ثلاث صديقات ... كانوا يوم من الأيام ... زميلات بالجامعة .... من أعز الناس على بعض ... ياما كنا مع
بعض ... نروح و نجي مع بعض ... ناكل و نشرب مع بعض ... نسولف و نضحك مع بعض ... نحزن و
نبكي مع بعض ...
الحين ... و بعد ما مر على تفرقنا حول 13 سنة ... ردينا اجتمعنا مع بعض في مكان واحد ....
كل وحدة تناظر الثانية ... بمنتهى البرود ... كأنها تتعرف عليها للمرة الأولى ...
اجتمعنا احنا الثلاث ... للمرة الأولى ... بعد كل ذاك العمر ....
الأيام تمر ... و أنا انتظر أي اتصال من قمر ... دون فايدة ...
و أخيرا اتصلت أنا بها أذكرها بوعد الزيارة ... و اعتذار بعد اعتذار ، لين في النهاية انحرجت و قررت تجيني في يوم معين ...
و جا اليوم الموعود .......
.......................
وصلت بيت شوق .... اللي ما جيته من سنين و سنين .... تغيرت فيه أشياء كثيرة
و عرفت أنهم يبنون لهم بيت ثاني ....
ما كنت أبي اجي و اسمح لذكريات الماضي أنها تظهر من جديد ...
بس إصرار شوق أحرجني و خلاني أجيها غصبا علي ، و الله يستر ... !
اللقاء كان طبيعي و عادي جدا طول الوقت ....
سألنا عن أخبار بعض ... أخبار البيت و الأطفال و العمل ...
و شفت أولادها ... ولدين اثنين ... ما عندها بنات ، و عرفت أن ( منال ) جابت بنت وحدة بعد ( نواف )
الأمور مرت طبيعية لين جيت أبي أتصل على السواق يجيني ، لما قالت لي فجأة ...
- قمر ودي أسألك سؤال ... إذا سمحت ...؟؟
- خير ؟؟؟
و من ملامح وجهها عرفت أن الموضوع ... ... ... ؟
- سبحة سلطان لسه عندك ...؟؟؟
تفاجأت ... و وقف قلبي ... حاصرتني بزاوية ما قدرت أهرب منها
وقفت و كملت اتصالي و كلمت السواق يجيني ... و حاولت اشغل نفسي بترتيب عبايتي علي ....
مسكت الشنطة ، و مدت شوق إيدها و مسكتها ... و طالعتني بنظرات كلها ألم ... كلها رجاء ... كلها
عتاب ....
- قمر الله يخليك ... سلطان أخوي تعبان ... لا تسوين فيه كذا ....
و لا تكلمت بكلمة وحدة ... و شوق ... واصلت كلامها بنبرة حزينة ...
- أنتِ أنقذتِ حياته في يوم من الأيام ... أرجوك ... لا تدمريها ...
-مع السلامة
قلتها ، و طلعت .... أنتظر السواق عند الباب ...
ما كنت أبي شوق تشوف دموعي اللي تفجرت بعيني ...
اللي تدمرت هي حياتي أنا ... مو حياتك أنت يا سلطان ...
الفصوص كانت توصل له ... و تأثر بها أكيد ...
سلطان أنت تألمت ؟؟
خلاص .... ما عاد أظهر بحياتك مرة ثانية ... و بقية الفصوص ... باتخلص منها و انتهينا....
.................... ....
النهاية ذي ما أقنعت أخوي سلطان ، لكنها على الأقل ريحت باله بعد حول سنتين من العذاب ... مع ذيك
الفصوص ...الحين صارت الشهور تمر ، و لا يعني له يوم النص منها شيء ... و لا عاد فيه قمر ... يسلم عليه ....
القصة بكذا وصلت لـ (((( النهاية )))) أخيرا ، و الحمد لله ............
الشي الجديد اللي شغل بال أخوي و بالنا كلنا هو هبة ...
صحتها أواخر الأيام صارت في تدهور ... دوم رافضة الأكل ، دوم خملانة ... دوم تعبانة أو مريضة ...
كأنها عين و صابتها ، بعد كل خفة الدم و المرح و الحيوية اللي كانت عليها ...
كنت بالمستشفى ، لما وصلتني مكالمة من ( منال ) تقول لي أنها موجودة بقسم الطوارىء و معها هبه ،
و الطبيب يقول عندها جفاف و محتاجة تنويم كم يوم ...
