وكلمة " الناصب " أو " النواصب " ترددت كثيرا في كتبهم ولكن قليل من يعرف المقصود منها . ولأهمية هذه الكلمة في رسالتنا هذه حيث لا يمكن أن نفهم موقف الشيعة منا دون الوقوف على معنى " النواصب ".
النوصب متعارف عند أهل السنة بأنها تعني : الذين يبغضون عليا رضوان الله عليه وأهل بيته ويلعنونهم . لكن هذه الكلمة تعني عند الشيعة : أهل السنة الذين يتولون أبا بكر وعمر وبقية الصحابة 1رضوان الله عليهم أجمعين .
أننا لا نتقول على الشيعة ولا نتهمهم بما هم منه براء وخير سبيل لفهم ذلك التعرف على ذلك المصطلح من كتب الشيعة لا من كتب خصومهم .
وتأكيدا لما سبق نورد بعض أقوال علمائهم المعتمدين في بيان معنى "النوصب" لئلا نتهمهم بعدم الموضوعية وبعدها نعلق عليها بما يناسب المقام .
حسين الدرازي وتحقيق الناصب
يقول في كتابه " المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية " ص145 "وما بعدها :
وأما تحقيق الناصب فقد كثر فيه والقال والقيل واتسع فيه المجال والتعرض للأقوال . وما يرد عليما . وما يثبتها ليس هذا محله بعدما عرفت كفر مطلق المخالف لا فا أدراك بالناصب الذي جاء فيه الآيات والروايات أنه المشك والكافر. بل ما من آية من كتاب الله فيها ذكر المشرك إلا كان هو المراد منها والمعنى بها .
وأما معناه الذي دلت عليه الأخبار فهو ما قدمنا . هو تقديم غير علي عليه السلام على ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السائر نقلا عن كتاب الرجال بالإسناد إلى محمد بن علي بن موسى قال: كتبت إليه - يعنى علي بن محمد عليه السلام : عن الناصب هل يحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت (1) والطاغوت (2) واعتقاد إمامتهما ؟ فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصب .
وما في شرح نهج البلاغة للرواندي عن النبي (ص ) أنه سئل عن الناصب بعده قال: من يقدم على علي يغيره .
وأما تفسيره بمن أظهر العداوة لأهل البيت -كما عليه أكثر علمائنا المتأخرين - فما لم يقهم عليه دليل .
بل في الأخبار ما ينفيه . ففي عقاب الأعمال والعلل وصفات الشيعة بأسانيد إلى عبد الله بن سنان والمعلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ليس الناصب من نصب لنا أهل لأنك لا تجد أحدا يقول : أنا أبغض محمدا وآل محمد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم! أنكم تتولوننا وأنكم من شيعتنا . و ظهروه في نفي ما اعتمدوه واضح .
نعم بما يترائي المخالفة بين هذه الأخبار. وبين خبري السرائر وشرح النهج لأن هذه باشتراط العداوة إلى شيعتهم . والاكتفاء في تينك الروايتين مجرد تقديم الغير عليه عليه السلام . والذي ظهر لنا أنه لا منافاة بينهما لقيام الأدلة من العامة ولخاصة على التلازم بين ذلك التقديم ، ونصب العداوة لشيعهم .
وبالجملة أن من تأول (3) أحوالهم واطلع على بعض صفاتهم وطريقتهم في المعاشرة ظهر له ما قلناه .
فإنكار المكابرة لما اقتضت العادة به . بل أخبارهم عليهم السلام تنادي بأن الناصب هو ما يقال له عندهم سنيا .
ففي حسنة بن أذينة المروية في الكافي والعلل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال ما تروى هذه الناصبة ؟ فقلت : جعلت فداك فيماذا ؟ فقال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم . . ..الحديث .
ولا كلام في أن المراد بالناصبة فيه هم أهل التسنن الذين قالوا : أن الأذان رآه أبي بن كعب في النوم .
