الاسم: الإمام الحسن العسكري (ع)
اسم الأب: الإمام عليّ الهادي (ع)
اسم الأم: حديثه
تاريخ الولادة: 8 ربيع الثاني سنة 232 للهجرة
محل الولادة: المدينة
تاريخ الاستشهاد: 8 ربيع الأول سنة 260 للهجرة
محل الاستشهاد: سامرّاء
محل الدفن: سامرّاء
الثّقلان: كتاب الله وأهل البيت
باسمه تعالى
تحدّث رسول الله صلى الله عليه وآله في أواخر سنيّ حياته، وكان قد حجّ حجة الوداع فقال:
«إنّي أوشك أن أدعى فأجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزّ وجل وعترتي؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».
يقول رسول الله (ص): إنّه قد قرب أجله، وإنّه سيدعى إلى لقاء ربّه. وإنّه قبل رحيله قد ترك لأمّته شيئين ثمينين أحدهما كتاب الله، وهو القرآن الكريم، الذي يصلنا بالله سبحانه إذا تدبّرنا آياته وفكّرنا بها وتمسّكنا بتعاليمها كما يتمسّك الإنسان بحبل النّجاة، فهو كالحبل الممدود ما بين السماء والأرض. والشيء سالنّفيس الآخر الذي تركه الرسول (ص) هو عترته أي ذريّته وأهل بيته، فهم في فضلهم ومنزلتهم عند الله كالقرآن الكريم، ومن أحبّهم ولزم مودّتهم وسار على نهجهم وعمل بتعاليمهم نجا، وكان كمن يتمسّك بكتاب الله. وإنّ الله سبحانه قد أخبر رسوله بأنّ هذين الثّقلين العظيمين لن يفترقا عن بعضهما إلى يوم القيامة. ثمّ يوصي الناس بالتعلّق بهما معاً، فهما سبيل النجاة للمؤمنين.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم في مناسبةٍ سابقةٍ قد بسط عباءته فوق علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وقال:
«اللّهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً».
وهنا يدعو رسول الله ربّه بأن يرعى أهل بيته برعايته، فيذهب عنهم الرجس، أي يحفظهم من العمل القبيح، ويعصمهم من ارتكاب الذنوب، ويطهرهم في أبدانهم وأعمالهم وأقوالهم تطهيراً تامّاً كاملاً.
واستجاب له ربّه سبحانه، ونزلت فيهم الآية الكريمة: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً).
وفي حجّة الوداع أيضاً، وهي آخر حجّة حجّها رسول الله (ص)، جمع الناس في مكانٍ يدعى «غدير خمٍّ»، وخطب فيهم خطبةً طويلةً، وكان ممّا قاله فيها بعد أن أخذ بيد عليّ عليه السلام:
«من كنت مولاه فهذا - يعني عليّاً - مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه كيف دار».
هذه الأحاديث التي تحدّث بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلى جانب أحاديث غيرها كثيرة، كإعلانه أنّ أئمة الحقّ والصدق هم اثنا عشر إماماً، أوّلهم عليّ بن أبي طالب (ع) وآخرهم حفيده المهدي الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله فرجه، هذه الأحاديث تبيّن لنا الطريق مستقيماً واضحاً، وتبيّن لنا من هم ولاة الأمر بعد الرسول (ص)، كما تبيّن لنا فضلهم ومكانتهم، وندرك بها عظمتهم وعصمتهم وقداستهم، كيف لا وهم بنصّ الحديث القدسيّ رفيقهم القرآن الكريم. ودليلهم الملازم لهم. لا يفترقون عنه حتى قيام الساعة.
وتدلّنا هذه الأحاديث أيضاً عمن هم القادة للأمة الإسلامية، وأنّ علينا مناصرتهم والسير على خطاهم لنفوز بخير الدنيا والآخرة.
وفي هذه الحجّة، حجّة الوداع، وبعد أن عيّن رسول الله (ص) لأمّته قادتها وبيّن لها طريقها، وأنّه أدّى الأمانة الموكلة إليه من ربّه. تلا على الناس قوله سبحانه: {اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً}.
المودّة في القربى
لم يلبث عليه الصلاة والسلام بعدها إلاّ قليلاً، فارتحل إلى جوار ربّه، دون أن يطلب على عمله من أمّته جزاءً ولا شكوراً، غير وصيّة تمثّل بها بقوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى).
