لاشك انه عنوان جذاب يستميل النفوس المحبة للمعرفة لكن حب المعرفة لوحده لايكفي وكم هي الأشياء التي نحبها لكننا لانحصل عليها ,بل لعل في بعضها او دونها خرط القتاد لكن موضوع الثقافة المعرفية بما انه من القضايا الكسبية والتي ترجع بالدرجة الاولى للعنصر الكسبي فهي مما ماتلحظه العيون وتطمح اليه المهج من هنا كانت اهمية هذا الحديث .
لاشك إنا في زمان المنهجية وخصوصا مع تطور علم التنمية البشرية حيث الأفاق التنظيمية للكسب العرفي أصبحت اليوم منظمة بشكل اكبر وبشكل ادق, لكنه مهما ارتقى فلن يكون لقمة جاهزة في فم كسول بل لابد من الجهد والالتزام بتطبيق القواعد التي ينبغي ان نسير عليها لكي تحصل هذه النتائج الكبيرة .
ومن دون الإطالة وكم عانيت منها ؟! لأنها رفيقة التأليف والكتابة مع شديد الاسف بل لعلها من ادرانها , وكم من مرة تعجبت لبعض الكتاب من الذين يكتبون كتابا مكونا من 600 صفحة او أكثر وكان بإمكانهم ان يختصروا هذا العدد الهائل من الصفحات في أوراق قليلة تجمل المراد وتوفر الوقت الذي اصبح اليوم اغلى من كل شي , ومن الطبيعي ان هذا المعنى لايستشعره كل انسان الا من ادرك قيمة هذه اللحظات التي تمر عليه وعلم انها لن تتكرر ابدا .
لاشك بعد النزوع الهائل نحو المسموع والمرئي , وبعد استفحال الصورة وسيطرتها على عناصر المشهد الثقافي باتت قراءة الكتاب منجزا ثقافيا بذاته , وكم يعترينا العجب حينما نرى تقريرا تلفزيونيا لفضائية الحرة وفي الجامعات العراقية التي قيل قديما في حقها مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق يقرا ان تتضائل قراءة الكتاب الى درجة لم يظهر التقرير طالبا واحدا من الذين نالهم التقرير قد انجز قراءة كتاب واحد طيلة عام واحد .
ان هيمنه المسموع والمرئي وتطور وسائل الاتصالات اخرجت الاغلبية الصامته من جحورها واصبحت شريكا معرفيا يزاحم النخب في كل صغيرة وكبيرة كما يفعل البعض اليوم في المنتديات الالكترونية على رداءة مايملك من معلومات ومن خزين معرفي الا انه اصبح شريكا شئنا ام ابينا ,فلم يعد يكتفي بان يكون مستمعا مادام بامكانه ان يوصل صوته وان يتكلم لانه بصراحة قد امتلك الوسيلة .
واليك مثالا : فرغم احجام الطبقة المثقفة وتقيمها لبرنامج استار اكاديمي والجزم برداءة هذا البرنامج نجد ان عدد الذين شاهدوا البرنامج وصل الى 17 مليون مواطن عربي يمكن القول ان زمان وصاية النخب قد ولى عهدة وبات يلفظ انفاسه الاخيرة و تبعا لذلك تغير العنوان النقدي وبات العنصر الادبي خارج النقد لان النقد الادبي لف جوانبة وانتابته الشيخوخة المبكرة ولم تعد نقديات طه حسين الا ادبا برجوازيا ليحل محلها عنصر النقد الثقافي الذي يتناول الافكارباي وعاء كانت سواء ابرزت بفلم او مسرح او اغنية او غيرها من العناصر الفنية .
لكن مما لاشك فيها إن القارئ للكتاب مهما انخفض سوق التقيم له وبات رصيدة ينهار ازاء الثقافة التلفزيونية العارمة التي باتت تحاصره من كل مكان يبقى عنصرا نادرا ومميزا مهما تغيرت العناوين وهيمنت العناصر الأخرى على المشهد الثقافي .
ان القراءة ومهما قلنا فيها و كيفما اتفق في هذا العصر الذهبي عصر المصورات الالكترونية تبقى كنزا لايمكن لاولي الالباب ان يعرضوا عنه لانه ضالة لمن ادمن معرفة افكار الاخرين والتعرف على مناهجهم بل انها تعطي السلطنة على الاخرين سواء رفضوا ذلك او رضوا به .
