|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 51347
|
الإنتساب : Jun 2010
|
المشاركات : 136
|
بمعدل : 0.03 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
نور المستوحشين
المنتدى :
المنتدى العام
بتاريخ : 03-08-2010 الساعة : 09:35 AM
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
هذه القصة أوصى الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بأن يسمعها كل الناس ولذالك سأنشرها في المنتدى و لسماع القصة بصوت الشاب الذي بقي على قيد الحياة موجودة بذات العنوان في قسم المرئيات الإسلامية
بدا نهر مليخ كقطعة من الزجاج بعد أن تجمّدت مياهه. عند الشفق كانت ثلاث مجموعات من المقاومة تستعد للعبور بمحاذاته باتجاه موقع بئر كلاب.إجتازت المجموعة الأولى المؤلّفة من عشرة أفراد بسلام و المجموعة الثانية مؤلفة من عشرة أيضاً وفيما كانت المجموعة الثالثة المؤلفة من عشرة آخرين تمرّ بجانب النّهر فقام شاب من المقاومة بالصعود على حائط من الحجارة فسقط الحائط كشفتها آلة العدو.فأطلقت أول قذيفة إخترقت جسد الشاب فسقط نصف جسده في النهر الشتوي المار في الوادي و أصبحوا تحت مرمى نيرانه.
تعرّض المجاهدون لقصف عنيف. و مع إكتمال المغيب كانت أجساد الشهداء مطروحة فوق الثرى و أنّات الجرحى تتردّد في الأجواء.
أصيب أبو حسن إصابة لم تمنعه من تفقد رفاقه واحداً واحداً .كميل,جواد,حبيب,حسين..كلّهم كانوا قد استشهدوا و فارقوا هذا العالم . بعيداً عن النّهر رأى عماد.. .صديقه الذي تزوّج منذ عشر سنوات و لم يرزق حتّى تلك اللحظة بولد.اقترب ابو حسن منه وكان لا يزال به رمق من حياة. فبادره عماد قائلاً :"قل لزوجتي :عماد لم يمت, بل لا زلت في أحشائها ". و كانت هذه آخر كلماته.
كان أبو حسن مثخناً بالجراح . وقد بدأ يشعر بالإعياء .لكنّه صمّم أن يتفقّد الجميع فربما ينقذ أحدهم . التفت ناحية النّهر الأخرى فأبصر أحمد!! لقد بترت ساقه و رغم أنّ الدّماء كانت تسيل من كلّ جرح فيه كان يزحف باتجاه إحدى الشجرات . وما إن وصل حتّى تشبّث بها و بدأ يتلو زيارة عاشوراء بصوت شجيّ. أنصت أبو حسن ...لم يسمع أروع من ذلك الصوت في حياته . كان أحمد فتى مدللاً لم يبلغ السابعة عشرة من عمره. لكنّه في تلك اللحظات كان ينزف بشدّة . وشعر على إثر ذلك بعطش بالغ . فطلب من أبي حسن أن يحضر له بعض الماء . و لكن من أين يأتي أخوه بالماء و كل ما حولهم متجمّد من شدّة الصقيع ؟ ازداد إعياء أحمد حتّى أغمي عليه. لكنّه سرعان ما استفاق و شرع يقرأ زيارة آل ياسين .
في هذه الأثناء أقبل نحوهما ضبع فاحتار أبو حسن وخشي إن هو أطلق النّار عليه أن يكشف أمرهم فيجهز الصهاينة على من تبقى حيّاً فيهم. و في المقابل ماذا لو ترك الضبع و شأنه فأقدم في نهش أجساد الشهداء؟؟!!..في غمرة حيرته شاهد منظراً أثار عجبه . راح الضبع ينتقل بين الشهداء و يتمرّغ بأجسادهم و يتمسّح بدمائهم و وبدا أن الدموع تنهمر من مقلتيه.
تيقّن أبو حسن أنّه لم يعد من أحد على قيد الحياة باستثنائه هو و أحمد فحمله على ظهره رغم جراحه و تعبه و توجّه إلى بيت مهجور كان يعلم بوجوده مسبقاً في تلك المنطقة . عندما دخل إلى المنزل كان التّعب قد أخذ منه كلّ مأخذ فأغمي عليه . و إذ به يستفيق بعد مدّة على صوت أحمد و قد غرقت عيناه بالعبرات و ابتلّت و جنتاه و كان يردّد باكياً: إني أراهم ... ها هم آتون لاصطحابي . ثم و على الرّغم من بتر ساقه وقف قرب الباب بمفرده و قال بصوت عال : السلام عليك يا أبا عبد الله.