نعم، لم يطلب منّا سوى المودّة في حقّ أهل بيته عليهم السلام. عليك الصلاة والسلام يا رسول الله، لكم كنت متواضعاً مقلاّ في مطالبك. لقد قدّمت للبشرية فضلاً لا يدانيه فضل، وقدت الأمّة إلى طريق فيه فوزها وسعادتها ونجاتها، بعد أن خلّصتها من مهاوي الرذيلة والانحطاط والشرّ، وسموت بها في الطريق الصاعدة إلى الله، وعلى كلّ هذا لم تطلب منها سوى المودة في القربى فهل قدّمت لك أمّتك هذا المطلب الوحيد؟
أبداً لقد مرّ معنا في قصص القادة الأبرار كم كانت الأمّة جاحدة لفضل نبيّها، متنكّرة لجميله معها، فقست مع أهل بيته، وعاملتهم بالجحود والقسوة، ونبذت وصيّته وعملت بنقيضها، وجهدت على تسليم قيادها إلى غير أهل البيت، ممّا أوصل حكم الأمّة الإسلامية إلى أيدٍ عدوّةٍ للإسلام والمسلمين، في موجة انحرافٍ إثر موجة، جرفت في طريقها كلّ المعاني السّامية التي أتى بها خاتم النبيّين، وكادت تقضي على الإسلام نفسه لولا أن تصدّى لها أئمّة الحقّ الأطهار، وقدّم كلّ منهم - كما رأينا - حياته ثمناً لهذا التصدّي. وفداءً لحفظ بيضة الإسلام. وصل بنا الحديث فيما سبق إلى الإمام العاشر عليّ الهادي عليه السلام، الذي عهد بالإمامة لابنه الحسن العسكري، الإمام الحادي عشر (ع). الذي هو موضع قصّتنا هذه.
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
ولد الإمام الحادي عشر أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام بالمدينة المنوّرة في الثامن من ربيع الثاني سنة 232 للهجرة، ولمّا بلغ السنة الثانية من عمره، رافق أباه الإمام الهادي (ع) مع الأهل إلى سامرّاء، تلبيةً لدعوة المتوكل العباسيّ له، وقد أنزلهم المتوكّل في بيتٍ تحيط به معسكرات الجيش، كي يأمن جانبهم ويراقب تحرّكاتهم، لذلك لقب الإمام الهادي وابنه الحسن بالعسكريين.
حين بلغ الإمام العشرين من عمره توفّي أبوه الإمام الهادي عليهما السلام، فصلّى عليه وقام بدفنه، ثمّ أعلن إمامته بعده، دون أن يجرؤ المعتزّ العباسيّ على مدّ يد الأذى إليه، رغم أنّه كان يتحين الفرص لذلك. ولم يطل به الأمر حتى ثار عليه جماعة من الأتراك وقتلوه سنة 254 للهجرة.
كان المعتزّ قد دعا حاجبه إليه - واسمه سعيد الحاجب - وأمره أن يرتّب انتقال الإمام إلى الكوفة، وفي الطريق يتخلّص منه دون أن يعلم أحد من الذي قتله، ولمّا علم أنصار الإمام بعزمه على الانتقال إلى الكوفة خافوا عليه، وازداد قلقهم حين عرفوا أنّ انتقاله كان بترتيب من المعتزّ، وهم يعرفونه ويعرفون مقاصده، لكنّ الإمام قبل سفره ترك لهم كتاباً يطمئنهم فيه، ويقول لهم بأنّ الغمّ الذي نزل بهم سرعان ما سينحسر إن شاء الله تعالى. ولم يمض على ذلك غير أيّام ثلاثةٍ حين ثار الأتراك على المعتزّ وقتلوه، ولقي سعيد الحاجب جزاءه؛ وخلفه في الحكم المهتدي العباسي.
كان المهتدي يتطلّع إلى إقامة العدل والسّير على سنّة الخلفاء الرّاشدين، ومع ما قام به من أعمالٍ حسنةٍ فقد كان لا يخفي بغضه وعداءه للإمام، وكان لا يتأخّر عن قتل أنصاره أو طرحهم في السجون، كما كان يضيّق على الإمام ويمنع الناس من التّوافد إليه. لكنّ فترة حكمه كانت قصيرة، فلم تمض عليه سنة حتى عدا عليه الأتراك وخلعوه، ونصّبوا مكانه أخاه المعتمد، ثمّ عملوا على قتله فيما بعد.