فظهر لك أن النزاع والخلاف بين القائلين بهذه المذاهب الثلاثة – أعني مجرد التقديم ونصب العداوة لشيعتهم . كما اعتمد محمد أمين في لفوائد المدنية . ونصب العداوة لهم عليم السلام . كما هو أخيار المشهور خلاف لفضي لما عرفت من التلازم بينهما .
وقد صرح بهذا جماعة من المتأخرين منهم : السيد المحقق السيد نور الدين أبي الحسين الموسوي في الفوائد المكية . وأختاره شيخنا المنصف العلامة الشيخ يوسف في الشهاب الثاقب . وهو المنقول عن الخواجة نصير الدين (4) وكفاك شاهدا على قوته التئام الأخبار به وشهادة العادة كما يظهر من أحوالهم .
وحيث أن هذا المقام ليس مقام تحقيق معناه .وإنما ذكرناه استطرادا اقتصرنا على ما ذكر في التحقيق . وإلا فالبحث واسع المجال..ا. ه
أبو الحسن العاملي وتحقيق معنى الناصب
قال في مقدمة تفسيره " مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار " ص 308 باب " النون من البطون والتأويلات " (5) .
الناصبة: في الصحاح نصبت الشيء أن أقمته ، ونصب لفلان أي عاداه وقد ورد في سورة الغاشية قوله تعالى (( عاملة ناصبة )) وسنذكر إن شاء الله هناك ما يدل على تأويل الناصبة بأعداء علي عليه السلام وكذلك من عاده وبمن نصب غيره من ولاة الأمر فعلى هذا كله أعداء الأئمة ناصبة بالمعنيين وهو ظاهر.
وكذلك الحق أن كل من نصب غير الأئمة فهو في الحقيقة ممن نصب العداوة للأئمة وناصبة بالمعنيين أيضا وأن أدعى المحبة لهم إدعاء .
وقد روى الشيخ في أماليه بسند صحيح عن صالح بن ميثم التمار عن أبيه رضي الله عنه : أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في آخر حديث له طويل: لم يحبنا من يحب مبغضنا أن ذلك لا يجتمع في قل واحد ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه يحب بهذا قوما ويحب الآخر عدوهم . إلى أن قال عليه السلام: فليمتحن قلبه فإن وجد فيه حب من ألب علينا فليعلم أن الله عدوه وجبريل وميكائيل والله عدو الكافرين .
وفي الفقيه بسند لا يقصر عن الصحيح أن إسماعيل بن جابر قال لأبي جعفر عليه السلام: رجل يحب أيمر المؤمنين عليه السلام ولا يتبرء من عدوه ويقول هو أحب إليّ ممن خالفه قال: هذا مخلط وهو عدو .
وفي العلل ومعاني الأخبار عن معلى بن خنيس عن الصادق (ع) قال: ليس الناصب من نصب لها أهل البيت لأنك لا تجد رجلا يقول: أنا أبغض محمدا وآل محمد ولكن الناصب لكم وهو يعلم أنكم تتولونا وأنكم من شيعتنا .
ويؤيد قول الباقر(ع): من نصب لك أنت أنت لا ينصب لك إلا على هذا الدين كما كان ينصب للنبي 000 الحديث .
وقد نقل في مستطرفات السرائر من مكاتبات محمد بن علي بن عيسى أبا الحسن الثالث (ع) قال: كتبت إليه أسأله عن الناصب هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديم الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما ؟ فرجع الجواب: من كان على هذا فهو ناصب ..ا ه
= أبي الحسن الشريف الذي يعبر عنه في الجواهر بجدي العلامة لا لعبد اللطيف الكازراني الذي لم يتولد بعد، إلى الله المشتكى وهي المستعان . انتهى .
واعترف أنن في الطبعة الأولى من كتابي " الشيعة وتحريف القرآن " نسبت هذه المقدمة إلى الكازراني بدلا من العاملي اعتمادا على كتاب الشيخ الذهبي رحمه الله تعالى " التفسير والمفسرون " ضمن الفضل الثاني من الكتاب " علماء الشيعة وتحريف القرآن ط ولكن في الطبعات الثانية والثالثة والرابعة من الكتاب أثبت بأنها من تأليف العاملي لا الكازراني لذا وجب التنبيه والله يهدي إلى سواء السبيل .
