بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا جديد على الفكر الشعري,أرجو توضيح ما تعني كلمة الأبوذية؟ ولماذا سمي الموال بالزهيري؟
الباحث الدقيق
السلام عليكم اخي الكريم
حللت أهلا ووطئت سهلا
أنرت المساحة برُمّتها
"
اما عن استفسارك .
بخصوص الابوذية
فلتاريخها شرح واسع يغني الطلب
وسأرود لك تأريخها إن احببت ....؟
أما سبب تسمية الموال بـ (الزهيري)
نسبة للشاعر ملا جادر الزهيري الذي أبدع بنظم الموال
ومما قاله ملا جادر الزهيري هذا البيت
معادن الود تظهر من معاديني
وحكوك الاصحاب اوفيها مع ديني
والصاحب الي قرن دينه مع ديني
من ريبة الشك جوّي لم يزل صاحبي
والي شرب كاس خمر امودتي صاحبي
أكره صحيب الّذي يحجي كفه صاحبي
والي يعادي صحيبي هُوْ معاديني
الباحث الدقيق يارعاك خالقي وكلئتك ملائكته
"
إذا أردنا ان نبحث عن مرجع نستفتيه في فن الإبوذية وما يتبعه من تاريخ وتطورات
ومن هم رواده والبارزون فيه، فاننا لن نجد إلا عددا قليلا من الأدباء المهتمين بهذا الفن
الرائع ويقف على رأسهم الأستاذ الفاضل علي الخاقاني الذي لمع نجمه في آفاق الأدب الشعبي
وحاز قصب السبق ونال وسام الفخر في ما كتبه عن هذا التراث
وما جمعه منه على امتداد سنين طوال فأخرج لنا كتبا ودراسات ألقى فيها الضوء
وأناربها زوايا النسيان التي كانت تكتنف هذا اللون وفرسانه المجهوليين
والخاقاني أول من صنف الإبوذية إلى مُطلَق وَموَلَّد ثم قسم النوعين
إلى مَن عُرِف قائلُه ومَا لَم يُعْرف قائلُهُ، وقد جمع منها آلاف الأبيات على فترة امتدت
لأكثر من أربعين عاما قضاها متنقلا في الفرات الأوسط والجنوب
وهما المعاقل الأصيلة للإبوذية في العراق،
وعندمايتطرق الأستاذ علي الخاقاني إلى اسم الإبوذية يشبع الموضوع بحثا واستقراء
فيذكر ان للإبوذية أسماء قديمة ليس أولها (أبو الأذية) أي من التألم
وليس آخرها (أبو ذِي يَهْ)
وانما يعرج بنا في سماء التاريخ عندما يسال الدكتور مصطفى جواد عن أصل الإبوذية
فيجيبه بأنها مأخوذة من (الدوبيت) ثم صارت (ذوُ بَيْتْ) ثم حُرِّفت فصارت (بُوذَيْت) وأخيرا انتقلت إلى الابوذيه
كما يبدو ان الأمر تشابه هنا مع اسم مدينة سامراء الذي بدأ بـ (سُرَّ مَن رأى)ثم (ساءَ من رأى) لينتهي بـ (سامرّاء)
ويذكر الخاقاني انه استطاع الحصول على مخطوطة لم يُسَمِ كاتبها
ضمت مئات الأبيات في الموال وعشرات الإبوذية والعتابة ويقدر تاريخها إلى ثلاث قرون
قبل هذا القرن، اعتمادا على نوعية الورق والكتابة،
وكان عنوانها (أبيات عَتَابَة وَبْنَيَّةْ) مما أوحى له بان اسم الإبوذية
لم يكن شائعاً قبل قرن ونصف القرن على الأقل .
