بدءا بجدها رسول الله وأمها فاطمة الزهراء وأبيها علي بن أبي طالب، وأخيها الحسن المجتبى ومنتهاها الحسين المظلوم الشهيد..
ملتقاهم مصيبة واحدة، إلا أن ردهة الانتفاضة تختلف طابعا وتطبعا، وذكرى وذاكرة، وذوقا وذائقة.. والنهر الذي ارتوت منه سقياه هو الكوثر ومنهل العلم أفواه تروي بسخاء التقى واصبع القوام.
من هي السيدة زينب
عند عتبة الضياء، توافد الخير، فارتضى الله سبحانه مسيرة بلون الدموع لتعطي شهدا لمسيرة النبوة وبيت الإمامة.
سهول المعرفة لديها.. تلك العناية الربانية التي اختارت لها اسما هو زينب، ومنتهى الحكمة من خطب جدها وأبيها وملتقاها في فدك، القصة الدامية التي أفقدها أمها وأخيها المحسن الشهيد مخضبا بدمه على عتبة الرسالة، موقفا، قد ارتكز في ناظرها العفيف، وهي بنت خمس سنوات.
المسيرة هنا بدأت، معاناة ارتجفت منها قلوب، وأيقنت عقول، وكتبت عنها غصون العلم والمعرفة.
ياترى! أي قلب تحمل، وأي جبل التوى، وماهو لسان حال الكلمة وقت فقدت فيه كل أهل بيتها، ساعة احتضار الموقف في طف كربلاء.
تلال الغضب قادمة، وقد انتشت من قلب زينب الصبور حناياه، وأزيز صوتها ينادي من على تل الصمود، واحسيناه..
نداء خلق محافل ومخاطر، ومواكبة العصر الذي عاش صوتها القابع في مخيلة محبيها إلى وقتنا هذا.
زينب.. وصوت المستقبل
في حين تبكي الجملة، على رقيم الغد، تبقى العقول متوثبة لمعرفة.. زينب المستقبل..
كيف نلتقي شخصها وهي الحاضرة الغائبة؟!
ماهي دعائم ثورتها الخطابية، وقد ارتكزت بين السلة والذلة.. وهيهات منها الذلة.. اعلان يقصم ظهر الداعية الفاسق، ويرفع الموالي الشاهق..
نحن، نحتاج إلى فئة المبدأ، وغلبة الضمير الحي.. ليحاكي مسيرة الخلد ولسان حالها المتحدث ضد إعلام الكفر.
كم يزيد لدينا يتحدى زينب؟!
نعم، إنهم كأعجاز نخل خاوية، يلهثون كناعق شر ليقاتلوا أميرة متجددة، يكفي أن صوتها زلزال يرتجف فيه وترهم الفاسق وعمقهم المتدني.
((أَظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حِينَ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ، وَضَيَّقْتَ عَلَيْنَا آفَاقَ السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا لَكَ فِي إِسَارٍ، نُسَاقُ إِلَيْكَ سَوْقاً فِي قِطَارٍ، وَأَنْتَ عَلَيْنَا ذُو اقْتِدَارٍ، أَنَّ بِنَا مِنَ اللَّهِ هَوَاناً وَعَلَيْكَ مِنْهُ كَرَامَةً وَامْتِنَاناً؟؟ وَأَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ وَجَلَالَةِ قَدْرِكَ؟؟ فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ فِي عِطْفٍ، تَضْرِبُ أَصْدَرَيْكَ فَرِحاً وَتَنْفُضُ مِدْرَوَيْكَ مَرِحاً حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُسْتَوْسِقَةً وَالْأُمُورَ لَدَيْكَ مُتَّسِقَةً وَحِينَ صَفِيَ لَكَ مُلْكُنَا وَخَلَصَ لَكَ سُلْطَانُنَا)). فَمَهْلًا مَهْلًا لَا تَطِشْ جَهْلًا!
ولها مقطع آخر من نفس الخطبة، تثور فيها كلمتها الوضاء، لتقتل نفوسهم المبعثرة، وتقطع فيها شجأ حروفهم المتقطعة بسيف كلامها، تبتر أجواف سقم مرتفع الشجى والجوى..
((تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة، في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور تبا لكم فانتظروا اللعنة والعذاب، وكأن قد حل بكم، وتواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم، ويذيق بعضكم بأس بعض، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ألا لعنة الله على الظالمين)).
قال: فارتفعت الأصوات بالبكاء، وقالوا: حسبك يا ابنة الطيبين، فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورنا، وأضرمت أجوافنا، فسكتت، عليها وعلى أبيها وجدتها السلام.
هنا الاقتدار، هذه الوثبة التي ارهصت زمن المتجلدين.. وكشفت عن ساقيها، حتى علا السيف ليقطع لسان المتجبر.
لابد أن نواسي بالفم والقلم، وبكل النعم، لا نراهن بالمبدأ على فلتات، ونبتسم في وجه الطغاة، ونتعلم ونعلم أن المواقف درس وقوة وفيها عبرة واعتبار ومنطق وثبات..
التحدي الزينبي، صنع أجيال وأجيال، وفق دراسة استغاثة واستفاقة.. وكتب على جبين العفاف.. هنا زينب.
المرأة الزينبي، وكتابة الحاضر، وجملة المتعطشين لشخصها، إيمانا وعلما وطاعة والتزاما لهو جدير أن يبقي صداها عاليا، وشمسها دفء، ومداه إلى أبد الدهر.
وجملة اعتزازها، أن مقدار ومقياس صبرها قد تغلف بفضائل كانت قد ورثتها من بيت النبوة، وعناية الله لها، وأنها ماترى ذلك إلا هو خير في خير وكمال الحكمة وجمالها وقد أيقنت ذلك حتى دفعها جمال ذاتها لقول الفصل في جملة أدهشت ملائكة الله فيها وقالت:
مارأيت إلا جميلا..
أي قوة خلدت مولاتي زينب، وأي صبر احتواها، وهي عقيلة الطالبين، العزيزة عند أهلها، الكريمة في فضلها عند نساء قومها وهي تراودها لشم رحيق علمها الوافد في كل حكم وسريعه..
فكانت نعم اللسان الصادق، ناطقة بالقرآن، راوية من الجنان، مختومة ب آلاء الرحمن.
في يومنا هذا، عمر القدوة مختصرة القول والفعل وقد وهبت لنا حياة من حي..
ويبقى لسان حالنا يعترف بالتقصير لسيدة الإعجاز زينب الكبرى.. وقد استوقفتني عبارة ممهورة بغلبة الثأر على رجيف الضعف لنا جميعا.. وهي: لو أمشي طول العمر حافي.. عثرة من عثرات زينب ما أوافي..
من موقع بشرى حياة