نعمة الله الجزائري وتعريف الناصب
قال في كتابه " الأنوار النعمانية " 2/206-207 :
وأما الناصبي وأحواله وأحكامه فهو مما يتم ببيان أمرين : الأول في بيان معنى الناصب الذي ورد في الأخبار أنه نجس وأنه شر من اليهودي والنصراني والمجوسي وأنه كافر نجس بإجماع علماء الإمامية رضوان الله عليهم .
فالذي ذهب إليه أكثر الأصحاب هو أن المراد به: من نصب العداوة لآل بيت محمد صلى لله عليه وآله وسلم وتظاهر ببغضهم كما هو الموجود في الخوارج وبعض ما وراء النهر ورتبوا الأحكام في باب الطهارة والنجاسة والكفر والإيمان وجواز النكاح وعدمه على الناصبي بهذا المعنى .
وقد تفطن شيخنا الشهيد الثاني قدس الله روحه من الإطلاع على غرائب الأخبار فذهب إلى أن الناصبي : هو الذي نصب العداوة لشيعة أهل البيت عليهم السلام وتظاهر بالوقوع فيهم .
كما هو حال أكثر مخالفينا في هذا الأعصار في كل الأمصار. وعلى هذا فلا يخرج من النصب سوى المستضعفين منهم والمقلدين والبلة والنساء ونحو ذلك وهذا المعنى هو الأولى .
ويدل عليه ما رواه الصدوق في كتاب " علل الشرائع " بإسناد معتبر عن الصادق عليه السلام قال :
ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت، لأنك لا تجد رجلا يقول: أنا أبغض محمدا وآل محمد، ولكن الناصب من نصب كلم وهو يعلم أنكم تتولونا وأنكم من شيعتنا. وفي معناه أخبار كثيرة .
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
أن من علامة النواصب تقديم غير علي عليه .
وهذه خاصة شاملة لا خاصة ويمكن أجاعها أيضا إلى الأول بأن يكون المراد تقديم غيره عليه على وجه الاعتقاد والجزم ، وليخرج المقلدون والستضعفون، فإن تقديمهم غيره لعيه إنما نشأ من تقليد علمائهم وآبائهم وأسلافهم. وإلا فليس لهم إلى الإطلاع والجزم بهذا سبيل .
ويؤيد هذا المعنى أن الأئمة عليهم السلام وخواصهم أطلقوا لفظ الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله. مع أن أبا حنيفة لم يكن ممن نصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام بل كان له انقطاع إليهم . وكان يظهر لهم التودد، نعم كان يخالف آرائهم ويقول : قال علي وأنا أقول : ومن هذا يقول قول السيد المرتضى ,اين إدريس قدس الله روحهما وبعض مشايخنا المعاصرين بنجاسة المخالفين كلهم. نظرا لإطلاق الكفر والشرك عليهم في كتاب والسنة فيتناولهم هذا اللفظ حيث يطلق ، ولأنك قد تحققت أن أكثرهم نواصب بهذا المعنى 000 ا ه .
فالنواصب عند الشيعة هم أهل السنة وقد نص على ذلك صراحة حسين الدرازي
وأيضا من قدّم على علي رضي الله عنه غيره أي يمعنى كل من فضّل الخلفاء الثلاثة الراشدين : أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم واعتقد إمامتهم وتفضيلهم عليه .
وكل من رزقه الله تعالى وأنعم عليه بحبهم فهو ناصب عند الشيعة الذين أخذوا لعن خيار رجالات الإسلام دينا لا يصبح الشيعي شيعيا إلا بذلك .
وعليه فإن كلمة " الناصب " النواصب" تشمل كافة أهل السنة فينبغي قراءة كلام علماء الشيعة حول مفهوم معنى الناصب عند الشيعة لأن ذلك مفتاح التعرف على حقيقة موقفهم تجاهنا ولهذا التعريف أهمية كبيرة فأرجو استيعاب هذا المعنى .