اللهم صلی علی محمد وال محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم
نحن نعتقد أنّ حديث العشرة المبشرة هو من الموضوعات المختلقة على عهدبني أميّة ، وضعوه على لسان بعض الصحابة .
وممّا يثبت القول ببطلان حديث تبشيرالعشرة بالجنة ما رواه الشيخان والنسائي عن سعد بن أبي وقّاص ، قال : ما سمعت النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنّه من أهل الجنّة إلاّلعبد الله بن سلاّم .
فهذا سعد ـ وهو أحّد العشرة المذكورين في حديث التبشير ـقد شهد بأنه لم يسمع النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » يبشّر أحداً بالجنة سوى عبدالله بن سلاّم . لكنّا نعلم أن قوله هذا لا يصح على اطلاقه ، اذ قد استفاضت النقولبتبشير جماعة من خيار الصحابة بالجنة ، إلاّ ان القدر المتيقّن من كلامه انه لم تقعالبشارة من النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » لجميع اولئك العشرة لا سيما علىالنحو المذكور في حديث العشرة ، وان قطعنا بوقوعه لبعضهم في موطن آخر كتبشير النبي « عليه السلام » أمير المؤمنين علياً « عليه السلام » وأهل بيته الكرام بالجنة ،واخباره بانّه ساقي الحوض وصاحبه عليه ، وان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّةوغير ذلك .
فتبين ان حديث العشرة المبشرة والشهادة لهم بالجنة لم يكن يعلمبه أحد من المبشرين أنفسهم ، وانّما هو ـ كما قلنا ـ من الموضوعات المختلقة .
ويدل على هذا أيضاً :
1 ـ أن دليل العقل يمنع من القطع بالجنةوالأمان من النار لمن تجوز منه مواقعة قبائح الاعمال ، ومن ليس بمعصوم من الزللوالضلال ، فلا يجوز أن يعلم الله تعالى مكلّفاً كهذا بأن عاقبته الجنة ، لانّ ذلكيغريه بالقبيح ، ولا خلاف أن التسعة لم يكونوا معصومين من الذنوب ، وقد واقع بعضهمـ على مذهب أكثر مخالفينا ـ كبائر ـ وان ادّعوا انهم تابوا منها ـ فثبت ان الحديثباطل مختلق .
2 ـ انّ ممّا يبيّن بطلان الخبر أنّ أبا بكر لم يحتج به لنفسه، ولا احتجّ به له في مواطن دفع فيها الى الاحتجاج به ـ ان كان حقاً ـ لمّا حوصروطولب بخلع نفسه وهمّوا بقتله ، وما منعه من التعلّق به لدفعهم عن نفسه ، بل تشبّثبأشياء تجري مجرى الفضائل والمناقب ، وذكر القطع بالجنة اولى منها واحرى .
فلوكان الأمر على ما ظنّه القوم من صحّة هذا الحديث عن النبيّ « صلى الله عليه وآلهوسلم » ، أو روايته في وقت عثمان لاحتجّ به على حاصريه في يوم الدار في استحلال دمه، وقد ثبت في الشرع حظر دماء أهل الجِنان ـ الإفصاح : 73 ، تلخيص الشافي 3 / 241 ـ .
ثمّ ما الذي ثبّط سعيد بن زيد ـ راوي الحديث ـ والطلحتَين الناكثَينوسائر الأحياء من العشرة يومذاك عن نجدة وليّهم بحديث التبشير بالجنّة ؟! ولِمَ ضنّبه أُولئك الرهط ـ لو كان ـ على صاحبهم ، مع أنّه من أنجع ما يُدرأ به الشرّ وتحسمبه مادّة النزاع ؟!
وعلامَ نبذوا ابن عفّان بعد مقتله ثلاثة أيّام ملقىً علىالمزبلة حتّى خرج به ناس يسير من أهله إلى حائط بالمدينة يقال له : « حشّ كوكب » كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فرجم المسلمون سريره ومنعوا الصلاة عليه ، إلى غيرذلك ممّا هو مسطور في كتب السِيَر والتواريخ في قصّة قتل عثمان ـ تاريخ الطبري 5 / 143 ـ 144 ، الاستيعاب ـ ترجمة عثمان ـ .
