مذبحة الأقلام الفضية ... ج1
دخل محتفظا ًبسمت الجد وملامح الترفع وهو يحسب الخطا حــــساب الزمن
المنخرط في تكتكات محسوبة خلال قلب ساعته الملتفة حــــول معــــصم يده
وفي الرواق الكبيرللمبنى شاهد مجموعة لابأس بهامن الأشخاص يتحلقون
حول بعضهم البعض .
اقترب من ثلة القوم...وبدأت سحنهم تتضح له كلما أكثر في سيره ، حـــتى
أصبح بينهم كزورق غريب يشق دربه في نهرصغيرتناثرت فيه مجاميع من
أحراش عائمة ، متشابكة ومتشابهة ؛ تصدر أصواتا ًعند تلاعب النسيم بها.
عند ذلك انتبه الجميع لوجوده ، ولم تكف ِأحدهم استدارة رقبته بل أنه لوى
جذعه قبالته ، ليتمكن من فهم الأمر بحواس مجتمعة .
وخلال تفرجهم هذا وإنعامهم النظر إلى ذلك الشخص الذي حلف أكثرهم أنه
لم يره قط سابقا ً.
لفت انتباههم شيء كبيرالحجم متضارب الأبعاد في يده اليسرى ذات الساعة
وكان الحظ القريبين منه كبيرا ًلأنهم حزروا مايكون ذلك الشيء ، وتمــكنوا
من ملاحظته من ثم وزعوه كخبرمبرق بالبريد الشفوي المفوّه .
ولما ابتعد عنهم ومشى بضعا ًمن الخطا داخل القاعة الواسعة واختــــــار له
مقعدا ًفيها ؛ بدأت حملات الأسئلة والاقتراحات والاختراعات حول هذاالكائن
الجديد ومايحمله في يده اليسرى ...
قال أحدهم : لقد قرأت على سطح هذا المجلد عبارة ( مذبحة الأقلام الفضية)
وافقه آخر مضيفا ًشيئا ًما وجده مناسيا ًحيال ذلك الاكتشاف المرئي ...
مذبحة الأقلام الفضية ... ج2
سرعان مااشترك الزوار الجددمع القدماء في هذا الأمر، حتى أن بعضهم كان على
علم غيبي بهكذا شأن!...
أحس بساعته تكثر في دورانها وتجذف بعقاربهم أيضا ًلتنزع قدرا ًمن الزمن ،إلى
الوقت الذي امتلأت فيه المقاعد بالحاضرين وعلاصوت أحدهم وهو يحيي الجمــيع
ويفتتح هذه الجلسة الأدبية ، أحس أيضا ًأن عيوننا ًكثيرة تحدق به بلهفة من حيـن
لآخر ماجعله يرتبك مقلا ًمن لفتاته وحركاته وفي مكان جلوسه .
قام البعض ليتصدرالحضور ويتحفهم بماجاد خياله المتطلع المتوقع لكسب الأنصار
والمعجبين ؛ ورغم أن المصفقين مارسوا عملهم بدقة متناهية ؛ إلا أن الكـــــثرة
الغالبة لم تـُعر ذلك أدنى اهتمام،بل مارسوا نشاطهم السابق برسم حركات جسمهم
الغريب وشخصهم المثالي الجديد... وكأنهم يعدون العُدة لعمل ٍما ويتفاهمون بلغة
الهمس والأشارة بل والغمز أحيانا ً.
ولكي يرتفع الحماس وتزداد دفعته فيما بعد، اقترح المنتخبون لخدمة العلم والأدب
في القاعة استراحة قصيرة من ثم العودة إلى المقصد المنظور.
انتظروه ليخرج وهذه المرة لم يستطيعوا لذلك جماحا ًأوصبرا ًفألقوا عليه التحية
وتبرعوا بالسلام عليه واحدا ًتلوالآخر، كل منهم يتوقع أن يكون قرينه المباشر
لابد بالسؤال عن أمره ؛ فجميعهم وجدوا الشجاعة للسؤال عن مخطوطته المترامية
الأبعاد هذه والتي أثقل كفه حملها واتعب يده اليسرى ؛ لكن أحدا ًلم يجرؤ على بدأ
الكلام أولا ً.
حتى ضاق شخص منهم بالأمر ذرعا ًفتجرأ وسأله بسيماء تضرع وتوسل باد ٍعلى
محياه ، سأله عن ما يحمل في يده اليسرى معربا ًعن أمله في الفهم ولاحول ولا
قوة ... فتبسم الرجل ابتسامة لها مغزى ثم هز رأسه بالإيجاب...والذي أشعرالباقين
بالظفر والنصر المتوقع أخيرا ً...
مذبحة الأقلام الفضية ج3
في إحدى القاعات الجانبية للمبنى جلس المؤتمرون الجدد مع إعطاء أكبر
عددمنهم النصيب لسماع محدثهم الأثير ذي المخطوطة ، ورغم أن جرس
انتهاء الاستراحة قُرع إلا أن أحدما لم يُثر ذلك نأمة عنده .