كان المعتمد رجلاً معتدلاً، انشغل بأمور الحكم ومشاكله عن الإمام، وفي عهده وبعيداً عن عيون جواسيس بني العباس ولد الإمام الثاني عشر، المهدي الموعود، حجّة الله على خلقه، وأمل المستضعفين والمظلومين. وكانت ولادته في الخامس عشر من شعبان سنة 255 للهجرة، من أمّ روميّة تدعى نرجس، ورغم علم أعوان الحاكم بمولده، ومحاولتهم الوصول إليه، فقد كفّت العناية الإلهيّة أيديهم عنه، وحفظت إمام الزمان (عج) من مكرهم.
عصر الإمام العسكريّ (عليه السلام)
كان الإمام الحسن العسكري عليه السلام هدفاً لظلم بني العباس وطغيانهم، ورغم شدّة ضغوطهم وتضييقهم عليه فقد ازداد التفاف الناس حوله، بعد أن رأوا على يديه من المعجزات ما جعلهم أحد فريقين: إمّا فريقٍ محبٍ عاشقٍ، أو فريقٍ مرعوبٍ خائفٍ، فقد كان عليه السلام يكشف للناس أفكارهم و مقاصدهم، فإذا وفد عليه أحد في حاجةٍ كشف له عن حاجته وقضاها له بعد أن تركه في حيرةٍ وتعجّبٍ شديدين، وإن قصده أحد بسوءٍ، كشف له عن سريرته وفضح أمره، وتركه في رعبٍ وفزع، كما جرى له مع أحد جلاّدي الحاكم ويدعى «علي بن أوتامش» الذي كان يريد بالإمام سوءاً، لكنّه انقلب إلى رجل آخر يطلب السماح والمغفرة من الإمام، بعد أن رأى قدر الإمام ونبله وعظمته.
لكنّ الحكّام رغم كلّ هذا نجحوا في منع الناس من التّوافد إليه. وشدّدوا الضغط على أعوانه، فاقتصر الاتّصال بينهم على الرسائل، وبعد أن صارت الرسائل تفتح على يد أعوان الحكّام، صار اتّصال الناس بالإمام يتمّ عن طريق وكلائه فحسب.
ورغم كلّ هذا فقد انتشر الشيعة في عصره عليه السلام في كلّ مكان من بلاد الإسلام، ينشرون تعاليمه وأحاديثه، وحقّقوا الفوز والغلبة على خصومهم من المنحرفين والملحدين. وكانت جموعهم تتقاطر إلى «قمّ» و «نيسابور» حيث يتحلّق الناس حول العلماء والرّواة والمحدّثين، يأخذون عنهم أحاديث الإمام عليه السلام، ويتباحثون معهم في تعاليمه، ويذرفون الدّموع حنيناً إلى لقياه.
كان للإمام الحسن العسكري (ع) أخ يدعى جعفراً، وكان جعفر هذا إنساناً جاهلاً غير صالح، ممّا دفع الحكام إلى تقريبه منهم وذلك لاستخدامه ضدّ أخيه وأنصاره، فكان ينقل إليهم أخباره وما يجري في بيته.
وكان الحكّام يترقّبون ولادة ابن للإمام العسكري عليه السلام، ويشدّدون الرّقابة عليه، وحين ولد المهدي المنتظر عليه السلام، ورأى جعفر تكتم أخيه الإمام في هذا الأمر، وإخفاؤه لخبر مولده خيفةً عليه، كتم بدوره هذا الخبر عن المعتمد العباسي، وذلك لأنّه كان يطمع في وراثة أخيه، وإخفاء خبر مولد المهدي عليه السلام، يساعده في تنفيذ أطماعه وتحقيق مآربه الخبيثة.
الشهادة
لم تطل إمامة الحسن العسكري أكثر من ستّ سنوات، فقد نجح أعوان المعتمد العباسيّ في دسّ السمّ للإمام في طعامه، فوقع صريع المرض من تأثير السمّ، وحين انتشر خبر مرضه أوفد إليه المعتمد مجموعةً من الأطبّاء وأمرهم بأن يلازموا فراشهليلاً ونهاراً، كما توافد لعيادته لفيف من كبار القوم. كذلك كان ممّن اهتمّوا به قاضي القضاة في ذلك الحين، وقد أراد المعتمد بموقفه الذي وقفه من الإمام خلال فترة مرضه أن يدفع التّهمة عن نفسه.
