بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عودهم
من الاولين والاخرين
************
خاتمة الرد على الكذبة التاسعة
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ( ومنها ايجابهم سب الصحابة ولا سيما الخلفاء الثلاثة ) وحقيقة الامر اني استغرب ممن يدعي العلم ويضع توقيعه على رسالة الشيخ محققا ومصدقا ومؤيدا ، ولا يكلف نفسه بالبحث عن مصدر تهمة ( الايجاب ) هذه !! اين وجد الشيخ ما يدعيه ؟ باي مصدر ؟ أي كتاب ؟ أي فتوى ؟ أي ادعاء ؟ ام انه يرمي بمثلبة ومنقصة وجدها ثابتة في كتب علمائهم الصحيحة عندهم على من لا يعتقدون ذلك بل يعتبرونه خارج عن دينهم واخلاقهم وممعتقداتهم ؟ لا ادري اين وجد الشيخ ( ايجاب ) سب الصحابة في كتب الشيعة ؟ وهل تتبع هذا الايجاب من حقق رسالته ؟ وهل بحث علماؤهم أو فتش عوامهم عن مصدر ما يدعيه شيخهم ؟ لا اعتقد ذلك بل اجزم انم لم يكلفوا انفسهم ولو لليلة واحدة او حتى ساعة واحدة بالبحث والتقصي عن تهمة بحجم هذه التهمة التي تكفر امة باجمعها . لم يفتشوا ولم يتحروا ولم يتحققوا لانهم يعتقدون بعصمة شيخهم هذا وان لم يجهروا بذلك ، فو مؤسس مذهب القتل والتكفير وصانع السبل التي من شأنها اعادة تاريخ اسلافهم وما ذهبوا اليه من كفر وبغاء وتهجير وتشريد وتجويع وتعذيب للمؤمنين ، وثارا بدماء اجدادهم التي اريقت ورؤسهم التي قطعت بسيف كان يحمله ( الايمان كله ) امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام . واذا حكم ابن عبد الوهاب على الشيعة بالكفر والفسق باتهامه لهم ( ايجاب ) السب للصحابة فالاولى ان ينطبق هذا الحكم على من ثبت سبابه في مصادر يعتقد ابن عبد الوهاب واتباعه بصحتها وعصمتها ، بل من العدل ان ينطبق هذا الحكم على كل من ثبت عليه ذلك وان يلزموا انفسهم بما الزموها . ومن العقل كذلك ان يكونوا قد حكموا على زوجات رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ( عائشة وحفصة وزينب بنت جحش ) بالفسق والكفر استنادا الى ما ثبت عليهن في البخاري وغيره كما اسلفنا .
لذلك لم يبق امام القوم الا ان يختاروا امرا من اثنين لا ثالث لهما ، اما ان يبقوا على معتقدهم بصحة مصادرهم المعتبرة ويطبقوا حكم الله الذي ثبت ايضا عندهم كما جاء في ( صحيح مسلم / كتاب الايمان حديث رقم 97 و مسند احمد / مسند المكثرين حديث رقم 3465 و سنن الترمذي / البر والصلة حديث رقم 1906 و سنن ابن ماجة / المقدمة ، في الايمان حديث رقم 68 ) من ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال ( سباب الالمسلم فسوق وقتاله كفر ) على كل من ثبت لديهم قيامه بهذا الفعل .. او انهم يرموا بصحاحهم في عرض البحر او يتبرعوا بها لاعادة تصنيعها كحاويات كارتونية لحفظ مواد ينتفع بها اصحاب حقول الدواجن او معالف البقر . حيث ان الحديث المذكور سلفا لم يستثني احدا بل هو شامل عام ويكون قد حكم على ابي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد وعائشة وحفصة وزينب بنت جحش وغيرهم الكثير من الصحابة الذين ثبت بمصادر القوم انهم كانوا سبابين شتامين . كما وقد ورد في مجمع الزوائد للهيثمي 10 / 21 عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه قال ( لا تسبوا اصحابي لعن الله من سب اصحابي ) وعليه فان كل من سب صحابيا فهو ملعون من الله تعالى فلماذا تشكلوا علينا لعن من لعن الله ورسوله ؟ اوليس من سب صحابيا ملعون ؟ ام هذا الحديث لم يثبت وان سباب الصحابة جائز ؟ لكم الخيار اذن يا اتباع ابن عبد الوهاب ، بين تطبيق الحكم على من ذكرنا اسنائهم وفقا لصحاحكم او تتخلوا عن دينكم وتبحثوا عن دين اخر
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مطلبه هذا - مطلب التقية –
( ان معنى التقية عندهم – أي الشيعة – كتمان الحق أو ترك اللازم أو ارتكاب المنهي خوفا من الناس .... ) ثم يقول مخاطبا اتباعه وغيرهم ( ... فانظر الى جهل هؤلاء الكذبة ... ) ويقصد الشيعة .
