وأما المواضع التي ذكر فيها شيخ الإِسلام فضل علي رضي الله عنه ودافع عنه:
فمن ذلك قوله رحمه الله:
(فضل علي وولايته لله، وعلو منزلته عند الله معلوم -ولله الحمد- من طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني، لا يحتاج معها إِلى كذب ولا إِلى ما لا يُعلم صدقه).
ومن ذلك قوله رحمه الله:
(أما كون علي وغيره مولى كل مؤمن، فهو وصف ثابت لـعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات علي ، فـعلي اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متولياً على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياءً وأمواتاً).
ومن ذلك قوله رحمه الله:
(وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحبالله ويحبه الله).
ومن ذلك قوله رحمه الله:
(لا ريب أن موالاة علي واجبة على كل مؤمن، كما يجب على كل مؤمن موالاة أمثاله من المؤمنين).
ومن ذلك قوله رحمه الله:
(وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبه، وبذم الذين يظلمونه من جميع الفرق، وهم ينكرون على من سبَّه، وكارهون لذلك، وما جرى من التسابّ والتلاعن بينالعسكرين، من جنس ما جرى من القتال، وأهل السنة من أشد الناس بغضاً وكراهة؛ لأن يُتعرض له بقتال أو سب.
بل هم كلهم متفقون على أنه أجلّ قدراً، وأحق بالإِمامة، وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنينمن معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيراً منه، وعلي أفضل من الذين أسلموا عام الفتح، وفي هؤلاء خلق كثير أفضل من معاوية، وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم، وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة، بل هو أفضل منهم كلهم إِلا ثلاثة، فليس في أهل السنة من يقدم عليه أحداً غير الثلاثة، بل يفضلونه على جمهور أهل بدر وأهل بيعة الرضوان، وعلى السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار)..
ويقول- رحمه الله- مبيناً شجاعة علي رضيالله عنه: (لا ريب أن علياً رضي الله عنه كان من شجعان الصحابة، وممن نصر الله الإِسلام بجهاده، ومن كبار السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار، ومن سادات من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله، وممن قاتل بسيفه عدداً من الكفار).
ومن ذلك قوله رحمه الله:
(وأما زهد علي رضي الله عنه في المال فلا ريب فيه، لكن الشأن أنه كان أزهد من أبي بكر وعمر )..
ومن ذلك قوله رحمه الله:
(نحن نعلم أن علياً كان أتقى لله من أن يتعمد الكذب، كما أن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم كانوا أتقى لله من أن يتعمدوا للكذب).
ومن ذلك أنه رحمه الله يرى: أن الذين لم يقاتلوا علياً رضي الله عنه هم أحب إِلى أهل السنة ممن قاتله، وأن أهل السنة يدافعون عنه بقوة أمام اتهامات النواصب والخوارج ، يقول:
(وأيضاً فـأهل السنة يحبون الذين لم يقاتلوا علياً أعظم مما يحبون من قاتله، ويفضلون من لم يقاتله على من قاتله؛ كـسعد بن أبي وقاص ، وأسامة بن زيد ، ومحمد بن مسلمة ، و عبد الله بن عمررضي الله عنهم.
فهؤلاء أفضل من الذين قاتلوا علياً عند أهل السنة .
والحب لـعلي وترك قتاله خير بإِجماع أهل السنة من بغضه وقتاله، وهم متفقون على وجوب موالاته ومحبته، وهم من أشد الناس ذبّاً عنه، ورداً على من طعن عليه من الخوارج وغيرهم من النواصب ، ولكنلكل مقام مقال)..
ومن ذلك أنه يُفَضّل الصحابة الذين كانوا مع علي على الصحابة الذين كانوا مع معاوية رضي الله عنهم أجمعين، يقول:
(معلوم أن الذين كانوا مع علي من الصحابة مثل: عمار وسهل بن حنيف ونحوهما كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية ).