جيت بنفسي للطوارىء و شفت بنت أخوي ، كانت بالمرة تعبانة ، تقول أمها صار لها يومين ما تاكل شي و عندها (اسهال و تقيؤ) ... أخوي ما كان موجود ، كان بالعمل ...
تنومت هبه مع أمها بالمستشفى و بدت حالتها تتحسن شوي شوي ...
أخوي طبعا فزع لما عرف أنها بالمستشفى و جا مثل المجنون ... بس الحمد لله حالتها صارت أفضل ... نزلة معوية و تعدي على خير إن شاء الله ....
بعد يومين طلعت من المستشفى بصحة طيبة ... و استعادت نشاطها كم يوم ، قبل ما ترجع تتدهور مرة ثانية أسوأ من اللي قبلها ... و تتنوم من جديد ...
أخوي عاد ما كان له حال .... ما كان يقدر تصيبها ذرة غبار ... و كل شوي يقول لي توصي بها و وصي عيلها الأطباء ... و هم مو مقصرين ...
بعد ما استقرت حالتها ... شاف الطبيب أنه يسوي لها فحوصات أشمل ... اللي خلاني حاطة إيدي على قلبي ... و كاتمة أنفاسي ... لين صرخت بكل قوة ... صرخة هزّت جدران المستشفى ... و كسّرت النوافذ ... و زلزلت الأطوابق ... لما قال لي عقبها بيوم ...
- (سرطان الدم ..)..
طحت ... و ما دريت بحالي ...
مستحيل ... مستحيل يكون ... صحيح ... فيه خطأ ... هبة بنت أخوي ... البنت الوحيدة ... دلوعة العيلة ... مهجة قلوبنا كلنا ... عندها ... سرطان في الدم ....؟؟؟ !!!
مشاويره مع عمينه ما تخلص ... أحس أنهم أبعدوه عني ... بس ما فيني قوة أعلـّق الحين ... قلت باستسلام ...
- طيب حبيبي ... أباروح أرتاح ....
وقبـّـلت جبينه ... و تركته منهمك ببني العشة ...
وصلت داري منهارة تماما ... رميت بجسمي على السرير .... و تأوهت بمرارة ...
يوم القدر ... بعد كل هالعمر ... كتب أنه يجمعني بسلطان ... جمعني به ... في أسوأ الحالات ... و أسوأ الظروف ........
بكيت بكاء ما بكيت مثله من مدة ...
طلعت الفصوص الثلاث اللي بقت لي من سبحة سلطان ....و شديت عليها بين يديني ... و قربتها
عند قلبي ... و صحت ....
سلطان ...
سلطان ...
يا رب يكون حلم ...
يا رب يكون كابوس ...
يا رب ما يكون حقيقة ....
شوي ... و اندق الباب ، و جاني صوت ولدي بدر يناديني ...
بسرعة مسحت دموعي و جيت و فتحت الباب ...
-هلا حبيبي ؟
- يمه بس بغيت منك ...
و سكت ... و صار يطالع فيني بقلق ...
- نعم بدر وش بغيت ؟
- يمه أنت بخير ؟
- بخير ... بس قل لي وش بغيت ...؟
طبعا ألح علي ، و قلت له أن وحدة من صاحباتي بنت أخوها مرضت و تتعالج عندي ... و أنا متأثرة
عشانها ...
- إذا بتتأثرين يمه كذا لا تعالجي ناس تعرفيهم !
هو قالها جملة عابرة ، و أنا أخذتها بجد ... هذا اللي لازم يصير ... أبي أحول الحالة على الدكتور هيثم
أول ما يرد من أجازته... بس الحين ... ما لي إلا أني أبدأ العلاج ... قبل فوات الأوان.........
.................
" قريب من العين .. والقلب !! "
- تقولين ... قمر ؟؟؟؟
صاحت منال بدهشة و استنكار ... لما قلت لها أن الطبيبة اللي كانت هنا ... هي قمر ...
و صارت تنقل نظرها بيني و بين سلطان .... الجالس باستسلام على طرف السرير ... و بحضنه
هبه نايمة بكل براءة ... و عينه بس و بس مركزة على بنته ...
- لا ! مستحيل ....
لما قالت كذا ، رفع سلطان بصره و طالع بها ...
و ردت تأكد ...
- مستحيل أخلي بنتي تتعالج عندها ... شوف لنا مستشفى ثاني ...
سلطان ... منتهي و ما له حال ... بس شال البنت و حطها بسريرها ... و قام يبي يطلع ...
