|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 82198
|
الإنتساب : Aug 2015
|
المشاركات : 830
|
بمعدل : 0.25 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العقائدي
الاختلاف العقائدي
بتاريخ : 10-11-2015 الساعة : 08:50 AM
الاختلاف العقائدي
2015/11/05 |
فإنّ أكثر المتدينين يقوم تديّنهم على العلّة لا الدليل.
فليس جميع المسيحيين على سبيل المثال اعتنقوا المسيحية من خلال المقارنة بين الأديان والمذاهب وأذعنوا لحقانية المسيحية من موقع الدليل، فالغالب في ايمانهم هو إيمان وراثي وتقليدي، وهذا الحكم يستوي فيه الزرادشتيون والمسلمون واليهود وغيرهم فالمسيحي لو ولد في مجتمع إسلامي لصار مسلماً وبالعكس، ولسان حال جميع المتدينين«بل جميع الناس في العالم» هو : (إِنّا وَجَدنـا آبـاءَنـا عَلى أُمَّة وَإِنّـا عَلى آثـارِهِم مُهتَدُونَ).
عبد الكريم سروش, الصراطات المستقيمة,ص:32
في هذا الموضوع الذي طالما دار في الاوساط العامة قبل الفكرية منها حتى لتجد الكثير من الاطفال الذين ما إن يدرج احدهم في مسالك الوعي واكتساب الخبرة العقلية حتى يتناول مؤداه بالتساؤل والحيرة .
وانقسم فيه المفكرون الى من يجعل الامر أشبه بمبدأ تعددية الحقيقة وأن ليس ثمة معيار والى من يذهب الى التمسك بمايذهب اليه على أنه الحق, وعلى الآخرين الاهتداء اليه .. ويزداد الامر صعوبة حين نصل الى الموضوع اللصيق به وهو الجزاء الاخروي, المسلم هو الناجي يوم القيامة ولكن كيف آمن المسلم أنه الحق ؟ إن كان قد فكر واطلع وبرهن فقد فعل الغير ذلك ايضا فوصل الى البرهنة على مايعتقد, وإن سلّم بالامر على أنه ادرك الحقيقة فلاشك أن ذلك من حق الغير ايضا ..!!
هنا فإني لا أجد الامر كما يصوره البعض وكما يقرره سروش في المقطوعة الآنفة الذكر ويجعل الأخذ عن البيئة حتميا, إذ لا طالما شهدت الساحة العقائدية تحولات ـ على صعيد الافراد او الجماعات ـ قامت على أساس الاستدلال العقلي من الكفر الى الايمان أو بالعكس او من دين الى آخر, ثم أن هذا القول نفسه هو خروج عن العقيدة الموروثة لم يجده المسلم او المجوسي او الماركسي في بنود عقيدة آباءه, فهو إن قال به أو أخذ فقد فعل ذلك بعد إعمال العقل, وهذا مايؤدي بنا الى نتيجة بينّة أن للعقل دورا هاما في بناء العقيدة, ومانراه من شيوع التوارث العقائدي في الجماعات البشرية حتى لكأنه القاعدة لايعني الحتمية ولايلغي وجود الحقيقة الثابتة, إذ لطالما اجتمع الناس على اعتقاد خاطئ كمركزية الارض للكون مثلا, وإن الذي دفعهم الى هذا الاجتماع الخاطئ هو افتقادهم للتجارب العلمية والآلات التي تمكّن من خلالها غاليلو في اثبات ذلك, أضف الى محاربة الكنيسة لهذه الفكرة بسبب تقاطعها مع خطها العقائدي, إذن فإن افتقاد عنصر ما أو الخلل فيه هو مايؤدي الى حجب الحقيقة أو الضلال عنها وهذا ماهو كائن في الحقيقة العلمية والدينية على السواء .
إن الله حين خلق الانسان في هذه الحياة زوده بأداتين هما العقل و الضمير اللذين يشكلان مايعبّر عنه بالهداية التكوينية والتي لامناص لها من التفاعل مع الهداية التشريعية المتمثلة بالوحي إذا ما أراد الانسان الوصول الى الحقيقة .
وهنا نعود الى نقطة البدء في المشكلة وهي أنني كي أستعين بالوحي علي أن أؤمن به ولاطريق للايمان به إلا بالعقل الذي يوصلني الى الايمان بسواه أيضا, بل ربما قادني الى البرهنة على خطأ الوحي !!
إن كل الافكار والمذاهب الفلسفية التي توصل اليها الانسان إنما توصل اليها بالعقل, ومايخص العقيدة فإن هذا التكثر ناتج عن خطأ في العنصر الثالث من عناصر الوصول الى الحقيقة ألا وهو الضمير, فمن خلال تتبع الفكر الديني منذ نشأته على يد الانسان الاول نلاحظ أن هذا الانسان قد وجد في أعماق عقله قانون العلية فراح يبحث عن الموجد والصانع لما حوله من معلولات, كما وجد في اعماق روحه نزوعا الى المطلق فراح يسعى الى الغيب وذلك مايعبّر عنه القران بالفطرة (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الروم : 30, ولما كان الكاهن في هذه المرحلة هو المدلّ على الحقيقة الدينية بقدراته المحدودة تولد الفكر الاسطوري والعقيدة الوثنية, وهنا علينا أن لانغفل نقطة مهمة في الموضوع وهي ان الكاهن لم يكن يستفرغ جهده في سبيل الوصول الى مايفسر به الواقع المعاش وماينطوي عليه عالم الغيب بقدر ما اهتم بايجاد الوسيلة التي تعزز مكانته الرفيعة في المجتمع وسيادته الواسعة عليه, بدليل ما نطالعه في تاريخ الكهنوت من تواجد الكهنة الدائم ضمن حاشية الملوك والطواغيت وفي مقدمة الخط المعارض للانبياء والرسل, إن الفارق شاسع بين الفكر الرسالي والكهنوتي, ويمكن لجميع البشر بلا استثناء أن يلتمسوا موضع الخطأ والصواب فيه, ورغم هذا فإننا نجد أن الصراع بينهما لم يكن صراع أفكار بقدر ماهو صراع قيم ومصالح .. وهذا ما يؤكد أن الخطأ نابع من خلل في الضمير .