هذه مواضع يسيرة مما نُقل عن شيخ الإِسلامرحمه الله في فضل علي رضي الله عنه، ودفاعه الحار عنه أمام أعدائه، وتبرئته مما نسبوه إِليه.
فهل يُقال بعد هذا كما قال هؤلاء المبتدعة الجائرون بأنه رحمه الله كان منحرفاً عن علي رضي الله عنه؟! أو أنه تنقصه في كتبه؟!
سبحانك هذا بهتان عظيم! لا يقوله أدنى مسلم فضلاً عن شيخ الإِسلام الذي تصرمت حبال أيامه في تقريرعقيدة السلف الصالح، من ضمنها تفضيل علي رضي الله عنه وجعله الخليفة الرابع الراشد، واعتقاد أنه على الحق أمام من حاربه وخالفه.
ولكن ذنب شيخ الإِسلام عند هؤلاء المبتدعة أنهلم يَغلُ في علي كما غلوا، أو يتجاوز به قدره الذي أراده الله له.
أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية في قتلة الحسين رضي الله عنه :-
قال رحمه الله:
(أما جواز الدعاء للرجل وعليه فبسط هذه المسألة في الجنائز، فإِن موتى المسلمين يُصلى عليهم بَرهم وفاجرهم، وإِن لُعِنَ الفاجر مع ذلك بعينه أو بنوعه، لكن الحال الأول أوسط وأعدل، وبذلك أجبت مقدم المغل بولاي لما قدموا دمشق في الفتنة الكبيرة، وجرت بيني وبينه وبين غيره مخاطبات فسألني فيما سألني: ما تقولون في يزيد ؟ فقلت: لا نسبه ولا نحبه، فإِنه لم يكن رجلاً صالحاً فنحبه، ونحن لا نسب أحداً من المسلمين بعينه.
فقال: أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالماً؟ أما قتل الحسين ؟
فقلت له: نحن إِذا ذكر الظالمون كـالحجاج بن يوسف وأمثاله: نقول كما قال الله في القرآن: (( أَلا لَعْنَةً الله عَلَى الظَّالِمِينَ ))[هود: 18].
ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه وقد لعنه قوم من العلماء؟ وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن ذلك القول أحب إِلينا وأحسن.
وأما من قَتَلَ الحسين أو أعان على قتله، أو رضي بذلك: فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
قال: فما تحبون أهل البيت؟
قلت: محبتهم عندنا فرضٌ واجب، يؤجر عليه، فإِنه قد ثبت عندنا في صحيح مسلم عن زيد بنأرقم قال: { خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يُدعى خمّاً ، بين مكة والمدينة فقال: أيها الناس! إِني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، فذكر كتاب الله وحض عليه، ثم قال: وعترتي أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي }.
قلت لـمقدم : ونحن نقول في صلاتنا كل يوم: (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى وآل إِبراهيم إِنك حميد مجيد). قال مقدم : فمن يُبغض أهل البيت؟
قلت: من أبغضهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
ثم قلت للوزيرالمغولي: لأي شيء قال عن يزيد وهذا تتريٌ ؟
قال: قد قالوا له إِن أهل دمشق نواصب .
قلت بصوتٍ عالٍ: يكذب الذي قال هذا، من قال هذا فعليه لعنة الله، والله ما في أهل دمشق نواصب ، وما علمت فيهم ناصبياً، ولو تنقص أحد علياً بـدمشق لقام المسلمون عليه ؛ لكن كان قديماً - لما كان بنو أمية ولاة البلاد- بعضُ بني أمية ينصب العداوة لـعلي ويسبه، وأما اليوم فما بقي من أولئك أحداً).
مكانة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة والجماعة :-
قال شيخ الإِسلام في العقيدة الواسطية : ( ويحبونأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم؛ ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم : { أذكركم الله في أهل بيتي }.
وقال أيضاً للعباس عمه وقد اشتكى إِليه أن بعضقريش يجفو بني هاشم فقال: { والذي نفسي بيده! لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي }.
وقال: { إِن الله اصطفى بني إِسماعيل، واصطفى من بني إِسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم }.
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في شرح كلام شيخ الإِسلام ابن تيميةرحمه الله: الشرح:
بين الشيخ رحمه الله في هذا مكانة أهل البيت عند أهل السنة والجماعة وأنهم يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل البيت هم آل النبي صلى الله عليه وسلم الذين حرمت عليهم الصدقة وهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس وبنو الحارث بن عبد المطلب وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته من أهل بيته كما قال تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ))[الأحزاب: 33].
فـأهل السنة يحبونهم ويحترمونهم ويكرمونهم؛ لأن ذلك من احترام النبي صلى الله عليه وسلم وإِكرامه؛ ولأن الله ورسوله قد أمرا بذلك، قال تعالى: (( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ))[الشورى: 23] .
وجاءت نصوص السنة بذلك- منها ما ذكره الشيخ- وذلك إذا كانوا متبعين للسنة، مستقيمين على الملة كما كان عليه سلفهم كـالعباس وبنيه وعلي وبنيه، أما من خالف السنة ولم يستقم على الدين فإِنه لا تجوز محبته ولو كان من أهل البيت. وقوله: (ويتولونهم) أي يحبونهم من الولاية بفتح الواو وهى المحبة. وقوله: (ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: يعملون بها ويطبقونها (حيث قال يوم غدير خم ) -الغدير هنا مجمع السيل (وخم) قيل اسم رجل نسب الغدير إليه، وقيل: هو الغيظه أي: الشجر الملتف، نسب الغدير إِليها لأنه واقع فيها، وهذا الغدير كان في طريق المدينة مر به صلى الله عليه وسلم في عودته من حجة الوداع وخطب فيه، فكانمن خطبته ما ذكره الشيخ- { أذكركم الله في أهل بيتي } أي أذكركم ما أمر الله به في حق أهل بيتي من احترامهمِ وإكرامهم والقيام بحقهم.
وقال أيضاً: (للعباس عمه) هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف (وقد اشتكى إِليه) أي أخبره بما يكره (أن بعض قريش يجفوه) الجفاء ترك البر والصلة (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم : { والذي نفسي بيده } هذا قسم منه صلى الله عليه وسلم { لا يؤمنون } أي الإِيمان الكامل الواجب { حتى يحبوكم لله ولقرابتي } أي لأمرين:
الأول: التقرب إِلى الله بذلك لأنهم من أوليائه.
الثاني: لكونهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك إرضاءله وإِكرام له (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً فضل بني هاشم الذين هم قرابته: { إِن الله اصطفى } أي اختار، والصفوة الخيار { بني إِسماعيل } بن إبراهيم الخليلعليهما السلام { واصطفى من بني إسماعيل كنانة } اسم قبيلة أبوهم كنانة بن خزيمة { واصطفى من كنانة قريشا } وهو أولاد مضر بن كنانة { واصطفى من قريش بنو هاشم } وهو بنو هاشم بن عبد مناف { واصطفاني من بني هاشم } فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إِلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
والشاهد من الحديث: أن فيه دليلاً على فضل العرب، وأن قريشاً أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخلق نفساً، وأفضلهم نسباً، وفيه فضل بني هاشم الذين هم قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الخاتمة :-
وبعد هذا العرض اليسير من كلام شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله هنا تتجلى الحقيقة وترد التهمة، وأنها كذب وزور، وأنهم يريدون التشكيك في علماء الأمة، وإسقاط أقوالهم واجتهاداتهم؛ ليتوصلوا إِلى هدم الشريعة الغراء، واستبدالها بأقوال أهل الضلال والبدع، ومن ادعى غير ذلك فقد كذب، والبينة على من ادعى.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وماهو رأيك بالروايات التي يطعن فيها ابن تيمية بالامام علي عليه السلام؟