- وين ؟؟؟
- بـ أرد البيت باريح شوي ...
- و تخلينا هنا ؟
- منال ... رجاءا ... اللي فيني يكفي ....
قالها ... و طلع من الغرفة ...
و جلست مدة مع منال ...أحاول أهدي فيها ... هدأت في النهاية ... بس ما اقتنعت ...
... و كنت ادري أنها بكرة بالكثير ... بترجع للموضوع مرة ثانية ....
صحيح احنا انحطينا بموقف ما ننحسد عليه ...
الأقدار لعبت دورها بدهاء ...
و كلمة ((( النهاية ))) في القصة و اللي ظنيت أنها انطوت خلاص ... ما شكلنا رح نقولها قريب .....
..............................
رديت من مشاويري مع عمي قرب الساعة عشر الليل ، كنت متأكد أن أمي رح تعاتبني لأني طولت الغيبة ،و استغربت لأنها ما اتصلت علي كالعادة تتطمن ...؟
المهم ، أول ما دخلت البيت شفت خالي ثامر جالس يتكلم بالتلفون بالإنجليزي ! أكيد هذه خطيبته ! صار كله مشغول معها !
رحت أدور أمي ما لقيتها سألت عنها قالوا لي بدارها ... و صعدت الدور الثاني و جيت عند باب غرفتها ...
كان النور ظاهر من تحت الباب ، دقيته و ناديتها ، و ما جاني رد ...
دقيت مرة ثانية و ما سمعتني ، فتحته شوي شوي ...
لقيت أمي نايمة على سريرها ...
مو بالعادة أمي تنام هالوقت ، و لا بالعادة تنام قبل ما تتطمن علي ، بس شكلها غفت دون ما تدري ...
قربت منها عشان أنا متعود لازم أقبل راسها كل ليلة قبل النوم ، من يوم كنت صغير ... و فيه شي
غريب لفت انتباهي ... !
كانت إيدها اليسرى ممدودة و براحتها ثلاث ( خرزات ) فضية .. !
استغربت ... إش هذه ؟ ... بس شلتهم من إيدها دون ما تحس .. و أخذتهم معي ... قبلتها و طلعت من الغرفة ....
بعد ما ( انسدحت ) على سريري نمت بسرعة لأني كنت تعبان شوي ...
و ما لحقت أشبع نوم ... صحيت على صوت خالي ثامر ينبهني عشان صلاة الفجر ...
بسرعة جا وقت الصلاة ! يمكن خالي غلطان بالوقت ؟؟
فتحت عيني و طالعت بالساعة و كانت أربع الفجر ...
- يالله بدر انتظرك بالسيارة لا تتأخر ...
ما مداني أرفع جسمي أبي أقوم إلا و وصلنا صوت صرخة قوية ....
فزعت ... و هبيت جالس ... و جت صرخة ثانية ...
- هذه أمي ... ! ! !
قفزت من السرير ... ركضنا أنا و خالي بسرعة إلى غرفة أمي و دخلنا ...و شفناها تصرخ في ذعر
و فزع مهول ...
ركضنا لها و حضناها ... و صرنا نهدّي فيها و هي ترتجف ... و تردد ...
- ( سلطان لا تموت .... سلطان تنفس .... سلطان تماسك .... )
خالي صار يقرأ آيات قرآن يهدّي فيها و أنا أبكي مفزوع عليها ...
أمي كانت تطالع فينا و لا كأنها تعرفنا ... ما كانت بوعيها أصلا ... العرق كان يتصبب منها بغزارة ... و أشوفها تتنفس تنفس مو طبيعي ....
ظلت أمي على ذي الحالة دقايق ... و بدت تهدا شوي شوي ... رفعت راسها تطالع خالي ثامر و تقول ...
و يكرر آيات قرآنية ... لين هدأت أمي ... و طالعت فيني ... و شكلها توها تنتبه لي أو تعرفني ...
... نادتني و خذتني بحضنها و أنا أبكي و هي تبكي و خالي يهدي فينا ...
-خلاص بدر ... خلها تنام ...
رفعت بصري له معترض ...
- بـ أظل معها ...
- لا بدر ، خلنا نروح المسجد ... ما فيها شي راحت النوبة ...
تركت أمي نايمة على السرير و الوسايد .... مغمضة عينها و حالتها زينة ... و يوم جينا بنطلع من الغرفة
سمعناها تقول :
- ( ما أبي أعالج بنته .... )
الجملة الأخيرة اللي سمعناها ، و طلعنا ....
