|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 34252
|
الإنتساب : Apr 2009
|
المشاركات : 1,863
|
بمعدل : 0.33 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الحوزويه الصغيره
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 22-04-2011 الساعة : 07:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
الإرادة الإلهيَّة
إنَّ البحث عن الإرادة الإلهيَّة من المباحث الشائكة جداً، فقد وقع الخلاف في ماهيتها وحقيقتها، وما يهمنا في المقام هو المقدار الذي وقع في كلمات الاُصوليين، فقد اختلفوا فيما هو المراد من الإرادة الإلهية، وهنا ثلاثة معان أساسية:
المعنى الاول: وهو الذي تبناه صاحب الكفاية (رحمه الله) وبعض الاصوليين تبعاً لما هو المشهور بين الفلاسفة وحاصله:
انَّ الإرادة الإلهية تعني العلم بالنظام الكامل والأصلح، بمعنى انَّه يعلم الخير والصلاح والكمال وأيَّ الأفعال التي تكون متناسبة مع الكمال والنظام الأتم.
وقد فسَّر الحكيم السبزواري هذا المعنى بما حاصله: انَّ الإرادة الالهية تعني وجود الداعي لفعل الخير والنظام الأحسن والأكمل، وهذا الداعي هو عين علمه تعالى بالنظام الأتم والأكمل، ولمَّا كان علمه تعالى هو عين ذاته فالإرادة الإلهية بهذا المعنى هي عين ذاته، فالفرق بين الإرادة الإنسانيَّة والإرادة الإلهية هو انَّ الإرادة الإنسانية تعني الشوق المؤكد الناشئ عن الداعي والذي هو إدراك الشيء الملائم، أما الإرادة الإلهيَّة فهي عين الداعي والذي هو إدراك الأصلح والأكمل.
وبتعبير آخر: هي عين علمه والذي هو عين ذاته المقدسة، فيكون الداعي للإيجاد هو عين ذاته، إذ لا يُتعقل في ساحته تعالى كون إرادته بمعنى الشوق والذي هو كيف نفساني حادثٌ وعارض على الذات، فإرادته ليست حالة منتظرة كما انَّها ليست متخلِّقة عن تصوُّر الشيء الملائم كما هو الحال في الإرادة الإنسانية.
وأورد المحقِّق النائيني (رحمه الله) على تفسير الإرادة بهذا المعنى بأنَّه من خلط المفهوم بالمصداق، إذ انَّ البحث في المقام عن مفهوم الإرادة وعن اتِّصاف المولى جلَّ وعلا بها، ومن الواضح انَّ صفات الله جلَّ وعلا متغايرة وليس أحدها عين الآخر، فالقدرة غير العلم كما انَّها غير الحياة كما انَّ العلم غير الإرادة، فلكلِّ واحدة منها معنىً مستقل عن الآخر، غايته انَّ مطابَق هذه الصفات واحد، إذ انَّ صفات الله تعالى عين ذاته، فهو كما قيل (قدرة كلَّه وحياة كلُّه وإرادة كلُّه وعلم كلُّه) فهو بسيط من تمام الجهات فليس كل واحدة من هذه الصفات يمثل جزء ذاته أو انّ صفاته زائدة على ذاته فهو صرف الوجود وصرف القدرة وصرف الإرادة وهكذا، إلاّ انَّ العينية في الخارج لا يعني اتحاد هذه الصفات مفهوماً، ومن هنا لا تصح دعوى انَّ الإرادة هي العلم بالنظام الاصلح.
المعنى الثاني: وهو الذي تبنَّاه المحقِّق النائيني (رحمه الله) وادعى انَّه مبنى أكابر الفلاسفة، وحاصله:
انَّ الإرادة الالهية تعني الابتهاج والعشق والرضا بذاته تعالى، وذلك لأنَّ ذاته أتمُ وأكمل مُدرَك، فذاته حينما تُدرك ذاته فإنَّه تمام الإدراك لأتم مُدرَك، فهي كل الخير والكمال والبهاء والجمال، وهذا ما يقتضي ابتهاج الذات المقدَّسة بذاتها - تقدَّست وجلَّت ـ، ثم انَّ ذلك يستوجب ابتهاجها بما يصدر عنها، إذ انَّ الذات المقدسة لمَّا كانت في أعلى مراتب الكمال فما يصدر عنها يكون مسانخاً لكمالها، وهو تعالى لمَّا كان مبتهجاً بكمال ذاته يكون مبتهجاً بآثارها وهو المعبَّر عنه بالإبتهاج في مرحلة الفعل أو بالمشيئة بحسب تعبير الروايات.
