... [ فلن يكون أمر الله إلاّ ما جاء على لسان حبيبه المصطفى الأمين ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) .. وأمّا ما قمت به أنت يا عمر ، فهو من عند نفسك ، والتي ابتغت الحسد لبني هاشم على ما أتاهم الله من فضله ، فكرهت بأن تكون النبوة والخلافة فيهم .. رغم بيعتك له يوم غديرغمّ وكلماتك المأثورة .. بخ بخ لك يابن أبي طالب قد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ..[5] .
* من علامةُ اللؤم ، الغدر بالمواثيق :
وبعد هذه المناظرات والتي شاء الله لها أن تنجوَ من مصائد التحريف والحذف ، وطوامير الإبعاد والنسيان ، لتكون حجّة على كلّ المتخرّسين وملتمسِ الأعذار الواهية والحجج الباهتة .. فكلمات عمر ..: كرهت قريش .. أو قوله ولقد أراد أن يُصرّح باسمه ، فمنعتهُ من ذلك ..؟ ... فهذه الكلمات تنمُّ على مخطط مسبق من قبله وأصحابه ، للتصدّي لإرادة الله تعالى ورسوله الكريم (ص) حتى لا تتمّ بنصب الإمام عليّ (ع) كخليفة شرعي على الأمّة الإسلامية حين وفاة الرسول الخاتم (ص) ... فبعد تلكم الأقوال التي تناقلتها كتبهم المعتبرة وسيرتهم الموثّقة .. لم يعد لأعذارهم سندا ولا لحججهم موضعا .. كمنع عمر لرسول الله (ص) من كتاب وصيّته بحجّة الرأفة والرقّة المزعومة .. أو تخلفهم على جيش أسامة حتّى شملتهم لعنة الرسول الأعظم (ص) بدعوى انشغالهم على حالته (ص) وكرهوا أن يذهبوا وهو على تلك الحال حتّى لا يسألوا عنه الركبان .. أو أنّ رسول الله (ص) أمر أبا بكر بأن يُصلي بالنّاس دليلٌ على خلافته .. في حين أنّه كان خارج المدينة حين وفاة رسول الله (ص) .. فمتى كانت صلاته ..؟ أو دعواهم المجرّدة على الأنصار أنّ الخلفاء من قريش بعد أن أحتجوا بالشجر وأضاعوا الثمرة .. كما قال الإمام عليّ (ع) .. وكيف لعمر أن يتحسّر على فقدان سالم مولى أبي حذيفة بُغية أن يولّيه الخلافة من بعده .. وسالم ليس من قريش لا في العير ولا في النّفير ..؟ فهذه وغيرها كلهاّ وساوس شياطين الإنس أوحاها بعضهم لبعض . فلم يعد لها أي معنى في موازين القسط ، ولا في عقول أصحاب البصائر .. أمام مقولة عمر : (( كرهت قريش بأن تكون النبوة والخلافة في بني هاشم ..)) , من هنا يكون للحقّ جهةٌ واحدةٌ : فإمّا في ما اختار عمر لقريش . أو في ما أراده رسول الله (ص) ومنعه عمر منه ، بقوله : (( هجر رسول الله .. حسبكم كتاب الله ))[6] .
من هنا إمّا أن نكون مع ما قال عمر وعندها نكون من أنصار السقيفة والخلافة التي تأسّست على أنقاضها ، وإمّا أن نكون مع ما كرهت قريش وابتغاه الله ورسوله (ص) وهو عليّ وبنيه (عليهم السلام) ,
[ وكلّ على نفسه لبصيرة .. ]
... وحتّى نستجلي الحقيقة التي شاءوا لها أن تُتلفَ بين سراديب النسيان ، أو تضيع معانيها بين التأويل والتحريف وقلب الحقائق .. مرضاة لأهواء أو طمع في فتات زائل . وهذا البلاء قد مُني به التاريخ الإسلامي بعد ما سعوا جاهدين على أن يجعلوا من أفعال أوليائهم وأقوالهم الحقّ المستطاب والنّهج الصواب بعد أن زيّنوها بسبْخِ الإفتراء وأقلام الرّشا .. ورغم ذلك لم يزيدوها إلاّ قبحا وبشاعة في نظر أصحاب البصائر والضمائر ومن عرفوا ماهيّة الكمال والحكمة من مشيئة الله ، والعظمة والعصمة من خُلُق رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ..
