قال بعض الأدباء :
بزوار الحسين خلطت نفسي
لتحسب منهم يوم العداد
فإن عدت فقـد سعدت وإلا
فقد فازت بتكثير السواد
وهذه ظاهرة أخرى عند الشيعة .
لم تسلم أيضاً من النقد أحياناً ومن التساؤل والاستفهام عنها أحياناً أخرى وهي زيارة قبر الحسين (ع) بكربلاء من أرض العراق في مواسم عدة من ايام السنة وخاصة يوم عاشوراء هو يوم ذكرى مصرعه ويوم الأربعين أي العشرين من شهر صفر وهو يوم ذكرى عودة الرأس الشريف من الشام والتحاقه بالجسد على يد الإمام زين العابدين (ع) الذي عاد في ذلك اليوم مع السبايا من الشام في طريقهم إلى المدينة المنورة فصادف وصولهم إلى كربلاء في يوم الأربعين بعد قتل الحسين (ع) .
وهناك مواسم أخرى لزيارة قبر الحسين في خلال السنة مثل ليلة النصف من شعبان وليلة القدر من شهر رمضان ويوم عرفة ويوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى وغيرها تمتلئ فيها مدينة كربلاء بالزائرين من الشيعة والقادمين اليها من كل مكان .
وهذه الظاهرة ليست جديدة عند الشيعة وإنما هي سنة مستمرة بينهم منذ تاريخ قتل الحسين ومنذ سنة أحدى وستين هجرية حتى الآن وقد حافظوا على
القيام بزيارة قبر الحسين بكل إمكانياتهم وقابلوا لأدائها تحديات جمة كلفتهم الأموال والأنفس في كل من العهدين المشئومين الأموي والعباسي .
والآن وفي عصرنا يوجد أناس يتساءلون : ما هو الغرض العقلائي من زيارة قبر الحسين وخاصة إذا كانت الزيارة تستلزم شد الرحال وتجشم عناء السفر وصرف الأموال ؟
نقول : أن زيارة قبر الحسين (ع) خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر . على حد تعبير الإمام الصادق عليه السلام .
اجل إنه عمل صالح وموضوع حسن ومحبوب عقلاً وشرعاً . أما حسنه من الناحية العقلية فلأن تقديس العظماء وتمجيد الأبطال بعد موتهم نزعة فطرية وسنة عقلائية سائدة في كافة أنحاء العالم وبين جميع الأمم والشعوب العالمية والحضارات الانسانية منذ اقدم العصور وإلى يومنا هذا . بل إن عصرنا هذا وجيلنا الحاضر هو أكثر تمسكاً واشد محافظة على هذا التقليد من السابق فترى بعض الدول التي ليس لها زعيم سابق معروف وبطل عالمي شهير تمجد فيه البطولة والفداء في سبيل الأمة . يعمدون إلى بناء نصب تذكاري يسمونه (الجندي المجهول) يرمزون به إلى التضحية الفذة والفداء المثالي في سبيل الوطن ، ويمجدون فيه البطولة والشهامة . وها نحن نسمع ونقرأ ونرى إنه ما من رئيس دولة زار أو يزور دولة أخرى في الشرق أو في الغرب إلا وكان في برامج زيارته موعد خاص لزيارة ضريح عظيم تلك الدولة أو مؤسسها أو محررها . أو زيارة النصب التذكاري فيها للجندي المجهول . فيضع على ذلك الضريح أو ذلك النصب اكليلاً من الزهور ويؤدي التحية المرسومة .
حتى الدول الشيوعية التي نبذت كل التقاليد العامة والمراسيم القديمة فإنهم لا يزالون محتفظين بهذا التقليد ولا يمكن أن يزور زائر رسمي زيارة رسمية للاتحاد السوفياتي ما لم يقصد قبر لينين مفجر الثورة الشيوعية في روسيا ويؤدي التحية لقبره . ومما يذكر بهذه المناسبة أن من مراسيم الأعياد عند أهالي
موسكو أن يزوروا ضريح لينين كل عيد وفي كل مناسبة ، وفي الولايات المتحدة الأمريكية لا يزال ضريح الرئيس جون كندي القتيل يزار من قبل آلاف الأمريكان في الأعياد والمناسبات وربما يبكون عليه أحياناً .
