|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 34252
|
الإنتساب : Apr 2009
|
المشاركات : 1,863
|
بمعدل : 0.33 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الحوزويه الصغيره
المنتدى :
المنتدى الفقهي
الرضا والتسليم
بتاريخ : 18-12-2012 الساعة : 02:51 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا و إياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام
الرضا والتسليم
الرضا بقضاء الله من مراتب العرفان والتوحيد السامية، وهو مؤشّرٌ دالٌّ على ذروة حبّ العبد وعشقه لله تبارك وتعالى وفنائه فيه، كما أنّه علامة إخلاص العبد وكماله وتنزّهه عن كلّ دافع سوى دافع مرضاة المولى وتحقيق إرادته.
لقد كان أهل البيت عليهم السلام حيال إرادة الله تبارك وتعالى وإزاء قدره وقضائه راضين تمام الرضا، ويرون هذا كمالاً لهم، واستناداً إلى هذا "الرضا" كانوا يتحمّلون بصبر وحبّ جميع الصعوبات والبلايا والمصائب، وعلى صعيد القضايا الاجتماعيّة كانوا لا يرجّحون أبداً مرضاة النّاس على مرضاة الله، فما كان تكليفاً إلهيّاً عملوا به سواء رضي النّاس أم سخطوا، إذ إنّ المهمّ عندهم هو رضا الله تبارك وتعالى حتّى وإن انتهى ذلك بهم إلى غضب النّاس.
وهذه النكتة العرفانيّة قد تعرّضت لها التعاليم القرآنيّة والأحاديث كثيراً، والإمام الحسين عليه السلام الذي كان قد سار على طريق الشهادة ابتغاء مرضاة الله، يرسم صورة حيّة لانتكاس روحيّة أهل الكوفة قائلاً: "لا أفلح قومٌ آثروا مرضاة أنفسهم على مرضاة الخالق"، ويوبّخ الإمام السجّاد عليه السلام خطيب الطاغية يزيد الذي كان في خطبته يمتدح يزيد ويذمّ آل عليّ عليه السلام، فيصرخ به قائلاً: "ويلك أيّها الخاطب! اشتريتَ مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النّار" !
والشيء الذي هو محلّ بحثنا ونظرنا هنا هو ذلك البعد العرفانيّ السامي لمفهوم "الرضا"، الذي هو ملاك عمل الموحّدين الحقيقيّين، والذي يعتبر من التجلّيات العرفانيّة لملحمة عاشوراء، لنقرأ نماذج من مقام "الرضا" في ثنايا تفاصيل النهضة الحسينيّة:
حينما التقى الإمام الحسين عليه السلام الفرزدق في أحد منازل الطريق من مكّة المكرّمة إلى الكوفة، واستعمله عن حال الكوفة فأخبره الفرزدق بحقيقة الحال، قال عليه السلام:
"صدقت، لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ، وكلّ يوم ربّنا هو في شأن، إنْ نزل القضاء بما نحبُّ ونرضى فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحقُّ نيّتَه والتقوى سريرته".
وكان شعار "رضا الله رضانا أهل البيت..." من كلماته النورانيّة عليه السلام في خطبته التي خطبها في مكّة المكرّمة لمّا عزم على الخروج منها إلى العراق.
وكان من دعائه عليه السلام في آخر لحظات حياته مناجياً ربّه: "... صبراً على قضائك يا ربّ لا إله سواك... صبراً على حكمك يا غياث من لا غياث له...".
وممّا أوصى به عليه السلام أخته زينب عليها السلام ليلة عاشوراء قوله: "يا أخُتاه! تعزّي بعزاء الله، وارضي بقضاء الله...".
ومن دعائه عليه السلام عند قبر جدّه صلى الله عليه وآله وسلم قُبيل سفره من المدينة إلى مكّة: ".. وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ هذا القبر ومن فيه إلّا ما اخترت من أمري هذا ما هو لك رضىً".
