العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى العام

المنتدى العام المنتدى مخصص للأمور العامة

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية فارس اللواء
فارس اللواء
عضو برونزي
رقم العضوية : 54354
الإنتساب : Aug 2010
المشاركات : 254
بمعدل : 0.05 يوميا

فارس اللواء غير متصل

 عرض البوم صور فارس اللواء

  مشاركة رقم : 21  
كاتب الموضوع : فارس اللواء المنتدى : المنتدى العام
افتراضي
قديم بتاريخ : 10-10-2012 الساعة : 08:53 AM


فلسفة الأخلاق(لوحة الصبر)

في عُطلتي الأسبوعية -وأنا موجود في الريف- خالني شوق لزيارة أحد الفُضلاء الأكارم من أبناء القرية وقد أعياه الله بمرض أقعده عن الحركة، تفكرت طويلاً في حال..الحاج.." أمين"..وهو المعلول الذي أرجو من الله شفائه..اتصلت بالأستاذ "عيد" وهو الرجل الحكيم الذي حاورني بالأمس عن مفهوم"العدل" وعرضت عليه زيارة..الحاج.."أمين" في أقرب فرصة..فوافق على الفور واتفقنا على الميعاد بعد صلاة العشاء، صلينا العشاء في مسجد القرية وذهبنا للزيارة، وبعد استقبالنا بالترحاب دار هذا الحوار:

الأستاذ عيد:نسأل الله أن يُتم شفاءك ياحاج أمين فأنت الخير والبركة، ولكن والله أشعر بتحسن كبير وأنك تقارب الشفاء فتشجع يارجل كي تشاركنا العمل والمناسبات.

الحاج أمين:لا أعلم كيف أشكركم ياجماعة أنتم أصحاب واجب والجلوس معكم غنيمة يُسِرّ الله بها قلبي فأشعر بالبهجة..وحمد الله على السلامة ياأستاذ سامح على قدومك لنا بالسلامة.

قلت:الله يعزك ياعمي الحاج نحن نفتدك والله ونشعر بأننا نفتقد أحد رجال القرية العُظماء والمشهود لهم بالمودة والمروءة ونُصرة الضعفاء والمساكين.

الحاج أمين:ربنا يبارك فيك ياحبيبي والله أنه بحبك جداً ويكفي أنك جئتني في بيتي ...وخالص سلامي للسيد الوالد.

الأستاذ عيد: معذرة على قطع المجاملات ياجماعة ولكني أريد القول بأن ما يمر به الحاج أمين لا يختلف عليه اثنان أنه درجة عظيمة من درجات الصبر واحتساب الأجر..فنسأل الله أن يتم شفاء أخينا شفاءً تاماً لا يغادر سقما...وهنا أود سؤال الحاج أمين سؤال..كيف تحصل على هذا الصبر وبما تنصح الناس؟

الحاج أمين:المسألة فطرية من داخلي وأنا لم أقرأ شيئاً عن أحد فقط أنا أشعر بأن الله سيشملني برحمته بشفائي، وأنا وإن لم أجد هذا الشفاء في الدنيا سأجده خيراً وأعظم منه يوم أن ألقى الله وأنا صابر.

الأستاذ عيد: شعورك الفطري هل أجبرك عليه أحد ياحاج أمين؟ يعني لو قُدّر لك-الآن-أن تكون صحيح البدن هل ستطلب من الله أن يبتليك؟

هنا تدخلت في الحوار ورددت قائلا: ولكن ياأستاذ عيد لا أحد يطلب البلاء فالبلاء منبوذ من النفس البشرية ولا طاقة لإنسان أن يتحمل بلاءاً قد يُقعده عن مُتع ومباهج الدنيا.

الأستاذ عيد : أنا أسأل سؤالاً فقط لبيان ماهية التجربة لتمييز الصبر ووضوحه عند الحاج أمين ياسامح، يعني مثلاً لدينا قضية الكفّارات ونحن ندعو الله بأن يكفّر عنا ذنوبنا، فهل سنشترط على الله أن يبتلينا بمرض أو بشئ محدد؟!...لا طبعاً لا يفعل ذلك إلا من يدعو هذا الدعاء ولا يُحرك شيئاً بداخله لإنه إنسان غير مخلص وينظر لعلاقته مع الله كعلاقته مع مديره في العمل كلها نفع وضرر-ولله المثل الأعلى، بينما الأصل في عبادتنا لله أن نحب الله ونخشاه وفي ذات الوقت نطمع فيما عنده..يعني المسألة ليست كلها طمع في طمع وإلا لانعكس سلوكك مع الله على سلوكك مع نفسك والناس.