والخلاصة : هي أن زيارة قبور الأبطال ومراقد العظماء وأضرحة الشهداء سيرة عقلائية وسنة انسانية لا تخص قوماً أو أمة أو طائفة فلماذا يلام الشيعة أو ينتقدون إذا زاروا مرقد الإمام الحسين بكربلاء وهو سيد الشهداء الأحرار وقدوة القادة الأبطال والمثل الأعلى لرجال الاصلاح والفداء في العالم ، الذي انقذ أمته من خطر المحو والزوال ودفع بها نحو الأمام والسير على الطريق المستقيم بعد أن كلفه ذلك جميع ما ملك في هذه الحياة . ففي زيارة قبر الحسين (ع) من المكاسب الروحية والفوائد الفكرية والأخلاقية ماليس مثلها في زيارة اي مرقد وضريح آخر .
ولذا قال الإمام الصادق (ع) من زار الحسين (ع) عارفاً بحقه فكأنما زار الله في عرشه . وفي حديث آخر عنه (ع) قال زيارة الحسين (ع) فرض على كل من يؤمن للحسين (ع) بالولاية .
ألا ترى الشعوب الغير المسلمة تنحت الصور وتقيم التماثيل لرجالها المصلحين في الساحات العامة والمواقع الحساسة من مدنها ... لماذا يصنعون ذلك . لا شك أنك تعرف أنهم يفعلون ذلك تكريماً لذكراهم وشكراً لتضحياتهم وتلقيناً لسيرتهم وعملهم إلى الشباب الحاضر والأجيال القادمة . غير أن الإسلام يحرم النحت وصنع التماثيل مطلقاً ولأي شخص كان فلذا ليس أمامنا نحن المسلمين لأجل تكريم زعماءنا المخلصين وشهداءنا الأحرار لأجل الاعراب عن شكرنا لهم ولاجل تلقين اجيالنا الطالعة سيرتهم ومبادءهم إلا زيارة قبورهم والوقوف أمام مراقدهم خاشعين مستوحين منها ذكريات التضحية والفداء في سبيل المصلحة العامة . هذا منطق الشيعة وفلسفتها لهذه الظاهرة وهو كما تراه منطق العقل في
كل زمان ومكان . وفي الختام اليك نبذة من كتاب (أبو الشهداء) للعقاد حول هذا الموضوع قال في ص 129 :
وشاءت المصادفات أن يساق ركب الحسين (ع) إلى كربلاء بعد أن حيل بينه وبين كل وجهة أخرى فاقترن تاريخها منذ ذلك اليوم بتاريخ الإسلام كلة ومن حقه أن يقترن بتاريخ بني الانسان حيثما عرفت لهذا الانسان فضيلة يستحق بها التنويه والتخليد . فهي . أي كربلاء اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى ويزوره غير المسلمين للنظر والمشاهدة ولكنها أي كربلاء ، لو أعطيت حقها من التنويه والتخليد لحق لها أن تصبح مزاراً لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظاً من الفضيلة لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الانسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين (ع) فيها . فكل صفة من تلك الصفات العلوية التي بها الانسان انسان وبغيرها لا يحسب إلا ضرباً من الحيوان السائم فهي مقرونة في الذاكرة بأيام الحسين (ع) في تلك البقعة الجرداء . انتهى محل الشاهد من كلام العقاد .
وقد التزم أهل البيت (ع) وشيعتهم بالحفاظ على زيارة الحسين (ع) في ظروف صعبة وشاقة وقد كلفتهم تضحيات غالية . ففي عصر المتوكل العباسي مثلاً فرضت ضريبة مالية قدرها ألف دينار من ذهب على كل شخص يرد كربلاء لزيارة قبر الحسين (ع) ولما رأت السلطات العباسية أن هذه الضريبة الباهظة لم تمنع الناس من زيارة الحسين (ع) أضافوا اليها ضريبة دموية فكانوا يقتلون من كل عشرة زائرين واحداً يعين من بينهم بطريق القرعة . وكان أئمة أهل البيت (ع) يعلمون ذلك كله ولم يمنعوا الناس من زيارة الحسين (ع) لما فيها من مكاسب روحية واجتماعية وسياسية للمؤمنين . بل يحثونهم على الاستمرار في زيارة قبر الحسين (ع) رغم كل الصعاب والعقبات ويقولون لهم أن لزائر قبر الحسين (ع) بكل خطوة يخطوها حسنة عند الله سبحانه .
مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب
هل في مراسيم عاشوراء عمل حرام شرعاً ؟
أكثر ما يثير الاستغراب والتساؤل في مظاهر عاشوراء عند الشيعة هو ما يقوم به بعضهم من مظاهر عزائية قاسية تتصف بالعنف أحياناً مثل اللطم على الصدور العارية والضرب على الظهور والأكتاف المجردة بالسلاسل الحديدية الجارحة وإدماء الرؤوس بالسيوف وغير ذلك . مما يثير الاستغراب لدى البعض بل يثير الاستهجان والانتقاد لدى البعض الآخر ويتساءلون لماذا يفعل هؤلاء هكذا بأنفسهم ولماذا لا يمنعهم العلماء ورجال الدين وهل أن هذه الأعمال جائزة شرعاً وصحيحة بحسب العرف العقلائي ؟
والجواب على هذا السؤال هو :
ان تلك الأعمال من حيث الأصل مباحة شرعاً إذا كان القيام بها لهدف مشروع وغرض عقلائي ولم يترتب عليها ضرر كبير أو خطر على حياة الانسان . هذا ما يقوله العلماء مراجع التقليد العليا في كل زمان ومكان .
هذا من حيث الأصل .
وأما قيام الشيعة بها في عاشوراء فهو أولاً لأغراض عقلائية مشروعة وبدافع الحب والولاء الشديد للحسين (ع) . فهم بتلك الأعمال يعبرون عن تأسيهم بالحسين (ع) ومواساتهم له في تحمل ألم الجراح وجريان الدماء وفي نفس الوقت يمثلون بها دور العمل الفدائي في سبيل قضية الحسين (ع) التي استشهد دفاعاً
مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب
عنها ويظهرون استعدادهم للتضحية من أجلها بكل غال وعزيز . بالاضافة إلى أنها أي تلك الأعمال عندهم كتظاهرة كبرى ضد اعداء الحسين (ع) الذين يخطئون الحسين (ع) في قيامه ضد الدولة الأموية ويبررون إقدام يزيد على قتل الحسين (ع) وهؤلاء موجودون بيننا وفي عصرنا بكثرة . ومن جهةٍ أخرى هي كتأييد عملي ودعم شعبي لثورته المقدسة وبالتالي هي استنكار صارخ للظلم والعدوان وتأييد للتحرر والاصلاح في كل زمان ومكان . كيف لا ومظاهر القسوة والعنف في أعمال الاحتجاج أمر متداول في عصرنا هذا . فكم نسمع عن أشخاص أحرقوا انفسهم حتى الموت واضربواعن الطعام حتى أشرفوا على الموت كل ذلك احتجاجاً على ظلم أو اعتداء فلم يسخر منهم شباب العصر بل يعتبرونهم بذلك أبطالاً مناضلين ولكن إذا قام شيعة أهل البيت بما هو أقل من ذلك وابسط اتهموا بالسخف والرجعية والوحشية ... لماذا ؟
أضف إلى ذلك أن قيامهم بتلك الأعمال هو بمثابة تدريب وتمرين على خلق الروح النضالية وعلى عمل التضحية والاستشهاد عندهم ليكونوا دائماً وابداً على استعداد تام لتلبية نداء الحق وداعية الثورة الاصلاحية العالمية في اي وقت .
لا شك أن الروح النضالية الفعالة والمعنوية العسكرية الراقية لا تتحققان لدى شباب الأمة بمجرد بعض التمارين الخالية الجوفاء والتمثيليات الفارغة التي لا تخلق سوى جيشاً انهزامياً فراراً غير كرارٍ يصدق عليهم قول الشاعر العربي القديم :
وفي الغزوات ما جربت نفسي
ولكن في الهزيمة كالغزال
ويصدق عليهم قوله تعالى «إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خُشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو» .
أجل ان الاستهانة بالموت تحتاج إلى تهيوء وتدريب جدي وتمارين شاقة خشنة . وإلا فالواقع ما قاله البطل الثائر زيد بن علي بن الحسين (ع) . ما كره قوم حر السيف إلا ذلوا .
مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب
والخلاصة : هي أن هذه دوافع الشيعة وأهدافهم لدى قيامهم بتلك الأعمال في عاشوراء وهي كما تراها دوافع مشروعة وأهداف عقلائية نافعة . هذا مع العلم بأنهم لا يرون فيها ضرراً ولا يحسون منها خطراً على صحتهم ولا على حياتهم حسب ما يؤكدونه هم أنفسهم القائمون بتلك الأعمال وحسب ما يشاهد منهم بالوجدان . بل الثابت منهم وعنهم عكس ذلك أي انهم قد يستفيدون من بعضها فوائد صحية . نعم قد تقع بعض الأخطاء من قبل بعض القائمين بتلك الأعمال أو من بعض المشرفين عليها فتؤدي عفواًَ إلى بعض الأضرار البسيطة وذلك نادراً والنادر الشاذ لا يقاس عليه .
أما إذا أيقن أحد بحصول ضرر بالغ على نفسه من تلك الأعمال فلا يجوز له خاصة أن يقوم بها حتماً .
هذه خلاصة وجه نظر الشيعة ورأي علمائهم الكبار والمطابقة لفتاوي مراجعهم العليا في النجف الأشرف وغيرها منذ خمسين عاماً أو أكثر حتى اليوم . وتلك الفتاوي مجموعة ومدونة مع ذكر تواريخها وبنصوصها التفصيلية في ضمن بعض الكتب المؤلفة حول موضوع الشعائر الحسينية . أو في كراسات خاصة مطبوعة يمكنك الاطلاع عليها إذا شئت ولا أعلم مرجعاً دينياً من مراجع التقليد عند الشيعة سئل عن حكم هذه الأعمال العزائية في عاشوراء إلا واجاب بالجواز والمشروعية هذا مع العلم بان هذه الأعمال كانت تجري ويقوم بها الشيعة أيام عاشوراء منذ قديم الزمان وتحت سمع وبصر كبار العلماء السابقين أرباب الكلمة النافذة واليد المبسوطة . أمثال الشيخ المفيد والكليني والصدوق والسيد المرتضى والسيد الرضي والشيخ الطوسي والسيد مهدي بحر العلوم الكبير والشيخ جعفر الكبير والشيخ الأنصاري ... وهكذا الى عصرنا هذا أمثال الميرزا النائيني والسيد ابو الحسن والشيخ كاشف الغطاء والسيد الحكيم وغيرهم . فكانوا يؤيدون تلك الأعمال ويدعمونها مادياً ومعنوياً . وفي هذا دلالة كافية على جواز تلك الأعمال ومحبوبيتها شرعاً . وفيه أيضاً قناعة كافية لمن يطلب الحق ومعرفة الواقع . بدون تعنت وتصلب واستبداد في الرأي .
مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب
اما الناقدون والمعارضون لتلك الأعمال العزائية فليس عندهم سند منطقي ولا قاعدة عامة عقلائية يصح الاستدلال بها في معارضتهم لها فإنهم يقولون مثلاً : إن القيام بهذه الأعمال توجب السخرية والاستهزاء بهم من قبل الأجانب :
ونقول في الجواب : إن السخرية والاستهزاء والاشمئزاز من قبل بعض الناس على عمل ما ، لا يثبت فساد ذلك العمل ولا يقتضي تركه لمجرد ذلك ولا توجد قاعدة عقلائية تقول أن كل عمل أثار السخرية من قبل شخص أو اشخاص فذلك العمل باطل فاسد يجب تركه . لا لشيء سوى استهزاء بعض الأشخاص البعيدين عن معرفته وحقيقته ، ولا يوجد عاقل في العالم يؤمن بأن محض السخرية ومجرد الاستهزاء بشيءٍ ما سبب كاف وعلة تامة لفساد ذلك الشيء .