كانت الدموع بعدها بعيني ، و قال لي خالي باستنكار :
- إش بلاك ؟ رجال و تبكي ؟
- ما شفت كيف كانت ؟
- ما هي أول مرة ... ما تعودت للحين ؟؟
- بس ما صار لها من جينا البلد ...
من رجعنا البلد ... هذه أول مرة تجي أمي نوبة الذعر اللي كانت تجيها من فترة لفترة و احنا برى ...
خالي يقول أن هذا صار لها بعد ما شافت أبوي و ناس ثانيين يغرقوا في البحر ... قبل ما أنولد أنا ....
و كان دايما يحذرني أني أذكر شي عن الموضوع قدامها و إلا بتمرض و تزيد حالتها أكثر ....
صحيت من النوم و لقيت نفسي متأخرة شوي ... و حسيت روحي تعبانة و ما لي خلق ... قلت أبي أتصل بالمستشفى و آخذه يوم إجازة ... بس ... بسرعة تذكرت المريض الجديد ... و قفزت من سريري بسرعة ...
... عندي اليوم شيء مهم لازم أسويه ...
و أنا عند المراية أسرح شعري تذكرت فصوص السبحة الثلاث ...
كانو بإيدي لما نمت ..؟؟؟
و قمت أدور عليهم في السرير و حوله و بكل مكان و لا لقيتهم ... وين اختفوا ؟
بس لأن الوقت متأخر ، تجهزت على عجل و طلعت من الغرفة و نزلت الدور الأرضي ...
كان ولدي بدر جالس هناك و أول ما شافني جا يصبح علي و يحضني ...
- هلا بدري ... ها حبيبي متى رديت البارح ؟
ابتسم بخجل و اعترف أنه جا متأخر شوي ، و طالع فيني كأنه يبي يقول شي ... بس أنا كنت مستعجلة
سلمت عليه و طلعت ....
اللحظة اللي طول أمس و أنا قاعدة أعد لها ألف حساب جت أخيرا ....
كنت بالمكتب ، أنتظر والد المريضة يجي عشان أشرح له عن المرض و العلاج ... و تفاصيل ثانية ...
بالنسبة لي كطبيبة ، صرت متعودة على هذه الأمور ، لكن ... .... .... ؟
جت الممرضة ... مع سلطان ....
حاولت بكل الطرق ... إني أنسى أني كنت أعرف هذا الشخص يوم من الأيام و اتصرف معه كأي والد
مريضة أعالجها ...
صعب ... و الله صعب ... !
إنتوا حاسين فيني ؟؟
بمجرد وصلني صوته أول ما دخل و سلم ... انتفضت أوصالي كلها ...
هذا هو صوت سلطان ... ما تغير عن أول ...
جهور و رنان ...
كأنه لا وصل الطبلة يدغدغها !
و إذا جا للدماغ يخدره !
مع أنه قوي ، بس لا سمعته تتملكني رغبة غريبة في النوم !
رفعت عيني بنظرة خاطفة صوب عينه و رديت السلام ...
يا ذيك عيون ... يا ذيك نظرات ...
تاخذني فوق في السماء ... أحسها ... أحسها بحيرة ... و ودي أسبح فيها !
أي جنون ... ؟؟؟
إنتوا فاهميني ؟؟
أخذت حول أربعين دقيقة و أنا أتكلم معه و أشرح له بعض التفاصيل و أجاوب على أسئلته ... وجود الممرضة يمكن عطاني شوية دعم ...
كنت أبي أعرف ... هل هو راضي أني أنا ... أعالج بنته ؟ .. إش قرر ...؟؟؟
سألت في النهاية :
- نبتدي العلاج اليوم ؟
- توكلنا على الله ....
اللي كان يكلمني كان أب ... متعلق بأمل ... أي أمل ... لعلاج بنته الوحيدة... مهما يكون ....
رحنا لغرفة الصغيرة ... كانت نايمة .. و أمها ( منال ) جالسة جنبها ...
و الطريقة اللي كلمتني بها اليوم ... تختلف عن الأمس ... !
أمس ... كان كلامها كله رجاء ...
و اليوم ، كله اعتراض ... !
أنا ... تقبلت كل كلامها في كلا الحالتين ... و مصرة أني أعاملها كما تعامل أي طبيبة أم وحدة من
المريضات ...و أنسى أنها كانت .. و لا تزال ... أكثر امرأة كرهتها بحياتي ...