الحاج أمين: أنا فاهم ماذا تقصد ياأستاذ عيد ولولا تدخل الأستاذ سامح لرددت عليك بدلاً منه...الإجابة على سؤالك لا طبعاً أنا راجل بسيط ومن البيت للجامع للغيط ، وأولادي هم الذين يتكفلون برعاية أموالنا من البهائم إلى الغيط والمحصول، وأنا والله دعوت ربنا كثيراً أن يُكفّر عني سيئاتي ولم أشترط على الله شئ، ولكن وأنا أقرأ في القرآن قوله تعالى.." ربنا لا تحملنا مالا طاقة لنا به"..كانت عيناي تدمع ، أما الآن وبعد مرور عام على مرضي وقد رزقني الله الصبر شعرت بأنني أعيش حياتي حياة عادية جداً وكأنه لا يوجد فارق بيني وأنا سليم وبيني وأنا مريض، بل بالعكس..وأنا مريض وجدت أناس طيبين أمثالكم يودونني ويحبونني وأنا لم أجد هذا الشعور –بهذا المقدار-وأنا صحيح البدن.

قلت: ما يشعر به الحاج أمين يُثبت فلسفتي في الحياة أن السعادة مركزها القناعة ومحاورها في الفضائل ودائرتها في الخير التام..فلولا أن الحاج أمين يشعر برضاءه عن نفسه وأعماله لما كان له أن يشعر بالسعادة في ظل مرضه والذي من المفترض أن يكون شعوره العكس، فهو المشهود له بالخير في القرية وفضائله على الصغير قبل الكبير، والعزلة عن هذا الواقع ليس أمراً هيناً.

الأستاذ عيد:هناك سعادات جزئية وسعادة كلية ياسامح..والصبر لابد له من سعادة كلية كي يستمر بنفس المقدار بل ويتعايش صاحبه معه كما حاله الأول، يعني مثلاً الحاج أمين تراه رجل هادئ الطبع ومحبوب ، لكن لو وقع -فيما وقع فيه الحاج أمين من مرض- رجل عنيف الطبع ومكروه من الناس هل سيصبر؟..هذا هو قصدي من تعدد السعادات..إن واحد مثل الحاج أمين قضية السعادة عنده كلية قبل أن يبتليه الله بأي شئ ، فإذا حدث عليه أي طارئ سلبي ستكون فرصته في الصبر كبيرة عن غيره، وهذه فضيلة إضافية لحُسن الخلق وكظم الغيظ والرُشد أنه حين البلايا تكون النفس أقرب للاتحاد مع العقل والسلوك..أما إنسان عنيف الطبع ومنتقم ولايبالي بالأخلاق هذا عند نزول أول نازلة به سيخرج عن اعتياده وتظهر حقيقته التي كان يحاول إخفاءها عن الكثيرين.

أما أنت ياحاج أمين فاحمد الله على هذه النعمة، لإنك إنسان طيب ومحبوب فقدّر الله لك أن لا تبتئس حين شدتك.

قلت: ألا ترى أستاذنا العزيز عيد أن قضية تعدد السعادات هذه قد تكون متوهمة –لديك-من أصل تأثير الفضائل على السلوك؟..يعني أنت حكمت وقلت بأن الإنسان الأقل صبراً هو الأقل أخلاقاً-هكذا أفهم-يعني بنفس منطقك فمؤثر الفضيلة هو معيار تعدد السعادة، وبالتالي أصبح سلوك الفضيلة يكفي للسعادة الكلية -الكافية للصبر-وبهذا تخرج الطبائع من كونها مؤثر إلى كونها أثر..لأن هناك من الناس من تكون طبائعهم سيئة الذكر ومع ذلك يفعلون الفضائل-أو بعضها.

