|
مــوقوف
|
رقم العضوية : 72873
|
الإنتساب : Jun 2012
|
المشاركات : 57
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
القناص الاول
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 05-07-2012 الساعة : 01:57 AM
ما هي الفطرة :
الـفـطـرة هنا هي الإسلام ، فكل مولود يولد مسلماً كما جاء في الصحـيح من رواية الأعمش (على الـمـلة)(1) ، وكما ثبت في صحيح مسلم عن عياض بن حمار عن النبي -صلى اللـه عليه وسلم- فـيـمـا يـرويـه عـن ربه أنه قال : (خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل سلطاناً...) ، وفي رواية : (حنفاء مسلمين )، والحنيف في لغة العرب المستقيم المخلص.
وكـذلك حديـث "خمس على الفطرة.." "أي فطرة الإسلام ، وقوله سبحانه : ((الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)) فـهـذا يـعـم جمـيـع الـنـاس كما أن إضافة الفطرة إليه سبحانه هي إضافة تشريف ومدح كقوله : ناقة الله ، أو قــول الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن خالد ابن الوليد (سيف الله) والذي يمدح هو الإسلام.
ومن معاني الفطرة ذلك الإقرار بالرب نتيجة الميثاق الذي أخذه من ذرية آدم. قال تعالى : ((وإذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)) [الأعراف:172].
فهـذا يعني أن الخلق مجبولون على المعرفة بالله، فـهـو شـيء يجـدونـه فـي أنفـسـهـم لا يستـطـيعون له دفعاً ، وإذا أصابتهم ضراء ، دعوا الله ورفعوا إليه أكفهم. فمن أين جاءهم هذا الـتـوجـه إلـى الخالق وأنه هو الذي يستطيع رفع الضر ، إنها الفطرة المركوزة فيهم ،
ولولا أن في النفس قابلية لمعرفة الله ومحبته والذل له لما استطاع التعليم والتذكير أن يؤثر فيها ، فقوة المحبة لا تأتي من الخارج ، وإنما هي شيء في الداخل.
ولما دعا الرسل أقوامهم إلى عبادة الله دعوهم إلى من يعرفونه ولم ينكر دعوتهم أحد ويقول : وما رب العالـمـين؟ وأما إنكار فرعون فهو إنكار العارف كما قال تعالى : ((وجَحَدُوا بِهَا واسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسـُـهُـمْ ظُـلْـمـاً وعُلُواً)) [النمل:14] وكما قال له موسى عليه السلام : ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ بَصَائِرَ)) [الإسراء:102].
ويرشدنا الرسول -صلى الله علـيـه وسلـم- إلى أن تغيير هذه الفطرة يقع بتأثير الوالدين أو تأثير البيئة. ولذلك شبه المولود بالبهيمة الجمعاء التي تولد سليمة مجتمعة الخلق لا تغيير فيها ولا تشويه ، ولكن الناس يغيرون خلقها بعدئذ فيشقون آذانها أو غير ذلك ، فالفطرة لو تركت دون تأثير خارجي ، سواء من الوالدين أو غيرهم ، وأزيحـت عنها الـعـوائق من الشبهات والشهوات فهي مقتضية بذاتها لدين الإسلام.
قال ابن عبد البر : وقد سئل ابن شهاب عن رجل عليه رقبة مؤمنة أيجزئ الصـبـي عـنه أن يعتقه وهو رضيع؟ قال : نعم لأنه ولد على الفطرة. وقول الإمـام أحـمـد في سـبـي أهـل الحرب أنهم مسلمون إذا كانوا صغاراً وسبوا ولم يكن معهم الأبوين.
وليس معنى أنه يولد مسلماً أنـه يـعلـم الصلاة والـصـيام وأمـور الإسلام ، بل هذه يتعلمها بعدئذ ، قال تعالى : ((واللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً)) [النحل:78] ، ولكن مـعـنـاه أنه لـو تـرك عن الـتـأثـيـر لكان مـسلـماً واتجه إلى الله، ثم يأت دور التعليم والإرشاد وإقامة الحجة ، وإقامة الـعـذر ببعـثـة الرسل التي تكمل الفطرة ، فلابد من نور النبوة مع الفطرة السليمة. كما أن الفطر تختلف فبعضها يحتاج إلى تـعلـيم أكثر وتحضيض وتذكير ، ولكن القابلية موجودة.