اللي سرقت مني – و لو بدون قصد - ... حبيب عمري الوحيد ...
في نفس اليوم ، بعد كم ساعة جتني شوق المكتب ... و تناقشنا مرة ثانية عن المريضة و العلاج ...
شوق ... كانت .. و لو بشكل غير مباشر ... تبي توصل لي رسالة محتواها :
( لا تخلي الأمور الشخصية تأثر على تصرفك كطبيبة ... )
أنا ... قلت بشكل مباشر ...
-تطمني يا شوق ... أنا في المستشفى طبيبة و بس ... و أتعامل فقط و فقط على هذا الأساس ....
و على هذا الأساس ... بدأنا العلاج المكثف ... و اللي يتطلب شهور ... و شهور ...
في نفس اليوم ... بالليل ... جاني ولدي بدر ... و عطاني الفصوص الثلاث اللي قلبت الغرفة فوق تحت أدور عليها...
- من وين جبتها ...؟؟؟
- آسف يمه شفتها بايدك و أنت نايمه و شلتها ...
أخذت الفصوص .. و رجعتهم بالصندوق ... و ولدي بدر يراقبني ...
- يمه ...
- نعم ؟
- إش هذه ؟
ما رديت عليه في البداية ... ، تالي قلت له ...
- تذكار من شخص عزيز ...
- من هو ؟
ما جاوبت ...
- سلطان ..... ؟ ؟
انتفضت ... و التفت له فجأة ... و أنا مذهولة ... و طالعت فيه ... أبي استشف من نظراته أي شي
يكون عارفنه أو فاهمنه ...
- أي ... سلطان ... ؟
- ما أدري .... أنت قولي لي ؟
- بدر ... بدر من وين جبت الاسم ؟؟؟
-... أنت دايما ترددينه لما ... .... ....
- خلاص بدر ... ارجع دارك ...
- أنا آسف ....
- تصبح على خير ....
الولد كبر ... و صار يفهم ... الكوابيس اللي طاردتني طول ها لعمر صارت توحي له بشي .... يا رب ...
... أبيه بس ... يتجاهل ها الموضوع ...
...........................
ظلت بنت أخوي هبه بالمستشفى فترة طويلة ... بين تحسن و انتكاس ... و احنا ندري أن العلاج يطول
و يبهذل ... و ما لنا إلا الصبر ...
أخوي سلطان أخذ أجازة طويلة ... تفرغ فيها لعلاج بنته ... اللي ما كان شاغل باله شي غيرها ...
أما قمر ... فما أظنها صارت تعني له شي ... لأنه انشغل باللي أهم منها ...
علاقتي بقمر بدت تنتعش من جديد ... و بدينا نتقرب من بعضنا اكثر و أكثر ...
كصديقات و كزميلات عمل ... هذا الشي ريحني ....
منال أخيرا تأقلمت مع الوضع ... و صارت تتعامل مع قمر على و كأنها طبيبة تشوفها لأول مرة ...
... كل شي سار بشكل طبيعي ...و مألوف ....
....................
فاجأتني قمر لما قالت لي قبل فترة أنها صارت تعالج بنت سلطانوه ، بمحض الصدفة ... !
أنا دورت على التعليق المناسب بس ما لقيت ...
ما قدرت أتخيل كيف الوضع ... بس الظاهر و الله أعلم أن الأمور تمشي بشكل معقول ... و الله يستر من الجاي ... !
صحيح الدنيا دوارة ...
ودي التقي بسلطانوه ... الزفت ... و أقول له :
- ( شفت يا سلطان ؟ هذه البنت اللي حطمت قلبها يوم من الأيام ... اللي ترملت عشان تنقذ حياتك أنت ...
هذه هي الحين تعالج لك بنتك بعد ...! )
لو أنا مكانها كان رفضت استقبل الحالة و خله يروح يدور على طبيب غيري ...
ما ناقص إلا إني أعالج بنت الشخص اللي حطم لي قلبي ! الله يحطم قلبه و ينتقم منه يا رب !
خاطري مرة ... مرة وحدة بس ... أشوفه و أتشمت فيه ... أبرد حرتي فيه من ذيك السنين ..
عقب كل اللي سواه بصديقتي قمر ... ...
من زمان ... و أنا أتمنى ذي الأمنية الشريرة ...