ومن المؤسف حقّا ، أنّ في الأمّة من يدع لتلكم الضلالات ، ويُدافع عن مرتكبيها . دون علم نافع ولا برهان قاطع .. وليتنا نجد بينهم من يُعطينا الجواب الشافي ، والبرهان الجليّ لبعض من التساؤلات المصيريّة حتّى نتبيّن شروط الولاء والتبرّي .. دون الركون إلى الأحلام وصكوك التوبة المجانية ولا التأويلات الرخيصة .. بل نريد الدليل ، ولا شيء غير الدليل القطعي دون التعدّي لكتاب الله تعالى ، ولا النيل من حضرة رسوله الأعظم (ص) .
وحتّى لقاء السلام في البدء والختام
أبو مرتضى عليّ
الفهــــــــــــــــــرس:
[5] سرّ العالمين ص لأبي حامد الغزالي ص 21 و تاريخ بغداد ج 8 ص 290 تلريخ دمشق ج2 ص7
[6] راجع الجزء الأوّل من هذا البحث .
والصلاة والسلام على خير الخلق أبا القاسم محمّد وأهل بيته الطيبين الطاهرين واللّعن الدّائم على أعدائهم من الأولين والآخرين وإلى قيام يوم الدّين ..
إخوة الإيمان والعقيدة :
سلام من الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته .
يقول يعسوب الدّين ( عليه السّلام ): ((.. أيّها النّاس شقّوا أمواج الفتن بسُفنِ النّجاة ، وعرّجوا على طريق المنافرة ، وضعوا تيجان المناخرة ، أفلح من نهض بجناح ، أو إستسلم فأراح ..))
- بعث جيش أسامة بن زيد :
.. كان رسول الله (ص) يُصرُّ على بعث جيش أسامة ، وقد عقد لواءه بيده الشريفة يوم الجمعة السادس والعشرين من صفر سنة إحدى عشرللهجرة . وأمره أن يُسرع السير إلى موضع مقتل أبيه ، فاليوطئهم الخيل . وقد ولّيه إمارة الجيش وفيه أعيان الصحابة كأبي بكر وعمر وأبا عبيدة وسعد ...
كما أمره (ص) أن يُسرع حتّى يسبق الأخبار . ثمّ قال له : (( أغز بإسم الله وفي سبيل الله وقاتل من كفر بالله ..))
ولكنّهم تثاقلوا ، وطعنوا في تأمير أسامة عليهم . حتى كان يوم السبت العاشر من ربيع الأول . فخرج عليهم رسول الله (ص) محموما معصّبَ الرأس ليُحرّضهم على التعجيل .. ثمّ ثقل في مرضه ( صلوات الله عليه وآله ) فجعل يقول : (( أنفروا جيش أسامة ، جهزوا جيش أسامة ، أرسلوا بعث أسامة .. لعن الله المتخلّف عن جيش أسامة ..)) , وإلى هنا وينقطع المشهد .. ثمّ بعد يومين يفاجئنا عمر داخل حجرة الرسول الأعظم (ص) وهو بين أزواجه وأهل بيته (ع) ، مانعا إيّاه من كتاب وصيّته الأخيرة لأمّته حتّى يعصمها من الضلال من بعده .. بتلك الكلمات النّابئة .. (( إنّ رسول الله يهجر .. حسبكم كتاب الله ..)) , وتعالوا لنسأل حماة هذه الأفعال :
- 1 - من ينبئنا بأنَّ الرسول الأكرم ( صلى الله عليه و آله و سلّم ) هو الذي طلب من عمر الحضور وترك المعسكربأمر منه (ص) ..؟
- 2 - ما قولهم في إعتراض عمر وتصدّيه لأمر رسول الله (ص) . . وقوله ..حسبكم كتاب الله ..؟ وأين السنّة النّبويّة .. وكيف إشترط إبن عوف على الإمام عليّ سيرة الشيخين حتّى يُبايعهُ للخلافة ..؟ وهنا عمر يُلغي سيرة المصطفى - صلى الله عليه وآله - وسنّته ..؟
