تسلمي يا اختي انواااار على هذا لطرح الرااااائع
والاسلوب الاكثر من رااائع
لقد استمتعت واني اقرى ما كتبتية ,, فقد ذكرني بطفولتي :p
نعم كانت متواجدة عندنا هذه العادة بقوة ولكن للاسف اندثرت وولت من غير رجعة وياريت ترجع ..
حرقناك ياصفر يابو المصايب والكدر
حرق صفر
ما أحلى تلك السنين التي تعبق ذكراها لجيلنا نحن ، وما أشهى وقت الأصيل فيها ، وما أزهى منظرها الفتان حين تلامسك حلول موسمها أو وقتها ، لنا عادات اندثرت ، ومن وقت قريب قريب جدا لفظت تقليد وطقوس ( حرق صفر ) أنفاسها الأخيرة بسبب المدنية المادية ، تآكل في المساحة المكانية ( البر ) ، موت الحياة الفطرية وإحلال المساكن ، تعقد الحياة بمشاكلها الأخرى مما نتج عنها نظرة المجتمع الحالي لتلك الموروثات ...
ماذا يعني حرق صفر ؟!
أجيال القرون السابقة توارثوا هذه العادة وهي ( حرق صفر ) من آبائهم وأجدادهم وأوصلوه إلى جيل منتصف الثمانينات من القرن المنصرم بما يمتلكون من حب المحافظة على الموروث ساعدهم في ذلك تباطؤ دخول التكنولوجيا والحضارة المادية بمقوماتها .
وحرق صفر يعني التخلص من أعباء الحزن المخيم شهرين متتاليين ، التخلص من الحالة النفسية المنضغطة والنزعة على دخول عالم جديد وجميل ببهاء وصفاء ، ويتخذ إجراءات عملية خاصة عند النساء بنزع الثياب السوداء القاتمة ولبس الثياب والملابس الزاهية ورمي بعض الأدوات القديمة كبعض من أواني الطبخ والأواني الفخارية بكسرها أو رميها في البحر ، أو تجميع من بعض الملابس البالية وصرها في صرة من القماش الكبيرة تسمى ( جمتة ) أو خريطة ورميها على السمادة ، والسمادة مصطلح تعارف عليه وهي موقع رمي القمامة والأوساخ والأدوات القديمة . كما تقوم ربة البيت بتطييب بيتها بواسطة البخور تدور به في أرجاء البيت لطرد الشياطين والحسد وقتل الآفات والأوهام والحشرات وغيرها وتقوم أثناء دورانها في الحجرات والممرات والزوايا بذكر النبي والآل ، وتدوّر البخور أيضا على رؤوس من يمر على طريقها من أبنائها أو زوجها . ومما يتبادر في ذهنها بادئ ذي بدأ هو نزع ( الشبا) الملتصق أو المتدلئ من السقف ومن بين الزوايا بواسطة سعفة طويلة يابسه .. وهذا يعني التفنن في اتخاذ الفرحة العارمة مدخلا لمفارقة شهر صفر ، وعلى ضوء ذلك .
كيف يتم حرق صفر :
تتجهز النساء قبيل خروج صفر بإعداد مجموعة من ما تسمى ( القمبارات ) مفردها ( قمبارة ) ، حيث تذهب إلى النخيل أو إلى إحدى الخيس والخيس أو الجلحة تعني مجموعة من النخيل المكثفة تقع في مساحة واحدة غير مسيجة بأي سور . لتجميع سعف النخيل العتيقة الطوال اليابسة مستخدمة قوتها في كسر جذرها المتين ( القذف ) بحيث تجعل السعفات متساوية في الطول والحجم .
وعادة تكون طول القمبارة في مستوى القامة أو أصغر بقليل أي حسب قامة الشخص التي سيستخدمها ، فالصغار لهم ما يناسب قامتهم وهكذا .
ترص المرأة كل ثلاث أو أربع سعفات مع بعضها ويتم ربطها بواسطة الخوص أو بخيط الخيش بحيث تصبح مقسمة إلى عدة أقسام قد تصل إلى أربع ربطات أو خمس .
في أعلى شكل القمبارة تحني ما زاد من ورق السعف وتغلفه بقطعة من ( الليف ) يتم نزعها من لحاف النخيل ، وتدير عليها خيط غليظ ، فتبدو شكلها من الأعلى راس صغير مكور .