و القدر ... أتاح لي الفرصة ... و حقق لي إياها ... من أوسع الأبواب !
....................
كل يوم ... أشوف سلطان ...
كل يوم أتكلم معه ...
كل يوم أسلم عليه ...
و اليوم ... آخر يوم من دورة العلاج المبدئية ... و الصغيرة رح تطلع للبيت أخيرا ... كم أسبوع ، و ترجع لمتابعة العلاج بعدين ...
سوينا عشاء كبير ... و عزمنا خالتي أم منال و بناتها و أولادها ... بالإضافة إلى عيلتنا احنا ... فصار البيت مليان ناس ... و كلنا كنا مبسوطين أن بنت أخوي هبه طلعت من المستششفى بالسلامة ....
حالتها احسن بكثير من أول ما مرضت و أول ما أخذت العلاج المكثف ...
كلنا كنا فرحانين و أخوي أكثرنا ... أخيرا ارتاح ولو مؤقتا ... و الليلة بتنام بنته بحضنه و عيونهم قريرة و متهنية ....
رديت البيت و أنا مرتاحة و صليت لله شكر ... و دعيته أنه يشفيها تماما من المرض ... و يريح بالي و بال أخوي المسكين ....
بعدها بكم يوم .... عرفت أن الدنيا كانت ... بس ... تضحك علينا ...
قبل ما يحين موعدها بالمستشفى ... بنت أخوي فجأة انتكست حالتها بشكل كبير ...
داهمتها نوبة تقيؤ حادة ... و شالها أبوها و راح طاير بها على المستشفى ...
كان الوقت نص الليل ... أنا ما دريت إلا يوم ثاني ... لما اتصل علي و قال لي أنها بالعناية المركزة ....
يوم وصلت ... شفت البنت مسدوحة على السرير ... و أخوي يبكي ... و منال تنوح ...
و بعد شوي وصلت طبيبتها ، الدكتورة قمر ... و معها كانت ... سلمى .... و دكتور ثاني ...
سلطان لما شاف قمر قام يقص لها وش صار ، و هو مو قادر يمنع دموعه من أنها تسيل غصبا عنه ....
قمر جت تفحص على هبه ... و هي تحاول تكرر عبارات الطمأنة ... لكن من صوتها كان واضح أنها
هي بنفسها مو متطمنة ...
قلوبنا كانت متعلقة بكل حركة تسويها و كل إشارة ... نبي نعرف ... بنتنا بخير ؟؟ وش صار لها ؟؟ و متى تصحى ...؟؟؟
قمر قالت موجهة خطابها لسلطان :
- هي نايمة من تأثير الأدوية بس تصحا رح تكون أفضل إن شاء الله ...
- إش صار لها ؟ و ليه ؟
- أنا شرحت لكم أن هذه أشياء ممكن تصير أي لحظة خلال فترة العلاج ...
تكلم الحين الدكتور الثاني :
- ياجماعة المريضة مستقرة الآن تفضلوا لو سمحتوا هذه غرفة العناية المكزة و ما يصير نتجمع كلنا هنا ...
قال كذا و نقل أنظاره بيننا أنا ... و سلطان ... و منال ...
كان هدفه أن حنا نطلع من الغرفة و يظل هو و قمر يتناقشوا ....
ما أحد منا تحرك ... حتى سلمى ، و اللي جاية دون داعي ظلت واقفة بمكانها ... و عينها كانت على اخوي سلطان ... كأنها ... كأنها ما صدقت تشوفه مكسور عشان تتشفى فيه .... !
قمر بعدها تكلمت ...
- تفضلوا معي لو سمحتوا ...
منال ما تحركت شبر واحد ... ، سلطان ظل متررد ... و بعدين جا معنا أنا و قمر ... أما سلمى فانشغلت مع مريض ثاني ...
في مكتبها ... جلسنا أنا و أخوي المنهار ... مو قادر حتى يفتح فمه يقول شي ...
كان الدور الآن كله مرتكز على قمر ...
- ما فيها شي ... و ما رح يتكرر مرة ثانية إن شاء الله مع العلاج اللي رح نضيفه لأدويتها ...
... و إن شاء الله بكرة تطلع من العناية المركزة ....
رفع أخوي عينه تجاهها متعلق بكلمتها الأخيرة ......
- بكرة تطلع من العناية ؟ صحيح ؟
- ...نعم ...
- وش فيها بنتي ؟ صار شي بمخها ؟
سأل أخوي سؤال يائس ...