ولقد تجلّت هذه المعرفة العالية والروحيّة السامية أيضاً في أنصار الإمام عليه السلام، هذا مسلم بن عقيل عليه السلام يخاطب الطاغية ابن زياد في محاورته الساخنة معه قائلاً: "الحمدُ لله على كلّ حال، رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم".
ويقول سيّد الشهداء عليه السلام وهو في الطريق إلى كربلاء: "إنّي لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا، قُتلنا أم ظفرنا...".
إنّ رضا العبد عن الله، ورضا الله عن العبد ذروة هذا الكمال، حيث يرضى الطرفان عن بعضهما، وهذا من المقامات العرفانيّة العليا التي يصل إليها العبد السالك الصادق، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المقام العالي في أكثر من موضع ، وقد أشارت متون الزيارات إلى أنّ شهداء النهضة الحسينيّة قد تسنّموا ذروة هذا المقام، ففي زيارة مسلم بن عقيل عليه السلام مثلاً نقرأ:
"... أشهد أنّك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وجاهدت في الله حقّ جهاده، وقُتلت على منهاج المجاهدين في سبيله حتّى لقيت الله عزَّ وجلَّ وهو عنك راضٍ...".
ونقرأ في زيارة هاني بن عروة (رضي الله عنه): ".. وأشهد أنّك قد بلغت درجة الشهداء، وجعل روحك مع أرواح السعداء بما نصحت لله ولرسوله مجتهداً وبذلت نفسك في ذات الله ومرضاته، فرحمك الله ورضي عنك...".
فالإنسان الكامل يصل في سيره إلى الله تبارك وتعالى مقاماً يكون فيه رضاه وسخطه رضا وسخط الله سبحانه، نقرأ في الزيارة المطلقة السادسة لسيّد الشهداء عليه السلام هذا الوصف: "يا من رضاه من رضا الرحمن، وسخطه من سخط الرحمن".
وهكذا كان أهل بيته عليهم السلام، فقد كانوا يرون الوقائع المرّة والمصائب الشدائد التي تعرّضوا لها في كربلاء أمراً "جميلاً"، فهم يحتسبون كلّ ذلك عند الله تعالى، راجين حسن ثوابه وجزيل إحسانه، نقرأ هذه الحقيقة في المحاورة الساخنة بين زينب الكبرى عليها السلام وبين عبيد الله بن زياد في قصر الإمارة في الكوفة، حيث كان فيما قال لها شامتاً ساخراً: "كيف رأيتِ صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟! " فردّت عليه قائلة: "ما رأيتُ إلّا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذٍ، ثكلتك أمُّك يا ابن مرجانة!"، فاستشاط اللعين غضباً من ردّها وجرأتها.
إنّ العمل من أجل مرضاة الله وبلوغ مرتبة "الرضا" رأسمال عظيم يجعل وجدان الإنسان دائماً على سكينة واطمئنان ورضا، وكذلك يبعث الأمل والحركة، ويخلق الدافع القويّ.
الإنسان "الفائز" هو الإنسان الذي توصله مساعيه في هذه الحياة الدنيا إلى "هدف الخلقة"، والفوز في الفكر الدينيّ هو أن يوفّق الإنسان من خلال الاستفادة من نعم الله ومن عمره في الحصول على أمله في الآخرة وهو السعادة الخالدة والجنّة حيث النعيم الدائم، فالفوز العظيم هو الوصول إلى السعادة الأخرويّة، يقول الإمام عليّ عليه السلام:"الآخرة فوز السعداء"، وهو عليه السلام القائل حينما ضربه ابن ملجم بالسيف على رأسه المقدّس أوائل فجر يوم التاسع عشر من شهر رمضان: "فزتُ وربّ الكعبة"، ذلك لأنّ الشهادة عند أولياء الله أفضل وأشرف الفوز.