بقي الإمام طريح الفراش ثمانية أيّام، أسلم بعدها الروح والتحق بالرّفيق الأعلى، وكانت وفاته سنة 260 للهجرة، وأصدر الأطبّاء والقضاة كالعادة شهاداتهم بأنّه عليه السلام مات حتف أنفه. والله أعلم. كما أعلنوا أنّه توفّي دون أن يترك وراءه ابناً أو ذرّيّةً. وتقدّم الناس من أخيه جعفر يعزّونه، وبعد أن تمّ تجهيز الجثمان الشريف ووضع على النعش وتهيّأ المعزّون للصلاة عليه، تقدّم أخوه جعفر المصلّين وهمّ بالتكبير. . وإذا بصبيّ أسمر اللّون يتقدّم من جعفر ويمسك بثوبه قائلاً:
تأخّر يا عمّ، أنا أحقّ منك بالصلاة على أبي».
بهت جعفر، لكنّه تأخّر وقد اربدّ وجهه، فتقدّم الصبيّ فصلّى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه الهادي، عليهما السلام. ومشهدهما اليوم كعبة للوافدين يتبرّكون به، ويتوسّلون إلى الله سبحانه أن يجمعهم معهما على الحقّ والهدى، ويوفّقهم للسّير على خطى أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.
أمّا الصبيّ . . فبعد أن صلّى على أبيه خرج من بين الناس كما ظهر، دون أن يتمكّن أحد من الإمساك به. وقد أدرك العدوّ والصديق أنّه المهدي صاحب الزمان، الإمام الثاني عشر، عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه، وجعلنا من أعوانه وأنصاره والمستشهدين بين يديه.
ونختتم قصّتنا الموجزة عن الإمام العسكريّ عليه السلام ببعضٍ من أقواله وكلماته القصار:
جاء عنه أنّه كان يقول: أعرف الناس بحقوق إخوانه، وأشدّهم لها قضاءً، أعظمهم عند الله شأناً. ومن تواضع في الدنيا لإخوانه، فهو عند الله من الصدّيقين، ومن شيعة عليّ بن أبي طالب حقّاً.
وقال لجماعةٍ من أنصاره: أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برٍّ أو فاجر، وطول السّجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمّد صلى الله عليه وآله وسلم . .
وقال: ليس العبادة كثرة الصلاة والصيام، وإنّما هي كثرة التّفكر في أمر الله. بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه شاهداً ويأكله غائباً . . الغضب مفتاح كلّ شرٍّ. وأقلّ الناس راحةً الحقود. وأزهد الناس من ترك الحرام. من يزرع خيراً يحصد غبطةً، ومن يزرع شرّاً يحصد الندامة، قلب الأحمق في فمه، وفم الحكيم في قلبه.
وقال عليه السلام: خصلتان ليس فوقهما شيء: الإيمان بالله ونفع الإخوان.
إلى غير ذلك من وصاياه ونصائحه، التي كان يوجّهها إلى الناس لبيان ما يجب أن يكون عليه المسلم من الأخلاق والصّفات.
وكانت سيرته عليه السلام كسيرة من سبقه من أهل البيت الأطهار، سيرةً حميدةً برزت في أخلاقهم كما برزت في أعمالهم، فكانوا هداةً لسواء السبيل، دعاةً مخلصين للحقّ، حماةً لنقاء الإسلام وصفائه من الزّيف. وفّقنا الله للسّير على خطاهم، والاقتداء بسيرتهم، وذلك هو السبيل إلى مرضاته. والسلام.
الاسم: الإمام محمد المهدي (ع)
اسم الأب: الإمام الحسن العسكري (ع)
اسم الأم: نرجس
تاريخ الولادة: 15 شعبان سنة 255 للهجرة
محل الولادة: سامرّاء
مدة الغيبة الصغرى: 69 سنة
البشارة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم
في أواخر سني حياته، قصد رسول الله صلّى الله عليه وآله مكة حاجّاً، يرافقه حشد كبير من المسلمين، يتلقون عنه - كعادتهم كل عام - آداب الحج وأحكامه، وفي منى وقف فيهم خطيباً، يدعوهم إلى الحرص على المحبة والمساواة والاتّحاد، ثم ختم خطابه بقوله: «الإئمة بعدي اثنا عشر - ثمّ أردف - كلهم من قريش».
