الشيخ الاعظم قدس سره :
ثم إن محل الكلام في كلمات هؤلاء الأعلام غير منقح ، فالأولى ذكر الجهات التي يمكن أن يتكلم فيها ، وتعقيب كل واحدة منها بما يقتضيه النظر من حكمها ، فنقول - مستعينا بالله - : إن مسائل أصول الدين
اقول :
المراد بها ما يقابل الفروع وهي التي لايطالب فيها اولا وبالذات الا العمل وان لزم الاعتقاد والايمان به باطنا وذلك ايمانا بما جاء به النبي صلى الله عليه واله والتصديق بخبره
،قوله : وهي التي لا يطلب فيها أولا وبالذات إلا الاعتقاد باطنا والتدين ظاهرا وإن ترتب على وجوب ذلك بعض الآثار العملية ،
اقول : كما ترى فإن المسائل الاعتقادية لايطلب فيها العمل اولا وبالذات بل المطلوب كذلك هو الاعتقاد باطنا والتدين ظاهرا , نعم قد تترتب اثار عملية بالتبع .
قوله :
على قسمين : أحدهما : ما يجب على المكلف الاعتقاد والتدين به غير مشروط بحصول العلم كالمعارف ، فيكون تحصيل العلم من مقدمات الواجب المطلق ، فيجب . الثاني : ما يجب الاعتقاد والتدين به إذا اتفق حصول العلم به ، كبعض تفاصيل المعارف
.
اقول : القسم الاول في الاصول هي المعارف التي يجب التدين والاعتقاد بها , ولايشترط الايمان كذلك بحصول العلم , نعم تحصيل العلم انما هو لاجل كونه مقدمة لواجب مطلق حيث ثبت عقليا ان مقدمة الواجب المطلق واجبة , وقال الشيخ الملا محمد كاظم الخراساني قدس سره في حاشيته على الفرائد : ثم اعلم ان المطلوب في تلك المسائل الاصولية باطنا , او المرغوب فيها قلبا , ليس هو مجرد العلم بها بل لابد من عقد القلب عليها , والتسليم لها , غير جاحد بها بعد استيقانها , والا لزم ايمان المعاندين من الكفار الذين كانوا يجحدون ما استيقنت به انفسهم كما قال الله تعالى : وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم " بناء على ان الظاهر ان ليس المراد الجحد والانكار باللسان , بل عن انكار قلبي وعناد باطني, او خصوص ذلك ولو لم يكن باللسان هذا ما يعتبر فيه من فعل القلب .
يتبع
وقال قدس سره فيها :
واما الاقرار بها باللسان فلا يبعد اعتباره في بعضها بالنسبة الى ترتيب بعض الاثار في الظاهر كحلية النكاح , واستحقاق الميراث , ونحوهما , بل يكفي ذلك فيها ولو لم يكن اذعان بالجنان , كما في صدر الاسلام , حيث يكتفى بالشهادتين في ترتيب الاحكام .
وبالجملة الظاهر ان الاقرار بالايمان بالله ورسوله باللسان انما يكون موضوعا لتلك الاثار الشرعية ووسيلة الى حصول شوكة الاسلام , فهو مطلوب على كل حال , وان الاقرار في غيره من الاعتقاديات لا دليل عليه , واما جوازه ففي كونه من اثار نفس المسألة الاصولية حتى جاز ترتيبه عليها اذا قام عليها دليل معتبر , او من اثار العلم بها , كي لا يترتب بدونه اشكال حيث لا دليل في البين , فيكون الاقرار والإخبار به من قبيل القول بغير علم .
ومن هنا علم عدم جواز الإخبار ببعض تفاصيل الحشر والنشر بمجرد مساعدة ظهور آية او رواية عليه , كما هو ديدن بعض الواعظين .
اقول / ذكر المحقق الشيخ الخراساني قدس سره امور مهمة في هذه الوجيزة بعضها واضح لا يحتاج الا التاكيد عليه اوالتذكير به فان التدين والتصديق وعقد القلب مما لابد منه في المسائل الاعتقادية ضرورة ان العلم وحده غير كاف كما في الجاحدين حيث يعلمون ولا يؤمنون ولا يسلمون, بناء على ان المراد بالجحود هو الرفض القلبي لا مجرد الانكار اللساني .
واما ما يتعلق بالاقرار اللساني فهو واجب اخر ولا يبعد اعتباره في بعض المسائل الاعتقادية لضرورة ترتيب الاثار الشرعية من قبيل حلية النكاح او التوارث او الطهارة وغيره , بل يكفي لترتيب الاثر ذلك الاقرار ولو لم يكن عن اذعان قلبي ولعل في بداية الاسلام كان هناك مسيس حاجة لتكثير الاعداد الظاهرية للمتلبسين بالاسلام ., اما الاقرار اللساني في غير هذه الامور التي يجب فيها الاقرار لترتيب تلك الاثار الشرعية الظاهرية , فلا دليل على وجوبه .
يبقى البحث في جواز الاقرار باللسان اذا لم يدل دليل على وجوبه فالجواز اثر مترتب من اثار نفس تلك المسألة الاعتقادية اذا قام عليها طريق معتبر , او يقال انه من اثار العلم بتلك المسألة كي لا يقع بدون العلم بها اشكال , حيث لا دليل في البين , والا فلو حصل الدليل على تلك المسالة فوجب الاعتقاد بها امر , وقضية الاقرار اللساني امر اخر يشكل القول بجوازه فيها بدون دليل حيث يكون الاقرار والاخبار به من قبيل القول بغير علم .
ومنه يعلم عدم جواز الاخبار ببعض تفاصيل المعارف كالحشر والنشر التي كثيرا ما يرددها الوعاظ لمجرد ظهورات لاية او رواية , هذا , مع حجية الرواية فكيف اذا لم تكن حجة . فضلا عن الاخبار لمجرد حكايات او قصص او اخبار مبثوثة في التفاسير او التواريخ مثلا ربما يعلم نسبتها لاساطير الكتابيين او القصاصين ؟!؟! ومن هنا فما يقوم به اصحاب الادعاءات وذوي المذاهب الفاسدة كالحركات المهدوية ومن كان على شاكلتهم ممن قد يعتمد على اخبار احاد أي غير متواترة بل يعولون على اخبار شاذة بل ضعيفة وربما مهجورة او غير ظاهرة فيما يدعون , بل ولو كانت ظاهرة كما قد عرفت صريحا ما لم يحصل العلم لا مجرد الاعتماد على الظواهر امر معلوم البطلان والفساد ولايجوز الاعتماد عليه وكل من خالفه وقع لا محالة في مخالفات اعتقادية خطيرة قد تودي بدينه
يتبع