( النهرين ) : فرعان يشتقان من عمود الفرات ويتصلان ببعضهما في قرية نينوى في جوار الحاير الحسيني ويتجهان الى الشمال الشرقي الى الكوفة معا على سبيل توحيد وتفرد ، وللفارق يعرفان بنهري كربلاء ، يتوضح على ضوء ما سرده أبو الفرج في المقاتل (1) ونورد بين قوسين ما تفرد بايراده صاحب الدر النظيم (2) :
قال أبو الفرج : لما قتل زيد بن علي دفنه ابنه يحيى ، تفرق عنه الناس ولم يبق معه الا عشرة نفر ، قال سلمة بن ثابت . قلت له : أين تريد ، قال : أريد النهرين ومعه الصياد العبدي . قلت : ان كنت تريد النهرين فقاتل هاهنا حتى تقتل . قال : أريد نهري كربلا ( وظننت انه يريد أن يتشطط الفرات ) فقلت له النجاء قبل الصبح . فخرجنا فلما
جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان فخرجنا مسرعين فكلما استقبلني قوم استطعمتهم فيطعموني الأرغفة فأطعمه اياها وأصحابي حتى أتينا نينوى فدعوت سابقا فخرج من منزله ودخله يحيى ومضى سابق الى الفيوم فأقام به . ( فلما خرجنا من الكوفة سمعنا أذان المؤذنين فصلينا الغداة بالنخيلة ثم توجهنا سراعا قبل نينوى ، فقال : أريد سابقا مولى بشر بن عبد الملك فأسرع السير الى ان انتهينا الى نينوى وقد اظلمنتا فأتينا منزل سابق فاستخففت الباب فخرج الينا ) .
وذكر ابن كثير في البداية (3) عن محمد بن عمرو بن الحسن قال : كنا مع الحسين بنهري كربلاء .
وأورد ابن شهر آشوب في المناقب : مضى الحسين قتيلا يوم عاشوراء بطف كربلاء بين نينوى والغاضرية من قرى النهرين (4) قال الطبري (5) بعد مهادنة أهل الحيرة لخالد بن الوليد في مفتتح الفتح وخضوع الدهاقين لأداء جزية وضريبة وزع بينهم العمال . ولتمهيد الأمن أقام مخافر عهد بعمالة النهرين الى بشر بن الخصاصية فاتخذ بشر الكويفة ببابنورا قاعدة لعمالته .
وذكر عند حوادث سنة 278 هـ (6) ابتداء أمر القرامطة : وردت الأخبار بحركة قوم يعرفون بالقرامطة بسواد الكوفة . فكان ابتداء أمرهم قدوم رجل من خوزستان ، ومقامه بموضع يقال له النهرين يظهر الزهد والتقشف ويسف الخوص ويأكل من كسبه ويكثر الصلاة ، اذا قعد اليه انسان ، ذكره أمر الدين وزهده في الدنيا ، وأعلمه ان الصلاة المفروضة على الناس خمسون صلاة في كل يوم وليلة حتى أفشى ذلك عنه بموضعه .
نهر العلقمي
ذكر المسعودي في التنبيه والاشراف (7) : وكاتب البريد ابن خرداذبه في المسالك (8) : اذا جاز عمود الفرات هيت والأنبار ( يقابل الثاني الأول في الضفة الغربية ) فيتجاوزهما فينقسم قسمين ، منها قسم يأخذ نحو المغرب قليلا المسمى ( بالعلقمي ) الى أن يصير الى الكوفة .
وآثار العلقمي الباقي منه اليوم ـ على ما وقفت عليه ـ اذا انتهى الى شمال ضريح عون اتجه الى الجنوب ، حتى يروى الغاضرية لبني أسد ـ والغاضرية على ضفته الشرقية ـ وبمحاذاة الغاضرية شريعة الامام جعفر ابن محمد ( سلم ) على الشاطئ الغربي من العلقمي . وقنطرة الغاضرية تصل بينه وبين الشريعة ثم ينحرف الى الشمال الغربي . فيقسم الشرقي من مدينة كربلاء بسفح ضريح العباس ( سلم ) اذ استشهد ما يلي مسناته . فاذا جاوزه انعطف الى الجنوب الشرقي من كربلاء مارا بقرية نينوى وهناك يتصل النهران ( نينوى والعلقمي ) فيرويان ما يليهما من ضياع وقرية شفيه فيتمايلان بين جنوب تارة وشرق اخرى ، حتى اذا بلغا خان الحماد ـ منتصف الطريق بين كربلاء والغري ـ اتجها الى الشرق تماما . وقطعا شط الهندية بجنوب برس أو حرقه ـ وأثرهما هناك مرئي ومشهود ـ
حتى يسقيان شرقي الكوفة .
