قد يكون مركز التشيع في النجف الأشرف تأريخياً و تراثياً و عمقاً حضارياً ,, لكن للواقع اليوم أبجدياته و معادلاته فالعراق برمته بمركز تشيعه بإرثه الحضاري و المدني العملاق لم يعد إلا مركزاً للفوضى و التخلف و التأخر عن ركب الأمم ..
و أما قيادة الأمة الشيعية اليوم فمن الغرائب أن ندعي هذا الأمر في أية بقعة من بقاع العراق ,, لأن قيادة الأمة يا سيدي تعني التأثير الفاعل بها و توجيهها و بنائها و صيانة معتقداتها و إنجازاتها و دفاعاتها ,, و هو أمر لا يمكن للعواطف أن تأخذ فيه أي دور يذكر ,,
فالذين يقودون التشيع اليوم ليجعلوا منه قوة عملاقة تعدل موازين القوى الإقليمية و العالمية يبعدون عن مركز مدينة النجف الأشرف بمئات الكيلو مترات و يحركون عجلة البناء الشيعي من طهران و قم و من جبل عامل وما نحن في العراق جماهيراً و قيادات دينية و سياسية إلا أناس منفعلون لا فاعلين متأثرون لا مؤثرين يتخطفنا العدو من كل جانب يكتب لنا قوانين بلادنا التي تحكم النجف وكربلاء و بغداد و الانبار خليط من المؤمنين الفاشلين و الكفار بقيم الدين و البعثيين المتسترين بأستار المدنية و العلمانية ..
فارق كبير بين أن يظهر بين أوساط الأمة مراجع كبار لهم تقديرهم و احترامهم و قدسيتهم يوجهون الامة نحو موارد الحلال و الحرام في ما يتعلق بموارد الفقه الفردي و بين أن يظهر فيها قادة يؤثرون بمسارات حياتها و يوجهونها وفق مشاريع تغييرية بنائية مصيرية ..
و لا أتصور أن أتباع المرجعيات العليا في العراق اليوم يقبلون أن يكون الوضع في العراق و حال شيعته هو نتاج قيادة المرجعية الدينية فيه إذ يعلم كل منصف أن المرجعية في العراق اليوم لا تتصدى لقيادة الجماهير و ليس لديها أي مشروع إجتماعي أو سياسي أو إقتصادي و لا أي تحرك على المستوى الشمولي من حياة الأمة ..
ففي العراق هنالك فارق كبير بين مفهوم القيادة و بين مفهوم المرجعية الدينية الفقهية ..
نعم سيدنا للشيعة اليوم صوت و شخصية و قوة و اقتدار و بناء و هيبة و إنجاز و حضور و مشروع عالمي يجابه العولمة الإستكبارية ,, لكنه مع شديد احترامي لرأيكم لا تقوده مركزية القيادة الشيعية في النجف الأشرف أو كربلاء المقدسة أو البحرين بل تقوده القيادة الشيعية في طهران و قم و ذراعها في البناء و العمل في جنوب لبنان
فلا مبرر لحسد الحاسدين سيدنا الكريم لإنعدام ما يستحق الحسد مع شديد احترامي و تقديري ,, بل قد يكون الحسد متأتياً من نفس الوسط الكلاسيكي للتنافس على المكانات سواء الحالية أو المستقبلية و ليس أكثر من ذلك
و اسمح لي أن أبين لكم أن الثورية في الإسلام ليست هوائية بل عقيدة ولو كانت بميول هوائية لمالت الى الرخاء و الدعة و الأبهة و الركون إلى راحة البال و الجسد ,,
و لم يكن الثوريون في تأريخ الأمة إلا صناع مصير و بناة حضارة و قادة مدنية و لولا قدرتهم على خلق الرؤية الصحيحة لما نجحوا بل لما ساروا في طريق ثورة الاسلام على الباطل ..
و من هوان الدنيا أن يوصف أصحاب الخط الثوري في الأمة بأنهم لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم فياليتكم تبينون للقارئ مدى سعة الرؤية لدى الطرف الآخر بعيداً عن العواطف مرتكزين الى المصاديق و الحقائق لا غير ..