رابعاً / السعي بين الصفا والمروة
العمل الرابع من أعمال عمرة التمتع السعي بين الصفا والمروة بعد الفراغ من صلاة الطواف والكلام يكون في معنى السعي وأحكامه
معنى السعي
أما معنى السعي فهو عبارة عن التردد بالمشي ونحوه بين جبلي الصفا والمروة وهما جبلان الى جانب المسجد الحرام والمسافة بينهما تسمى بالمسعى لأن السعي يكون فيها ، وهذا التردد يكون على سبعة أشواط بين الجبلين ذهاباً وإياباً يبدأ من الصفا الى المروة ويعتبر ذلك شوطاً ثم من المروة الى الصفا ويعتبر ذلك شوطاً ثانياً ثم من الصفا الى المروة شوطاً ثالثاً وهكذا حتى ينتهي بالمروة في الشوط السابع ، فالذهاب شوط والإياب شوط آخر ويخطأ بعض المعتمرين بأن يجعلوا الذهاب والإياب شوطاً واحداً فيأتوا بأربعة عشر شوطاً وهذا خطأ وإن لم يبطل به السعي الا مع العلم والعمد كما سيتضح إن شاء الله تعالى .
واجبات السعي
وأما واجبات السعي فهي :
1. يعتبر فيه النية وقصد القربة والإخلاص ويكفي في النية أن يقول ( أسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط لعمرة التمتع لحج التمتع حجة الإسلام قربة الى الله تعالى ) وكما قلنا سابقاً لا يعتبر التلفظ بالنية وإنما هو مستحب ، كما لا تعتبر صيغة خاصة للتلفظ بها فيكفي أي كل ما يدل على إرادة الإتيان بالفعل وهو سعي عمرة التمتع من حجة الإسلام مع القربة الى الله تعالى ، ولو كان الحج نيابياً ذكر اسم المنوب عنه فيقول نيابة عن فلان .
2. السعي سبعة أشواط بلا زيادة او نقصان ولا بد من الابتداء من الصفا والانتهاء عند المروة ، فإن زاد على السبعة أشواط بطل السعي إن كان ذلك عن علم وعمد أما إذا زاد من باب الخطأ في الحساب او جهلاً منه بأن السعي سبعة أشواط لم يبطل السعي بالزيادة .
هذا بالنسبة الى الزيادة أما لو أنقص من سعيه شيئاً كشوط واحد فإن رجع وأتي بالناقص قبل فوات الموالاة صح سعيه ولا شيء عليه ، وإن فاتت الموالاة فإن كان النقصان عمداً أعاد السعي من جديد وإن كان نسياناً فهنا رأيان :
الرأي الأول / صح السعي وأتى بالناقص فقط أياً كان مقداره أي سواء كان شوطاً او أكثر وهذا الرأي للسيد السيستاني .
الرأي الثاني / إذا كان النسيان بعد الشوط الرابع صح سعيه ويأتي بالناقص متى ذكره وإن كان النقصان قبل إتمام الشوط الرابع فالأحوط وجوباً أن يأتي بسعي كامل بقصد الأعم من التمام والإتمام (1) . وبعبارة أخرى إن كان المنسي شوطاً او اثنين او ثلاثة صح السعي ويأتي بالمنسي فقط وإن كان أكثر من ثلاثة عمل بالاحتياط المذكور وهذا الرأي للسيد الخوئي والسيد الصدر والشيخ الفياض .
3. يجب استيعاب المسافة بين الجبلين فيبدأ من الجبل وينهي الشوط عند الجبل الآخر ولا يشترط الصعود عليهما بل يكفي الوصول الى سفحهما فلو بدأ من أول جزء من الجبل وانتهى عند أول جزء من الجبل الآخر صح وتم الشوط والأفضل الصعود قليلاً .
4. يجب استقبال الجبلين عند الذهاب والإياب بأن يستقبل المروة عند الذهاب ويستقبل الصفا عند الإياب ، ولا يجوز السعي مستدبراً الجبل الذي يقصده والمشي الى الخلف او الى أحد الجانبين ولا يجب التدقيق في ذلك بل يكفي الاستقبال المتعارف وأن يمشي ومقاديم بدنه الى الأمام ولا يضر الالتفات بالوجه الى الخلف كما لا مانع من ترك الاستقبال حال التوقف كما إذا توقف والتفت الى الخلف بقصد تفقّد أصحابه ثم يستقبل ويكمل السعي .
