|
مــوقوف
|
رقم العضوية : 82629
|
الإنتساب : Apr 2016
|
المشاركات : 105
|
بمعدل : 0.03 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
اليمني الاول
المنتدى :
منتدى القرآن الكريم
بتاريخ : 16-06-2016 الساعة : 09:50 PM
رابعاً : معنى الوليّ الوارد في الآية الكريمة
إنّ العقلاء عندما يقرأون آية الولاية يطرحوون على أنفسهم سؤالاً : لماذا كلّ هذا التوكيد، والتخصيص، والتوضيح الموجود في آية الولاية ؟
والجواب ببساطة ، لأنّ مقام الخطاب يستلزم ذلك ، فمعلومٌ أنّه لكلّ مقامٍ مقال.
فاقتران الآية الشريفة بشواهد الاختصاص والتوكيد دليلٌ على أهمّية الخطاب، وخطورة شأنه ، هذا من ناحية ، ومن ناحيةٍ أخرى ، توضيح المعنى وتوكيده ، وتقريره في أذهان المخاطَبين بأفصح بيان ؛ فلم يعد هناك مجال للشك والظّن ، أو الجهل والتعامي عن المعنى المقصود ، فالآية الكريمة قد أسمعَت مَن به صمم.
فما معنى وليّكم في هذا النَّصّ القرآني الجليل ؟
يقول البعض معنى وليّكم : ناصِركم ومُحِبّكم !.
عجباً لأمر القوم !. ومالي لا أعجب وقد أبدلوا اللّسان العربي بلسانٍ من خشب.
هوِّنْ عليك فإنّ الأمور بكَفِّ الإله مقاديرُها.
إنّ حمل " الوليّ " في الآية على معنى الناصر والمحِب غلط من كافّة الوجوه، شرعاً وعقلاً ولغّةً وعُرفاً.
معنى " وليّكم " : الأَوْلَى بكم ، الّذي وجبت له الطّاعة عليكم.
هذا هو المعنى في الآية الشريفة . بدليل ما يلي : ـ
1 - أنّ آية الولاية خاصّة وليست عامّة، ومعلومٌ أنّ المحبة والنّصرة عامّة، مستغرقة لجميع المؤمنين والمؤمنات، وليست منحصرة فقط ومختصّة بالله تعالى، ورسوله، والّذين ءامنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
قال تعالى : ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾.
وقال تعالى : ﴿ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾.
2 - ضمير الجمع في " وليّكم " يعود على جميع المخاطَبين، أي على جميع المؤمنين والمؤمنات؛ وهذا يمنع من أن يكون المراد بـِ " الوليّ " النّاصِر أو المُحِب ، وذلك لحصر الولاية في المؤمنين الموصوفين بالجملة الحالية.... إيتاء الزكاة حال الركوع.
فلو كان المقصود هو المحب والنّاصر لاستلزم ذلك أن يكون البعض الآخر غير ناصر ولا محب، لأنّ الحال المذكورة في الآية ليست حاصلة ومتحققة في جميع المؤمنين والمؤمنات ، إنّما هي نعتٌ مخصوص
لِذي هيئةٍ مخصوصة وفي زمن مخصوص ، وصاحب الحال مؤمنٌ واحدٌ، مقصودٌ بذاته ونعته.
إنّ أداة القصر، والجملة الحالية عبارة عن قيود ، أفادت تخصيص الحكم وتوكيده ؛ وليس لتقييد الحكم في آية الولاية أي معنى إلّا الدّلالة على ولاية الأمر والتدبير، وليس ولاية النّصرة ، لأنّها عامة لا اختصاص فيها ولا تقييد.
3 - الآية الشريفة تضمّنَت أيضاً ولاية الله ورسوله ، ومعلومٌ أنّ ولايتهما ولاية أمرٍ وتدبير، وطاعتهما واجبة على جميع المكلّفين.
قال تعالى : ﴿ اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾.
وقال تعالى : ﴿ وَاللَّـهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾.
وقال تعالى : ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ﴾.
وقال تعالى : ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.
وقال تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾.
هذه الآيات ونظائرها تؤكّد أنّ ولاية الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولاية أمر تدبير ؛ فولاية الّذين ءامنوا ، المخصوصين في آية الولاية، نفس ولاية الله ورسوله وعلى نسقها ، أي ولاية أمرٍ وتدبير.
وليس لأحد أن يقول : إنّ ولاية الله ورسوله ولاية أمر وتدبير وليست كذلك ولاية الّذين ءامنوا.
فهذا القول أوهن من بيت العنكبوت ، ساقط تماماً ؛ لأنّ " الّذين ءامنوا " معطوفٌ على الله ورسوله ، وهذا العطف أفاد التشريك في الحكم ، أثبت لهم حكم الولاية الثابت لله ورسوله ؛ فالولاية واحدة، وهي ولاية تَصَرُّف.