- لا أبدا ... بعد الشر ...
- ليه صار لها كذا بالتالي ؟؟؟
قمر ما جاوبت ... القلق تفجر بقلب أخوي و قال ...
-أرجوك قمره ... إذا فيه شي علميني ...
جا صوت قمر مبحوح ... و هي تقول :
- ... ما فيه شي جديد ... لو فيه قلت لكم ... و ... و على كل ... من بكرة الدكتور هيثم رح يتابع علاجها و تقدر تسأله عن كل شي ...
تفاجأت ... و أخوي بعد ... و طالعنا في بعض و تالي فيها ...
- الدكتور هيثم ؟؟
- هذا اللي كان معنا بغرفة العناية ... أنا حولت الحالة عليه و صار يعرف عنها كل شي ...
كان بودي أصرخ ... لأني ما عدت قادرة أتحمل ... حرام عليكم ...
أشوف سلطان قدامي متحطم ... و أظل صامدة و جامدة ؟
تبوني أعالج بنته و هي عندها أخبث الأمراض و ألعنها ... و أشوفه كل يوم يتعذب معها ...
ما اقدر ... ما أقدر ... ما أقدر ...
اللي اسعفني به لساني ذيك اللحظة كان ...
- لأني باخذ أجازة فترة ...
و كان جواب مقنع ...
سلطان ... قال ...
- توصوا فيها يا قمره أرجوك .. و إذا فيه أي علاج أفضل بأي مكان بالعالم قولوا لنا عنه ...
مسكت اللي باقي من قلبي بصدري ... و قلت ...
- العلاج هنا أو بأي مكان هو نفسه ... ما يحتاج توصية ... هذا واجبنا ...
.........................
بعدما طلع سلطان ... انهار القناع اللي كانت قمر مخبية شعورها الحقيقي خلفه ...
رمت راسها على طاولة المكتب و تنهدت ...
جيت لعندها ...
- قمر ؟؟؟
رفعت راسها و طالعتني ....
- فيه شي ما تبين تقولينه لنا ...؟؟
- إش أخبي ؟ أنت عارفة إش المرض ذا ...
- ليه حولتيها لدكتور ثاني ...؟؟؟
- لأني ... لأني ...
... لأني ما استحمل يا شوق ... ما استحمل ....
تأكدت من أن الدكتورة قمر هي قمر زمان ... و أن قلب الدكتورة قمر ... هو قلب قمر زمان ...
و أن وجود سلطان و قمر في حياة بعضهم البعض ... رح يفتح جروح الماضي و يسبب جروح جديدة ...
لازم الدكتور هيثم هو اللي يتولى العلاج ... و نسد أي باب ممكن يفتح علينا طرق للورا ...
...........................
يوم ثاني ... مريت على البنت بالعناية و شفت أوضاعها متحسنة ... و اقترحت على الدكتور هيثم يطلعها من العناية ، و خلال الكم يوم اللي تلوا ... كنت أجي كل يوم اتطمن عليها بنفسي ...
و اتطمن ... على ... سلطان ....
طلعت بنت سلطان من المستشفى بعد كم يوم ... و جتني في موعدها بالعيادة بعد ها بفترة ، مع أبوها و أمها ...
كانت حالتها طيبة و طمنت أهلها عليها ...
سلطان فاجأني ... و قال أنه يبي يتابع عندي لأني بديت العلاج معها من البداية ...
وبس انا صرت .. أتابع الحالة من بعيد ... مع الدكتور هيثم ...
حالة البنت تحسنت كثير ... و آخر مرة جتني بالعيادة كانت مليانة حيوية و نشاط و مرح .. و أبوها يراقبها
بكل سرور ... و أنا أراقبه هو ... بكل راحة ...
و مرت مدة ... و البنت بين انتكاس و تحسن ... و أهلها بين الرجاء و الخوف ... بين الأمل و اليأس ...
... بين الحياة و الموت ...
أخذت أجازة كم يوم عشان زواج أخوي ثامر ... ريحت فيها و انبسطت ، بس ظل بالي مشغول ... إلى حد ما ....
بعد العرس بكم ليلة ... زارتنا أم الدكتور هيثم و أخته ... يخطبوني لولدهم ... !
طبعا بالنسبة لي كانت مفاجأة الموسم ، اللي ضحكت منها ضحك ما ضحكته من زمن ... لكن أمي أخذت الموضوع بكل جدية ... و طلبت من أخوالي يسألون عليه !