ذكر ان مجراه في العصور القديمة كان يتصل ببطائح البصرة ، وان سابور ذي الأكتاف اتخذ حافتيه قاعدة للذب عن غزو العرب لتخوم المملكة . وشمل بعناية أخلافه من ملوك الساسانية لموقعه الدفاعي .
بلغ من ازدهار العمران الذي حف بجانبيه شأواً حتى أن ذكروا : أفلتت سفينة وانحدرت مع جري الماء يومين فامتلأت بأنواع صنوف أثمار حافيته .
ذكر هارفي بوتر في التاريخ القديم ان بخت نصر الملك البابلي حفر نهراً من أعالي الفرات حتى أوصله الى البحر لتقارب الوصف ، من الممكن أن يكون هذا النهر هو ( العلقمي ) (9) ولنفس الغاية لبعد أمد جريه اختار فوهته من أعالي الفرات لارتفاع مستوى الماء هناك ـ المتدفق وسرعة الجري ـ ولبعد عمود الفرات عن ارواء آخر حدود الريف في العصور القديمة من التاريخ في الدور البابلي أو الكلداني . اذ كان مجراه يشق عاصمتهم بابل . كان بطبيعة الحال حفر مثل هذا النهر من الضروري ومما لا مناص منه لنطاق مدى العمران .
والعلقم بالفتح والسكون يطلق على كل شجر مر ( الحنظل ) . وما عداه من غير فارق ، والعلقمة المراره . يخال لي لشدة ما كان العرب يكابدون من مرارة ماء آبار الجزيرة ، حتى تخوم الجزيرة ، ومياه عيون
الطف ، ثم ينهلون عذب نمير هذا النهر فلبعد شقة البين بالضد أطلقوا عليه اسم ( العلقمي ) (10) .
اطلقت على جملة الضياع التي اتخذت على النهرين ، العلقمي ونهر نينوى في الدور الاسلامي من مبتدأ فوهة أو صدر ( العلقمي ) ما يلي هيت بـ ( الفلوجة العليا ) فاذا انحدر مجراه لحدود كربلاء ( الفلوجة الوسطى ) ولحدود اتصاله بالكوفة بـ ( الفلوجة السفلى ) وهذه الفلاليج الثلاثة ، كل واحد منها في الدور الكسروي متمماً لأستان بهقباذات الثلاثة . ففيما بين نهري دجلة والفرات ، أستان بهقباذ الأعلى ، ثم الأوسط ، ثم الاسفل . كان قسط هذا النهر من التفقد والعناية قد بلغ نصاب الكفاية ، يتمايل بنشوة نظارة العمران وساكني حافتيه في هناء ورغد عيش ، حتى أن انتكست الخلافة العباسية ، وحل بكيانها الضعف والوهن ، لشغب الأتراك وتلاعبهم بنصب وخلع وقتل ثلاثة من الخلفاء ، وهم المستعين والمعتز والمهتدى .
وانحل نظام الأمن وسادت الفوضى أنحاء البلاد لقيام الفتن والثورات وتعاقبها ـ واحدة تلو الأخرى دون أيما انفكاك ـ وقد بلغ الضعف بالدولة الى درجة أن أصبح من المستحيل امكان قضائها على ثورة الزنج ولم تتمكن من اخماد ثورتهم الا بعد خطوب وتكبد خسائر فادحة ما يقارب الثلاث عشرة سنة (11) استنزفت من الضحايا والأموال ما يفوت الحصر احصاءه
نهر نينوى
نهر نينوى كان يتفرع من عمود الفرات ما يقارب الحصاصة وعقر بابل وموقعه اليوم ـ على التقريب ـ بين شمال سدة الهندية وجنوب قضاء المسيب من نهر سورى ثم يشق ضيعه أم العروق ، ويجري جنوب كرود أبو حنطة ( أبو صمانه ) ، وتقاطع مجراه باقيا ليومنا هذا . ويعرف بـ ( عرقوب نينوى ) . ومن المحتمل ان البابليين هم الذين حفروا نهر نينوى مع تشكيل قرية نينوى باسم عاصمة الاشوريين في أدوار حضارتهم ولعدم ورود ذكر هذا النهر حتى عرضا ، يخال لي توغل دثوره في مستهل أيام الشغب .