قال أبو أحمد بن عدي : سمعت علي بن عبد الله الداهري يقول : [ ص: 232 ] سألت ابن أبي داود عن حديث الطير فقال : إن صح حديث الطير فنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- باطل ، لأنه حكى عن حاجب النبي -صلى الله عليه وسلم- خيانة -يعني أنسا - وحاجب النبي لا يكون خائنا .
قلت : هذه عبارة رديئة ، وكلام نحس ، بل نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- حق قطعي ، إن صح خبر الطير ، وإن لم يصح ، وما وجه الارتباط ؟ هذا أنس قد خدم النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يحتلم ، وقبل جريان القلم ، فيجوز أن تكون قصة الطائر في تلك المدة . فرضنا أنه كان محتلما ، ما هو بمعصوم من الخيانة ، بل فعل هذه الجناية الخفيفة متأولا ، ثم إنه حبس عليا عن الدخول كما قيل ، فكان ماذا ؟ والدعوة النبوية قد نفذت واستجيبت ، فلو حبسه ، أو رده مرات ، ما بقي يتصور أن يدخل ويأكل مع المصطفى سواه إلا ، اللهم إلا أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قصد بقوله : إيتني بأحب خلقك إليك ، يأكل معي عددا من الخيار ، يصدق على مجموعهم أنهم أحب الناس إلى الله ، كما يصح [ ص: 233 ] قولنا : أحب الخلق إلى الله الصالحون . فيقال : فمن أحبهم إلى الله ؟ فنقول : الصديقون والأنبياء . فيقال : فمن أحب الأنبياء كلهم إلى الله ؟ فنقول : محمد وإبراهيم وموسى ، والخطب في ذلك يسير . وأبو لبابة -مع جلالته- بدت منه خيانة ، حيث أشار لبني قريظة إلى حلقه وتاب الله عليه . وحاطب بدت منه خيانة ، فكاتب قريشا بأمر تخفى به نبي الله -صلى الله عليه وسلم- من غزوهم وغفر الله لحاطب مع عظم فعله -رضي الله عنه- . وحديث الطير -على ضعفه- فله طرق جمة ، وقد أفردتها في جزء ، ولم يثبت ، ولا أنا بالمعتقد بطلانه ، وقد أخطأ ابن أبي داود في عبارته وقوله ، وله على خطئه أجر واحد ، وليس من شرط الثقة أن لا يخطئ ولا يغلط ولا يسهو . والرجل فمن كبار علماء الإسلام ، ومن أوثق الحفاظ -رحمه الله تعالى .
الله عليه وسلم اختصاص عظيم وكانوا من اعظم الناس اختصاصا به وصحبة له وقربا إليه واتصالا به وقد صاهرهم كلهم وما عرف عنه انه كان يذمهم ولا يلعنهم بل المعروف عنه انه كان يحبهم ويثني عليهم
وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهرا وباطنا في حياته وبعد موته و إما أن يكونوا بخلاف ذلك في حياته أو بعد موته فان كانوا على غير الاستقامة مع هذا التقرب فأحد الأمرين لازم إما عدم علمه بأحوالهم أو مداهنته لهم وأيهما كان فهو اعظم القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم كما قيل ... فان كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وان كنت تدري فالمصيبة اعظم ...
وان كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول
في خواص أمته و أكابر أصحابه و من قد اخبر بما سيكون بعد ذلك أين كان عن علم ذلك و أين الاحتياط للامة حتى لا يولي مثل هذا أمرها و من وعد أن يظهر دينه على الدين كله فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين
(7/251)