- 3 - هل من المعقول لمن أمن بالله ورسوله واليوم الآخر بأنّ يكون مع ما قال عمر، ويترك أمر رسول الله .؟
- 4 - هل من الدّين أو الحياء أن يقف أحدٌ بحضرة الرسول الأعظم ويُشبّه أمّهات المؤمنين بصويحبات يوسف (ع) . وهل يرتضي أحدكم لنفسه بأن تُنسب حليلته لذلك السنخ من النّسوة .. أو أن يقف مثل ذلك الموقف؟
- 5 - ما ردّكم على قول رسول الله (ص) لعمر بأن أزواجه خير منه وممن إتّهمه بالهجر (( نعوذ بالله من قول الزور والبهتان )) وما رأيكم بمن تكون آخر كلمة له من رسول الله (ص) أغرب عن وجهي ..؟
هذه قليل من كثير لن تجد له تفسير مقنع ولا تأويل صائب .. إلاّ أضغاث أحلام ، وصكوك توبة مجّانيّة ، ودموع ندم عند سكرات الموت .. بل أحد المتفيهقين من أشياعهم كانت له جرأة ، حيث أعتبر إعتراض عمر على رسول الله (ص) ، كان على إقتناعه بأن الأمر ليس للوجوب ..؟ وكيف يكون ذلك .. أمِنْ قول رسول الله (ص) : (( لا تضلّوا بعدي أبدا ..)) أم هناك أعظم من مصلحة أن تهتدي الأمّة حتّى آخر الدهر ..؟ أم من وقوع النزاع في حضرة النبي الأكرم (ص) وزجرهم بالإنصراف ..؟ وإذا كان عمر قد فهم المسألة في حدّ الإستحباب ، فلماذا تلك الكلمات اللاذعة ..؟ وهل يرض أحدهم بأن يوجّه مثلها لعزيز عليه في حالة إحتضار ..؟ ثمّ أيّ معنى لقوله : (( حسبكم كتاب الله ....؟ ))
وحتّى الفصل الثاني نستودعكم الله .
والسّلام في البدء والختام ممن سيبقى على العهد مقيما
أخوكم أبو مرتضى عليّ
والصلاة والسلام على خير الخلق أبا القاسم محمّد وأهل بيته الطيبين الطاهرين واللّعن الدّائم على أعدائهم من الأولين والآخرين وإلى قيام يوم الدّين ..
إخوة الإيمان والعقيدة :
سلام من الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته .
* من أبدأ صفحتهُ للحقّ هلك :
3 - كيفية كشف بيت فاطمة :
.. أقبل عمر بقبس من نار على أن يضرم على من اجتمعوا عند الامام علي ( عليه السلام ) في بيت الزهراء , فلقيتهم ( عليها السلام ) , و قالت : يا ابن الخطاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟
قال نعم أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمة [15]: [ و هل تكون الأمّة من دون بني هاشم وأهل البيت (عليه السلام ) ]
و يقول ابن قتيبة في الإمامة و السياسة : إن عمر جاء فناداهم و هم في دار عليّ ( عليه السلام ) فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب و قال و الذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنّها على من فيها , فقيل له : يا أبا حفص إن فيها فاطمة ؟!
فقال: و إن ...,؟
وقد كان لبعض أتباعهم في ذاك الموقف ذرة من الحياء ، حيث خاطب عمر: أتُحرّق عليهم وفاطمة بنت رسول الله معهم .؟
وكان ظنّه أن عمر قد نسي ذلك ، لكنّ (( الفاروق )) خيّب ظنّه وقال له : (( وإن ))[16].