وفي موقف آخر قال: «الأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم علي، وآخرهم القائم». (أي قائم أهل البيت، المهدي عليه السلام). وقال أيضاً في موقف ثالث: «المهدي منا أهل البيت . . . يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد ما ملئت ظلماً وجوراً».
كما بين أيضاً أنّ المهدي من ولد فاطمة ومن ذرية الحسين، وذلك حينما ضرب بيده على منكب الحسين وقال: «من هذا مهدي هذه الأمة» عليهم جميعاً أفضل السلام. كانت هذه البشارة من رسول الله (ص) إلى أمّته، موضع اهتمام وانتشار بين الناس، إذ أتت على لسان رسول ربّ العالمين صريحة قاطعةً، تضع الحق في نصابه، وتحدد للأمة الإسلامية قادتها بالحق، فتناقلتها القلوب قبل الألسنة، ودوّنها كتّاب الحديث على اختلافهم، ونقلوها إلينا أحاديث نبوية قدسية، واشترك في روايتها جميع المسلمين، السني منهم والشيعي، كيف لا وهو الإمام المنتظر، والمخلص الموعود، والقائد المظفر، أعدّه الله سبحانه ليظهر به دينه على الدين كله ولو كره المشركون.
أم الإمام المنتظر
ولد الامام الحجة لأبيه من أم رومية، تعرف بين أفراد عائلة الإمام باسم «نرجس». ويروى أنّها كانت بنت ملك من ملوك الروم، وأنّ أمها تنتهي بالنسب إلى «شمعون الصفا» أحد حواريي المسيح عليه السلام.
وقعت «نرجس» في أسر المسلمين بعد معركة جرت بين المسلمين وبين قومها الروم في مدينة تدعى «عمورية»، انتهت المعركة بانتصار كبير للمسلمين، ووقع عدد كبير من الروم أسرى جيء بهم إلى بغداد. وقد جرت العادة أن يباع الأسرى في سوق تسمّى سوق النخاسة، وكان بيع الأسرى يتم لتأمين أماكن لسكناهم ورعايتهم، وكذلك على أساس المعاملة بالمثل، كما كان يجري للأسرى المسلمين، الذين يقعون في أيدي خصومهم من غير المسلمين.
أرسل الإمام الهادي عليه السلام أحد النخاسين واسمه «بشر» إلى بغداد، ليشتري الفتاة الرومية الأسيرة، ويحضرها إليه. فحملها النخاس إلى سامراء حيث يقيم الإمام (ع)، الذي بشرها بمولودها المبارك، المهدي المنتظر، الذي يملك الدنيا، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
سرت «نرجس» لهذه البشرى، وأقامت لدى الإمام قريرة العين. وكانت من الصالحات الناسكات، وحين حملت بالمهدي عليه السلام، خفي حملها على أكثر النساء اللواتي كن قريبات منها، وشاء الله لها أن تكون أماً لأكرم مولود، حارت به الظنون وضلّت به العقول، وصدق به المؤمنون برسالة جده المصطفى، وآبائه أئمة الهدى؛ عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام. {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} القصص: الآية 5.
الخامس عشر من شعبان
حلت ليلة النصف من شهر شعبان سنة 255 للهجرة، فطلب الإمام الحسن العسكري من عمته السيدة حكيمة أن تلازم «نرجس» في تلك الليلة ولا تفارقها. فقد شاءت العناية الإلهية أن تكون هذه الليلة المباركة، ليلة الخامس عشر من شعبان، هي الليلة الموعودة، لولادة المنتظر الموعود، ووضعت «نرجس» وليدها المبارك، تحيطه العناية برعايتها، وتحفّ الملائكة بمهده. وأسماه أبوه - إنفاذ لمشيئة الله - محمداً المهدي. وطبقاً للحديث القدسي عن رسول الله (ص):
«لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي». (أي يماثل اسمه اسمي).
ومعنى كلمة «المهدي» هو كل من تلبس بالهدى والصلاح، ودعا إلى الحق والخير والصراط المستقيم. وأصبح هذا الاسم علماً على الإمام الثاني عشر عليه السلام. ويعني إضافة إلى ذلك أنّه سيقود الثورة على الظالمين والجائرين، ويحارب الطغاة والجبابرة، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.