مجموعة من المناضد ترتبت بشكل طولي انتظم على مقاعدها أفرادكثر
وفي قمة تلك المناضد ؛ جلس رجل غريب ذواستقطاب ، وبعد أن أعطى
قدرا ًمن الوقت لاكتساب الصمت وتوفير الهدوء، وأيقن أن القلوب عُقدت
على العيون وأن العقول أرهفت الآذان ؛ بدأ بسرد حكاية هذه المخطوطة
قائلا ً:- في يوم من الأيام يشبه يومنا هذا حتى أن تداعي الأفكار فيه تقترب
من تداعيات أيامنا ،وفي مدينة تعكس سمات مدينتنا والتي تقطن فيها الأنفاس
وترفرف الأرواح كما حال البلاد جميعا ً... قرر أمير من الأمراء بعدإمضاء
عقودعمرية معتدلة في مدينة معمرة بالسواعد والرجال والسنن والأخبار
قرر هذا الأمير لشيء في نفسه وسابق برق في ذهنه وبما تمكن ومُكِن من
مسك صولجان الحكم والقضاء في مدينته ؛ أن يعقد اجتماعا ًلأولي الطَول
والخبر والمران ومن يُصطلح عليهم في الأزمان والأحوال والدول باسم
(( مفكرون )) .
اختار مكان الاجتماع في باحة كبيرة لقمة قلعة ، لكنه شرط قبل دخولهم
إلى مكان الاجتماع أن يستلم كل واحد ٍمنهم قلما ًفضيا ًيضعه في عروة
قميصه ...
مذبحة الأقلام الفضية ج 4...
كان الأمر كما أراد ، اكتضت الباحة بالحضور وبدأ الجميع مسيرات الود والافتتان بين بعضهم البعض
وكأنهم في مهد الحياة الأولى يتحدثون ويضحكون ويهللون فرقا ًوجماعات ويا لأعينهم ؛ كان يلتــــــمع
فيهاالبشر والطيبة وحسن السريرة وروعة إدمان النظر يغص بها الواصفون.
في تلك المدينة يعتبر هؤلاء القادة المبرزون ؛ وفي أحيان ما مشرعون وناطقون بألسن القوم والمعطون
لشفرة اللسان لغيرهم في جهات أخرى .
مضى الوقت على هذه الحال حتى تعب الوافدون من بوحهم ؛تعبوامن الكلام والسكوت ؛ وأقلامهم تتصدر
العرا تلمع وتتلألئ في أماكن تحركاتهم في الباحة الواسعة .
وهناك على مبعدة منهم فُتح الباب الضخم للباحة ودخل من خلاله عجوز كبير بهندام مرتب يختـــلف عن
هندام مفكرينا ،وكان عاطلا ًمن الأقلام حتى الفضية منها ؛وبخطوات رشيقة صعد هذا الوافد إلى المنصة
بعد أن رقى برجليه ثلاث عتبات من مرقاة ، حيث منبر أ ُعد لخطيب .
ومن مكانه العالي الأمين هذا وبعد أن تنحنح وطرق على المنصة ليجذب الانتباه إليه ويُسكت الضوضاء
العاج منذ وقت في المكان،ابتدأ مقاله هكذا :- يسرني أيها السادة حضوركم المثالي الموفور هذا ،ويطيب
لي أن أعلوكم بالكلام في محفل راق ٍ وبهي ٍ ... لقد وصل الجميع إلى ما يحبون سماعه وينتظرونه بلهف
وها أنا أ ُوافيكم ... وصل إلى سمع الأميربطريق ما أن بعضكم حاد عن جادة الصواب وبدأ مسلكا ًوعرا ً
علينا وعلى نفسه وغيره ،الأمر الذي أمست فيه حياته خطرا ًعلينا جميعا ً؛لذاأمرالأمير ولمصلحة الجميع
القضاء على بشر مثله وتصفيتهم ورصد لمن يفعل ذلك جائزة سنية ومنزلة رفيعة عند الأمير، وكــــذلك
منصب كبير... فاجمعوا أمركم وقرروا بينكم ليعرف كل ٌ منكم نفسه ويرى ماهوعليه وماهوله والسلام...
لما نزل الخطيب من منبره كثر اللغط والصخب في الباحة الكبيرة في قمة تلك القلعة إلى حد ٍغيرمألوف
أو متوقع ؛ وبدأت الأعين تتربص ببعضها البعض وطفح الغضب بعبيره في الأجواء
مذبحة الأقلام الفضية ج5
هذا أحدهم يكيل الإهانات إلى صاحبه ويتهمه جهرا ًوبافتضاح ... وآخر يــلوم
رفيقه على فعلة منكرة ستجر عليه وعلى غيره الويلات ،أصبح الجو مشحونا ً
بالتوتر والانفعال والتبدل .
وفي إحدى الزوايا جر رجل صنوله في الخُلق من عروةقميصه وبقسوة محاولا ً
لوي جذعه صارخا ًعابسا ًوبوجه مكفهر حتى أوقع قلمه الفضي علــى الأرض.