[ لها الله يا عمر،.. ألم تسمع في ما مضى قول رسول الله (ص): (( فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني ومن أذاها فقد آذاني ..))" [2] .أو قوله الشريف (ص) : (( من أغضب فاطمة فقد أغضبني ، ومن أغضبني أغضب الله ومن أغضب الله أكبّه على منخريه في النّار)) [17].
فماذا بقي للمتخرّسين حماة الباطل وأهل البغي .. وهذا شاعرهم حافظ إبراهيم في ديوانه ، يفتخر بضلال أولياء:
وقولة لعليّ قالها عمــــــــــــــــرُ ***** أكرم بسامعها أعظم بمُلقيــــــــا
حرّقتُ دارك لن أبقي عليك بهـــا ***** إن لم تُبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفصة بقائلهــــا ***** أمام فارس عدنان وحاميهــــا ..؟
.. فأيُّ عظمة لمن ينطق بما يُغضبُ الله ورسوله (ص) يا شاعر الضلالة ..؟ وأين كانت تلك العظمة حينما دعاه عمر ابن عبد ودّ يوم الخندق للمبارزة ..؟ أو خوفهُ من مرحب يوم خيبر وفراره يوم الزحف في أحد وحنين [18].
ولكن ذلك ما أوحت به شياطين الجنّ والإنس لأوليائهم . .[ والله مسائلهم عن كلّ لفظ وفعل . وهو بكلّ شيء عليم .]
ثمّ نسأل حماتهم بما يجيبون على تظلّم الإمام (ع) وتشكّيه ممّا لقي منهم :
(( والله لقد تقمّصها إبن أبي قحافة ، وليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إلي الطير .. فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تُراثي نهبـــا .. وطفقتُ أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء .. ما شككتُ في الحقّ مذ رأيته .. لم يوجس موسى (ع) خيفة على نفسه ، بل أشفق من غلبة الجهّال ودول الضلال ..)) , وقد سأله بعض الأصحاب : كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحقّ .؟
فقال (ع) : (( يا أخا بني أسد إنّك لقلقُ الوضين ، تُرسِلُ في غير سدد ولك بعد ذمامة الصهر ، وحقّ المسألة . وقد إستعلمت فأعلم .. :وأمّا الإستبداد عليها بهذا المقام ونحن الأعلون نسبا والأشدّون برسول الله (ص) نوطا . فإنّها كانت أثرة شحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، والحكم الله والمعود إليه يوم القيامة ...
ودع عنك نهبا صيح في حجراتــه **ولكن حديثا ما حديث الرواحل ))
[ النهج ج9] ..
ومن خطبة له (ع): (( حتّى قبض الله رسوله (ص) رجع قوم على الأعقاب ، وغالتهم السُبل، واتكلوا على الولائج ، ووصلوا غير الرّحم ، وهاجروا السبب الذي أمروا بمودّته ، ونقلوا البناء عن رصّ أساسه ، فبنوه في غير موضعه معادن كلّ خطيئة وأبواب كلّ ضارب في غمرة قد ماروا في الحيرة ، وذهلوا في السكرة ، على سُنّة من آل فرعون : من منقطع إلى دنيا راكن ، أو مفارق للدين مباين )) [ النهج ج9 ] .. ومن أراد المزيد فليراجع شرح النهج يجد بغيته .