5. لا تشترط الطهارة من الحدث في السعي فيجوز السعي وان لم يكن متوضأ او مغتسلاً ، فلو فقد الطهارة وانتقض وضوئه بعد صلاة الطواف لم يجب عليه التجديد للسعي وإن كان مستحباً . كما لا تشترط الطهارة من الخبث أي النجاسات فيجوز السعي مع وجود النجاسة في الثوب والبدن .
6. السعي هو العمل الرابع وتقدم وجوب مراعاة الترتيب بين أعمال العمرة لذا لا يجوز تقديم السعي على الطواف او على صلاته بل يجب أن يكون بعد الفراغ منهما فمن تعمد الإخلال بالترتيب بطل سعيه ووجبت إعادته بعد الفراغ من الطواف وصلاته سواء كان عالماً او جاهلاً ، أما اذا وقع ذلك نسياناً أي نسي الطواف او صلاة الطواف وقدّم السعي عليهما فهل الحكم كذلك فيبطل السعي وتجب إعادته على الترتيب ؟
الجواب / نعم بالنسبة الى الطواف ولا بالنسبة الى الصلاة ، فلو نسي الطواف وقدم السعي عليه ثم تذكر وجبت إعادة السعي بعد الإتيان بالطواف ، أما اذا طاف ونسي صلاة الطواف وسعى ثم تذكر أنه لم يصلِّ لم تجب إعادة السعي وقد تقدم أنه إن تذكر أنه لم يصل أثناء السعي قطعه وصلى ثم أكمله من حيث قطعه ، وإن تذكرها بعدما فرغ من السعي صلاها من دون إعادة السعي ( لاحظ النقطة الرابعة من أحكام صلاة الطواف ) .
وهذا الرأي بالتفرقة بين الطواف وصلاته فيعيد السعي إن قدمه على الطواف نسياناً ولا يعيد إن قدمه على صلاة الطواف نسياناً هو الرأي المعروف في قبال رأي آخر للسيد الصدر والشيخ الفياض بعدم التفريق بين الطواف وصلاته في عدم وجوب إعادة السعي فسواء نسي الطواف وسعى او نسي صلاة الطواف وسعى فعلى كلا التقديرين يأتي بالطواف والصلاة المنسيين ولا يعيد السعي الا على نحو الاحتياط الاستحبابي .
7. لا تجب الموالاة بين صلاة الطواف والسعي فيجوز تأخير السعي ولو لساعات فلو أتم الطواف وصلاته أول النهار جاز تأخير السعي الى آخر النهار او الى الليل ولكن لا يؤخره الى اليوم الثاني فإذا أخره الى اليوم الثاني وجب عليه إعادة الطواف وصلاته ثم يأتي بالسعي الا أن يكون التأخير اضطراراً فلا تجب إعادتهما .
8. تجب الموالاة بين أشواط السعي بأن يأتي بها متوالية من دون فاصل طويل ، نعم يجوز الجلوس دقائق قليلة للاستراحة سواء على أحد الجبلين او في الطريق بينهما بشرط عدم فوات الموالاة .
9. حيث أن أشواط السعي سبعة بلا زيادة ولا نقصان لذا يجب ضبط عدد الأشواط ومراعاة حسابها بأي وسيلة توجب الاطمئنان بعدد الأشواط ، ومن وسائل ضبط عدد الأشواط قراءة أدعية كل شوط ، فإن لكل شوط من أشواط السعي دعاء خاصاً كما هو الحال في الطواف وقراءتها وإن كانت مستحبة الا أنها تنفع في ضبط عدد الأشواط .
وهل يجوز أن يعتمد على حساب غيره وضبطه ؟ نعم يجوز بشرط أن يحصل الاطمئنان الى حساب ذلك الغير وضبطه .
10. إذا شك في عدد أشواط السعي كما إذا شك أنه أتى بستة أشواط او سبعة ونحو ذلك فإن كان أثناء السعي بطل سعيه فأي شك في عدد أشواط السعي قبل الفراغ منه مبطل له كما هو الحال في الطواف ، وإن كان الشك بعد الفراغ من السعي فليس عليه شيء كما إذا شك أثناء التقصير او بعده أنه أتى بخمسة أشواط او سبعة كما إذا كان قريباً من المروة وشك هل أتم السابع أو الخامس ؟ لم يعتنِ بشكه ويبني على الصحة .