إذ لو كان الأمر هكذا لوجب على رسول الله (ص) في بدء الدعوة ان يترك الرسالة والدعوة إلى الإسلام . لماذا لأن قريش صارت تستهزأ به وتسخر من دعوته وتشمئز منه لذلك . أو لوجب عليه أن يترك الصلاة على الأقل لأنها كانت أكثر ما في الإسلام إثارة لسخرية المشركين واستهزائهم منه بها . فهل ترك الصلاة ؟ طبعاً كلا . بل أقول لوكان مجرد استهزاء البعض على القيام بعمل ما يبرر تركه لكان يلزمنا نحن المصلين في هذا العصر ان نترك الصلاة لأنها اصبحت موضع سخرية واستهزاء من قبل أكثر الشباب والمتمدنين من أهل زماننا هذا فهل يصح تركها لذلك خوف أن يقال لنا رجعيين ؟ وها هو الحجاب للمرأة أصبح عيباً وعاراً ومدعاة للسخرية والاتهام بالرجعية فهل صار حراماً وخلعه واجباً أو جائزاً شرعاً لذلك ؟ وها هي أكثرية النساء في البلاد الإسلامية قد خلعن حجابهم وبرزن سافرات فهل أحسن بهذا صنعاً ؟
واعود فاكرر القول بأن مجرد استهزاءٍ ومحض سخرية تصدر من أناس على أفعال وأعمال أناس آخرين لا يبرر الحكم على تلك الأعمال بالفساد والسوء حتى يثبت فساد تلك الأعمال من حيث العوامل والنتائج . فإذا كان العمل صحيح العوامل والأسباب وصحيح النتائج والثمرات بشكل عام . فحينئذ الاستهزاء
مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب
به كهواء في شبك «وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض» .
وانني إذ أقول هذا لا أستبعد أن يكون أكثر هؤلاء المنتقدين للشعائر الشيعية الحسينية قد وقعوا تحت تأثير الدعاية الأموية من حيث يشعرون أو لا يشعرون . تلك الدعاية التي نشطت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة في كثير من البلدان الشيعية وبقصد القضاء نهائياً على كل اثر من ذكر ثورة الحسين (ع) . علماً منهم بأن هذه الذكرى هي الوسيلة الوحيدة الباقية للدعوة الصادقة المخلصة إلى الحق ومكافحة الباطل . من إحياء ذكرى الحسين فقط ترتفع أصوات المعارضة الصحيحة ضد الظلم والظالمين . من هذه الذكرى تنطلق الاضواء الكاشفة فتتسلط على كل زوايا المجتمع ومنعطفات طريق السعادة الاجتماعية لتلفت انظار الناس إلى ما أمامها من أخطار وعقبات فيتجنبونها ويواصلون سيرهم بسلام آمنين .
أيها القارئ الكريم ـ إن ساحة كربلاء يوم العاشر من المحرم سنة 61هجرية كانت أشبه بمسرح تمثيل في جانب منه قام الحسين (ع) وأصحابه بتمثيل أروع دور لمثالية الانسان واسمى ما يمكن أن يرتفع اليه بروحه وخلقه وأريحيته بحيث لا يبقى في الوجود ما هو اشرف منه وأفضل سوى خالقه العظيم .
في الطرف الآخر قام أعداء الحسين (ع) بتمثيل أدنى واسفل درك من الحضيض يمكن أن يتدنى اليه ويهوي فيه هذا البشر من اللؤم والخبث والقسوة والأنانية بحيث يندى منه جبين الوحش ولا يبقى في الوجود ما هو شر منه ولا أسوأ مطلقاً . ولا تزال حوادث تلك المعركة هي المعالم الواضحة والحد الفاصل والسمات الظاهرة بين الحق والباطل وهي المقياس الدقيق لمعرفة الخير من الشر إلى أبد الآبدين .
أجل ان معركة كربلاء لم تنتهي بنهاية يوم العاشر من المحرم بل هي لا تزال قائمة بصورها المختلفة وأحجامها العديدة وفصولها المتغيرة في كل زمان
مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب
ومكان وما دام في الحياة خير وشر وحق وباطل . وما أحسن تصوير الشاعر لهذا المعنى في معركة كربلاء حيث قال :
كأن كل مكان كربلاء لدى
عيني وكل زمان يوم عاشوراء
فالحسين (ع) من وجهة نظر الشيعة وكل الخبراء في العالم إنما هو رمز الخير والعدل والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية .
والأمويون هم رمز الرذيلة والجور والاستبداد والظلم الاجتماعي .
وكل الاعمال العزائية التي يقوم بها الشيعة أيام عاشوراء إنما يعبرون بها عن دعمهم وتأييدهم للخير والعدل والحق ، واستنكارهم وكرههم للظلم والباطل . وهذا دليل على وعيهم الاجتماعي ونضجهم السياسي الكامل حسب ما يؤكده الباحثون وحسبما هو واضح من ثوراتهم التحررية عبر تاريخهم الطويل والمليء بالتضحيات .
و ننتظر اراءكم بالموضوع