ثمّ نسأل أوليائهم :
- هل فيكم من يتّهم الإمام عليّ ( عليه السّلام ) باليمين الكاذبة ..؟ أو يتّهمه بإدّعاء الباطل ..؟
- هل تجوز موالاة من يُغضبُ الله ورسوله (ص) ؟.. أم تتّهمون الرسول الأعظم (ص) بإتّباع العواطف والأهواء وليس بوحيٍ يوحى فيما جاء على لسانه الشريف في حقّ إبنته الزهراء البتول ( عليها السّلام ) ؟
- هل فيكم من يعتقد بأنّ الإمام عليّ (ع) يكون قائدا لفتنة من أجل الخلافة .. وهل يوجب فعله الإحراق ..؟
- و ما السرّ في إعتقادكم من دفن المصطفى ليلا .. وكذلك إبنته الزهرا (ع). ؟ .. وعدم حضور الشيخين الجنازة في حالتين ..؟ حتما هناك سرٌّ عظيم .. ولكن اسألوا التاريخ لو كان ينطق ..؟
- وكيف كان دفنه (ص) في حجرة عائشة ، وهي لم تكن تعلم بدفنه حتّى سمعت صوت المساحي على ما جاء عن لسانها في صحيح البخاري ..؟ .. وكيف ورثت وتصرّفت ووافقت على دفن أبيها وعمر بجوار الرسول الأعظم (ص) ، ولم توافق على دفن الحسن المجتبى حفيده (ص) ..؟ ثمّ يدّعون بأنّ الأنبياء لا يورّثون حتّى يحرم الزهراء (ع) إرثها ، وهكذا تاريخهم كلّه مطبّات ملؤها الضلال والافتراء.. ولله المشتكى.
4 - فدك : عُمر يغتصبها وعمر آخر يُعيدها ..
قــد كــان بعدك أنباء وهنبثــــــــة ***** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنّـا فقدنـاك فقـد الأرض وابلهــــــا ***** واختلّ قومك فاشهدهـم ولا تغب
تهجّمتنا رجال واستخّف بنــــــا ***** إذ غبت عنّا فنحن اليوم نُغتصب [19]
والسّلام في البدء والختام ممن سيبقى على العهد مقيما
أخوكم أبو مرتضى عليّ
الفهرس
[15] إبن عبد ربّه ج 3 ص 64 و تاريخ أبو الفداء ج 1 ص 156 ..
[16] راجع ماتقدّم من بحث ، مع كنز العمّال ج1 ص 12..
[17] البخاري ج 5 ص 26 و سنن البيهقي ج 7 ص 64 والبغوي ج14 ص 158 ..
[18] راجع الجزء 1 من هذا البحث
[19] تفسير القمي ج2 ص 155و 157 والإحتجاج ج1 ص 90 –93 ..
والصلاة والسلام على خير الخلق أبا القاسم محمّد وأهل بيته الطيبين الطاهرين واللّعن الدّائم على أعدائهم من الأولين والآخرين وإلى قيام يوم الدّين ..
.. لم أجد عذرا لمن إرتكب المظلوميّة الخالدة في حقّ الزهراء البتول فاطمة بنت محمّد ( صلى الله عليهما وسلّم ) .. ولو حملّناهم على سبع مائة محمل ، لأنّ الخطب جلل، والمصاب عظيم .. ولن تجد أمّة أساءت لنبيّها في آله وذريته كما أساءت هذه الأمّة المفتونة . وما لقيته الزهراء وبعلها وبنيها ( صلوات الله وسلامه عليهم ) من ظلم وافتراء وحسدٍ وتعدّ .. يعجز القلم ومهما أوتي صاحبه من فنون البلاغة أو ذاكرته من مجال التصوير، فلن يعطي الفاجعة حقّها . وذلك منذ وفاة الحبيب المصطفى ، بل منذ إحتضاره ( صلوات الله عليه وآله ) .. فأجازوا لأنفسهم البدعة ، واستصاخوا قول الزور، واستطابوا الحسد وطعموا منه حينما اغتصبوا من الزهراء إرث أبيها المصطفى (ص) . بعدما اغتصبوا الخلافة من بعلها (ع) .. حيث أوّلوا كتاب الله تعالى ، وكذّبوا السنن الشريفة ، وسُحق الحياء من على جبينهم ،و ديست المروءة من بين أفئدتهم ..