ماحدا بهذا أن يلتقط القلم الفضي وبنفس لاهث وزفير حار متقطع ؛ هجــم على
خصمه غارسا ًالقلم الفضي في أصل رقبته مفتتحا ًلثغرة حمراء بدأت تضــــخ
الدماء على أرضية الباحة ، وبين الأرجل اضطجع الخصم البادئ مذبوحا ً.
بعد ذلك سرت عدوة شيطانية في المكان وانتشرالهوس الإبليسي إلى الجــموع
الكل تنبه إلى القلم الفضي في العرا... وهناصار سلاحا ًوشرع يحامي به القوم
عن أنفسهم ويُخرج من سردابه درع الدفاع الأعمى ؛ وهكذا بدأت مالاتحـــمد
عقباه وأ ُعلن النفير.
وبعد هرج ومرج ، وانقضاض وانقباض .. بعد صرخات وتأوهات ، وكر وفر
نزل السكون أخيرا ًعلى مشهد ٍمسبوق ٍ بخبر ومرسوم بصور ؛ عم المـــــكان
خرير صوت ٍخافت مخلوط ٍبرائحة لزجة فيها بخار رطب ... وخلال فتحــات
القلعة السفلى انبجس سائل فريد كان رغدا ً قبل حين ، كالنهر تدفق من خلات
القلعة وانخرط نازلا ًمفيضا ً على الجدران يلطخها بحناء العهد المكتوب ...
مذبحة الأقلام الفضية ج6
وعبرالبطاح شق دربه بين مسامات التراب بغزارة وقد طــــــالت الأمد
عليه وهو يخب في مسيرته الواعدة ، حتى وصل إلى جـــــــــمهرة من
أ ُناس تناثروا في البقاع ؛ فلفت انتباههم وحرك غرائـــــــزهم ســــــيل
كهذا ؛ فمضوا إليه بتطلع ودهشة والعجب يملأ حدقاتهم ويعقد ألسنتهم.
وكان بينهم شيخ كبير سيماء الشيخوخة يعّلم وجهه بخطوط متعــــرجة
كثيرةهي نفس سبب تقوس ظهره وانحناءة جذعه،ولما سأله المعجبون
عن كنه رؤاهم ؛ فأجاب الشيخ وابتسامة ساخرة تلوح على شفـــــتيه
مع مرارة راعشة معبرة في إنسان عينيه المبتلتين :" إنـــــها مذبحة
الأقلام الفضية " ...
عندها نهض صاحب المخطوطة عن مقعده وتحرك ماضيا ًإلى خـــارج
القاعة ؛فلحقته الأنظار هذه المــــــرة حائرة مفكرة تائهة مشتتة ، بيد
أن أحدهم سوف لن ينسى أنه سمع بأ ُذنــــيه ونظر ببــصيرته ووعى
بخافقيه شيئا ًلم يعد خافيا ًعن مذبحة الأقلام الفضية .
الأجتهاد والمثابرة في المرء تثيران اعجابي
تستحق ان تكون بين المميزين بعطائهم اخـي
الفاضل لهذا سييتم تثبيت الموضوع
ممتنون لجود قلمك وماتضيفه الى القصة..
تحياتي أيها الفاضل
الأخت العزيزة وفاء ممتن ٌ أنا لاتساع أفق منـــتداكم
الكريم وتمكيني من التحليق فيه بجناحي واقع وخيال
تحت سماء الإبداع بالحرف المعبر
وفوق أرض خصبة معطاء للـــغةٍ
هي أجمل وأعذب
وأرقى وأمـــــثل
لغات العالم
إعتزازي
وتقديري
لكـــم
ابتسامة واحدة لاتكفي
كانت توزع الابتسامات والضحكات على من حواليها وبغزارة مفرطة
وتهز كتفها بقهقهةمجنونة إذا ما ساقها الحظ لسماع نكتة سخينة من
أحدهم .
رغم كل ذلك إلا أنه حين رآها أول مرة انعكس له بريق خافت من حزن
أصيل انخرط تحت غضون عينيها ، ورأى خيطا ًخفيفا ًمن الهم تشابك
مع أشفار رمشيها .
نعم هي تضحك الآن غير أنه يسمع بكاءها بنحيب صامت يخرق طبلة
أذنه ، ومرة فأخرى كان يراها حتى اكتشفت أنه يراقبها ؛ فعرضـــــت
نفسها عليه كالطاووس وهي لاتفارق الابتسام .
لكن فكرته عن إسطورة حزنها لم تكن لتفارقه وكل يوم كان يمر عليها
يكتشف لذلك سرا ًآخر جديد .
قرر يوما ًما أن يكلمها وينتزع منها سرا ًعرفه منذوقت ليس بطويل .
وصادفها قرب مدينةالابتسام لديها وقد رسم على شفتيه الآن ابتسامة
عريضة ... لكنها تذكرت في ذلك الوقت وأظهرت كل مالديها وعندها
من أحزان كاثرة وهموم وقالت له " ابتسامة واحدة لا تكفي " !!...