الكفر طارئ :
إذا كانت الفطرة تقتضي الإسلام ، فهذا يعني طروء الكفر وأنه ليس هـو الأصل في النفس البشرية ، وقوله تعالى : ((لا تَبْدِيلَ لِخَلْق ِاللهِ)) أي لا تبديل لدين الله. وهو معنى ((كان كَانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ومُنذِرِينَ وأَنزَلَ مـَعَـهُـمُ الكِـتـَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ...)) الآية.
أخرج ابن كثير في تفسير هذه الآية قوله قتادة : ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً)) ، قال : كانوا على الهدى جميعاً ثم اختلفوا (2).
وأما ما جاء في سورة الكهف في قصة موسى -عليه السلام- والـرجل الـصالـح الـذي قـتـل الغلام، فلا يعني هذا أن كفر هذا الغلام كان موجوداً حين الولادة، لذلك جاء في الحديث الصحيح : (أن الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافراً ، ولو بلغ لأرهق أبويه طغياناً وكفراً) فقوله : طبع أي طبع في الكتاب ، أى قُدّر وقضي فهو مـولـود على الفطرة السلـيمـة ولكن يتغير بعدئذ فيكفر ، كما أن البهيمـة التي ولـدت جمعاء وقد سـبـق في علمه سبحانه أنها تجدع كتب أنها مجدوعة ، بجدع يحدث لها بعد الولادة.
وقد قتل الصحابة في سرية من السرايا أولاد المـشـركين فأنكر عليهم رسول الله -صلى الله علـيه وسلم- ذلك ، فقالوا : أليسوا أولاد المـشـركـيـن ، فـقـال : ألـيـس خـيـاركـم أولاد المـشـركين؟ ثم قام فيهم خطيباً فقال : »ألا إن كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه« ، فهذا يبين أن الكفر طرأ بعد ذلك.
كـمـا أن قوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث : فـأبـواه يهودانه... فلا يـعـني أن نفس الأبوين خلقا تهوده وتنصره ، بل هو تهود وتنصر باختياره ولكن الأبوين كانا سبـبـاً في ذلك بالتعلم والتلقين والتربية ، وهو بقدر الله أيضاً.
شبهات وردها :
1- قد يقال أن الفطرة هنا معناها السلامة وذلك بأن يكون قلبه صفحة بيضاء قابلاً للإيمان أو قابلاً للكفر ، أو كاللوح الذي يقبل أي كتابة. وهذا القول قـول فـاسـد لأن الذي يـكـون قابلاً للمدح والذم لا يستحق مدحاً كقوله تعالى : ((فِطْرَتَ اللهِ الـَتـِي فَـطـَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)) وكان ينبغي أن يقال : فأبواه يهودانه أو ينصرانه... أو يسلّمانه ، وعلى هـذا الـفرض فلا يكون في القلب سلامة ولا عطب، ولا استقامة ولا زيع، كالورق قبل أن يكتب فيه القرآن ، أو يكتب فيه كفر بالله ، أو كالتراب قبل أن يبني مسجداً أو كنيسة فهذا لا يستحق مدحاً ولا ذماً.
وأهل البدع يقولون : لم يولد أحد على الإسلام ، ولا جـعـل الله أحـداً مـسلماً ولا كافراً ، ولكن الله سبحانه وتعالى أعطاهـمـا قدرة تصلح للإيمان والكفر. فهذا أحدث لـنفـسـه الكفر وهذا أحدث لنفسه الإسلام ، وأن الله لم يخـتـص المـؤمن بتوفـيـق الهداية ، وهذا مخالف للحديث ومخالف لعقيدة أهل السنة.
2- وقد يقال : إن الفطرة السليمة لو تركت لاختارت المعرفة بـدل الإنكار ، والإيمان على الكفر ، كما أن في الجسم السليم قوة يحب بها الأغذية النافـعة ، فـهـذا إن كان يعني أنه لابد من تعلم بواسطة الأدلة ، وأنه إن لم توجد هذه الأدلة فإن الفطرة لا تستطيع الإيمان. فالرد عليه أن الفطرة مُدحت لذاتها وأنها إذا سلمت من الـشـبـهات والشهوات فهي تـقـر بالخلق ، وإن كان مقصوده أن في الفطرة قوة تغلب الدين الحق على غيره ولكنها بحـاجـة إلى التنبيه والتذكير فهذا صحيح مع العلم أن المعرفة وحدها لا تكفي ، بل لابد من عبادة الله بالمحبة له والذل له.
3- عندما نقول أن أولاد الكفار على الفطرة فهذا لا ينافي أن يكونوا تبعاً لآبائهم في أحكام الدنيا ، مثل حضانة آبائهم لهم وتمكين آبائهم من تعليمهم وتأديبهم ، فالرسـول -صـلـى الله عليه وسلم- إنما أراد الإخبار بالحقيقة التي خلقوا عليها ولم يرد به الإخبار بأحكام الدنيا ، فقد يكون في بلاد الكفر من هو مؤمن في الباطن ويكتم إيمانه والمسلـمـون لا يعلمون حاله ، فهو عندهم كافر في ظاهر الأمر فلو فتحوا هذه البلاد جهـاداً في سـبـيـل الله فربما قـتلـوه على أسـاس أنه مـشـرك ، والطفل يولد على الفطرة ، ولكنه لـو أسـر مـع والـديـه الكافرين فسيبقى معهم.
نزعة التدين وأصالتها :
ما إن أطل القرن الثامن عشـر والـتـاسـع عشـر المـيلاديـان حتى امتلأت أوربا غروراً بالعلم المادي الذي اخترعته وانتفش الكفر وعبد هذا الصنم الجديد من دون الله ، وقالوا ان العلم يـنـافـي الـتديـن، واستـثمر الماكرون هذه المقولة لإبعاد الدين عن الحياة، ثم ظهرت بعدئذ الدراسات الاجتماعية وتوسعت وتعمقـت في مـوضوع طبائع الشعوب وعاداتها ، وظهر علم مقارنة الأديان وتبين أن نزعة التدين لا يخلو منها شعب في القديم والحديث ، وعند أشد القبائل وحشية وتأخراً ، وعند أشد الأمم تمدناً ، ورقياً مادياً.
يقول معجم (لاروس للقرن العشرين) : "إن الاهـتـمـام بالمعـنى الإلهـي هو إحدى النزعات العالمية الخالدة للإنسانية ، والغريزة الدينية لا تخـتـفي بل لا تـضـعـف ولا تـذبـل إلا في فترات الإسراف في الحضارة ، وعند عدد قليل جداً من الأفراد ، (3).
ويقول شاشاوان:"مهما يكن تقدمنا العجيب في العصر الحاضر، فإن عقلنا في أوقات السكون والهدوء (عـظـامـاً كنا أو مـتـواضعيـن ، خياراً كنا أو أشراراً) يعود عقلنا الى التأمل في هذه المسائل الأزلية : لم ، وكيف كان وجودنا ووجود هذا العالم؟" (4).
ويقول الشيخ محمد عبد الله دراز -رحمه الله- : (ما هذه إذاً تلك الـقـوة الـتـي لا تزيدها المقاومة إلا عنفاً واشتعالاً أليست هي قوة الفطرة التي تورق وتثمر كلما عاودها الربيع فبلّل ثراها وسقى أصولها؟ بلى! وإن هذا قد تكفي منه قطرة ، وربما يتبلور في نـظـرة ، فما هي إلا طرفة من تأمل الفكر أو لحظة من يقظة الوجدان ، أو أزمة من صدمات العزم فإذا أنت مع عالم الغيب الذي منه خرجت أو في عالم الغيب الذي إليه تصير)(5).
وقد عبّر ديكارت في تأملاته عن هذه الفطرة : "إن مفتاح هذه الـعقيدة (وجود الله) موجود في نفسه ، (في نفس الإنسان) كلما شعر بالفرق بين الشك واليقيـن أو بـيـن الجهل والعلم ، وكلما قرأ في لوحة نقصه عنوان (الكمال) الذي ليس له ، فـالـكمال هو أسـبـق في العقل من فكرة (النقص) فإن من لا يعرف الشيء لا يتفقده ولا يحـس بحرمانه حين يفقده ، إذ كيف أعرف أنني ناقص لو لم تكن عندى فكرة كائن أكمل مـني أجعـلـه مـقـيـاسـاً ، أعـرف بـه مواضع نقصي، فالـرغـبـة في الكمـال وحدها دلـيـل أسبقية وجود هدفها في التصور العقلي وليست هذه الفكرة اختراعاً وفرضاً خيالياً بل هي ضرورة تـفـرض نفسها على عقلي ، فلا بد أن تكون ذات خارجية هي مادة الكمال المطلق ومصدره وهي المثل الأعلى" (6).