فلينظر من له دين ، وجبلت نفسه عن عزّة الإيمان .. هل جرى في الإسلام تجرُّأ عن الحقّ وأهله بمثل ما جرى في قضية فدك .. ؟
وهل هناك أظلم وأبشع من طلبِ الزهراء (ع) بإقامة البيّنة على أحقّيتها بتركة الرسول وميراثها من أبيها (عليهما السلام ) . وآية التطهير خير شاهد لها على صدق دعواها عند من آمن بالله ومحكم كتابه ، وصدّق برسوله وسار على هديه . فكلّ العجب أن يتوهّم مسلم ولو كان من الهمج الرعاع بأنّ أهل البيت ( عليهم السلام ) قد يدّعون ما ليس لهم بحقّ ، بعد أن أذهب الله عنهم الرّجس وطهرهم تطهيرا في محكم الكتاب كلاّ وألف لا.؟
وهذا وسام الشرف الخالد : (( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيرا )) أجمع أهل التفسير بأنها نزلت في حقّ أهل الكساء و هم رسول الله و فاطمة و علي و الحسنان [20] و كفاك برهانا على أنهم أفضل من في الأرض يومئذ و لم يكن غيرهم حائزًا على هذه الفضيلة الإلهيّة لا من بني عبد المطلب ( كما اعترف ابن عباس من أنها نزلت في أصحاب الكساء ) و لا من أزواج النبي ( صلى الله عليه و آله و سلّم ) كما شاء البعض ذلك.. بدليل قول أم سلمة ( رضي الله عنها ): و أنا معهم يا رسول الله ؛ ما أنا من أهل البيت ؟
قال : إنك إلى خير وهؤلاء أهل بيتي [21] .
و الكذب و كما هو معلوم من الرجس و لا خلاف في أن الزهراء ( عليها السلام ) ادعت ارثها فتكون صادقة في نظر الصادقين و محقّ في إعتقاد المؤمنين . و لكن أهل الاستبداد الفكري و السياسي و من والاهم من جهّال العوام و أهل الجدل في نصرة الظلمة أبوا إلاّ تكذيب أمر الله و أمر رسوله ( صلى الله عليه و آله و سلّم ) و هو القائل في حق ابنته فاطمة (( عليها السلام )) :« فاطمة بضعه منّي يسخطها من يسخطني ، و يرضيني ما أرضاها ».[22]
و بعد شهادة الله تعالى و رسول الأمين في حق الزهراء ( عليها السلام ) هل من الحق أو العدل أو الإيمان أن نقول بأنها - سلام الله عليها - ادعت ما ليس لها أو إنها لم تكن تعمل بأن الأنبياء لا يورثون حتّى أخبرها أبو بكر بذلك عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلّم ) ..؟ و لو افترضنا صحة ذلك ألإفترى إن الزهراء ( عليها السلام ) لم تكن تعلم من الشريعة هذا المقدار .. هذا مع ملازمة النبيّ لها ليلاً و نهارًا إذ كان يحوطها برعايتــــه و عنايته ، فهل يا ترى تقنع بأنّه ( صلى الله عليه و آله و سلّم ) يُخبر الناس من أمثال أبا بكر و لا يخبرهــا ولا بعلها عليّ ( عليه السلام )..؟ و حاشا الحبيب المصطفى (ص) أن يترك ما ينبغي فعله ، و لم يقل ما ينبغي قوله ..
و لكن قبل أن نغوص أكثر في متاهات المظلوميّة ، تعالوا نتصفح أحداثها و نستجلي حقيقتها من أقوال إمام الموحدين و سيد الغرّ المحجلين ( عليه السلام ) وهو يجيب من سأله عن ترك حقّه : (( بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أضلته السماء ، فشحت عليها نفوس قوم ، و سخت عنها نفوس آخرين و نعم الحكم الله و ما أصنع بفدك و غير فدك و النفس مظانّها في غدٍ في جدثٌ تنقطع في ظلمته آثارها و تغيب أخبارها.. )) , ( و لن نزيدَ على قولك يا مولانا يا أمير المؤمنين.. فنعم الحكم الله ، والموعد القيامة .. )
و أمّا موقف الزهراء مع أبا بكر و صاحبه عمر ، فهو يمثل صرخة الحق الخالدة بخلود الأيّام و السنين ، و صولة الحقيقة ببراهينها القاطعة عن الدعاوي الكاذبة . من كتاب الله تعالى وحُكمَ رسوله ( صلى الله عليه و آله و سلّم ) رغم تفنن أهل الباطل و حماة الجور في التماس الأحقية لما قام به أولياءهم ، بزخرف القول ووساوس الافتراء و التدجيل ..
