تكمله
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم وارزقنا شفاعتهم ياكريم
بالمعرفة فلنقتنص الحياة::
دخلت كلمات ابي على قلبي الملتهب بردا وسلاما ، وأطفأت ما كان به من نيران الحيرة فاطمأنت نفسي ، وغادرها الكثير من الوجوم والتشاؤم رغم تأكدي من انني لن اغادر بحر الاسئلة في سنتي الخامسة عشر هذه لكنني عدت الى حياتي اليومية أزاولها بكل تؤدة و روية وكنت اتساءل :
هل انا وحدي من بين اقراني اصابني كل هذا؟
حاولت ان اكتشف فرحت اصارح اصدقائي ورفاقي في بيت الحكمة وبين الدرس والآخر بأفكاري وتساؤلاتي ، ووجدت الكثير منهم يعيشون مثل حالتي وان بدرجات تتفاوت.
قررت ان ابحث عن مَن صدق له نفس المعاناة والتوجه والتساؤلات امام الحياة . ولم يكن ذلك باالامر الصعب .. ففي دروس بيت الحكمة لم يكن ينافسني من زملائي التلاميذ سوى عمار ، وكنا انا واياه في تسابق مستمر ، وبقية التلاميذ كانو دوننا في المستوى . فدعوته يوما لزيارتنا ، وهناك صارحته بكل افكاري ، وطارحته كل همومي ومعاناتي ، ولم اتفاجأ كثيرا عندما عرفت ان له وعيا تفتح على الحياة وراح يتساءل مثلي . وقال لي عمار :
- كم نحن متشابهان في كل شيء .. الحق انني لم اكن اتصور انك تعاني مثلي من افكار هي ولادة وعينا على هذه الحياة والتوجه الى تحمل مسؤولياتها ، فما رايك لو خضناها معا نتعاون ونتعاضد في سبيل تحقيق النجاح والطوح الكبير الذي نحمله .
فأجبته مستبشرا والفرحة تسبقني الى القول :
ان هذا لمن دواعي سروري .
وكما تقول ان النجاح الحقيقي ليس في المدرسة فقط ، وانما في الحياة ، ومن ذلك اليوم ، توثقت الصداقة بيني وبين عمار حتى اصبحنا صديقين لا ككل الاصدقاء ، وتعارفت روحينا وتآلفت حتى تشابكت بعضها بعض ، فصرت لا افارقه ولا يفارقني
. وانطلقنا لنمارس حياتنا اليومية بعد ان اتفقنا ان يكون كل يوم من ايام سنتنا الخامسة عشرة هذه. كل يوم يمر فيها سيكون بمثابة لبنة في اساس بناء شخصيتنا المستقلة ، والتي سنظهر بها الى المجتمع والوجود ويأتي اليوم الذي بعده لنضع لبنة فوقها ولكن بهندسة نصب فيها كل ابداعاتنا ليكون بناء شخصيتنا اجمل بناء يمكن للانسان ان يبنيه.
وايضا اتفقنا وتعاهدنا ان لا تمضي سنتنا الخامسة عشرة او السادسة عشرة ان لزم الامر الا ونكون قد اتممنا بناءالشخصية واصبح لكل منا شخصيته التي يظهر بها امام الناس ، ويواجه بها الحياة .. شخصية تحقق الحياة .. شخصية رائدة قيادية .. الشخصية الحقه للانسان الذي اراد له الله ان يكون فذا عظيما يباهي به الملائكة ، وبقية خلقه ..شخصية الخلافة وحمل الامانه ، اوليس الانسان هو خليفة الله على الارض .. شخصية الانسان الرسالي الذي استكمل رشده ، وقبل بحمل الامانه التي عرضت على الجبال فأبت حملها ، ولو حملتها لرايناها خاشعة متصدعة من خشية الله .
ولم نكن لا انا ولا عمار بحاجة لان نسأل من اين نبدأ، والبداية هي المعرفة والثقافة وبدونها لن نعرف اي شيء
ولا حتى كيف نسير ، وستمضي ايامنا لتشكل تراكمات من الخراب في شخصيتنا.
لذا بدأنا في تسابق مع الايام بالقراءة ومطالعة الكتب والمواضيع التي محتاجها ، بدانا نتبارى في تحصيل العلوم والمعرفة .وحينما يبدا النقاش بيننا لا ترى له النهاية ، ولا تكفي كل الايام لإنهائه . وراحت الافكار تتوسع ، والمدارك تنمو وتنمو حتى صارت شجرة وارفة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ، تقينا كل شيء يهدد حياتنا اليومية ، وبناء شخصيتنا التي أخذت تتفيأ ظلالها .
كان همنا الاكبر هو كيف نتمكن من تحويل افكارنا هذه التي نتوصل اليها الى افعال ، كيف نعمل بدقة بكل ما نقول ، كيف نمارس معرفتنا ونطبق قناعاتنا التي نتوصل اليها تطبيقا كاملا وصحيحا في حياتنا اليومية . ؟
الحق ان الايمان بالله وحده وتطور العلاقة به كفيل بذلك. وكانت المعرفة بالنسبة لنا هي الثروة التي يجب ان نجمعها، وهي الكنز الذي يجب ان نبحث عنه ونجده ، وهي السعادة التي تنشدها حياتنا ، وبالتالي هي الاجابة على كل التساؤلات التي تحيرنا وتنهش فرحنا فتحوله الى حداد.