فهناك ابتهاج يكون من صفاته الذاتية وهو الابتهاج بالذات لكونها أتمُّ مُدرَك، وهي الإرادة الذاتية الأزلية، وهناك ابتهاج في مرحلة الفعل وهو الرضا عن آثار الذات، إذ حينما تكون الذات مرضية ومعشوقة تكون آثارها كذلك، والرضا المتعلِّق بآثار الذات هي الإرادة التي من صفات الفعل المعبَّر عنها بالإرادة الفعليَّة.
وأورد السيد الخوئي (رحمه الله) على هذا المعنى بأنَّه لا يتناسب مع مفهوم الإرادة لا لغة ولا عرفاً، ولا يبعد ان يكون منشأ هذا التكلُّف هو دعوى ان إرادة الله جلَّ وعلا ذاتية، وهو ما لا يلزم الإلتزام به، فنحن وان كنَّا نلتزم بأنَّ الإرادة ليست بمعنى الشوق الأكيد إلاَّ انَّ ذلك لا يُعيِّن المعنى المذكور.
ثم ادعى السيد الخوئي (رحمه الله) انَّ الرضا من الصفات الفعليَّة كالسخط، فهو ليس كالعلم والقدرة، والدليل على ذلك صحة سلبه عن الذات، وهو أمارة كونه من صفات الفعل، ولو سلمنا انَّه من صفات الذات فإنَّه لا دليل على انَّ الرضا هو الإرادة.
أقول: لا تخفى غفلة السيد الخوئي (رحمه الله) عن مراد المحقِّق النائيني (رحمه الله) فإنَّ الرضا الذي هو من صفات الفعل ليس هو الرضا المقصود عند المحقِّق النائيني وجمع من الفلاسفة كما أوضحنا ذلك.
المعنى الثالث:وهو الذي تبنَّاه السيد الخوئي (رحمه الله)، وحاصله: انَّ الإرادة لا تكون إلاّ من صفات الفعل، وذلك لأنَّ المراد منها هو إعمال القدرة والسلطنة المعبَّر عنه في الروايات بالمشيئة.
واستدلَّ لذلك بعد اسقاط المعنيين الأولين انَّه لمَّا كان من المستحيل نسبة الإرادة بمعنى الشوق الأكيد إلى الله تعالى وانَّه لا معنى معقول للإرادة غير إعمال القدرة والسلطنة تعيَّن ان يكون المراد من الإرادة هو هذا المعنى خصوصاً وانَّ الروايات لا تُثبت معنىً للإرادة غير هذا المعنى، نعم لمَّا كانت قدرة الله تعالى وسلطنته تامة لا يشوبها نقص فإن المراد الإلهي لا يناط بشيء آخر غير إعمال هذه القدرة والسلطنة.
وهذا هو معنى قوله (ع) في معتبرة صفوان (الإرادة من الخلق الضمير وما يبدوا لهم بعد ذلك من الفعل، وأما من الله تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك، لأنه لا يروى ولا يهم ولا يتفكَّر، وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق، فإرادة الله الفعل لا غير ذلك، يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكُّر ولا كيف كما انَّه لا كيف له) ([1]).
ثم لا يخفى انَّ إعمال القدرة والتي هي المشيئة والإرادة ليست ناشئة عن إعمال القدرة وإلاّ لزم التسلسل، فالإرادة إذن متخلِّقة عن غير إعمال القدرة، وهذا هو معنى قوله (ع) في معتبرة عمرو بن اذينة (خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة) ([2]).
[1]- اصول الكافي: 1/109 الحديث 3.
[2]- اصول الكافي: 1/130 الحديث 4.
موفقين ان شاء الله
تقبلوا تحيتي
|
|
|
|
|