والسّلام في البدء والختام ممن سيبقى على العهد مقيما
أخوكم أبو مرتضى عليّ
الفهرس
[20] الطبري في تفسيره ج 22 ص 5 و مسند أحمد ج1 ص 230 والسيوطي في الدر المنذور ج5 ص 198..
[21] مع ما تقدّم من مصادر – مستدرك الحاكم ج2 ص 416 . سنن البيهقي ج2 ص 150.إبن كثير ج3 ص485 عن أم المؤمنين عائشة ..
[22] راجع ما جاء تحت رقم 17.
[23] شرح النّهج ج 12 ص 212 ..
[24] راجع المصادر في ما سبق من هذا البحث .
[25] راجع المصادر في ما سبق من هذا البحث .
والصلاة والسلام على خير الخلق أبا القاسم محمّد وأهل بيته الطيبين الطاهرين واللّعن الدّائم على أعدائهم من الأولين والآخرين وإلى قيام يوم الدّين ..
* حقّ وباطلٌ ولكلٍّ أهـل :
فاغضض بصرك ، و هات بصيرتك و التمس لنفسك أذن واعية .. فالمشهد لن يتكرّر .. فانت في حضرة الزهراء أم أبيه ( صلوات الله عليها ) حيث القرآن الناطق يطعن خاصرة الباطن فيزهقه :
لما بلغ فاطمة ( عليها السلام ) إجماع أبا بكر على منعها فدك ، لاثت خمارها ، و أقبلت في لمّة من حفدتها و نساء قومها ، تطأ في ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلّم ) ، حتّى دخلت على أبا بكر و قد حشد الناس من المهاجرين و الأنصار ، فضرب بينها و بينهم ريطة بيضاء , و قالوا : قبطية بالكسر و الضمّ , ثمّ أنت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء ، ثمّ أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم ، ثم قالت : أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد و الطَّوْل و المجد ، الحمد لله على ما أنعم و له الشكر بما ألهم .
و ذكر خطبة طويلة جيّدة قالت في آخرها : « فاتقوا الله حق تقاته ، و أطيعوه فيما أمر كم به ، فإنما يخشى الله من عباد العلماء ، و احمدوا الله الذي لعظمته و نوره يبتغي من في السموات و الأرض إليه الوسيلة ، و نحن وسيلته في خلقه ، و نحن خاصته ، و محل قدسه ، و نحن حجته في غيبه ، و نحن ورثة أنبيائه ، ثمّ قالت : أنا فاطمة ابنة محمد ، أقول عودا على بدء ، وما أقول ذلك سرفا و لا شططا ، فاسمعوا بأسماع واعية ، و قلوب راعية ،
ثم قالت : « لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم » فإن تعزوه تجدوه أبى دون آبائكم ، و أخا ابن عمّى دون رجالكم .. ثمّ تقول (ع) : ثمّ أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي ؛ « أفحكم الجاهلية تبغون و من أحسن من الله حكمًا لقومٍ يوقنون » إيهًا معاشر المسلمين ،أابتز إرث أبى .؟ أَبَى الله أن ترث يابن أبى قحافة أباك و لا أرث أبى ..؟ لقد جئت شيئًا فريًّا ، فدونكما مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، و الزعيم محمّد ، و الموعد القيامة ، و عند الساعة يخسر المبطلون ، و لكلّ نبإ مستقرّ و سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم ...