اقول لك يا شيخ ولاتباعك ولا أريد الخوض في اقوال أئمة وعلماء وفقهاء الشيعة ، بل اريد أني سأكتفي بنقل ما يقوله أئمتكم وعلمائكم وفقهائكم واسلافكم في هذا المطلب الذي التمست منه انت يا شيخ القدح في دين الشيعة وعقيدتهم . علماؤك الذين قالوا ما قاله أئمة وعلماء الشيعة بل ومنهم من تعدى حدود ذلك القول وجوزها في غير مواضعها ومواردها ومسبباتها التي ذكروها الشيعة الذين تصفهم بالجهل والكذب ، ولنرى من هو الجاهل بل من هو الكاذب بل من هو الذي ينطبق عليه قول عالمكم ( احمد رشيد رضا ) في تفسير المنار حيث قال ( ونقلوا عن الخوارج انهم منعوا التقية في الدين مطلقا ) ولا اراك الا منهم .
اما الان فسنعرض على اتباعك الذين غرروا باقوالك وضللتهم حتى بات جميعهم ينظرون بعينك ويفكرون بعقلك بل تحجرت افكارهم حتى خولوك بالتفكير نيابة عنهم .
الفصل الاول
ـــــــــــــــــــــ
اقوال علماء العامة في تفسير قوله تعالى ( الاّ أن تتقوا منهم تقاة )
اولا / تفسير ابن كثير .. ( الاّ من خاف في بعض البلدان أو الاوقات من شرهم )
ثانيا / تفسير القرطبي .. ( قال الحسن البصري ، التقية جائزة للانسان الى يوم القيامة ) وعن ابن عباس ( هو ان يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالايمان ) ثم يقول القرطبي ( ان المؤمن اذا كان قائما بين الكفار فله ان يداريهم باللسان اذا كان خائفا على نفسه وقلبه مطمئن بالايمان .... والتقية لا تحل الا خوف القتل او القطع او الايذاء العظيم .)
ثالثا / تفسير الطبري .. ( الا ان تكونوا في سلطانهم فتخافونهم على انفسكم فتظهروا لهم الولاية بالسنتكم ) ثم ينقل عن ابن عباس قوله ( الا ان يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون لهم اللطف ... ) ثم يستمر الطبري بذكر بعض اقوال العلماء والمفسرين نقلا : ( فهو يظهر الولاية لهم في دينهم والبراءة من المؤمنين ) انظر عزيزي القاريء ماذا يقول الطبري : ( البراءة من المؤمنين ) أي ان المسلم مجاز بالبراءة من ابي بكر وعمر وعثمان وابن تيمية وابن عبد الوهاب .. وعائشة ايضا ، اذا كان في ذلك تقية ، بينما الشيعة لا يجوزون البراءة من ائمتهم حتى لو استوجب ذلك القتل . ثم يضيف الطبري هذا القول ( من حمل على امر يتكلم به هو لله معصية ، فتكلم مخافة على نفسه وقلبه مطمئن بالايمان فلا اثم عليه ... ) .