وهذا يؤكد أنّ الآية دالّةٌ على ولاية الأمر، وأنّ معنى الوليّ هو الأَوْلى والأحقّ بالطاعة ؛ وهو الله ورسوله والّذين ءامنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
4 - " وليّ " على وزن " فَعِيل " وجاء اللّفظ في الآية بصيغة الإفراد ؛ قال : إنّما وليّكم ، ولم يقل : إنّما أولياؤكم ، على الرغم أنّ الآية أثبتت الولاية لأكثر من واحد ، لثلاثة أطراف : " لِله ولِرسوله ولِلّذين ءامنوا الذين .... ".
فاللّفظ استوى فيه المفرد والجمع ؛
والألفاظ الّتي تأتي على وزن فعيل ويستوي فيها المفرد والجمع لا تكون إلّا بمعنى المفعول لا بمعنى الفاعل.
فمعنى " وليّ " في الآية ، هو مولى ، والمولى هو الأَوْلى : السيّد المُطاع، المُتَّبَع في جميع أمره ونهيه ؛ وهو الله ورسوله والّذين ءامنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
قال تعالى : ﴿ مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ ﴾.
مولاكم : أَوْلَى بكم.
وقال تعالى : ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّـهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾. مولاهم : حاكمهم وسيّدهم.
وقال تعالى : ﴿ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ﴾.
كَلٌّ على مولاه : عبءٌ على سيّده.
وفي الحديث قوله صلى الله عليه وآله : {... والعبدُ إذا اتّقَى ربَّه وأطاعَ مواليَه فله أجران } (صحيح البخاري).
مواليه : أئمّته ؛ موالي : جمع مولى : السيّد المُطاع.
وفي صحيح البخاري : { باب إذا كان الوليّ هو الخاطب، أي الخاطب لامرأةٍ هو أَوْلى النّاس بها.
وقد علَّقَ الشّارحُ ـ مصطفى البغا ـ على الحديث قائلاً :
هو أَوْلَى .... : أي وليُّها }.
وقال الشــاعــر :
فما أنا في سهمٍ ولا نصرِ مالكٍ
ومولاهمُ عبد بن سعد بِطامعِ.
(النابغة الذبياني - ديوانه).
يقول : لستُ طامعاً في سهمٍ ، ولا بنصر مالكٍ ولا بمولاهم : أي سيّدهم.
وقال الشاعر يمدح يزيد بن معاوية :
وما وجَدَت فيها قريشٌ لِأمــرها
أعـفَّ وأَوْفى من أبيكَ وأمجــدا
فأصبحتَ مولاها من النّاس بَعدَه
وأحرَى قريشٍ أن يُهابَ ويُحمَدا.
(الأخطل التغلبي - ديوانه).
إنّ المعنى الحقيقي للوليّ والمولى هو الأَوْلَى ، والمعاني الأخرى مجازية، ولا يتمّ العدول عن المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي إلّا بشاهدٍ ودليل.
إذاً ، " وليّ " في آية الولاية، بمعنى مفعول، أي مَولى، وهو الأَوْلَى : السيّد المُطاع ، المُتّبَع ، مَن توالت طاعته حالاً بعد حال ، وزماناً بعد زمان ، دون أن يتخلّلها انقطاع أو عِصيان ؛ لأنّ وليّ صِفة مُشبَّهة.
وبما أنّ " وليّ " صفة مشبهة ، على وزن فعيل بمعنى " مفعول " امتنعَ أن يكون المعنى هو النّاصر أو المُحِبّ ، لأنّها أسماء فاعل بمعنى " فاعل " لا بمعنى مفعول، وهي دالّة على معنى الحدوث والتجدّد، وليس الثبوت والدّوام.
" الوليّ " : المُطاع ، أي مَن وجبت طاعته على المكلَّفين ، فهو مُطاع لأنّه مفعول ، والمكلَّفون طائعون لأنّهم فاعل ، ومَن وجبت طاعته وجبَ اتّباعه في جميع أمره ونهيه ، فالوليّ متبوعٌ لأنّه مفعول، والمكلَّفون تابعون لأنّهم فاعل، ومَن وجب اتّباعه وجبت نصرته ومحبّته ، الوليّ مولى ، لأنّه مفعول ، فهو منصورٌ و محبوب ، والمكلّفون ناصِرون ومُحِبّون لأنّهم فاعل ؛ والنُّصرة والمحبّة لازمٌ من لوازم اتّباع المولى وطاعته.
قال تعالى : ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾.
وقال ذوو الفطرة السليمة :
تعصي الإلهَ وأنت تُظهرُ حُبَّه
هذا لَعمركَ في المقال بديـعُ
لو كُنتَ تصدق حبَّه لَأطعتَــه
إنّ المُحِبَّ لِمَن يحبّ مُطيعُ .
.........................................
" إنّما الأَوْلى بكم الله ورسوله والّذين ءامنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ".
" إنّما مولاكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين ................ ".
" إنّما مُطاعكم الله ورسوله والّذين ءامنوا الّذين ................ ".
" إنّما محبوبكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين ................ ".
" إنّما منصوركم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين ............. ".