الأستاذ عيد: طب ماهي الفضائل ترتبط بالتحكم في اللذة ياأخ سامح، هل هناك إنسان مفضال ومع ذلك شهواني؟!...سوء الطباع نفسها هي لذة عند صاحبها فهو يستمتع بالقهر والزجر بمثل استمتاعك بالجنس وبالتالي فحضور اللذة يعني حضور السعادة وهذه هي التي أقصدها.."بالسعادة الجزئية"..أنت تتوهم أن هناك فارق بين الفضيلة والطبع لكي يصنع عندك مؤثر لوحدة مفهوم"السعادة"...لأن السعادة لو هي واحدة ونوع واحد وجنس واحد ستجد أن الأقل صبراً ليس هو الإنسان عنيف الطبع بل ستجده رجلاً مفضالاً تعرض لضغوط فوق طاقته فلم يصبر كمثل من فقد أي محبوب لديه أو من شدة حزنه لطارئٍ ما ألمّ به..في مفهومي أرى أن هذا الرجل المفضال -الذي لم يصبر- هو في حقيقته سئ الطبع -بغض النظر عن الدرجة-لأنه لو كان حسن الطبع فلن يحزن لفقدان شئ لإنه إنسان يتعامل مع الأشياء بقلبه ووجدانه وليس بحواسه.

هنا دق جرس الباب معلناً عن ضيوف آخرين جاءوا لزيارة الحاج أمين..وبعد أن استقبلنا الضيوف بالسلام والترحاب،انهمك الحاج أمين مع الضيوف الجدد فوجدنا بعضنا أنا والأستاذ "عيد" ليسا مؤهلين لتكملة الحوار.



توقيع : فارس اللواء
من مواضيع : فارس اللواء 0 رسالة في التفكير
0 المُحادّة لله وظاهرة التطرف
0 لا فضائل للشام ولا لأهلها كما نسبوا للرسول
0 درس من حديث خلق التربة
0 صلاة التراويح بدعة أم سُنّة؟

الصورة الرمزية فارس اللواء
فارس اللواء
عضو برونزي
رقم العضوية : 54354
الإنتساب : Aug 2010
المشاركات : 254
بمعدل : 0.05 يوميا

فارس اللواء غير متصل

 عرض البوم صور فارس اللواء

  مشاركة رقم : 22  
كاتب الموضوع : فارس اللواء المنتدى : المنتدى العام
افتراضي
قديم بتاريخ : 13-10-2012 الساعة : 01:51 AM


فلسفة الأخلاق(لوحة الصدق والكذب)

في أثناء رحلتي إلى القرية اشتقت إلى المشي وسط الزراعات وعلامات الريف والاستمتاع بالمسطحات الخضراء التي لطالما اشتقت إليها كثيراً وأنا في المدينة، فقلت لزوجتي وأهلي أنا ذاهبٌ بمفردي للمشي وإذا أرادني أحد فالهاتف الخلوي مفتوح..كان هناك طريقاً زراعياً أحبه لذكريات الماضي، فذهبت إليه حاملاً لوحات تأمل برّاقة.. شجعتني على التفكير.. ثم اخترت لنفسي أمراً لأحدث به نفسي وما أحلى محادثة النفس في قضايا فكرية وفي هذا الجو المشجع.

اخترت أن أتحدث في موضوع الصدق والكذب، فالصدق يعني المطابقة مع الواقع أما الكذب فيعني عدم مطابقة الواقع، وهنا تُثار إشكالية من هو الراصد الذي عن طريقه سنعرف الكاذب من الصادق؟..هذا السؤال يذكرني براصد إينشتين -في نسبيته -ويعني أن حدوث حادث يرصده أكثر من راصد فيختلف الحُكم باختلاف الرؤية، لذلك جاءت أهمية الراصد في النسبية كونه الحاكم بُحكم الرؤية..فراصد الكذب-كمثال- هو بعينه راصد إينشتين،لأن الكاذب قد لا يشعر بكذبه ويظن تطابقه مع الواقع يتحقق، بينما باختلاف مكان وجوده في القضية-ذات الشأن-ولكونه طرف فيحجبه ذلك عن الرصد إما لتعمده أو لخطأ حواسه وإدراكه وبالتالي تزييف وعيه..في النهاية يخرج علينا الكاذب بصورة رجل.. "مزيف الوعي"..حتى مع تعمده فتدفعه أهواءه للكذب ظناً منه بوجود منفعة سواء مادية أو معنوية.