ثم أمعنت الكنيسة الاوربية في تجسيد الدور المماثل ـ كما هو معلوم لكل المهتمين بقضايا الفكر والتاريخ ـ ففعلت خلاياها السرطانية فعلها المرعب في جسد المسيحية الحقة والفكر الانساني القويم, تحصينا لامبراطوريتها العملاقة وفي هذا انعدام لعنصر الضمير ايضا, فتماهى الانحراف والصواب في حقيقة الدين, فإذا ما اعتُمد هذا الانحراف على انه الحقيقة واتُخذ بمثابة الكبرى والمسلم بها خلص ذلك الى اقتضاء الالحاد وبطلان الدين, وكان أن الله فكرة صنعها الانسان ـ مثلا ـ مقبولة تماما كفكرة خلق الله للانسان وعلى قدم سواء في المنطق العقلي لتماهي مقدماتهما .
إن التكثر في الاديان الوثنية جمعاء ماهو إلا تناسل لفكرة يتقوم بها الفكر الوثني وهي اعتماد الوعي الانساني المحدود في تصور المطلق, والتكثر في الاديان السماوية هو انشداد ابناءها الى نسبيتهم مما يؤدي بالمطلق الذي يتبناه النبي الى الانحراف ..
فإذا ماجاء الفكر الوضعي وقد تناول الانحراف الديني ومافيه من ثغرات ومساوئ على انه الحقيقة وأسس تنظيراته في الدين وضرورة عزله, وراح يسعى جاهدا للوصول الى الحقيقة والنظام الاصلح حالت نسبيته دون ذلك وأدى به الى التكثر والشتات .
إن الافكار إذا ما بقيت في المدار الفكري فهي في مستودع آمن ولاضرر على الانسان منها, ولاشك أن الحوار العقلي الهادف كفيل بحل الكثير من ارهاصاتها ومن ثم توحيدها, ولكن السياسات الحاكمة التي كانت وماتزال على امتداد عمر البشرية سبب في انحراف وتأكيد وخلق كثير من الافكار والمعتقدات .
أن فكرة الله الواحد الاحد الصمد كما يصورها القران ويعرضها الفلاسفة المسلمون هي الانسب عقلا مع فكرة واجب الوجود التي يتقوم بها تفسير الكون ولاتصمد أمامها فكرة التجسيد والخيال الساذج الذي يعتمده الفكر الوثني ولا التثليث الذي تقول به المسيحية المنحرفة, ولكن المشكلة أن الذي حمل القران للمسيحين هوخليفة يخاطب واليه قائلا
ـ ويلك احلب الدر فإن جف فاحلب الدم
ليعطي مليون درهم لمغن اعجبه غناءه, فأدى ذلك الى الاعتزاز بفكرة التثليث عند الشعوب النصرانية, وإن الذي حمل فكرة التثليث هي الكنيسة بطغيانها ومحاكم التفتيش فيها فأدى الى صعود الفكر المادي والمعارض للدين الذي فتح بدوره صفحة جديد في تاريخ الاضطهاد والارهاب, إن الممارسات المرعبة التي قامت بها دول الغرب وفي مقدمتها بريطانيا في الهيمنة على سكان القارة الافريقية ونقلهم كعبيد الى امريكا قد أدى الى الاعتزاز بفكرهم الوثني, ومازال الافريقي الذي يتعاطى عقائد وثنية بالية, إنما يفعل ذلك ليس بعامل ذاتي كما يقول مبدأ التفوق العرقي, أو ان ذلك اقصى مايمكن أن تؤدي اليه حدود قدراته العقلية بل بعامل الاستجابة لواقعه الاقتصادي الذي جعلته الولايات المتحدة وسواها من دول الغرب بلقعا لايجد فيه مايسد جوعه, رغم وجود الثروات الهائلة في القارة الافريقية .
والخلاصة إن التكثر في المعتقدات ليست واقعا مطلقا ربما عبر فيه أي من تلك المعتقدات عن الحقيقة أو عبر كل منها عن حقيقته, بل إن سوء الضمير الذي شاءت حكمة الله سبحانه أن يجعل للانسان السلطة عليه من خلال حرية الاختيار هو السبب في تعدد المعتقدات والمذاهب, وفي أن يبرز القول الشائع (اني ولدت في بيئة كذا فكنت كذا) وكأنه يمثل الحقيقة ...
الكاتب / الشيخ صلاح الخاقاني
|
|
|
|
|