|
عضو نشط
|
رقم العضوية : 175
|
الإنتساب : Aug 2006
|
المشاركات : 179
|
بمعدل : 0.03 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
صدرية.حكيمية
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 19-08-2006 الساعة : 06:37 AM
تربية الإمام الحسن ( عليه السلام )
مقدمة :
يحتاج الطفل - أي طفل - إلى هندسة وموازنة بين ميوله وطاقاته ، ويفتقر إلى تربة صالحة ينشأ فيها وتصقل مواهبه .
ويعوزه تنظيف لموارد الثقافة التي يتلقاها ، والحضارة التي يتطبع عليها ، والتربية التي ينشأ عليها .
إنه عالم قائم بنفسه ، يحمل كل سمات الحياة بصورة مصغّرة ، في صخبها وأمنها ، في سعادتها وشقائها ، في ذكائها وبلادتها ، في صفائها وحقدها ، في تفوّقها وتأخّرها ، في إيمانها وجحودها ، في حربها وسلمها ، إلخ .
وهذا ما أشغل العلماء والباحثين ، فراحوا يعدون البحوث ، ويلقون المحاضرات ، ويؤلفون الكتب ، ويوردون النظريات في مسألة ( تربية الطفل ) .
ونشأ من بينهم عِدَّة ترى أن سلوك الطفل مرتبط بالعوامل الوراثية التي يحملها بين جوانحه ، ورأى عكس ذلك آخرون .
فأرجعوا كل أنماط السلوك الفردي والإجتماعي إلى البيئة والمحيط ، والتربية والتنشئة ، وأنكروا كل أثر إلى الوراثة ينسب .
وبلغ الخصام بين هاتين المدرستين في علم النفس والتربية إلى أنك ما تكاد تفتح كتاباً يتناول موضوع التربية إلا وجدته إلى إحدى المدرستين يميل ، وعن أحد الرأيين يدافع ، مفنداً الرأي الآخر .
ولعلك تسأل : أي الرأيين أصح ؟ وأي العاملين في سلوك الطفل أهم : الوراثة أم التربية ؟!
فبدلاً من أن نجيبك على سؤالك هذا ، نسأل بدورنا أيضاً : أيهما أهم للسيارة : المحرك ، أم الوقود ؟! هذه هي مشكلة التربية .
وسنلقي الضوء في السطور القادمة على الآثار المترتبة لسيرة الإمام الحسن ( عليه السلام ) من خلال هذين الجانبين المهمين .
الأول : الوراثة :
ليس هناك من شك بأن للوراثة أثرها الكبير في صياغة الفرد صياغة مكيَّفة بالبيئة التي انبعث منها وخلق فيها .
وبيتُ أبناء أبي طالب ، كان خير البيوت لإنشاء الإنسان الكامل ، فكيف وقد وُلد الحسن ( عليه السلام ) من عبد المطلب مرّتين ، مرة من علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأخرى من فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) بن عبد الله بن عبد المطلب ؟ .
كما كان علي ( عليه السلام ) مولوداً عن هاشم مرّتين ، ولا نريد أن نشرح مآثر بيت هاشم ، وبالخصوص أسرة عبد المطلب فيهم ، فإنها ملأت السهل والجبل ، بل نقول : ناهيك عن بيت بزغ منه الرسول الأكرم محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، والوصي العظيم الإمام علي ( عليه السلام ) .
وحسب علمِ حساب الوراثة أن التأثير قد يكون من جهة الأب ، فيستصحب كلَّ سماته وصفاته ، وقد يكون من جانب الأم ، وقد تحقق في الحسن ( عليه السلام ) هذا الأخير .
فقد برزت فيه سمات أمّه الطاهرة لتعكس صفات والدها العظيم محمد (ص) ، فكان أشبه ما يكون بالنبي منه بالإمام ، وطالما كان يطلق النبي قوله الكريم : ( الحسن منّي والحسين من علي ) .
وقد يمكن أن نجد تفسيراً لهذه الكلمة في الأحداث التي جرت بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وطبيعة الظروف التي قضت عند الحسن ( عليه السلام ) أن يتخذ منهج الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أُسوةً له ، دقيقة التطبيق شاملة التوفيق .
فيعطي ( عليه السلام ) الناس من عفوه وصفحه ، ويعطي أعداءه من صُلحه ورِفقه ، مثلما كان يعطي الرسول ( صلى الله عليه وآله ) تماماً .
كما اقتضت عند الحسين ( عليه السلام ) أن يبالغ في شِدَّته في الدين ، وغيرته عليه ، ويبدي من منعته ورفعته في أموره ، ما جعـل تشابهاً كبيراً بينه وبين عهد علي ( عليه السلام ) مع المشركين والكافرين والضالين .
الثاني : التربية :
لقد أولى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والوصي ( عليه السلام ) ، والزهراء ( عليها السلام ) ، من التربية الإسلامية الصالحة ما أهَّل الإمام الحسن ( عليه السلام ) للقيادة الكبرى .
فإن بيت الرسالة كان يربّي الحسن ( عليه السلام ) وهو يعلم ما سوف يكون له من المنزلة في المجتمع الإسلامي ، كما يوضح للمؤمنين منزلته وكرامته .