كان واضحاً بالنسبة لأبي حسن أن أحمد يتكلّم مع أناس آخرين لم يتمكّن هو من رؤيتهم . تبسّم أحمد و تطلّع إلى أبي حسن : إنّهم الإمام الحسين و أبو الفضل العبّاس و السيدة زينب . وقد حمّلني الإمام الحسين رسالة عليك أن تبلّغها بدورك إلى شباب المقاومة ... قل لهم : إنّ الحسين و زينب و العبّاس معهم في كلّ عملية .
مضت السّاعات مسرعة و كان التّعب قد استبد بالشابين فأغمي عليهما مجدداً . استفاق أبو حسن و أدار طرفه ناحية أحمد , رآه لا يزال مستلقياً و يسلّم على إمام الزمان .
كانت نظراته ساهمة وصوته واهنا: " بعد لحظات سأرحل عن هذه الدّنيا شهيدا, و ستحدّث أنت بكل الذي جرى , ستخبر الأخيار عن فتية قضوا نحبهم محتسبين عند الله أجرهم , ولاحت لهم مقاماتهم كما لاحت لأصحاب الحسين في عاشوراء. فتيه فازوا بلقاء الله على ضفاف نهر مليخ . و ستنقل رسالة من الإمام المهدي(عج) لسماحة الأمين العام..."
توقّف أحمد قليلاً . كان وجهه يشعّ نوراً ... ثمّ أضاف:" أثناء عودتك ستضلّ الطريق لكن ثمّة دليل سيظهر و يرشدك حتّى مشارف القرية. هناك ستكون مجموعة من المقاومين بانتظارك و سينقلونك إلى المستشفى...." راح صوته يزداد تأثّراً . حاول أبو حسن أن يثنيه عن الكلام لكن أحمد أبى . و تابع و قد تغيّرت نبرته و بدت أكثر رقّة :"أوّل شخص ستشاهده في المستشفى هي أمّي. أبلغها سلامي . وقل لها أن لا تقلق لأن الزهراء(ع) ستتكفّل بها ".
ثمّ زفر أنفاسه الأخيرة... حينها أطلق أبو حسن صرخة مدويّة تردّد صداها في الوادي . هزّه بعنف :" أحمد .. أجبني.. أحمد.." ضمّ الجسد المسجّى إلى صدره ... وضع خدّه على خدِّه ... وراح يمسح جبينه ... مكث هناك للحظات يكفكف دموعه و يحبس آهاته... ثمّ قام يتلمّس طريق العودة.
كان الليل قد أظلم و اختفت معالم المكان من حوله. فضلاً عن الإعياء الذي ألمّ به. شعر كأنّه يسير في متاهة . أمسى يترقّب الدليل الذي أخبره عنه أحمد قبيل إستشهاده . فجأة لاح أمام ناظريه خيال ضبع.. إنّه الضّبع عينه الذي سبق ورآه ! أدرك أنّه هو الدّليل. فسار خلفه . و عندما وصل إلى مشارف القرية تلقّفته مجموعة من المجاهدين و مضوا به إلى المستشفى .
ما إن فتح عينيه ... شاهد في المستشفى امرأة تقف بالقرب من السرير .. كان وجهها مشرقاً.. و على الفور بادرته السؤال : ماذا أوصاك أحمد؟! دُهِش أبو حسن إذ لم يكن قصّ بعد ما حصل معه على أحد.
بعد أن تعافى نهض ليوصل بقية الرّسائل إلى أصحابها فزار في البدء زوجة الشهيد عماد..عندما التقى بها فيما بعد ... كانت تحمل بين يديها طفلها عماد الصغير.
ثم توجّه ليقابل سماحة السيد. استحوذت عليه هيبة اللقاء فلم يستطع أن يتطلّع إلى وجه الأمين العام الذي أنصت إلى حكاية أبي حسن دون أن يتوقّف سيل الدّموع من الجريان على خدّيه..لكنّه في كلّ مرّة تخون أبي حسن ذاكرته كان يتدخّل سماحة السيّد ليذكّره ببعض التفاصيل التي غابت عنه..كما لو كان حاضراً!!
لاحقاً تحقّق الذي أخبره به أحمد .. وكان من جملته مجموعة من المعلومات الأمنية و العسكرية استفادت منها المقاومة في عمليات لا حقة ضد الصهاينة .. ولا زال أبو حسن يحكي قصة التسعة من أصحابه الشهداء.. ويقول: ليتني استشهدت معهم... هم وصلوا, وكان عليّ أنا أن أبلّغ حكايتهم ووصيتهم... أسأل الله أن يجمعني بهم.
إخواني الكرام إن هذه القصة واقعية و أنا ذهبت إلى هناك إن المكان الذي كان فيه المجاهدون كان مليء بالأشجار و بعد العدوان على لبنان في تموز2006 و لم يبق سوى الشجرة التي تمسك فيها الشاب الذي استشهد والذي كان يقرأ الزيارات.
|
|
|
|
|