حقيقة فالإنسان منا قد يتعرض للكذب مجبراً -لما أشرنا إليه بتحصيل المنفعة، وهذا النوع من الكذب على نوعين ..الأول مذموم والآخر محمود..فالكذب المذموم يعني نقل أو تبني "خبراً" غير متطابق مع الواقع بدافع التشويه أو المنفعة"المتوهمة" أو بوجود إحدى حالات الكسل أو الجهل أو المكابرة..فقد يُظهر الإنسان منا شكليات لا علاقة لها بمضمون القضية، وتجاوزه عن المضمون في الغالب ما يكون إما عن جهل وكسل وإما عن عناد ومكابرة فتخرج أفعاله مخادعة ليست فقط للوسط المحيط بل للنفس أيضاً، ومع توالي حدوث هذه الأفعال دون رصد أو أي محاولة للرصد -بسماع النصائح أو أساليب التقويم-يتعايش المرء مع كذبه حتى يسري في دمائه مسرى الدم في العروق، فجميعنا لا يشعر بسريان الدم في عروقه، ورغم ذلك فالدم يسري حقيقة في كافة أوردته وشرايينه، هكذا الكاذب لن يشعر بكذبه رغم وجوده واقعاً.

أما الكذب المحمود فهو لتحصيل المنفعة درءاً لأذى النفس أو الدين أو المال أو العقل أو النسل فيما يُعرف لدينا.."بمقاصد الشرع"..وقد يختلف تقييم الإنسان لهذا النوع بخلاف طبائعه وثقافاته ومستوى إدراكه..ولكن ينقلب هذا النوع ويُصبح مذموماً فيما لو تعارض مع الأصول الأخلاقية الأخرى كالتضحية والكفاح والإيثار وغيرها..بينما تظل مقاربة هذه الأمور مع بعضها برباط الموازنة الشرعية والأخلاقية وهو الفيصل في التعيين...وينتشر هذا النوع من الكذب في أجواء الحرب والمصالحة ونلاحظ هنا أن وجود الكذب المحمود للموازنة"الأخلاقية" بين متضادين..وحقيقته تبقى كأثر فعّال لبقاء النفس الإنسانية بين رُحى الحرب والسلام، لأن الكذب لو كان على نوعٍ واحد "مذموم" لما ساد السلام على كوكب الأرض، وانتشر العداء بفِعل طبيعة الإنسان"قليل الحكمة".

أما الصدق فكما أسلفنا في تعريفه أنه مطابقة الواقع ،وكافة أعراض تمييز الكذب من عمليات رصد تنطبق عليه ولا داعي لتكرارها،وأضيف أن الصدق-غالباً- ما يأتي للمرء من تحكمه في كافة قوى الشر لديه كتحكمه في غضبه أو شهوته أو في قوته العقلية وهي أقسام النفس الإنسانية عند ابن سينا..فوقوع التحكم لديه يعني حضور الاتحاد مع النفس وبالتالي الشعور بالراحة والطمأنينة ليس لجنس العمل فحسب بل لأعراضه ونتائجه -حسب مستوى إدراكه...إضافة إلى أن الصدق يُعد هو الخُلق الرئيسي في حضور الأمانة والإخلاص والتضحية وغيرها من الأخلاق القيمية الحقيقية والاعتبارية..وكأن الصدق هو صانع الفضائل في نفس الإنسان ولما لا وقد أمر الله عباده بلزوم الصادقين.."ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"..بينما لو كان محل الصدق ليس ملزوماً بالأمر به لأصبح الصدق خيارا مندوباً وليس واجبا، وحينها يدور الإنسان في فلك التفسير والإسقاط بينما القضية لديه بداهة، أن الصدق والكذب يتضادان في العمل والنتائج.

انقطع حبل أفكاري فجأة برنين الهاتف وإذ بالوالد يتصل ويطلب مني طلباً لا يحتمل التأجيل



توقيع : فارس اللواء
من مواضيع : فارس اللواء 0 رسالة في التفكير
0 المُحادّة لله وظاهرة التطرف
0 لا فضائل للشام ولا لأهلها كما نسبوا للرسول
0 درس من حديث خلق التربة
0 صلاة التراويح بدعة أم سُنّة؟

الصورة الرمزية فارس اللواء
فارس اللواء
عضو برونزي
رقم العضوية : 54354
الإنتساب : Aug 2010
المشاركات : 254
بمعدل : 0.05 يوميا

فارس اللواء غير متصل

 عرض البوم صور فارس اللواء

  مشاركة رقم : 23  
كاتب الموضوع : فارس اللواء المنتدى : المنتدى العام
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-10-2012 الساعة : 02:03 AM


فلسفة الأخلاق(لوحة العفو)

انتهت الأجازة في القرية بعد أن استمتعت بيومين من أحلى أيام التأمّل، رجعت إلى مدينتي وبدأت في تهيئة نفسي لقبول واقع جديد ومختلف..وفي يومٍ اشتكت لى زوجتي من المُدرسة التي تُدرس لإبني الأكبر في السنة الدراسية الأولى من المرحلة الأساسية، وقالت أنها ضربته ضرباً مبرحاً وأن الطفل جاء يبكي بعد انتهاء فترة المدرسة..قلت في نفسي هذا تصرف خاطئ بكل تأكيد..ولكن لابد من استماع وُجهة النظر الأخرى لعل هناك شيئاً ما فالصورة لدي من وجه واحد، ولكي تكتمل لابد من رؤية الوجه الآخر.