فكان النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) يرفعه على صدره ، ثم يقيمه لكي يكون منتصباً ، ويأخذ بيديه يجره إلى طرف وجهه الكريم جرَّاً خفيفاً وهو ينشد قائلاً : ( حزقَّةً حزقَّة تَرَقَّ عينَ بَقَّة ) .
ومعنى الحزقَّة : القصير الذي يقارب الخطو .
فكان ( صلى الله عليه وآله ) يلاطفه ويداعبه ، ثم يروح يدعو : ( اللَّهُمَّ إني أُحبه فأَحبَّ من يُحبه ) .
ويقصد ( صلى الله عليه وآله ) أن يسمع الناس من أتباعه لكي تمضي سيرتُه فيه أسوة للمؤمنين ، بكرامة الحسن ( عليه السلام ) واحترامه .
وذات مرة كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يصلي بالمسلمين في المسجد ، فيسجد ويسجدون ، يرددون في خضوع : سبحان ربي الأعلى وبحمده ، مرة بعد مرة ، ثم ينتظرون الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أن يرفع رأسه ولكن النبيَّ يطيل سجوده ، وهم يتعجبون : ماذا حدث ؟ .
ولولا أنهم يسمعون صوت النبي لايزال يَبعث الهيبة والضراعة في المسجد لظنوا شيئاً .
ولا يزالون كذلك حتى يرفع النبي ( صلى الله عليه وآله ) رأسه ، وتتم الصلاة ، وهم في أحَرِّ الشوق إلى معرفة سبب إبطائه في السجود فيقول لهم : ( جاءَ الحسنُ فركبَ عُنقي ، فأشفقت عليه من أن أُنزله قسراً ، فصبرت حتى نزل اختياراً ) .
وحيناً : يصعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) المنبر ويعظ الناس ويرشدهم ، فيأتي الحسنان ( عليهما السلام ) من جانب المسجد فيتعثَّران بـثَوْبَيهما ، فإذا به ( صلى الله عليه وآله ) يهبط من المنبر مسرعاً إليهما حتى يأخذهما إلى المنبر ، يجعل أحدهما على وركه اليمنى ، والآخر على اليسرى ، ويستمر قائلاً : ( صدق الله ورسوله : ( أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ) الأنفال : 28 .
نظرت إلى هذين الصبيَّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ) .
وكان ( صلى الله عليه وآله ) يصطحبهما في بعض أسفاره القريبة ، ويُردفهما على بغلته من قُدَّامه ومن خَلْفه ، لئلا يشتاق إليهما فلا يجدهما ، أو لئلا يشتاقا إليه فلا يجدانه .
وكان ( صلى الله عليه وآله ) يشيد بذكرهما ( عليهما السلام ) في كلِّ مناسبة ، ويظهر كرامتهما إعلاناً أو تنويهاً .
فقد أخذهما ( صلى الله عليه وآله ) معه يوم المباهلة ، وأخذ أباهما ( عليه السلام ) ، وأمّهما ( عليها السلام ) ، فظهر من ساطع برهانهم جميعاً ما أذهل الأساقفة .
ودخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دار فاطمة ( عليها السلام ) ، وسَلَّم ثلاثاً على عادته في كلِّ دار ، فلم يجبه أحد .
فانصرف إلى فناء ، فقعد في جماعة من أصحابه ، ثم جاء الحسن ( عليه السلام ) ووثب في حبوة جَدِّه ، فالتزمه جدُّه .
ثم قبَّله في فيه ، ثم راح يقول : ( الحَسَن مِنِّي والحسينُ مِن عَلي ) .
وكثيراً ما كان الناس يتعجبون من صنع الرسول هذا ، كيف يعلنها لإبْنَيهِ إعلاناً .
فذات مرَّة شاهده أحد أصحابه وهو ( صلى الله عليه وآله ) يقبل الحسن ويشمُّه ، فقال - وقد كره الصحابي هذا العمل - : إن لي عشرة ما قبَّلت واحداً منهم .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَن لا يَرحَم لا يُرحَم ) .
وفي رواية حفص قال : فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى التمع لونه ، وقال للرجل : ( إن كان الله نزع الرحمة من قَلبِك ما أصنع بك ؟ ) .
ثم لما رأى مناسبة سانحة أردف قائلاً : ( الحسن والحسين ابناي ، مَن أَحبَّهما أحبَّنِي ومن أحبَّني أحبه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنة ، ومن أبغضهما أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار ) .
ثم أخذهما هذا عن اليمين ، وذاك عن الشمال ، مبالغة في الحب .
ولطالما كان يسمع الصحابة قولته الكريمة : ( هذان ابناي وابنا بنتي ، اللَّهُمَّ إني أُحبهما ، وأُحب من يُحبُّهما ) .
أو كلمته العظيمة يقولها وهو يشير إلى الحسن ( عليه السلام ) : ( وأُحبُّ مَن يُحبُّه ) .
ويرى أبو هريرة الإمام الحسن ( عليه السلام ) بعد وفاة جدّه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فيقول له : أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله يقبّل ، ثمّ قبّل سرّته .
|
|
|
|
|