أما من أسفل القمبارة فينزع من السعفات خوصها بمقدار ذراع أو أكثر وذلك تفاديا لتحجيم مستوى النار الآكلة للسعف ولحماية المستخدم من وصول النار إلى يديه .
تخرج النساء والأطفال في الجزء الأخير من عصرية آخر يوم من شهر صفر حاملين معهم القمبارات ، في جو مبهج ، فكل امرأة تأخذ بناتها وأولادها وتدعو جارتها أو عدد من الجيران للمشاركة في طقوس الحرق ذلك اليوم المشهود .
ومن بين التلال الرملية المتواجدة في القرى يتم تجميع وإشعال كومة أو تلة من أشجار ( الرامرام ) اليابسة وهي شجيرة تنبت في الأرض وتأخذ مساحة من قدمين مربع إلى ثلاثة أقدام مربعة وترتفع عن الأرض من قدم ونصف إلى قدمين ونصف تقريبا تنمو على فروعها اللينة حبيبات خضراء ممتلئة بالماء بحجم العدسة . إلا أن فعل الحرارة المستمرة والشمس يحولها من خضراء إلى صفراء ثم تكون في حالة الجفاف تصلح كوقود للنار .
كما يتم إشعال عددا من سعف النخيل أو كومة من قمامة ونفايات قديمة وأقمشة وأكياس كانت ترمى خارج أسوار القرى وفي مناطق معينة بعيدا عن المنازل والعمران لكي لا تؤدي الحرائق إلى تضرر تلك المنازل والبيوت بفعل النيران . أما في الدراز فهناك عدد من المناطق التي يتم فيها إشعال النار لحرق صفر تتمثل في منطقة الميبر وفريق فلسطين وجنوب وغرب عين صقروه بالقرب من مسجد المنتظر وفي نواحي متفرقة من فريق افيليد ..
كيفية إشعال القمبارة وطقوسها :
توقد القمبارة من كومة الشجر أو مجموعة السعف المشتعلة بوضع رأس القمبارة المحاطة بالليف ، حيث إن مادة الليف تنتشر فيها النار بسرعة فائقة فتشري في جسدها مكونة كتلة من النار . تأخذ النساء والفتيات والأولاد القمبارة المشتعلة وتحركها على شكل دائري تبدأ بمحاذاة البطن من اليمين إلى اليسار أو من اليسار إلى اليمين وبكلتي اليدين ُتَملْوّح تلك القمبارة مكونة دائرة نارية مشعة مركزها رأس الشخص ، فإذا شعر الشخص بالتعب يتناولها بين حين وحين بيد واحدة مرة لليمين ومرة لليسار ومرة أخرى بجمع اليدين وهكذا حتى تأتي النار على الجزء المتبقي في آخرها وهم يرددون :
حال وعاد علينا صفر ،، حال وعاد علينا
حال وعاد على أمي ،، حال وعاد
حال وعاد على أبي ،، حال وعاد
حال وعاد على أخواني ،، حال وعاد
حال وعاد على خواتي ’’ حال وعاد
حال وعاد على جدتي ،، حال وعاد
حال وعاد على جدي ،، حال وعاد
حال وعاد على عمتي ،، حال وعاد
حال وعاد على عمي ،، حال وعاد
وهكذا حتى تمر أسماء الأهالي والجيران والأصدقاء والمؤمنين والمؤمنات لتنالهم عبارات الدعاء من الله بإطالة أعمارهم كي يدركو هذه الأيام والشهور .
ومن الأهازيج الأخرى الأكثر تداولا حين تبدأ مراسيم الاشتعال وتدوير القمبارة على الرأس والتي تمثل فيها حنق الجميع على هذا الشهر الذي تكثفت فيه وفيات الإئمة عليهم السلام وأبعدهم عن ملذات أيامهم وكأن الموعد في إشعال فتيل الدواعي عليه ووصمه بأبي المصائب قد تجمع ككتلة نارية الكل يريد إطفائها فها هم يرددون :
حرقناك يا صفر ،،، يا بو المصايب والكدر
حرقناك يا صفر ،،، على اطوير واعتفر
حرقناك يا صفر ،،، على ديك واعتفر
حرقناك يا صفر،،، على اعريس واحترق
حرقناك ياصفر ،،، يا بو المصايب والكدر
وكلما زادت النيران في القمبارة أعطت منظرا مكثفا في التوهج والإثارة خاصة عندما تقرب الشمس من المغيب ، فحين تدير عينيك متلفتا في كل اتجاه تجد شعلة من النار المأججة لعبة في أيدي الكبار والصغار والشباب ، وكأن هذه اللعبة مدار التداول الميسر قد احتموا بدعاء : اللهم اعطنا خيرها وابعد عنا شرها برحمتك يا أرحم الراحمين ..