أنا أصلا حاذفة هذا الموضوع من حياتي نهائيا ... ما أدري وش بلاه الدكتور هيثم ؟
عاد ما لقى غيري ؟ و بعدين وش فيها زوجته الأولى عشان يفكر يتزوج غيرها ؟؟
بصراحة تجاهلت الموضوع ، و رجعت للعمل و لا كأن شي صاير ....
اللي صدمني ، هو أن الخبر كان منتشر بالمستشفى ... و صار الكل يعرف أنه الدكتور هيثم متقدم لي ...
وضع أزعجني بالمرة ... و صار التجاهل ما ينفع ...
تنومت هبه مرة ثانية عشان تبدأ المرحلة الثانية من العلاج ، و في هالمرة رافقها أبوها ، الظاهر أن أمها
ما قدرت تاخذ أجازة من عملها ...
جينا نمر عليهم الصباح ، و شفت سلطان ... كان وجهه مستبشر خير و معنوياته مرتفعة ... لأن بنته
كانت بحالة ممتازة ...
كل يوم أمر على البنت ..
كل يوم أشوف سلطان ... و أتكلم معه ...
كل يوم .. قلبي يتعلق به ... أكثر و أكثر ...
كل يوم أنا أنجن ... و أدري أني في خطأ كبير ... بس ... ما أقدر أبتعد ...
رغم أن الكلام اللي كان بيننا ... ما يتعدى كلام طبيبة و والد مريضة ... بس كنت ... أحس بانتعاش بقلبي ...
و أرتاح كل ما شفته و سمعته ...
أما الدكتور هيثم ، عاملته بشكل عادي جدا ... و هو بعد ما حاول يخرج عن النطاق المألوف ...
يوم من الأيام ، رجعت البيت و شفت أمي تنتظرني ...
حاصرتني بموضوع الزواج و أنا رفضته نهائيا ... و طلبت منها تتصل عليهم و تبلغهم الرد ...
و الظاهر أنها ما اقتنعت ، و بدل من كذا اتصلت على صديقتي سلمى و اقنعتها أنها تتكلم معي ... و تحاول فيني ...
- فيه شيء مو بزين ؟
- لا يا سلمى مو رفضي للرجال نفسه ، إنما للزواج ذاته ...
- اعتقد يا قمر إنها فرصة ممتازة ... طبيب يشتغل معك ... و ما به شي ينعاب ...
رح تقضي حياتك بس ... بين العمل و ولدك بدر ؟
بكرة يكبر و يتزوج و ينشغل عنك و تصيري وحيدة ...
سلمى لفتت انتباهي لشي ... ما كنت أفكر فيه من قبل ...
أن بدر ... في يوم من الأيام رح يتزوج و يرتبط بانسانة غيري ... تصير عنده الأهم ...
صحيح الكلام هذا تو الناس عليه ، و هو لسا بالمتوسطة ... لكن ....
سمحت لنفسي أنها تاخذ فرصة قصيرة للتفكير ... يمكن يكون كلامها صحيح ... ؟
......................
كنت بالمستشفى ، في الصباح ... و كالعادة مرينا أنا و الدكتور هيثم و بقية الفريق على مرضانا ...
و من ضمنهم ... هبه ...
الصغيرة تعودت علي و تعودت عليها ... و المرات اللي تكون فيها بصحة زينة تكون في قمة المرح و خفة الدم ...
يوم جينا نطلع ... ناداني سلطان ...
- دكتورة لحظة لو سمحت ِ ...
البقية طلعوا ... و رجعت أنا للداخل و سألته ...
- خير ؟؟
بدا لي متردد ... بس اتخذ القرار ، و سألني فجأة :
- صحيح ... بتتزوجين الدكتور هيثم ؟
تفاجأت ... ذهلت ... اندهشت بكل معني الكلمة ! ...
كان هذا آخر سؤال أتوقعه من سلطان ...
ما رديت ... فقال :
- الخبر صحيح إذن ؟
- ... كيف وصلك ؟
- مو مهم ...
- ليش تسأل ؟
- صحيح أو لا ؟ بس أبيك تقولين لي ؟
- ... نعم ... صحيح ....
قلتها ، ما ادري كيف ، و استأذنت و طلعت بسرعة ...
اللي قاهرني ... أن الخبر انتشر في المستشفى ما اعرف من أي مصدر ...و هو حتى للآن بعده ما صار ....