وهنا عند الطبري قد وجدت قولا غريبا لعل ابن عبد الوهاب ان سمعه او قرءه يلعن نفسه لعنا وبيلا ، قال الطبري :
( روي عن اخرين في تفسير قوله – الا ان تتقوا منهم تقاة – الاّ ان يكون بينك وبينه قرابة ) !! يعني ان الكافر ان كان من اقارب ابن عبد الوهاب جاز له ان يقول ما يقوله الكافر أي انه مجاز بكفره تحننا لقرابته الكافر !! يا للهول ، ثم يروي الطبري احاديث في ذلك منها :
حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : (حدثنا سعيد عن قتادة ..... الا ان تتقوا منهم تقاة ، الرحم من المشركين ، من غير ان يتولوهم في دينهم ، الا ان يصل رحما له من المشركين !!! ) .
حدثنا الحسن بن يحيى قال : اخبرنا عبد الرزاق قال : اخبرنا معمر عن قتادة .. ( لا يحل لمؤمن ان يتخذ كافرا وليا في دينه وقوله – الا ان تتقوا منهم تقاة – قال ان يكون بينك وبينه قرابة ، فتصله بذلك ) !!!! اقول : اين انت من هذه الاقوال يبن عبد الوهاب ؟
رابعا / تفسير محمد الطاهر بن عاشور ( التحرير والتنوير ) ( اظهار الموالاة لهم لاتقاء الضر )
خامسا / التفسير الكبير ( البحر المحيط ) للاندلسي .. ( يقتضي جواز موالاتهم عند الخوف منهم ) ثم يقول ( اما الموالاة بالقلب فلا خلاف بين المسلمين في تحريمها ، وكذلك الموالاة بالقول والفعل من غير تقية ! ونصوص القران والسنة تدل على ذلك ، والنظر في التقية يكون فيمن يتقى منه ، وفيما يبيحها ، وباي شيء تكون من الاقوال والافعال ؟ فاما من يتقى منه فكل قادر غالب يكره يجوز منه ، فيدخل في ذلك الكفار ، جور الرؤساء ، السلّابة ، واهل الجاه في الحواضر .. قال مالك : وزوج المرءة يكره !! واما ما يبيحها فالقتل والخوف على الجوارح والضرب بالسوط !! والوعيد !!! وعداوة اهل الجاه الجوره !!!! ، واما بأي شيء تكون من الاقوال ؟ فبالكفر فما دون من بيع ، هبة ، وغير ذلك ) !! ثم ينقل الاندلسي بعض الاقوال عن علماء القوم :
( قال مسرق : ان لم يفعل حتى مات دخل النار ) عجيب انت يبن عبد الوهاب لعمري انك لم تقرء او انك قرءت فخرجت !!
( وقال اصحاب ابي حنيفه : التقية رخصة من الله تعالى )
( وقال الرازي : انما تجوز التقية فيما يتعلق باظهار الحق والدين ) !!!
ثم يضيف الاندلسي ايضا ( الا ان مذهب الشافعي فيه : ان الحالة بين المسلمين اذا شاكلت الحال بين المشركين جازت التقية محاماة عن النفس وهي جائزة لصون النفس والمال ) !! اذت يبن عبد الوهاب ليس التقية من جور الكافر فقط بل حتى من جور المسلم الظالم .
سادسا / التفسير المنار لمحمد رشيد رضا .. ( ان ترك موالاة الكافرين على المؤمنين حتم من كل حال ، الا في حال الخوف من شيء تتقون منه ، فلكم ان توالوهم بقدر ما يتقى به ذلك الشيء لان درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وهذه الموالاة تكون صورية لانها للمؤمنين والظاهر ان الاستثناء منقطع والمعنى ليس لكم ان توالوهم على المؤمنين ولكن لكم ان تتقوا ضررهم بموالاتهم واذا جازت موالاتهم لاتقاء الضرر فجوازها لاجل منفعة المسلمين يكون اولى !! ، وعلى هذا يجوز لحكام المسلمين ان يحالفوا الدول غير المسلمة لاجل فائدة المؤمنين بدفع الضرر وجلب المنفعة .... وهذه الموالاة لا تختص بوقت الضعف بل هي جائزة في كل وقت ، وقد استدل بعضهم بالاية على جواز التفية وهي ما يقال او يفعل مخالفا للحق اجل توقي الضرر ...... وينقل عن الخوارج انهم منعوا التقية في الدين مطلقا وان اكره المؤمن وخاف القتل .. ) !!
