|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 34252
|
الإنتساب : Apr 2009
|
المشاركات : 1,863
|
بمعدل : 0.33 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الحوزويه الصغيره
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 28-02-2011 الساعة : 09:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الإختيار
الإختيار قد يطلق فيكون في مقابل الجبر، وقد يطلق فيكون في مقابل الاضطرار، وقد يطلق في مقابل الإكراه، وقد يكون بمعنى الانتخاب عندما يُواجه العاقل الملتفت مجموعة من الخيارات فينتخب أحدها ويُهمل سائر الخيارات.
وتفصيل ذلك انَّ الاختيار يُستعمل في أربع حالات:
الاولى: ان يكون الفعل ناشئاً عن رغبة ودون انْ يكون هناك قاسر أو قاهر خارجي ألْجئه على القيام بالفعل، والإختيار هنا في مقابل الجبر والذي يكون الفعل معه ناشئاً عن قاسر خارجي، ولا فرق في مثل هذه الحالة بين ان يكون الفعل القسري محبوباً أو مبغوضاً كما لا فرق بين ان يكون الفاعل شاعراً وملتفتاً حين صدوره عنه أو ذاهلا وغافلا عن صدوره عنه، ففي تمام هذه الحالات يكون الفاعل مجبوراً وذلك لصدور الفعل عنه قهراً.
الثانية: ان لا يكون الفعل ناشئاً عن خوف الوقوع في محذور لا يُحتمل أو يكون تحمُّله شاقاً، على ان يكون المحذور من سنخ الامور التكوينية الغير المتصلة بإنسان آخر، والاختيار هنا يقابل الاضطرار، ومثاله مالو شرب الإنسان السائل الخمري حتى لا يقع في الهلكة لعدم وجود ما يسدُ به الرمق.
وهذا الاضطرار وان كان ينافي الاختيار بالمعنى المذكور إلا انه لا يُنافي الإختيار بمعان اخرى.
الثالثة: ان لا يكون الفعل ناشئاً عن ضغط يُمارس ضده من قبل شخص آخر بل يكون ناشئاً عن رغبة نابعة عن إدراكه للمصلحة المترتبة على الفعل، ويقابل هذا النحو من الإختيار الإكراه، بمعنى ان يكون الفعل ناشئاً عن ملاحظة المضاعفات المترتبة على ترك الفعل وكونها أسوء مما سيترتب على صدور الفعل عنه.
وهنا لا يكون الإكراه منافياً لتمام معاني الاختيار.
الرابعة: ان يكون الفعل ناشئاً عن ترجيح لأحد الخيارات، وكان بوسعه ترجيح خيار آخر.
هذه حالات أربع يطلق على الفعل في موردها الفعل الإختياري، وحتى يتبلور معنى الاختيار نذكر ما يتقوّم به مفهوم الإختيار حتى يكون تعريفه بعد ذلك واضحاً.
المقوِّم الاول: الوعي والإلتفات وذلك في مقابل الغفلة والذهول التام كما لو صدر الفعل عن النائم فإنَّه لا يُتعقل في مورده الإختيار، وهذا ما يُعبِّر عن انَّ الإختيار لا يكون إلاّ مع مرتبة من الوعي والإدراك.
المقوم الثاني: العلم والإلتتفات إلى انَّ ما يصدر عنه متطابقاً مع العنوان المقصود على ان يكون الواقع متطابقاً مع المعلوم، فلو قصد المكلَّف شرب السائل المتعنون بعنوان الخمر وصدر عنه شرب ذلك السائل الملتفت إلى انه خمر وكان ذلك السائل خمراً واقعاً، فهذا الفعل الصادر عنه اختياري إذا توفرت معه سائر الشروط.
وبهذا يتضح انَّ العلم المعتبر في تحقق الاختيار ليس هو تلك الصفة النفسانية المعبَّر عنها بالقطع بل المعتبر هو العلم المطابق للواقع، فلو كان قاصداً لشرب الخمر ومعتقداً ان ما يشربه خمر إلا انَّ الواقع انَّ ذلك السائل الذي صدر عنه شربه لم يكن خمراً بل كان عصيراً عنبياً فهنا لا يكون شرب العصير العنبي بعنوانه اختارياً، وكذلك لو شرب المكلَّف خمراً معتقداً انَّه ماء فإن شرب الخمر بعنوانه ليس اختيارياً لانَّه لا يعلم بخمريته وانما كان يقطع بكونه ماء ولم يكن قطعه واقعياً.