أما تسميتها بـ (البْنَيَّة) فهو مقارب كما يعلق الخاقاني إلى (بُوذيَّة) ,
ويضيف ان (الِبْنَيَّه) هي غاية ما يتصوره الولد لإكمال وجوده
وان ألطف تعبير يراه هو (البنيه)، ويقترح إنها أصبحت بعد فترة
(وبْنَيّة)ثم لاكتها الألسن لتصبح (بُوْنَيّة)ثم انتقلت إلى (بُوذِيَّة)
واسم الإبوذية ظهر في زمن الشاعر حسين العبادي
على ما رواه له سباح آل ثاني ، وقال ان أول من نظمها حسين العبادي
وكان أول بيت نظمه :
تَرفِ بْهِوَاك مِن مِثْلِي وَلِهْـدُوْم
اَبثْنَايَاهَا الخَلَل بَيَّن وَلَهْدُوْم
اَمِل الْفَرَس لُو كُبْرَت وَالهْـدُوْم
إشْبُصْرَك بِرْذَعَه الْنَّامَت عَلَيَّه
فأحسّت زوجته بقصده وقالت مفارقة له :
جِد بِهْوَاك لِلْيِهْوَاك وَعْرَه
إوْعَمَن چِي عِشْرِتِي وَيَّاك وَعْــرَه
بَعَد مَانِي مَعَك بِشْظَاظ وَعْــرَه
إلْكِل مِنَّا إنْشَحَن وَانْكَر خَوِيَّه
وهناك ملاحظات على ما أورده الخاقاني منها قوله
ان الوثيقة التي عثر عليها تعود إلى ثلاثة قرون وفيها مئات الأبيات من المَوَّال والإبوذية والعتابة،
وعلى أساسها يستند إلى ان الإبوذية قيلت منذ ذلك الحين،
فأعتقد إذا صح تاريخ الوثيقة التقديري، ان يكون عمر الإبوذية أكثر من ثلاثة قرون
لان جامع هذه الوثيقة ما قام بهذا العمل إلا بعد ثبوت وزن الإبوذية
وشكلها وجناساتها وانتشارِها كفن من فنون الأدب الشعبي وتهافت الشعراء على نظمِها،
وَكَثُر عدد أبياتها بحيث ان جامع الأبيات لم يكتب لنا إلا المشهور منها وما هو جيد وبليغ،
وهو موضوع يستغرق وقتا طويلا حتى يصل إلى ما وصل إليه،
وربما تكون بذلك قد قيلت لأول مرة قبل قرن آخر من تاريخ هذه الوثيقة المخطوطة أي قبل أربعة قرون.
وعلى كل حال فان هذا التاريخ البعيد يتناقض مع ما رواه له سباح آل ثاني من ان أول من نظمها الشاعرحسين العبادي قبل حوالي نصف قرن
وبالنسبة لرواية الشيخ سباح حول أول من نظمها ففيه نظر،
ذلك ان فنون الشعر تظهر أول مرة بشكل بدائي وبكل تأكيد على يَدَي أحد المبدعين،
ثم تبدأ بالانتشار والتوسع فيضاف إليها ويحذف منها ويتغير شكلها وربما وزنها أيضا
ويمضي عليها زمن ليس بالقصير قبل ان تأخذ شكلها النهائي ويبرز شعراؤها ومتذوقوها وجامعوها،
بالضبط كما حدث مع الموال الذي ظهر رباعيا ثم تحول خماسيا وأعرجا ثم نعمانيا وربما كان قبل ذلك (قَـوّاما)
وعليه لا يمكن ان يكون أول من قالها العبادي فأتى بها تامة مُجَنَّسَة موزونة هكذا دون تقليد او تطوير.
وعلى افتراض انه تمكن من ذلك فكيف تمكنت زوجته ان تجيبه بنفس الوزن والشكل والجناس ؟! لو لم يكن ها النوع من الشعر معروفا ومتداولاً وله عشاقه ومريديه
ان فن المواليا الذي يعتقد بأن الإبوذية قد نشأ منه كان قد بدأ فصيحا ثم استقر شعبياً مع ميل الى استعمال الجناس فيه وهو الامر الذي التصق بهذا الفن ولم يغادره أبدا.
وقد نشأ هذا الفن في مدينة واسط ، ولعل أهل البطائح، (الأهوار) هم الذين اخترعوه او نشروه، كما يذكر ابن الجوزي إبان نفيه الى تلك المنطقة سنة 592ه الموافق 1195م. أما بالنسبة الى اسمه فقد اختلف فيه اهل الكلام , منهم من يذهب الى ان اصل الابوذية (ذي يّه) ومنهم من يذهب إلى (أبو أذيّة) وذلك لأن الكثير من فنون الشعر الاخرى تسمى بمسميات لها علاقة بنهاية (ربّاطاتها)
مثل الهَات الذي ينتهي دائما بالف وتاء (البُومْعَنَّه) الذي ينتهي بنون وهاء
والْعَتَاب الذي ينتهي معظمه بالف وباء،
كذلك الْمَيْمَر (أبو نْخَيلَة) الذي كان يبدأ بكلمة (بونخيلة)
ومن الجدير بالذكر ان كلمة (بُنيَّه و بُذيَّه) قريبتان من بعظهما بخط اليد
وحتى بالطباعة الحديثة كما يلاحظ القارئ الكريم، فلا يبعد ان يكون عنوان الوثيقة التي حصل عليها الخاقاني
هو (أبيات عَتَابَة وَبُذيَّةْ) بالذال وليس بالنون، فحصل التباس لكون الوثيقة قديمة فقرأها الخاقاني بالنون،
كما ان تحليله حول ان (البُنَيَّه) هي غاية ما يتصوره الولد لإكمال وجوده وان ألطف تعبيريراه هو (البُنيَّة) مصغر بنت,غير مقنع .
المصادر:
الابوذيات العراقية في الغزل والنسيب( الدكتور علي الخاقاني)
الأدب الشعبي مفهومه وخصائصه ( كامل شبيب)