شذرات من اقوال السيد حسن نصر الله في عاشوراء...
الملحمة الكربلائية حية في الوجدان
لماذا كل هذا السواد؟ لماذا كل هذه الأحزان؟ لماذا تمتلئ الساحات بالرجال والنساء والشيوخ والعجزة والأطفال؟ لماذا؟ والجواب، لأننا في كل عام نجدد تلك الملحمة، نجدد تلك المواجهة، نجدد تلك الواقعة الإلهية التاريخية، التي كانت معركة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومعركة دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومعركة الدفاع عن الشرف والعزة والكرامة والأمة والوحدة، ومعركة رفض الظلم والطغيان والقهر والاستبداد، وإعادة الأمة إلى الجاهلية واقتلاع الإسلام من عقولها وقلوبها، لأننا نريد لتلك الواقعة ألا تبقى تاريخيًا، ألا تبقى حبرًا في الكتب كالكثير من وقائع التاريخ، لأننا نريد لتلك الواقعة أن تبقى حية في العقول فكرًا وفي القلوب حبًا وفي العروق إرادة وعزمًا، وفي الأمة نبضًا بالحياة، تدفعها للدفاع عن كرامتها ودينها، لأننا نريد لذلك الدم الغالي الذي هو أغلى دم، الذ هو دم رسول الله وكبده وأحشائه، أن يبقى هذا الدم قوي قوي الفعل والتأثير، فيجب أن تبقى الملحمة حية في الوجدان، حية في الضمير، في المشاعر والعواطف والأحاسيس، حية في القلوب والعقول والعيون والقبضات والزنود والساحات.
لهذا، كل هذا العزاء والعناء والحضور في الساحات.
ولهذا بقيت عاشوراء حية، ولم يتمكن كل الطواغيت بعد يزيد من أن يمحوا ذكرها أو يبددوا أمرها أو يمزقوا صفوفها أو يرموا بها في نسيان التاريخ، أبدًا على الإطلاق. وتمسك بها المحبون جيلاً بعد جيل، وعامًا بعد عام، وعلى امتداد الزمن حتى وصلت إلينا مواكب ومسيرات ومآتم وأحزان ودموع ولطم على الصدور، إلى عام 1425هـ للهجرة، إلى هذا العام. آباؤنا وأجدادنا وآباء الأجداد وأجداد الآباء حفظوا لنا هذه الذكرى فبقي الحسين فينا حيًا. تتردد كلماته ولا تنقطع مع زمن ولا يخلو منها مكان ولا تضجر منها أذن ولا قلب ولا عقل، هذا هو معنى هذا اليوم.
نستحضر الملحمة لنتعلم منها كل دروس الفداء، ونتعلم منها كيف يكون الموت سعادة، لنتعلم منها كيف تكون الحياة مع الظالمين برمًا، نتعلم منها كيف نواجه الاحتلال والطغيان والهيمنة، ونتعلم منها دروس الصبر، ودروس الصدق، درسًا تحمل الغربة والمظلومية مع قلة الناصر والمعيل، نتعلم منها أن نكون أصحاب الهمم العالية، فنبقى في الساحات ولو أخلاها آخرون، ونبقى في المواجهة ولو تركها آخرون، ونتعلم منها دروس التضحية ونقدم الغالي والنفيس، النفس والأهل والولد، حتى ولو ضنَّ بها كثيرون على دينهم وعلى مقدساتهم وعلى أمتهم.
لبيك يا حسين لنصرة المسلمين والمظلومين
سوف نبقى نحيي هذه المراسم ولو دفعنا من أجلها الدم، وسيبقى النداء في حناجرنا ملبيًا لنداء الحسين في اليوم العاشر: هل من ناصر ينصرني لتحرير المعتقلين، هل من ناصر ينصرني لاستعادة المقدسات، وهل من ناصر ينصرني للحفاظ على كرامة الأمة، هل من ناصر ينصرني لنصرة دين الله، هل من ناصر ينصرني للذود عن رسول الله وحرم رسول الله، لبى نداءه في السنوات الماضية ونعود اليوم لنلبي النداء: لبيك يا حسين، ليسمع العالم كله أن في كل زمن تتحقق تلك الحقيقة التي تدثت عنها زينب عليها السلام وهي أسيرة مسبية وأمامها رأس أخيها الحسين عندما قالت ليزيد: "فكِد كيدك واسْعَ سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا" ولن يستطيع أحد أن يمحو ذكرى محمد ولن يستطيع أحد أن يمحو ذكرى آل محمد، ولن يستطيع أحد أن يشطب اسم الحسين، وليسمع العالم كله اسم الحسين ينطلق من أعماق قلوبنا وعروقنا، يا حسين.
معنى "لبيك يا حسين"
الأميركيون لا يعرفون ما معنى نداء: لبيك يا حسين. لبيك يا حسين يعني أنك تكون حاضرًا في المعركة ولو كنت وحدك ولو تركك الناس واتهمك وخذلك الناس، وأن تكون أنت ومالك وأهلك وأولادك في هذه المعركة، يعني أن تدفع الأم بولدها ليقاتل وإذا استشهد واحتز رأسه وضعته في حجرها ومسحت الدم والتراب عن وجهه وقالت له راضية محتسبة بيَّض الله وجهك يا بني كما بيَّضت وجهي عند الزهراء عليها السلام.
لبيك يا حسين تعني أن تأتي الأم والأخت والزوجة وتلبس ابنها وزوجها وأخاها لامة الحرب، يعني أن تقدم زينب لأخيها الحسين جواد المنية والشهادة.
استشهاد الحسين عليه السلام اسقاط للطاغية ونظامه الفاسد
حصل في كربلاء، الحسين عليه السلام عندما اختار هذا الأسلوب من المواجهة كان يدرك أنَّ اعتماد أي أسلوب آخر لن يحقق الأهداف التي يتطلع إليها، أنَّ هذا الأسلوب هو الذي سيحمي دين جده، إن هذا الأسلوب الجهادي الاستشهادي في أعلى درجات المظلومية هو الذي سيحطم هذا النظام وهذا الطاغية، وسيسقطه من الأعلى إلى الأسفل، وسيحاصره، وسوف يمنعه من أن يتمكن من الإجهاز على دين جده في تلك المرجلة الخطيرة والحساسة.
إنَّ من أهم العناصر في الحركة النبوية أو الحركة الكربلائية ومن يتبعها، هو أن تكون في القيادة وفي الأتباع وفي الأصحاب، من رجال ونساء، روح ومَلَكَة ومعنى الاستعداد العالي للتضحية بالنفس والنفيس والعائلة والأحبة والأعزة.
كربلاء الحسين فيصل بين حب الدنيا وحب الآخرة
مسألة كربلاء هي مسألة الآخرة، وكلا الفريقين سواء، الذي يقف مع الحسين أو الذي يقف مع يزيد، قضيتهما في العمق هي قضية الدنيا والآخرة، قضية الإنشداد إلى الدنيا أو الإنشداد للآخرة، قضية العيش للدنيا أو الآخرة. جاء الإسلام ليأخذ بأيدينا على طريق الله لنفوز يوم القيامة الفوز العظيم، وليجنبنا ذلك الخسران المبين، عندما يقذف والعياذ بالله ببعض منا في نيران جهنم وأوديتها السحيقة.