مهدي هذه الأمة
توفي الإمام الحسن العسكري عليه السلام متأثراً بالسم، سنة 260 للهجرة. وكانت سن الإمام المهدي عليه السلام خمس سنوات. ولم يكن يظهر إلاّ للخاصّة المقربين من أنصار أبيه، وذلك حرصاً على حياته، لأنّ العباسيين كانوا جادين في البحث عنه بتحريض من عمه جعفر الكذّاب، رغم إعلانهم بأن الإمام العسكري عليه السلام، توفي دون أن يترك ذرية. وكانوا يدركون مقدار كذبتهم، ويأملون بالعثور عليه والتخلص منه؛ كي يخلو الجو إلى صنيعتهم عمه جعفرٍ.
وقف جعفر يتلقى التعزية بأخيه الإمام (ع)، وحين همّ بالصلاة عليه وتهيأ للتكبير . . ظهر غلام أسمر اللون، وتقدم منه قائلاً:
«تأخّر يا عم، أنا أحق منك بالصلاة على أبي».
بهت جعفر واصفرّ لونه، لكنّه لم يملك إلاّ أن يتنحّى مفسحاً المكان لابن أخيه، الذي صلّى على أبيه، ثم خرج من المكان دون أن يستطيع أحد الإمساك به. وأسقط في يد جعفر، هذا المنحرف الذي ترك خطّ آبائه واختار طريق المنكر والسوء، وصدقت فيه كلمة أبيه الإمام الهادي عليه السلام إذ قال:
«تجنبوا ولدي جعفراً، فإنّه مني بمنزلة ابن نوح، الذي قال الله فيه: {يا نوح إنّه ليس من أهلك، إنّه عمل غير صالح}.
غيبة إمام الزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
قلنا إنّ المهدي عليه السلام كان لا يظهر إلاّ للمقربين، وقد غاب عن أنظار الناس غيبتين:
الغيبة الصغرى وامتدت تسعاً وستين سنة، كان يتّصل خلافها بوكلائه الخاصين الأمناء، وكانوا هم واسطة الاتصال بينه وبين الناس، يتلقون تعليماته وإرشاداته بواسطة الرسائل التي كانوا يحملونها إليه من كافة الأقطار، ويأخذون منه أجوبتها لأصحابها. كما كانوا يقومون بجباية الأموال الشرعيّة والتصرف بها في وجوهها حسبما تقضي المصلحة. ووكلاءه في تلك الفترة هم على التوالي: عثمان بن سعيد، وابنه محمد بن عثمان، والحسين بن روح، وعلي بن محمد، وكانوا يدعون بالسفراء. وبعد وفاة هذا الأخير انقطع اتصال الإمام بالناس تماماً، وبدأت غيبته الكبرى عليه السلام، وهي ممتدة إلى يومنا هذا وستستمر حتى يأذن الله له بالظهور، عجل الله فرجه الشريف.
وإنّ من أهداف الغيبة الصغرى تهيئة أذهان الناس لمفهوم الغيبة الكبرى، وتعويدهم تدريجاً على احتجاب الإمام عنهم، كي لا يفاجأوا عند ما يحتجب في غيبته الكبرى، وقد سبقه إلى ذلك أبوه العسكري وجدّه الهادي عليهما السلام، فقد كانا يحتجبان كثيراً عن أعين الناس، في خطوةٍ تعتبر تمهيداً لغياب المهدي عليه السلام واحتجابه.
وكذلك فإنّ الاحتجاب يعود الناس على الاتصال بالسفراء وقبول رعايتهم لشؤونهم، والتوسط بينهم وبين الإمام (ع) في فترة غيبته الصغرى. وقد شغل السفير الأول منها حوالي خمس سنوات، والسفير الثاني حوالي الأربعين عاماً، والسفير الثالث واحداً وعشرين عاماً، والرابع بقي في السفارة ثلاث سنوات. توفي بعدها، وبدأت بوفاته الغيبة الكبرى.
هذا وإنّ أسباب الغيبة الكبرى هي من الأمور الغيبة، وفي روايةٍ عن الإمام الصادق عليه السلام، حين سئل عن ذلك قال:
«إنّ هذا الأمر لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر إلاّ بعد أن افترق عن موسى (ع)، وإنّ هذا أمر من أمر الله، وسر من أسراره، وغيب من غيبه».
وعلينا الالتزام بما اقتضته مشيئة الله سبحانه.