وكان الإمام الحسين عليه السلام يرى في نهضته وقيامه فوزه وفوز أنصاره العظيم وسعادتهم الأبديّة، من هنا كان يتعجّل الوصول إلى هذا الهدف، فحينما التقى الطرماح في الطريق إلى الكوفة، وكان هذا الرجل يحاول جاهداً منع الإمام عليه السلام من الذهاب إلى الكوفة المضطربة جدّاً، كان ردّ الإمام عليه السلام:"إنّ بيني وبين القوم موعداً أكره أن أُخلفهم، فإنْ يدفع الله عنّا فقديماً ما أنعم علينا وكفى وإنْ يكن ما لا بدّ منه ففوزٌ وشهادة إنْ شاء الله".
وممّا قاله عليه السلام في ليلة عاشوراء لأنصاره (قدّس سرّهم):
"... واعلموا أنّ الدنيا حلوها ومرّها حلمُ، والانتباه في الآخرة، والفائز من فاز فيها، والشقيّ من شقي فيها...".
وقول الإمام الحسين عليه السلام المعروف: "فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة" حاكٍ أيضاً عن نظرة الإمام عليه السلام إلى مفهوم السعادة وماهيّتها، حيث كان عليه السلام يرى تحقّقها في ظلّ الشهادة في سبيل الله.
هذه العقيدة وهذه الحقيقة تبعث في قلوب أهل الإيمان الشوق إلى الآخرة وإلى الجنّة، وتقلّل من علائقهم بالدنيا، فيحلّقون خفافاً كالطيور الهفهافة في شوقهم إلى الشهادة، فيتقدّمون بإقبال المتلهّفين إلى التضحية بأنفسهم فداءً للدين والقرآن ووليّ الله، وإنّ أفضل وأشرف من تقلّدوا وسام "الفائزون" بجدارة لا نظير لها هم شهداء كربلاء.
لمّا وقف الإمام الحسين عليه السلام على الحرّ بن يزيد الرياحيّ (رضوان الله عليه) عندما صرع أثنى عليه ثناءً عاطراً خالداً، وامتدحه بأبيات من الشعر مجّد فيها إيثاره وصبره ومواساته، وكان منها هذا البيت:
لقد فاز الأولى نصروا حسينا ً وفازوا بالهداية والصلاح
وفي متون زيارات أبي عبد الله الحسين عليه السلام وشهداء كربلاء كثيراً ما نقرأ عبارات تتحدّث عن فوزهم وبلوغهم أسمى أمنياتهم، ونقرأ أيضاً تمنّي الزائر ودعاءه في أن لو كان في ركابهم فقاتل معهم واستشهد بين يدي أبي عبد الله الحسين عليه السلام فنال الفوز العظيم الأبديّ.
نقرأ في زيارة الأربعين مثلاً: "اللّهمّ إنّي أشهد أنّه وليّك وابن وليّك وصفيّك وابن صفيّك، الفائز بكرامتك، أكرمته بالشهادة، وحبوته بالسعادة..." ونقرأ في زيارة أنصاره (قدّس سرّهم):
"فزتم والله فوزاً عظيماً، يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزاً عظيماً".
"أشهد أنّكم الشهداء والسعداء وأنّكم الفائزون في درجات العلى".
إنّ عقيدة الزائر في أنّ شهداء كربلاء القتلى المضرّجين بدمائهم شهداء وسعداء وفائزون تسري أيضاً إلى حياته هو، فتسمو نظرته إلى الفوز والسعادة حيث تترفّع عن الانحصار بالآمال الدنيويّة.
هذا الفهم الأعمق لمعنى السعادة ومعنى الفوز هو درسٌ من دروس عاشوراء ومن بلاغاتها إلى الجميع، ومؤدّاه أنّ الفلاح والفوز في ظلّ الجهاد والتضحية والاستشهاد في سبيل المذهب والولاية.
نسألكم الدعاء
|
|
|
|
|