وبما ذكرناه يتضح انَّ العلم المعتبر في صدق الإختيار هو العلم بعنوان الفعل الصادر على ان يكون الفعل منطَبق العنوان - المعلوم والمقصود - واقعاً.
ثم انَّ المقصود من العلم المقوِّم للإختيار هو العلم الإجمالي في مقابل الجهل التام بعنوان الفعل، فيكفي في صدق الإختيار علم المكلف اجمالا بعنوان الفعل الصادر عنه ولا يلزم ان يكون عالماً بحقيقة العنوان وبحدِّه التام بل ولا برسمه، فلو كان المكلف يعلم بخمرية هذا السائل - إلا انه يجهل ماهيته وممَّ يتركب وماهي مضاعفاتته - فإنَّ ذلك كاف في صدق الإختيار عند اقدامه على شربه، فلا يلزم العلم بتفاصيل العنوان كما هي دعوى الاشعري، حيث استدل على عدم اختيارية ما يصدر عن المكلَّف بدعوى تقوُّم الاختيار بالعلم بتفاصيل عنوان الفعل الصادر وهذا لا يتفق لأحد، فالنتيجة انَّ صدور الأفعال عن المكلَّفين ليس اختيارياً.
ولا تخفى سماجة هذا الدليل لمنافاته للوجدان القطعي القاضي بكفاية
العلم بالمميِّز لعنوان الفعل الصادر عن سائر العناوين، وهذا لا يستوجب أكثر من العلم اجمالا بعنوان الفعل الصادر، فهذا المقدار هو الذي يقضي العقل باستحقاق فاعله للمدح أو الذم.
المقوِّم الثالث: القدرة على الفعل الصادر عنه، ولا تكون ثمة قدرة على فعل حتى تكون هناك قدرة على تركه، ولهذا قالوا انَّ القدرة تعني انّ له ان يفعل وله ان لا يفعل اما لو كان صدور الفعل عنه حتمياً فإنَّه لا يكون قادراً عليه لعدم قدرته على تركه.
المقوِّم الرابع: وجود مرتبة من الرضا والرغبة في الفعل الصادر عن اختيار فلا يكون الفعل اختيارياً لو تجرَّد عن الرضا بتمام مراتبه، فلو اُلجأ المكلَّف على ايجاد فعل لم يكن له أدنى رغبة في صدوره عنه بحيث أصبح بمثابة الأداة فإنَّ الفعل الصادر عنه لا يكون عندئذ اختيارياً.
وبهذا يتضح انَّ صدور الفعل في ظرف الإكراه وكذلك في ظرف الاضطرار - بالمعنى الذي ذكرناه هنا - يكون من قبيل الافعال الإختيارية، إذ انَّ صدور الفعل في ظرف الاكراه والإضطرار يكون ناشئاً عن رغبة المكلَّف في التخلُّص من المحذور الأشق، فهو وإن كان لو خلِّي وطبعه لما اختار ذلك الفعل إلاّ انَّ ذلك لا يسلب عن فعله صفة الإختيار بعد ان كانت مرتبة من الرغبة منحفظة في مورد فعله، فالمريض الذي يدعو الطبيب لبتر عضو من أعضائه يعدُّ مختاراً وذلك لرغبته في قطع مادة المرض.
المقوِّم الخامس: انَّ الفعل لا يكون اختيارياً إلا مع تصوره وتصور فائدته في الجملة ثم التصديق والإذعان بالفائدة وعندها ينقدح الشوق النفساني والرغبة في تحصيله.
هذا هو حاصل المقومات التي لا يكون الفعل اختيارياً إلا مع التوفُّر عليها.
ولا يخفى تداخل هذه المقومات فيما بينها إلاّ انّ الغرض من بيانها بهذه الصورة هو تيسير فهمها.
تقبلوا تحيتي
|
|
|
|
|