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
من الاولين والاخرين
الكذبة الحادية عشر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مطلب سبهم عائشة رضي الله عنها المبرأة
في هذا المطلب الغريب يدعي ابن عبد الوهاب ان الشيعة يتهمون السيدة عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالفحش ( الزنا ) ثم يذكر قصة الافك المزعومة التي وردت في مصادرهم والتي يصارعون التاريخ هم بانفسهم ويستخدمون كافة الاساليب من اجل اثباتها والصاقها ثم يقول ان الشيعة يقولون ، قصة الافك هذه التي يتحدث عنها الشيخ محمد بن عبد الوهاب يجمع عليها كل علماء مدرسة الخلافة وكل مفكريهم وكل مؤرخيهم ، بينما في كتب الشيعة نجد قصة اخرى تختلف تماما عن قصة الافك المذكورة عندهم .. قصتهم ثابتة في مصادرهم وكتب التفسير عندهم باجماعها ترويها والشيعة ينكرون تلك الحادثة بل لا يعترفون بها سندا ومتنا جملة وتفصيلا ، ولو كان بين اتباعهم من هو منصف لسألهم : اذا كانت القصة في جميع صحاحنا وكتب التفسير عندنا تذكرها تماما وبالتفصيل فلماذا تدعون ان الشيعة يتهمون السيدة عائشة ؟ لماذا تروونها في كتبكم وتتهمون الشيعة بها ؟ وهل من اتهم السيدة عائشة بتلك التهمة الشنيعة والتي ترويها القصة هم شيعة ؟ هل كان حسان ابن ثابت مثلا شيعيا ؟ هل كان شركاؤه بالتهمة تلك هم شيعة ؟ هل كان عبد الله بن ابي شيعيا ؟ الم تقولوا ان لا وجود للشيعة في عهد النبي صلى الله عليه واله وسلم ولا في زمن الخلفاء ؟ اذن كيف تدعون ان الشيعة يتهمون عائشة بالفاحشة ( والعياذ بالله ) ؟ من اتهما يا شيخ هم الصحابة الذين تقولون بعدالتهم واخلاصهم وان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال ( بايهم اقتديتم اهتديتم ) ، من اتهما ايها الشيخ هم الذين تقولون عنهم ان الله اصطفاهم لنصرة الاسلام ونصرة نبيه الكريم صلى الله عليه واله وسلم ؟ واذا كانوا مصطفون وعدول ومخلصين فلماذا ترفضون ما قالوه بالسيدة عائشة ؟ صدّقوهم اذن ان كانوا فعلا عدول !! او انفوا العدالة عنهم ان كان مستوى اخلاقهم يصل بهم الى الطعن بعرض رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وزوجته ( الحبيبة ) التي اختارها الله تعالى له كي تحفظ نصف دينه وتنقله لكم ايها المسلمون . أي قول هذا واي بهتان ؟ أي غباء هذا يحمله من يصدقكم بما تدعون ؟ القصة ثابة في جميع كتبكم والمتهم فيها الصحابة اسلافكم فما دخل الشيعة بالامر ان كان لكم عقول ؟
هذه مقدمة لما سنرد به على ما يدعيه الشيخ تفصيلا كي نقف على حقيقة الامر الذي يحاول يائسا جميع علماء الشيخ وائمته ومشايخه واتباعه الصاقه بالشيعة ، وقبل الدخول بالتفاصيل لابد ان نذكر القصة كاملة والتي وردت بجميع مصادرهم وفي مقدمتها الصحاح المعصومة ولكل من يريد المراجعة ان يختار أي عنوان من عناوين كتبهم ليجد ان القصة كاملة ذكرت هناك وسيرى المجرم الفاعل المتهم لعرض الرسول صلى الله عليه واله وسلم هم اسياد الشيخ الصحابة وليس الشيعة .
«حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، وكل حدثني طائفة من الحديث، وبعض حديثهم يصدق بعضا، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض، والذي حدثني عروة عن عائشة - رضي الله عنها - أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما نزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوته تلك، وقفل، ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع، فالتمست عقدي، وحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي، فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم إنما تأكل العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فأممت منزلي الذي كنت به، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي.
فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، ووالله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته، فوطئ على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسلم، ثم يقول: كيف تيكم ثم ينصرف، فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت، فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع، وهو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح - وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة - فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي، وقد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا ، قالت: أي هنتاه، أولم تسمعي ما قال؟ قالت: قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك؛ فازددت مرضا على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم - تعني سلم - ثم قال: كيف تيكم، فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، قالت: فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه، ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية، هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، قالت: فقلت : سبحان الله أولقد تحدث الناس بهذا ، قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد - رضي الله عنهما - حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود، فقال: يا رسول الله، أهلك ولا نعلم إلا خيرا.
وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة، فقال: أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي بن سلول، قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر: يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فوالله، ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي.فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله، لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيان - الأوس والخزرج - حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم حتى سكتوا وسكت.قالت: فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، قالت: فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع يظنان أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي معي، قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني، قالت: فتشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جلس، ثم قال: أما بعد، يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه.
قالت: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال، قال: والله، ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فقلت - وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني والله لقد علمت، لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني منه بريئة، لتصدقني، والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف قال : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون (يوسف، 18 ) .
قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت: فوالله، ما رام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه، قالت: فلما سري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سري عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها: يا عائشة، أما الله - عز وجل - فقد برأك، فقالت أمي : قومي إليه، قالت: فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل، فأنزل الله عز وجل (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه ) النور، 11 ، العشر الآيات كلها، فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه - وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله، لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم (النور، 22) ، قال أبو بكر: بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا، قالت عائشة: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل زينب ابنة جحش عن أمري، فقال: يا زينب ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ما علمت إلا خيرا، قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك».