الكل يتذكر الأم حينما يلفظ صفر نفسه الأخير ، ذلك الارتباط البيولوجي النفسي تؤكده عبارات الطقوس الصفرية وبموازاة التلويح بالقمبارة المشتعلة لطرد الوسواس والشياطين وحرق الأمراض ودعوة الفناء على كل من تسول لها أو له التعرض للأمهات بسوء فيتم الترديد :
طلع صفر واميمتي سالمه سالمه
عدوة أمي في القبر نايمه نايمة
حرقناك ياصفر يابو المصايب والكدر .
أما الشباب والصبيان فلهم عملهم الخاص وذلك بتجميع الأشجار اليابسة والأخشاب والسعف وجمع الأوراق وأكياس الأسمنت والكل لا إلتفات له إلا العمل الدؤوب السريع في عمل جبل من تلك الخامات ‘ فإذا شعروا بارتفاع علوها بدأو بإشعالها ، فكل واحد لديه وسيلة إيقاد ..
ولم يسلم مسجد المنتظر - الواقع في فريق عين صقروه حيث تطل البرية الجميلة بين تلال ووهاد ونخيل وشجيرات ورمال بيضاء على اتساع مد العين ، ليكون ذلك المدى رؤية البحر وأشرعة القوارب البيضاء من بعيد منظرا عجائبيا جميلا – فلم يسلم من عبثية الصبيان في ذلك الوقت حيث كان المسجد عبارة مساحة محاطة بمجموعة من الحجارة البحرية ارتفاعها قدم واحد فقط وله مدخل من الجنوب ولكن الكل يستطيع الدخول من أي جهة كانت ، وكانت هناك على الناحية الشمالية داخل المسجد مجموعة من صناديق البرتقال ( سحارة ) خشبية توضع فيها مجموعة من زجاجات الكيروسين خاص لـ( فنار ) المسجد وهذه الزجاجات يتبرع بها المؤمنين ..فيأخذ الصبية كل زجاجات الكيروسن او ( الكاز ) من أجل إشعال الكومة التي شيدوها ومن ثم يرمونها بكل ما فيها من مادة داخل أتون النار وهكذا تلتهب العصرية بشمس وبضياء من نوع آخر ، حيث تتخلل الإضاءة القوية غبار يتصاعد يختلط بالدخان فحركة النار تؤجج للصبية وتحرك فيهم الجري حول النار تجعلهم يتقافزون ، ينطون بعضهم بدون وعي منهم ، بعضهم يلف حولها وفي يديه قمبارة يصطلي من النار الكبيرة ، آخر يحمل شعلة من الورق ، آخر يجر قطعة قماش مشتعلة وآخر يطعمها الأخشاب والسعف وكم هو جميل ذلك الترديد :
حرقناك ياصفر يا بو المصايب والكدر
طلع صفر واميمتي سالمه سالمه
عدوة امي في القبر نايمه نايمه.
ثم يرددون عبارة مدرسية :
قمباره قمباره ياهو ** قمباره قمباره
يا أمنا مدينا بالنار والحرارة **قمباره قماره
وهكذا تمتد طقوس صفر بعد صلاة العشائين منظرها لا يبارح مخيلة الذين عاشوا تلك الفترات ، فكيف تبدو الظلمة في تلك الليلة ، كيف تبدو روائح الثياب المختمرة فيها عطر الدخان ، كيف تبدو الوجوه المحمرة من الحرارة ، كيف تتراقص الأضواء في مخيلة الناس وقد عرجو بأحلامهم ليواجهوا أمل سعيد ، إنه يوم عظيم :
صفر حين يشتعل منك اللهيب ، أقف أتأمل منظرك البهي ، أسحب الظلمة رداءك الأسود ، ارسم دخنة لم تحويها النيران ، ألون رقصات الحرائق كي اسمع تغريد الأعواد ، أشم قوائم الجريد المتباهي احتراقا ، فأرجع للنشيد وصدى الترنيم ، كيف ياصفر عنا تغيب ، كيف ياصفر عنا تغيب ، فمن لنا بإشعال الفتيل ولوحة مزقتها السنين
|