بقلم س هاشم الموسوي
مشكلة المثقفين العرب الذين يختزلون أنفسهم في العباءة الرسمية أو يتحزّبون للأنظمة السياسية ويتخندقون وراء طائفيتهم المقيتة أنهم يخدعون الناس بمواقفهم التي تبدو مبدئية في ظاهرها أو في بداياتها ولكنها مختزلة في بواطن تفكيرهم الضيق والذي سرعان ما يظهر عند ما يتطلب الأمر موقفا محايدا ونزيها في آن.
في التسعينيات من القرن الماضي ظهر عبد الله النفيسي على الساحة الإعلامية كمفكر سياسي ناقد للوضع السياسي المتردي في المنطقة بشكل عام ومؤيدا للتحركات المطالبة بالتغيير السياسي دون النظر إلى طائفة أو توجّه المطالبين، فالمبادئ الديمقراطية هي مبادئ إنسانية لا تفرق بين أسود وأبيض ولا بين عربي وغير عربي ولا بين طائفة وأخرى.
ولكنه سرعان ما انقلب على عقبيه وأصبح يصنف الناس على أسس انتماءاتهم المذهبية فغلب عليه تخندقه الطائفي، وأصبح يوزع الاتهامات هنا وهناك بدون مبرر إلا انسياقه وراء رغباته ونزواته بعد أن تحوّل من جبهة الوطنيين إلى جبهة السلف المتشدد.
اليوم المسفر يمارس الدور نفسه فبعد أن كانت كتاباته على صحيفة القدس العربي سابقا وصحيفة رأي اليوم الالكترونية حاليا، تستقطب القارئ العربي الذي يجد فيه كاتبا يتحلى بقدر من الإنصاف والموضوعية، نراه اليوم يتخندق وراء الطائفية المقيتة والرأي السياسي الرسمي البغيض.
كتب في وداع 2013 وخاض في كل عباب وذهب من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في ثورات الربيع العربي، تحدث عن مصر وتونس والعراق وليبيا وسوريا ونسي بأن هناك ثورة لا يفصله عنها سوى البحر ويعاني أهلها من القمع بآلة عربية خليجية وبتغطية دولية.
لم يسمع صاحبنا عن ثورة البحرين وهو المجاور لها، ولم تحرك مشاعره مناظر النساء المعتقلات ولا أنّات الأطفال المعذبين ولا الأحكام الجائرة بحق شبان في مقتبل العمر ولا منع الصلاة في المساجد بعد هدمها.
لقد استمع إلى أزيز الرصاص في ليبيا وهو القاطن في قطر، واستمع إلى صوت الخلاف في تونس حول الديمقراطية المرتقبة والى عزل الرئيس مرسي بعد أن تحولت مصر لخدمة الإخوان بدلا من أن يتحول الإخوان في خدمة مصر في ظل حكمهم، واستمع إلى ما يحدث في اليمن السعيد والأمراض التي تفتك بأهله بعد الهجرات إلى أفريقيا، كما استمع إلى ما يجري في سوريا محملا نظام بشار الأسد وحده مسئولية ما يجري دون الحديث عن داعش وجبهة النصرة وما يعملانه في الشعب السوري من جرائم، كل ذلك سمعه ولكنه لم يستمع إلى صوت أنّات البحرينيين.
كل الأنظمة لديه عصماء من قطر إلى السعودية إلى البحرين وغيرها من الأنظمة إلا نظام العراق لأنه جاء بالديمقراطية، فهو أحدث اختلالا في التوازن العربي حسب تعبيره وأصبح نظام عصابة، ووصل به الأمر إلى اعتبار الحوزة في العراق مجرمة.
والإيرانيون هم الفرس، نعم الفرس فليسوا بمسلمين في عرفه لأنه يرجع إلى أحقاده القبلية منذ عهد الرسول (ص)، ولكن لا نقول له إلا كما قال القرآن الكريم:
(الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة 97.
--------------------------------------------------------
لله در الكاتب
كم كشفت ثورات الشعوب ان هؤلاء الذين كانوا يسمون بالمثقفين شتان بينهم و بين ادنى درجات الوعي و الاحساس و الضمير.