ذهبت إلى المدرسة وتقابلت مع المُدرسة وتساءلت عن حقيقة ما حدث..قالت أن المُدرسين والمدرسات يتعرضون لضغوط شديدة فوق طاقتهم، وأن التدريس لأطفال السنة الدراسية الأولى من أصعب ما يكون، فهم يعلمون أنهم في عداد الأب الثاني والأم الثانية ولا سبيل لهم للتواصل مع الأطفال إلا أسلوبهم، ورغم ذلك فالطفل قد لا يفهم أساليب المدرسين والمدرسات لاعتياده على طريقة والديه أو مربيه....تفاءلت كثيراً بعد سماع هذه الرؤية وقلت أنني أقف أمام عقلية جيدة، فطرحها لمبرراتها كان ممتازاً...ولكن ظلت لدي إشكالية الضرب "المبرح" وناقشتها مطالباً بالصبر والعفو أملاً في غرس الثقة في أنفس الأطفال بدلاً من هدمها في لحظات من الغضب...وأنني لن أتشدد لإبني لو كان مخطئاً، ومع ذلك أريد طريقة عقاب أخرى غير الضرب.

انتهى الحوار بتفهم المُدرسة ووصلنا لنتيجة جيدة أعلم أنها لن تطبقها مع طفلي خاصة بل مع كافة الأطفال -في الفصل ... وفي اليوم التالي ذهبت للعمل وإذ بصديقي "غانم" نجتمع أنا وهو في مكانٍ عمل واحد، وفي فرصة جيدة للحوار حدث أن توقفنا عن العمل وقيل أنه سيكون لمدة نصف ساعة على الأكثر..قلت لابد من عرض المسألة على غانم لاستشارته في ما حدث.. ثم دار هذا الحوار:
قلت: ياغانم لو تعرض طفلك للضرب في المدرسة ماذا ستفعل؟..هل ستعفو أما تزجر؟..وإذا عفوت ما البديل؟..وإذا زجرت هل هو عدم تفهم لمعنى العفو بأن ترضاه على نفسك وتكرهه لغيرك أم ماذا؟

غانم:لن أبحث في السبب ولن أعترف بأي مبرر لضرب الطفل، فالتعليم إن لم يكن بالترغيب فهو تعليم سئ..وليس معنى أنني أرفض العفو أن أكرهه للمُدرسة فهي تتعامل مع عقل صغير لا يفكر بل أنا أتعامل مع عقل كبير يفكر ويعي..فلا محل للقياس.

قلت: فإذا كان الفاعل امرأة ولا تعلم عاقبة أمرها -أو تعلم ولكن ضعفت أمام الحدث، وإذا كان رجلاً هل يستويان مثلا، وإذا استويا في التقدير هل يستويان في العقوبة؟

غانم: لا طبعاً هناك فارق..فأصالة العقل عند الرجل أبدى وهي المؤثر، أما عند المرأة فالأصالة لديها في الروح والعاطفة، فلن يستويا لا في التقدير ولا في العقوبة..وإذا كان الفعل عن جهل بالنتائج فليس عُذرا لأنني أتعامل مع عقل كبير، وإذا كان من عُذر يكن به العفو فبعد رضائي والتعهد بعدم التكرار.

قلت:أرى أن خُلق العفو من التسامح وهما ينشآن لدى الفرد من منطق قوة على النفس والغير، فماذا إذا لم يكن لديك هذا المنطق؟

غانم: لن يكن عفواً بل سيكون أشياء أخرى كالطلب أو الرجاء أو التوسل..والمنطق موجود كوني ولي الأمر وصاحب الحق.

قلت: فلنفرض أننا اختلفنا وقمنا الآن بضرب بعضنا البعض..من منا هو صاحب الحق كي يكون له منطق القوة؟

غانم: ياسامح قلت لك لا محل هنا للقياس، فنحن كبار نفهم ونُدرك.. أما هذا فاعتداء واضح على طفل لا يفهم ولا يُدرك.