وعن الإمام الحسن عليه السلام، أنّه قال لجماعة لاموه على تسليم السلطة لمعاوية بن أبي سفيان:
«ما منّا أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلاّ القائم . . فإنّ الله يخفي ولادته، ويغيّب شخصه، لئلاّ تكون في عنقه بيعة، وهو التاسع من ولد أخي الحسين، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته، في صورة شاب دون الأربعين، والله على كل شيء قدير».
نعم، الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيءٍ، ويحدّثنا القرآن الكريم عن كثير من المعمّرين، فهذا النبي نوح عليه السلام، قد عمر أكثر من ألف سنة، كما أخبرنا ببقاء عيسى عليه السلام.
والتاريخ أيضاً يحدثنا عن كثيرين: لقمان بن عاد عاش خمسمئة سنة، وقيس بن ساعدة عاش سبعمئة سنة، وعمر بن ربيعة عاش أربعمئة سنة وغيرهم كثير.
ومن الطبيعي أن ينتقل تفكيرنا إلى من يرعى شؤون المسلمين في هذه الفترة - فترة الغيبة الكبرى - ومن يتولى أمورهم، لأنّ ولاية أمر المسلمين مهمة ذات شأن عظيم، وهي تستمد شرعيتها من الآية الكريمة : {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}.
وفي غيبته عليه السلام، وإلى أن يأذن الله له بالفرج، على المسلمين أن يرجعوا في أمور دينهم ودنياهم إلى الفقيه العادل الذي تحدد الرواية القدسية أوصافه: «وأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه».
أسطورة السرداب
كان الإمام المهدي عليه السلام، خلال الفترة الأولى من حياته يعيش في بيت أبيه الإمام العسكري (ع)، وكان يتستر عن عيون الحكام وجواسيسهم، ويلجأ أحياناً إلى مخبأ في البيت يسمونه «السرداب»، وكان السرداب - ولا يزال حتى اليوم - يستعمل في بيوت العراق للوقاية من حر الصيف اللاهب.
فإذا اشتدّ الطلب عليه، أو حوصر بيته . . كان يخرج من البيت محاطاً بعناية الله ورعايته، ويغيب مدة يحضر فيها المواسم الدينية. أو يزور مجالس أصحابه الأوفياء، يحل مشاكلهم ويقضي حوائجهم؛ من حيث لا يعرفه إلاّ الصفوة المخلصون منهم.
وحين بدأت غيبته الكبرى عليه السلام، خرج من بيت أبيه في سامراء، إلى أرض الله الواسعة، يعيش مع الناس، ويقاصي ما يقاسون، ويحضر مواسم الحج وغيرها من المناسبات، دون أن يعرفه أحد، حسب التخطيط الإلهي، والمصلحة الإسلامية العامة، الأمر الذي هو سر من سر الله وغيب من غيبه، كما قال الصادق عليه السلام .
وقد استغلّ الحاقدون زيارات المؤمنين لمرقد الإمامينالهادي والعسكري عليهما السلام، في سامراء، واتّهموهم بالقول بأنّهم يعتقدون أنّ الإمام المهدي (عج) دخل السرداب وما زال فيه وهذا - لا شك افتراء رخيص وادّعاء باطل.
فقد عرفنا أنّ المهدي عليه السلام، غادر بيت أبيه نهائياً ليعيش كما يعيش غيره من الناس. وذلك حتى يحين وقت المهمة التي ادّخره الله لها، فيظهر ليحقّ الحق ويزهق الباطل، ويملأ الدنيا قسطا وعدلاً، بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، تسليماً بقول الرسول الاكرم (ص)، الذي لا ينطق عن الهوى، ومصداقاً لوعد رب العالمين بأن يرث المؤمنون الأرض وما عليها.
وعلينا نحن إلى ذلك الوقت . . وقت ظهوره الشريف، أن نجند أنفسنا لنكون من أعوانه وأنصاره، وذلك بأن نتقيد بتعاليم رسالة جدّه المصطفى (ص)، وأن نكون من أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتأبى الظلم وتحارب الظالمين، لنستحقّ أن نكون من جنوده عليه السلام، جنود الحق والعدل والإيمان، داعين إلى الله سبحانه أن يعجّل فرجه، ويسهّل مخرجه، ويجعلنا من أنصاره، والدعاة إلى سبيله.