ثمّ خاطب الأنصار : أفتأخرتم بعد الإقدام و نكصتم بعد الشدّة ،و جبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم ، فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون .. ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض ، ور كنتم إلى الدعة ، فجحدتم الذي وعيتم ، و سغتم الذي سوّغتم ، و إن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا فإنّ الله لغنيٌّ حميد .. ألا و قد قلت لكم ما قلت على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم ، و خور القناة ، و ضعف اليقين ، فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر ثاقبة الخفّ ، باقية العار ، موسومة الشعار ، موصولة بنار الله الموقدة ، التي تطلع على الأفئدة ، فبعين الله ما تعملون « و سيعلم الذي ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون » ..[23]
.. ألا يكفي أهل البصائر هذا التوضيح من لسان من رضعت من ثدي النبوءة ، وتدرّجت في حضن الرسالة ، وتربّت عن أخلاق العصمة .. وأمّا المبتلين بعدم التدبّر والتمييز بين الحقّ والباطل . لعلّهم وبالعودة إلى المصادر: كشرح النهج للمعتزلي ..وغيره قد يهتدون لما خفي عليهم ، وقصُر إدراكهم عن فهمه .. وأمّا القسم الثالث وهم أهل الإستبداد والبغي ومن والاهم من أنصار اللجاج والتعنّت .. أبوا إلاّ التضليل عن أمر الله تعالى ، والتعدّي عن حُكم رسوله الأعظم (ص) وهو القائل وقوله الحقّ : (( فاطمة بضعة منّي ، يُسخطها ما يُسخطني ، ويُرضيني ما أرضاها )) [24] ..
وكيف لا تكون صادقة وقد شهد لها صاحب لواء الصدق والعدل .. هارون الأمّة ، وصدّيقها وفاروقها ، وباب حطّته ، وسفينه نجاتها ، وباب مدينة علم نبيّها (ص) ..[25] وكانت ردفا له في الشهادة على أحقّية البتول (ع) وبطلان دعوة المدّعي ، إمرأة من أهل الجنّة ، وأمّ رسول الله (ص) من بعد أمّه ..أمّ أيمن (رض) [26] .. ألا تكفي هذه البينات نورا ساطعا لمن يبتغي مسالك النّجاة و دروب الفلاح .. والإبتعاد عن مزالق أهل اللجاج وتضليل والعناد ..من تِعلاّت قاضي القضاة أو تأويلات إبن الحديد وافتراءات ابن تيميّة .. السابحين في متاهات الضلال، وأبحر الغيّ ...ثمّ نسألهم قبل أن نودعهم :
ما حكمهم على ما فعل عمر إبن عبد العزيز ، حين أعاد فدكا على أبناء الزهراء (ع) ..؟
*** فهل كان مُحقّا أم كان مبطلا ..؟
*** أم تقولون ما قال أسلافكم من أئمّة الضلال وعلماء السوء ، حين سمعوا بذلك .. : نقمتَ على الرجلين فعلهما ، ونسبتهما إلى الظلم والغصب ..؟ وتلك كانت حُجّتهم ، فلعنهم الله بظلمهم . ولكنّهُ (رض) ألقمهم الحجّة التي لن يفهموها مدى الدهر .. بقوله : (( أنّكم جهِلتم وعلمتُ ، ونسيتم وذكرتُ ..))" [27]
وحتّى الفصل الثاني نستودعكم الله .
والسّلام في البدء والختام ممن سيبقى على العهد مقيما
أخوكم أبو مرتضى عليّ
الفهرس
[23] شرح النّهج ج 12 ص 212 ..
[24] راجع المصادر في ما سبق من هذا البحث .
[25] راجع المصادر في ما سبق من هذا البحث .
[26] كنز العمّال ج 12 ص 146 ح 34416.. تهذيب التهذيب لإبن حجر ج 12 ص 459 .
[27] شرح النهج لإبن أبي الحديد ج 2 ص 278 و الشافي في الإمامة للمرتضى ج4 ص 103 ..