وبالفعل فقد بدات حربنا مع الاسئلة التي تحيّر عقولنا وتنبش ايامنا وشيئا فشيئا وبعد ان حولنا ايامنا الى تفكير مستمر وساعاتنا الى قراءة ومطالعة ومتابعة، بدت المعركة الى جانبنا وراحت فلول جيوش الاسئلة تنهزم بالتدريج ، وكلما حققنا انتصارا كلما احسسنا باقترابنا من موقع ذلك الكنز الذي خبأت فيه السعادة كنز المعرفة.
اعتقد انه قد يهمكم اعزائي معرفة جانب من معركتنا هذه وكيف كانت تتم ، لذا سأذكر لكم شيئا يسيرا عنها وعلى سبيل المثال ، ولن ادخل في التفاصيل لكي لا اثقل عليكم .
ان اول المعرفة يا اعزائي ومرتكزها الاساسي الذي دونه لن تكون معرفة حقيقية هي : معرفةالله ، وصفاته ، وآياته، وعلو شأنه، والتصديق به ، والتسليم له ، واطاعة تعاليمه،وما جاء به رسوله ، واهم ما يتبع هذه المعرفة الايمان باليوم الآخر ، فان الايمان بالله واليوم الآخر هو السلاح الوحيد الفعال الذي لا يهزم في معركة الاسئلة الحيرى التي كنا نخوضها ، ومن ثم الاستكانة لارادته والاطمئنان لهيمنته على الكون وسيطرته التامة على الحياة ومجرياتها.
وتأتي بعدها معرفة النفس ، هذه النفس التي نحملها ونريد ان نحيا بها ما هي ، وما تكون ، وماذا تريد ، وعلى حد تعبير ابي وحكمته المفضلة
- اعرف الله ثم اعرف نفسك ، وبعدها لا تبالي لشيء ابدا
فاما معرفة الله فلابد ومن المفترض ان نكون قد توصلنا الى شيء منها ، الى قدر كاف يعطينا الاطمئنان واليقين ونحن في مثل هذا العمر ، ومعرفة الله درجات كلما حصل الانسان على مقدار اكبر ، كلما تحقق فيه السمو والعلو والرفعة في درجات الانسانية ودرجاتها العليا السامية مختصة باالانبياء والاولياء والصالحين .
لكن المعرفه المطلوبة منا لخوض معركة الحياة هي معرفة ليس ايسر من الحصول عليها ، بل هي موجودة في اعماق نفوسنا ، ومتأصلة في فطرتنا ، اما معركة ( إعرف نفسك ) فهي المرحلة الثانية والأدهى في معركتنا مع الاسئلة والاستفهام ، وهي التي لم تكن صعوبتها في الحسبان فا الاسئلة من امثال :
من انا ، وما انا . ولمن انا ، وكيف انا ، وما اريد انا ، وفي اي اتجاه انا ؟؟؟؟؟؟؟و..و.. و... هذه (الانا) قتلتنا وما ابقت منا سوى كلمة أنا .. هذه (الأنا) هي التي تقود معركتنا في الخفاء ودون ان ندري .
هذه ( الانا ) داهية الدواهي ... وجالبة السعادة او التعاسة ..
وأسئلة اخرى تتبعها وهي حاميتها في المعركة :
ما هو الجسد ، ولمن ، وكيف له ان يكون ويعيش ؟
ما هي الروح التي تسيّر الجسد ، وكيف تعيش ، وبم تحيا ، وهل تموت ، وما هو غذاؤها ، وهل تمرض ، هل لها مثل صفات الجسد ، وكيف يكون لها مثل صفات الجسد والجسد فان وهي باقية خالدة .. وما هي قواها التي تسيّرها ، وبالتالي ما هي النفس وكيف تكون ؟
ثم ما هي الذات ، وما هو الفؤاد ، والجنان ، والوجدان ، والفطرة، والسريرة ، والبصيرة ، والعقل ، والتفكير؟
ان هذه المرحلة الثانية من المعركة انهكت قوانا ، والتهمت اشهرا عدة من عمرنا .
واخيرا جاءني عمار متهللا ضاحكا مستبشرا ليقول :
- لقد تهنا كل هذا الزمن الطويل في مرحلة (إعرف نفسك ) من معركتنا ، معركة المعرفة ، والحل بسيط وبأيدينا سلاح أمضى حصلنا عليه وغنمناه في المرحلة الاولى ، فمعرفة الله هي سلاحنا في معرفة النفس وطالما عرفنا الله الذي هو خالق هذه النفس ، فباألاعتماد عليه جلّت قدرته سنعرف هذه النفس ، او ليس هو الذي خلفها وسوّاها ، او ليس هو الذي نفخ فيها من روحه ، او ليس هو الذي طلب اليها ان تكون نفسا مطمئنة . ونهاها ان تكون نفسا أمارة بالسؤ و لوامة .
تابعوني يرحمكم الله
أن الله مع الصابرين
لا تنسو والديّمن دعائكم