دروس في الدعوة :
هذا الحديث النبوي أصل من أصول الدعوة الى الله ، فعندما نخاطب الناس بأن معبودهم هو الله -سبحانه وتعالى- وليس أحداً غيره فإنما نخاطب شيئاً مركوزاً في النفس الإنسانية وإذا أزيح ما علق بها من شوائب الشبهات والشهوات رجعت إلى فطرة سليمة.
والذين يتعبون أنفسهم كثيراً في إثبات وجود الله وأنه هو الخالق لهذا الكون ، ويـثـبـتـون ذلك بالأدلة العلمية أو المنطقية، إلى هؤلاء نقول : هونوا على أنفسكم فليست المشكلة بيننا وبين الناس أنهم ملحدون لا يؤمـنـون بوجود الله بل المشكلة الحقيقية هي أنهم لا يريدون الخضوع بالعبادة لهذا الإله فهم مـتـبعـون لشهوتهم وعاداتهم أو لكـبـريـائـهم وتجبرهم في الأرض أو أن الشبهات التي سمعوها عن الإسلام تبعدهم عن الاستجابة ، والذين يظهرون الشك أصلاً والإلحاد بوجود الله هم فئة قليلة على مدار التاريخ والشيوعية المعاصرة والتي هي أزمة من أزمات الحضارة الغربية لم تستطع الاستمرار في معقلها لأنها تصادم الفطرة ، وهاهي تتنازل عن مبادئها سنة بعد سنة ولم يستطع إرهاب السنوات السـابـقـة أن يقـتـلع جذور التدين عند الشعوب التي أخضعها الروس لحكمهم.
وحتى إذا أردنا إقناع هذا الشيوعي الملحد بوجود الله بأدلة علمية ومنطقية، فهل نضحي بالمنهج في سبيل هذه القضية وتتحول الكتابة والدروس والمحاضـرات لإثـبـات وجـود الله بينما كان الأصل هو إزالة ماران على قلوب الناس من زيغ وتذكـيـرهم بالله الذي يعـرفونه وأنه هو الذي يستحق الطاعة والمحبة والعبادة ، وكل خضوع لغيره فإنـمـا هو الـدمـار ولا نـريـد أن نعلمه شـيـئـاً هو يمـلكه، ولكن يجب أن نعلمه الإيمان الذي يـتـحـول إلى طـاقـة إيجابية.
والـرسـل دعت الأمم إلى عبادة الله الذي يعرفونه ولذلك قالوا لهم : ((أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ)) فهذه بديهية لا أحد يشك فيها.
إن الحديث عن آيات الله في الآفاق والأنفس حديث مهم ، والقرآن دعا إلى التفكر في خلق الله وأمره ، مما يدعو إلى زيادة الإيمان واكتشاف سنن الله في خلقه وسنن الله في التغـيـيـر وقـد يـأتـي بعض الناس إلى الإسلام عن هذا الطـريـق، ولكن هذا كله وسـيـلـة إلى الـغـايـة الأساسية ، وهي خضوع الناس لشرع الله وأن تكون عبادتهم خالصة له.
والأولى أن تـتـجه الدعوة إلى المسلمين الذين هم في بعد عن الدين الذي أنزله الله وفي جهل بحدود وشرائع الإسلام ، وذلك قبل أن تتجه إلى فئة قليلة من الملحدين المستهزئين الذين يشغلون المسلمين بجدل عقيم وغالبهم لا يقصدون الوصول إلى الحق ، والرسول -صلى الله عليه وسلم- هو سيد الدعاة وهو الذي يجب أن نقتبس من نور نبوته.
الهوامش :
1- ابن تيميه : درء تعارض العقل والنقل ، طـ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وهذا الجزء هو المصدر الأساسي لشرح هذا الحديث وكذلك كتاب الدين للشيخ محمد عبد الله دراز -رحمه الله- .
2- تفسير ابن كثير 1/250 .
3- محمد عبد الله دراز : الدين /84 .
|
|
|
|
|