قلت: لا أقصد ما وصل إليه ذهنك بل أقصد أنه لو توهم الحق لديك في مسألة لا منطق للقوة فيها، هل ستعفو أم لا؟

غانم: جائز أن يحدث هذا التوهم بالفعل وحينها سيَعدُم منطق القوة..لكن يجوز أن أنكر ذاتي للعفو -عن ما أراه حقاً لي- ولكن لابد من استشعار الحالة النفسية حين حدوث الفعل فلربما كان العقل متأخراً حينها تحل النزعة مكان العاطفة.

قلت: إذاً أنت تُقر بالعفو عن من ضرب إبنك.

غانم: كيف؟!!

قلت: إن الميل لاستشعار الحالة النفسية واعتبارها مبرراً للخطأ بدلالة تأخر العقل عن النزعة هو عين العفو عن المعلم، حيث ما أيقنت به مبرراً هو بعينه ما يجده المُعلم أو المُعلمة مبرراً لضرب إبنك، أما ما تقول به بانتفاء محل القياس فيدحضه الظرف المحيط بالواقعة ، حيث لم تكن المواجهة مفردة بين طفلك والمُعلم بل كانت مواجهة أطفال جماعية مع نفس المعلم، وهو ما يؤخر العقل لديه -ليس دائماً-بضغوط نفسية من صعوبة تعليم الأطفال في تلك المرحلة العُمرية،ولكن بحدوثه تبقى فرضية كونه استثناء وحينها يجب التحقق لا كما تقول باستحالة العُذر.

غانم: كلامك جميل..ولكن هل كنت تتوقع طرحي للمبرر الذي بنيت عليه ردك؟

قلت: نعم كنت أتوقعه فبطرح منطق القوة وتلاشي ظهور الحق يبرز المبرر كقاعدة عُذر لتجميل التقصير الحادث في حق النفس والغير.

غانم: ولكن هل يخطئ الإنسان في تفسير شعوره لهذه الدرجة؟

قلت: قد يخطئ فيما لو كان مدلول القضية لديه مُبهماً..أي لو اختلف السائق والراكب حول مقدار الأجرة اللازمة للسفر، ولم يعذر كليهما الآخر ولم يعفو وأصرا على موقفيهما..بينما كان مدلول القضية يستوجب الاتفاق لسد الذريعة، فكان المبادر هو صاحب الخطأ الأكبر لأنه لم يُعلن عن القيمة ابتداء..فالسائق هو أنت أما الراكب فهو المعلم ، ولو اتفقتم على نظام معين في التربية قبيل الواقعة لكان حدوث خلافه يستدعي موقفك، أما وكان الاتفاق معدوم فشعورك هنا يكون من منطق "الحق الشخصي" لا من منطق "الحق العام"..وحينها لن تفهم معنى العفو لأنك ستعتقده تنازلاً.

وقبل أن يُكمل غانم رده جاء إلينا الأمر بالعمل فقد انتهى الوقت.


توقيع : فارس اللواء
من مواضيع : فارس اللواء 0 رسالة في التفكير
0 المُحادّة لله وظاهرة التطرف
0 لا فضائل للشام ولا لأهلها كما نسبوا للرسول
0 درس من حديث خلق التربة
0 صلاة التراويح بدعة أم سُنّة؟

الصورة الرمزية بحب الله نحيا
بحب الله نحيا
شيعي حسني
رقم العضوية : 32963
الإنتساب : Mar 2009
المشاركات : 5,036
بمعدل : 0.89 يوميا

بحب الله نحيا غير متصل

 عرض البوم صور بحب الله نحيا

  مشاركة رقم : 24  
كاتب الموضوع : فارس اللواء المنتدى : المنتدى العام
افتراضي
قديم بتاريخ : 22-10-2012 الساعة : 12:35 AM


أحسنتم أخي
بارك الله بكم ’’

توقيع : بحب الله نحيا


أنا ما أملــك وجـــودي

كــل وجـودي بين إيديــك

[ يا حُســـيــن ]
من مواضيع : بحب الله نحيا 0 [ يوسفيات ]
0 في المصطلح : الإسلام المقاوم بديلاً عن الإسلام السياسي
0 شبهة
0 أحتاج إلى برنامج فك الحاجب " لطفا"
0 بعض الأوجـاع ’’
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 03:15 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية