القليل من سوره حتى القصيرة منها ، كثيرا من مسائل الايمان والفضائل والاحكام ، والحكم المثبته في جميع السور ، لأن السورة الواحدة لاتحوي في هذا الترتيب المفروض إلا مقصداً واحداً من تلك المقاصد ، وقد يكون (أحكام الطلاق) أو (الحيض) فمن لم يحفظ إلا سورة طويلة في موضع واحد ، يتعبد بها وحدها فلا شكّ أنه يملّها.
أمـّا السورة المنزلة بهذا الاسلوب الغريب والنظم العجيب فقد يكون في الآية الواحدة الطويلة ، والسورة الواحدة القصيرة عدّة ألوان من الهداية وإن كانت في موضع واحد(1).
وقال العلامه مصطفى صادق الرافعي في كتابه (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية)_ بعد بحث طويل يذكر فيها نصوص المفردات القرآنيه التي تحمل الإعجاز في مجموعها كمجموع فيقول _ إنها هيَ الحروف ،والكلمات، والجمل) (2).
ويقول أيضاً في أوائل كتابه :
(نزل القرآن الكريم بهذه اللغه على نمط يعجز قليله وكثيرهُ معاً ، فكان أشبه شيء بالنور في جملة نسقه ، إذ النور جملة واحده ، وإنما يتجزأ باعتبار لا يخرجه من طبيعته).
وقال الشيخ محمد بن عبدالله دراز في كتابه (دستور الأخلاق في القرآن)، ملخصاً بعض جوانب الإعجاز القرآني – بعد تفصيلها – في إيجاز فيقول :
(استطاعت الشريعة القرآنية أن تبلغ كمالاً مزودجاً لايمكن لغيرها أن يحقق التوافق بين شقيّه ، لطف في حزم ، وتقدّم في ثبات ، وتنوّع في وحدة ) (3).
وللتوسع الأكثر في هذا الموضوع يمكن الاستفادة من كتابين مهمين من العلماءْ السابقين ، وكتابين حديثين للمتأخرين وهيَ الكتب التالية:
1-أحكام القرآن ، تأليف أبي بكر بن علي الرازي ( الجصاص ) الذي كانَ إماماً للمذهب الحنفي في زمانه.(4)
2-الاتقان في علوم القرآن ، تأليف عبد الرحمن بن أبي بكر (السيوطي) الذي كان إماماً للمذهب الشافعي في عصره.
3-إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ، للأستاذ مصطفى صادق الرافعي.
4-القرآن القول المفصل ، للأستاذ محمد العتيقي
_______________________
(1)الوحي المحمدي ، ص 142
(2)اعجاز القرآن والبلاغة النبوية \ ص211 و ص 47.
(3)اعجاز القرآن والبلاغة النبوية \ ص211 و ص 47.
(4)دستور الاخلاق في القرآن \ ص11
(5)المجلد الثاني \ ص 280 مابعدها.
(6)المجلد الثاني \ ص2 ومابعدها.
(أقول) إنما ذكرنا هذا – الموجز – من هذا البحث العميق الطويل ، لكي يتضح أن كل ماورد في القرآن من تكرار في الإمام المهدي المنتظر (عج) فليسَ تكراراً ، إذاً فهو ليست آية واحده بشأن الإمام وإنما هيَ آيات عديدة اثنتان ، أو ثلاث ، بعدد تكرارها في القرآن ونضرب لذلك بعض الأمثلة :
خذ جملة }يَا أيّها الّذيِنَ آمَنُواَ{ فالأولى منها هي غير الثانية وغير الثالثة وغير الرابعة ، وهكذا دواليك. فجملة }يَا أيّهَا الّذيِنَ آمَنُوَا{ لم تتكرر في القرآن في الواقع والمغزى ، وإنما المتكرر فقط وفقط ألفاظ هذه الجملة وحروفها.
ومادام في القرآن عشرات من }يَا أيّهَا الّذيِنَ آمَنُوا{ ومادام تكررت الأحاديث الشريفة (بأنّ كل مافي القرآن يا أيها الذين آمنوا فإن علياّ أميرها وشريفها ورأسها). ومادام أن التكرار ليس في القرآن في المعنى.
(إذاً) فبعدد ورود }يَا أيّهَا الّذيِنَ آمَنُوا{ في القرآن ، يكون بنفس العدد آيات في فضل علي ابن ابي طالب عليه السلام. فلا يعتبر كل مافي القرآن من }يَا أيّهَا الّذيِنَ آمَنُوا{ آية واحدة في فضل أمير المؤمنين بل عشرات الآيات في فضله.
(وهكذا) الأمر بالنسبة إلى ماورد في القرآن من آيات: }قَالَ ربّ فَانظرنِي إلَى يَومِ يُبْعَثُونَ ، قَالَ فإِنّكَ مِنَ الُمنظَرينَ ، إِلَى يَومِ الوَقْتِ المَعلُوم {
فبعدَ تكرارها يكون عدد الآيات في ذكر الإمام المهدي (عج). فلا يؤخذ علينا أنا لماذا كررنا ذكر هذه الآيات هنا وفي سورة (ص). لأن كل واحدة منهما في محليهما غير الآخر في محل آخر.
ونستطيع أن نستوضح ذلك أكثر بما يلي:
(فمثلاً) وردَ }يـَا أيها الذينَ آمَنُوا{ مرة في مقام بيان عبادة الله (1) وثانية في مقام الاستعانة بالصبر والصلاة (2) وثالثة عند الرد على علماءْ الزور (3) ، ورابعة لبيان أحكام الصوم (4) ، وخامسة للدخول في السلم (5) وهكذا دواليك .
ومعنى الحديث المتكرر نقله من (أنّ علياً سيدها وشريفها ورأسها) هوَ أن عليّاً عليه السلام سيد المؤمنين بتوحيد الله العابدين لله .. وفي مقدمتهم .
________________________
(1)سورة البقرة الآية 21
(2)سورة البقرة الآية 153 .
(3)سورة البقرة الآية 34 .
(4)سورة البقرة الآية 183.
(5)سورة البقرة الآية 208.
وعلي سيّد المؤمنين بالاستعانة بالصبر والصلاة .. وفي طليعتهم الصابرين والمصلين . وعلي شريف المؤمنين برد علماءْ الزور وأوّل معارضيهم . وعلي رأس المؤمنين بأحكام الصوم .. والصوآمُ عملاً . وعلي أمير المؤمنين بالسّلم وهوَ أول مطبّق لهُ .. وهلم جراً ..
(ومثل ذلك) في قولهِ تعالى ، مما نزل بذكر الإمام المهدي (عج) (إلى يوم الوقت المعلوم). فمرّة ذكرت هذه الآيات الثلاث بعدد تهديد إبليس حيث قال متحديّاً لأمر الله تعالى }لَم أكُنْ لأَسجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقـْتَهُ مِنْ صَلصَآلٍ مِنْ حَمَإٍ مَسنُونْ{ (1).
ومرة أخرى _ في سورة ص _ ذكرت هذه الآيات الثلاث في مقام تهديد إبليس حيث تحدّى أمر الله تعالى بفلسفة كاذبة . }أَنـَا خَيرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نّارٍ وَخَلَقتَهُ مِنْ طِينْ{(2)
وفي كلا الموقفين يمهل الله تعالى بنص واحد إبليس }إِلَى يَومِ الوَقْتِ المَعلُومِ{ ولعلّ التفصيل في ذلك يكمن في أنّ المرة الأولى – في سورة الحجر _ سيعرف ابليس جزاء ردّه لله تعالى بقوله }لَمْ أكُن لِأَسجُدَ{ بعدَ قوله تعالى }فَقَعُوَا لَهُ سَاجِدِين{ ، وفي المرة الثانيه في سورة ص _ سيعرف ابليسَ تفلسفه بالدجل أمام خالق السماوات والأرضين بفلسفة } خــير { وأخذه بالمقاييس الماديّة التي لا خير فيها ، وإنما الخيرُ في المعنويات ولغير ذلكَ أيضاً.
_____________________________
(1)سورة الحجر الآية 23.
(2)سورة ص الآية 76.