كما أن من شك في صحة سعيه بعدما فرغ منه لم يعتنِ بشكه ويبني على الصحة أيضاً ، كما إذا شك أنه راعى الموالاة او لا ، استقبل الجبلين او لا ، استوعب المسافة بين الجبلين او لا الى غير ذلك من الشكوك فكلها لا عبرة بها إن وقعت بعد الفراغ من السعي ، نعم من تيقن وجود الخلل في سعيه وجب عليه التدارك .
11. يشترط في السعي المباشرة بمعنى أن يسعى بنفسه ، فإن لم يتمكن من السعي بنفسه استعان بغيره ليعينه على السعي ولو بمثل العربة ، فإن لم يتمكن من ذلك أيضاً استناب غيره ليسعى عنه .
فلامتثال السعي ثلاث مراحل كما في الطواف : الأولى / أن يسعى بنفسه ، الثانية / أن يُسعى به أي أن يستعين بغيره ليعينه ولو بأن يدفعه بعربة ، الثالثة / أن يُسعى عنه أي يستنيب شخصاً يسعى عوضاً عنه . وهي مراحل مترتبة فلا يجوز الانتقال الى اللاحقة الا مع تعذر السابقة فلا يجوز أن يُسعى به الا بعد العجز عن السعي بنفسه ، كما لا يجوز أن يُسعى عنه الا بعد تعذر السعي به .
12. يجوز قطع السعي سواء لحاجة او لا وهل يبطل السعي بذلك ام يجوز تكميله بعد الرجوع ؟
الجواب / مع عدم فوات الموالاة فلا إشكال في صحة السعي ويكتفي بإكماله ، وأما مع فوات الموالاة فهنا صورتان :
الصورة الأولى / أن يقطعه لأجل إدراك وقت فضيلة الفريضة او لإدراك جماعة الصلاة وهنا لا خلاف في عدم بطلان السعي بذلك ويكتفي بإكماله بعد الصلاة . وتقدم أيضاً حكم ما أذا تذكر أنه لم يصلِّ صلاة الطواف أثناء السعي فإنه يقطعه ويأتي بالصلاة خلف مقام إبراهيم ثم يرجع يكمل السعي ولا يبطل بذلك .
الصورة الثانية / أن يكون قطْعُه لغير ذلك سواء لحاجة او اعتباطاً وقد فاتت الموالاة فالأحوط وجوباً إعادة السعي .
13. اذا قطع الطواف للاستراحة او لشرب الماء كما يحصل كثيراً أن يقصد الساعون الشرب من ماء زمزم الموضوع في المسعى ويتركون السعي ، فإن فاتت الموالاة بهذا القطع كما لو طالت مدة استراحته او تأخر في شرب الماء خاصة مع الزحام عليه فالأحوط وجوباً بطلان السعي والإعادة ، وإن لم تفت الموالاة صح السعي ، لكن يجب إكمال السعي من موضع القطع مباشرة لا قبله ولا بعده ، فينبغي للساعي قبل قطع الطواف أن يعيّن مكان القطع ويختار مكاناً مميزاً لقطع السعي حتى يسهل الرجوع اليه وإكمال السعي منه ، فإن اشتبه عليه المكان ولم يعلم في أي موضع قطع السعي أمكنه التخلص من ذلك بأن يرجع الى نقطة يجزم بأنها قبل موضع القطع ويبدأ منها قاصداً إكمال السعي من موضع القطع الواقعي الثابت في علم الله تعالى .
14. هل يجوز السعي في الطابق العلوي او في القبو ؟ فيه خلاف بين العلماء فمنهم من أجازه كالشيخ الفياض ومنهم من علقه على إحراز صدق السعي بين الجبلين كالسيد السيستاني ، ومن الفقهاء من أجاز السعي في القبو ومنع منه في الطوابق العلوية .
15. يستحب بعد الفراغ من صلاة الطواف وقبل التوجه للسعي الشرب من ماء زمزم وأن يقول ( اللهم اجعله علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كل داءٍ وسُقْم ) ثم يتوجه الى المسعى للسعي .
.
___________________________
(1) تقدم معنى هذه العبارة في أحكام الطواف وباختصار المقصود أن يأتي بسعي كامل سبعة أشواط بقصد ما في ذمته سواء كان ما في ذمته التمام أي سعي جديد تام او الإتمام أي إكمال السعي الناقص فلا يقصد أحدهما تحديداً لاحتمال أن تكليفه هو الآخر الذي لم يقصده .