الان وبعد ان وضعنا للقاريء الكريم ما احتضنته كتب القوم ، وما يصرون على صحته ابن عبد الوهاب واتباعه لابد من سؤال : ما علاقة الشيعة بهذه القصة ؟ السيدة عائشة تقول انها وعند عودة الجيش الى المدينة لمّا انقضت غزوة بني المصطلق وفي الطريق اتخذوا منازل لهم للراحة ، ولما استأنف الجيش رحلته كانت السيدة عائشة ذاهبة لقضاء حاجتها في الغائط ولمّا شعرت ان عقد لها على صدرها قد انقطع فعادت للبحث عنه ، فشغلها البحث وتأخرت ، ثم صدر الامر بالرحيل فجاء المكلفون بحمل هودجها وحملوه ووضعوه على الجمل وساقوه والتحقوا بالركب ، ولم يعلموا بالسيدة عائشة انها لم تكن قد عادت من خلوتها وان الهودج يخلو منها ، ولانها بالاصل وزنها خفيف لا يشعرون بوجودها او عدمه بسبب خفة الوزن ووهن الجسم والنحافة التي كانت عليها السيدة ، ولم يفتقدها زوجها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ولا اهلها من الرجال ولا صحابي من الصحابة ظنا منهم انها في هودجها . فجلست السيدة آملة منهم ان يفتقدوها ويعودوا اليها الا ان ذلك لم يحصل ، فجلست السيدة وانتظرت في مكان استراحتها طويلا حتى جاءتها غفوة فنامت وقد كانت كثيرة النوم حتى انها تنام عن عجين اهلها فتأكله الداجن ، وكان هناك من الصحابة من تأخر ايضا لتفقد ضائعات الجيش وجمعها وكان هذا الصحابي هو ( صفوان بن المعطل ) فراى سوادة نائمة ، اقترب منها فاذا هي السيدة عائشة فاسترجع هذا الصحابي وسمعت استرجاعه فانتبهت وغطت وجهها عنه ، فاناخ الصحابي هذا جمله وركبت السيدة عائشة دون ان تكلمه او يكلمها وذهبا ملتحقين بالجيش ، هنا : بدء المنافقون بحديثهم الذي يطعنون به بالسيدة عائشة وبشرفها وعفتها دون ان يصونوا حرمة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولا لابي بكر ، واتهموها بالفاحشة مع هذا الصحابي الجليل ، هؤلاء الصحابة الذين يشير التاريخ الى انهم ليس اقل من عشرة كما هو ثابت في بطون كتبهم الصحيحة الاّ انهم لم يذكروا اسماءهم جميعا بل اكتفوا بثلاثة او اربعة ، واتهام الصحابة للسيدة عائشة جاء نتيجة لسببين : الاول هو غياب السيدة عائشة عن الركب مدة طويلة والتحاقها برفقة صحابي اخر تأخرا هو ايضا مصادفة والالتحاق سوية وهذا الامر يثير الشبهة والشك في قلوب من لم يلامس صدورهم الايمان بعد واليقين بان الله تعالى يرعى رسوله ونبيه الكريم وان لا يمكن صدور الفحش هذا من زوجة نبي .. والسبب الثاني هو وجود منافقين بين صفوف الصحابة يحاولون اثارة هكذا شبهات بين الناس للاطاحة بالدين الجديد الذي سلب منهم عنفوانهم وجبروتهم وساوى بينهم وبين عبيدهم فلا يمكن لهم بمثل هذه الحال الا ان يثأروا من محمد صلى الله عليه واله وسلم ، هؤلاء هم الصحابة العدول الذين يقطعون بعدالتهم ونزاهتهم الشيخ محمد عبد الوهاب واتباعه بل واشياخه ومعلميه وائمته . الى هنا انتهى الفصل الاول والرئيس من القصة التي روتها السيدة عائشة ، فما دخل الشيعة بها وما علاقتهم حتى يتهمهم ابن عبد الوهاب بانهم يطعنون بالسيدة عائشة ؟ الراوي عائشة والناقل أئمة وعلماء وثقات وتابعي ومتبوعي القوم ، فما دخل الشيعة بالامر ؟ الذي يصر على صحة القصة وثبوتها هم السنة ، فما علاقة الشيعة بالامر ؟ بل الشيعة ينفون هذه القصة جملة وتفصيلا ولم يقروا بصحتها ويعتبرونها اساءة للسيدة عائشة والى مقام النبوة . ابن عبد الوهاب يؤيد ما اقوله ويؤكد ان الشيعة لم يعتبروا بصحة هذه القصة ولم يعترفوا بوثاقتها ورغم ذلك يتهم الشيعة بانهم يسيؤن ويسبون ويتهمون السيدة عائشة . أي عقول تلك التي تاخذ منه ما يقول ؟ اسلافكم يتهمون ويظنون السوء بالسيدة عائشة وانتم تؤكدون الامر ، اذن انتم من يسيء الى النبي صلى الله عليه واله وسلم والى عائشة وابي بكر بل والى المسلمين كافة . فلماذا اذن تلصقون هذه التهمة بالشيعة ؟ الا اذا كان اصراركم هذا وراءه قصد او تبرير لامر آخر او للتغطية على شيء ما ، او قلب للحقيقة التي سنبثتها لكم لاحقا .
وقبل ان نذكر راي الشيعة بقصة الافك الصحيحة وهل هي تختلف عن قصة ابن عبد الوهاب واتباعه واسلافه وأئمتهم لابد من دراسة بسيطة وسريعة لما ورد بقصة الافك المزعومة وحسب الرواية التي يوثقها ابن عبد الوهاب .
وهذا ما سنتناوله لاحقا ان شاء الله تعالى .