بل روى ابن عبد ربّه الأندلسي في « العقد الفريد » ـ 3 / 84 ـ عن العتبي ، قال : قال رجل من بني سليم : قدمت المدينةفلقيت سعد بن أبي وقّاص فقلت : يا أبا إسحاق ، من الذي قتل عثمان ؟ قال : قتله سيفعائشة وشحذه طلحة وسمّه عليّ ، قلت : فما حال الزبير ؟ قال : أشار بيده وصمت بلسانه . انتهى .
فلو أنّ شيئاً من تبشير عثمان بالجنّة كان قد ثبت عند الصحابة ، لَماألّبوا عليه ولا كتبوا إلى الناس يستدعونهم لجهاده ، والمنصف المتأمّل لذلك يجزمبأنّ حديث التبشير لم يكن له إذ ذاك عين ولا أثر ، وإنّما اختُلق في دولة بنيأُميّة .
الثالث : قد علم البرّ والفاجر ، والمؤمن والكافر ، ما وقع منأكثر هؤلاء المبشّرين من المخالفات للإمام عليٍّ «عليه السلام » وبين طلحة والزبيرمن المباينة في الدين والتخطئة من بعضهم لبعض والتضليل والحرب وسفك الدم علىالاستحلال به دون التحريم ، وخروج الجميع من الدنيا على ظاهر التديّن بذلك دونالرجوع عنه بما يوجب العلم واليقين ، فكيف يكون كلّ من الفريقين على الحقّ والصوابـ مع ماذكرناه ـ الإفصاح : 73 ـ 74 ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 522 ـ ؟! وكيف يحكم للجميع بالأمان من عذاب الجحيم والفوز بجنّات النعيم ، والحقّ مع عليٍّيدور معه حيث دار ـ راجع 2 / 122 ـ 126 من كتاب « فضائل الخمسة من الصحاح الستّة » تجد الحديث بألفاظه المختلفة ؟!
الرابع : لو كان الحديث صحيحاً ـ كما زعمواـ لكان الأمان من عذاب الله لأبي بكر وعمر وعثمان به حاصلاً ، ولَما جزعوا عنداحتضارهم من لقاء الله تعالى واضطربوا من قدومهم على أعمالهم مع اعتقادهم أنّهامُرضية الله سبحانه ، ولا شكّوا بالظفر بثواب الله عزّ وجلّ ، ولجَرَوا فيالطمأنينة لعفو الله تعالى ـ لثقتهم بخبر الرسول « صلى الله عليه وآله وسلم » ـمجرى أمير المؤمنين « عليه السلام » في التضرّع إلى الله عزّ وجلّ في حياته أنيقبضه الله تعالى إليه ويعجِّل له السعادة بما وعده من الشهادة ، وعند احتضاره أظهرمن سروره بقرب لقائه برسول الله « صلى الله عليه وآله وسلم » واستبشاره بالقدوم علىالله عزّ وجلّ لمعرفته بمكانه ومحلّه من ثوابه ، كيف ؟! ومن أطاع الله أحبّ لقائه ،ومن عصاه كره لقاءه .
قال المفيد رحمه الله تعالى في « الإفصاح » ـ ص73 ـ : والخبر الظاهر أنّ أبا بكر جعل يدعو بالويل والثبور عند احتضاره ، وأنّ عمر تمنّىأن يكون تراباً عند وفاته ، وودَّ لو أنّ أُمّه لم تلده ، وأنّه نجا من أعمالهكفافاً ، لا له ولا عليه ، وما ظهر من جزع عثمان بن عفان عند حصر القوم له ،وتيقّنه بهلاكه ـ راجع كتاب « السبعة من السلف من الصحاح الستّة » : 16 ، 43 ، 114ـ دليل على أنّ القوم لم يعرفوا من رسول الله « صلى الله عليه وآله وسلم » ماتضمّنه الخبر من استحقاقهم الجنّة على كلّ حال ، ولا أمِنوا من عذاب الله سبحانهلقبيح ماوقع منهم من الأعمال . انتهى .
وممّا قرّرنا ينكشف لك أنّ حديث تبشيرالعشرة بالجنّة زخرف من القول ، ليس له أصل ، فلا تغرّنك كثرة طرقه ، ولا تهولنّكوفرة أسانيده وشهرته ، فلرُبّ مشهور لا أصل له .
ومن هنا اتضح ان أبا بكروعمر وعثمان ليسا من المبشرين بالجنة ، وعليه لا يرد على معتقدات الشيعة شيء