" وليّ " في الآية بمعنى المفعول، وحمل المعنى على المحِب والنّاصر يؤدّي إلى أن يكون " وليّ " بمعنى الفاعل، وهذا بدوره يؤدّي إلى انعكاس معنى الآية رأساً على عقب ، فيصير المفعول فاعلا، والفاعل مفعولاً ، أي يصير المُطاع طائعاً، والطّائع مطاعاً وهو باطل.
إنّه يؤدّي إلى جعل ( الوليّ ) ـ الله ورسوله والّذين ءامنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ـ يؤدّي إلى جعل الوليّ طائعاً تابعاً للمكلَّفين، والمكلّفين مُطاعين متبوعين ؛ وهذا المعنى ساقط شرعاً ولغّةً ؛ لأنّ :
الله تعالى مولى : فهو مُطاع لا طائع.
رسوله مولى : فهو مطاع لا طائع.
الّذين ءامنوا الّذين ......" مولى : فهو مطاع لا طائع.
وبهذا يظهر لك أخي القارئ فساد ما ذهب إليه المخالفون، حيث إنهم جعلوا (الوليّ) في الآية بمعنى (فاعل) فعكسوا معنى الآية رأسا على عقب، وهذا غلط لأنه بمعنى " مفعول " ، فهو متبوع ، طاعته ومحبّته ونُصْرته واجبة على المخاطَبين ، وليس العكس.
هل عرفتم الدلالة المعنوية لمجيء لفظ (ولي) بصيغة الإفراد ؟؟.
" قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلون ".
وآية الولاية عبارة عن جملة خبريّة لفظاً ، إنشائية في المعنى، معنى الآية هكذا : " أطيعوا اللهَ ورسولَه والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ".
" الله ورسوله والّذين ءامنوا الّذين........" ؛ مفعولٌ به ، وليس فاعل.
ويتأكّد هذا المعنى الشريف بالآية التالية لِآية الولاية ، لأنّها معطوفةٌ عليها، أي قوله تعالى :
" ومَن يتولَّ اللهَ ورسولَه والّذين ءامنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون ".
" الله ورسوله والذين ءامنوا " مفعولٌ به ، تأكيداً على أنّ " وليّ " في آية الولاية ، بمعنى مفعول ، لا بمعنى فاعل.
ومرة أخرى، عالي شموخك يا يمن.
...........................................
وبنــاءً على كلّ ما سبق من الشواهد والأدلّة العلمية والشرعية، يتأكّد تماماً أنّ المعنى المراد في آية الولاية هو ولاية الأمر، ووجوب طاعة المذكورين فيها واتّباع أمرهم ونهيهم دائماً وأبداً ؛
" الله ورسوله والّذين ءامنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ".
هم الجديرون بالولاية ، الخليقون بالطّاعة ، والأحقّاء بها دون منازع.
فمعنى الآية دال بجلاء على الإمامة ، والرّئاسة العامة ؛ وقوله تعالى :
" الّذين ءامنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " المقصود به أعيان مخصوصون ، ولايتهم كولاية الله ورسوله ، وطاعتهم كطاعة الله ورسوله،
وهم الّذين أوجب لهم الشرعُ نفس الطّاعة الواجبة للرسول صلى الله عليه وآله في قوله تعالى :
" يا أيّها الّذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".
هم الّذين جَعلَ الله طاعتَهم شرطاً واجباً من شروط الإيمان بالله واليوم الآخر.
واقتران ولايتهم بولاية الله ورسوله يؤكّد أعلميتهم، وعصمتهم، وعظيم منزلتهم.
العصمة : ملَكة اجتناب المعاصي مع التّمكّن منها.
(معجم التعريفات - علي الجرجاني).
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾.
.........................................
واعلم أخي القارئ الكريم، أنّ آية الولاية أكّدت وجوب ولاية الأمر خلافةً عن رسول الله، وأنّ الإمامة باقية متواصلة بعده صلى الله عليه وآله وسلم، والفائدة الجليلة الّتي جاءت بها الآية الشريفة هي النّصّ على الخليفة الشرعي بصفته ونعته.
ومعلومٌ لدينا أنّ ولاية الله ورسوله واجبة على الخَلْقِ، نحن نعلم ذلك من آياتٍ أُخَر غير آية الولاية ؛ فالرسول هو وليُّ المسلمين في حال حياته وزمانه، ولا ولايةَ لِأحدٍ عليه، لأنّ النّبيّ أَولى بالمؤمنين من أنفسهم ؛ فإن مات أو قُتلَ انتقلت الولاية منه صلى الله عليه وآله إلى خليفته الموصوف بالإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة حال الركوع، وفقاً لِما أخبرَتْ به آية الولاية.
وبناءً على ذلك، نعلم أنّ أداة القصر " إنّما " دالّة على إثبات الإمامة خِــلافةً عن رسول الله صلى الله عليه وآله لِمَن تحققَتْ فيه الصفات المذكورة في الآية منفيةٌ عمّن عداه.
|
|
|
|
|