ان مايؤسف له ان الكثير منا اليوم لايعرف كيف يتعامل مع الكتب وكيف يستفيد منها ؟
ومن ضمن مراقبتي لموسوعات الكيف التي تملى شبكة النت كما في : كيف تكون كاتبا او كيف تكون قائدا وكيف تكون مميزا الى اخر الكيفات التي لم تخلو منها مكتبتي الشخصية والتي لاتخلو ايضا من النزعة التجارية لدى مؤلفيها لكنها في الوقت ذاته تشكل اجابة لطموحات متعددة ينزع اليها الناس في هذا العالم الصاخب هذا العالم الذي يمكننا القول ان القلة القليلة منه هي التي يمكنها فيه ان تحتفظ بعقولها وقت الزحام .
هناك حاجة لاشك ولاشبهة في معرفة الطرق السهلة والواضحة للتعامل مع هذه الكتب وحسب تصوري القاصر هناك طريقتان مجربتان ولكل منهما نتيجة او قل نتائج .
الطريقة الأولى: هي الطريقة العشوائية
وهي طريقة شائعة عند مجموعة من المثقفين فهم كالطائر يلتقطون الحب من هنا وهناك ويحق لنا ايضا ان نقول ان فكرهم أصبح التقاطيا , فالقارى يتحرك نحو الكتب وفق ماتهوى نفسه فتراه يقرا في الاقتصاد وفي الفقه وفي الفلسفة وفي علم النفس وفي علم الاجتماع في كل شي يقرا. قد يفهم وقد لايفهم.
صحيح انه بهذه الطريقة يطلع على جوانب متعددة من المعرفة العلمية والانسانية حتى يتصور في نفسه انه قد امسك بالحقيقة بل كل الحقيقة واصبح يناطح ذوي الاختصاص مشاركا لهم في صنعتهم .وهذا المعنى مثاله الظاهر هو في مجتمعنا العراقي فكم من مرة رايت رجل الدين سكتا وما حوله يفتون , والطيبيب ساكتا وما حوله يشخصون .
ان قارئا بهذا النحو قد يذكر لك مئات الاسماء الفكرية اللامعة ومئات التواريخ ومئات الحوادث التي عاشها العظماء من البشر . بمعنى اخر ان هذا النوع يعطي لباقة في الحديث ويوهم المستمع ان صاحبة قد استوعب ثقافة عاليه وكبيرة لكن الحقيقة لايعلمها الا هذا المثقف وهذا المعنى شكا منه الشيخ الوائلي قدس سره في كتابه تجاربي مع المنبر يقول من الاشياء التي ندمت عليها في حياتي هو اني اخذت مقدار عرضيا في القراءة الا انها لم تكن بذلك العمق حيث لم اكمل دورة في الفسفة او في اصول الفقه مع ما للشيخ قدس سره من نتاج ثقافي مرموق الا انه مرارة الشكوى ظاهرة في كلماته لم تامل فيها .
ان من اكبر مساوئ هذا النوع من قراءة الكتب هو انه صاحبه عاجز عجزا تاما عن استخلاص أي نظرية بل يساوره الندم لو انه قرا بشكل اخر وقد التقيت باحد الاساتذة الكرام الذي معدل قراءته يوميا 1400 صفحة باعترافه الا انه عاجز وبشكل تام عن استخلاص أي نظرية في أي حقل مع ماله من جلالة القدر في العلم والمعرفة .
واعتقد انك بت الان في غاية الشوق لمعرفة الطريقة الثانية وهذا ماياتي ذكره في حلقة مقبلة بعون الله تعالى .
شكرا لكم اخونا الكريم على المقال المميز بارك الله فيكم
ولعل من ابرز عوامل التخلف في المجتمعات أن من يعتمد عليهم الشارع يقرأون بإنتقائية وليتهم يفكرون او يتكلمون بإنتقائية أيضا لتُحل المشكلة ولكن كل يدعي وصلا بليلى ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعجبني المقال جداً وكم استذكرت متفيقهون مروا في حياتنا
ومتفلسفون ومترهبنون وووالخ ,,,
كل هؤلاء كانو مجرد قراء نهمون ليس إلا ,,
البعض كان يفهم ما يقرأ والبعض للأسف كان ببغاء ليس إلا,,
شكراً كثيرا لمقالك الرائع نتمنى أن تكمله