3-هل المهدي عليه السّلام من ولْد العبّاس ؟
سؤال: وردت طائفة من الأحاديث تصرّح بأنّ المهديّ من ولد العبّاس عمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وطائفة أخرى من الأحاديث المجملة التي قد يستفيد البعض منها دلالتها على كَون المهدي من ولد العبّاس.. فما هو موقفنا من هذه الأحاديث ؟ وما مقدار موضوعيّتها وصحّتها ؟
جواب: إنّ هذه الأحاديث وردت في عدّة صور سنتعرّض لها الواحدة تلو الأخرى:
1 ـ روى السيوطي في الجامع الصغير وسواه حديث « المهدي من ولد العبّاس عمّي » وقال: حديث ضعيف(1)؛ وقال عنه المناوي الشافعي في شرحه على الجامع الصغير: رواه الدارقطني في الأفراد. قال ابن الجوزي: فيه محمد بن الوليد المقري، قال ابن عَدِي: يضع الحديث ويصله ويسرق ويقلب الأسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر: كذّاب. وقال السمهودي: ما بعده وما قبله أصحّ منه، وأمّا هذا ففيه محمّد بن الوليد، وضّاع(2).
وضَعّف الحديث كلٌّ من: السيوطي في الحاوي، وابن حجر في الصواعق، والصبّان في إسعاف الراغبين، وأبو الفيض الغماري في إبراز الوهم المكنون(3).
2 ـ وروى ابن الوردي في خريدة العجائب مرسَلاً عن ابن عمر: « رجل يخرج من ولد العبّاس »(4)، وهو ـ زيادة على إرساله المُسقِط لحُجيّته ـ لم يُصرّح فيه بالمهدي.
3 ـ وروى الخطيب البغدادي في تاريخه عن ابن عبّاس، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: إنّ الله ابتدأ بيَ الإسلام، وسيختمه بغلامٍ من وُلدك، وهو الذي يتقدّم عيسى ابنَ مريم »(5).
وفي إسناد الحديث محمّد بن مخلَّد الذي ضعّفه الذهبي وقال: رواه عن محمد بن مخلد العطّار، فهو آمنة، والعجب أنّ الخطيب ذكره في تاريخه ولم يضعّفه، وكأنّه سكت عنه لانتهاك حاله(6).
4 ـ أخرج الخطيب وابن عساكر عن أمّ الفضل، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: « يا عبّاس، إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولولدك، منهم السفّاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي »(7)، وقال الذهبي عن الحديث: في السند أحمد بن راشد الهلالي، عن سعيد بن خيثم، بخبرٍ باطل في ذِكر بني العبّاس من رواية خيثم، عن حنظلة ـ إلى أن قال: عن أحمد بن راشد ـ فهو الذي اختلقه(8).
وقد أشار الذهبي إلى جهل أحمد بن راشد في وضع الحديث، لأنّ حكم العبّاسيين لم يبدأ بسنة 135 هـ ـ كما في الحديث المختلق ـ بل بدأ سنة 132 هـ بالاتّفاق، وهذا من علامات جهل واضع الحديث ( أحمد بن راشد ) بابتداء حكم بني العبّاس.
5 ـ أخرج نظيرَ هذا الحديث عن ابن عبّاس: السيوطيُّ في اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة وقال: موضوع، المتّهم به الغلاّبي(9). وأخرجه ابن كثير في البداية والنهاية عن ابن عباس أيضاً، من طريق الضحّاك، وقال: وهذا إسناد ضعيف، والضحّاك لم يسمع من ابن عبّاس شيئاً على الصحيح، فهو منقطع(10). وأخرجه الحاكم عن طريق آخر فيه إسماعيل بن إبراهيم(11)، وقد حكى أبو الفيض الغماري عن الذهبي أنّ إسماعيل مُجمَع على ضعفه(12).
1 ـ الجامع الصغير، للسيوطي 672:2، حديث 9242.
2 ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير، للمناوي 678:6، حديث 9242.
3 ـ الحاوي للفتاوى، للسيوطي 85:2. الصواعق المحرقة، لابن حجر 166. إسعاف الراغبين، للصبّان 151. إبراز الوهم المكنون، للغماري 563.
4 ـ خريدة العجائب، لابن الوردي 199.
5 ـ تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي 323:3.
6 ـ ميزان الاعتدال، للذهبي 89:1 / الرقم 328.
7 ـ تاريخ بغداد 63:1. وتاريخ دمشق 178:4.
8 ـ ميزان الاعتدال 97:1.
9 ـ اللآلي المصنوعة، للسيوطي 434:1 ـ 435.
10 ـ البداية والنهاية، لابن كثير 246:6.
11 ـ المستدرك، للحاكم 514:4.
12 ـ إبراز الوهم المكنون 543.
سؤال: تذرّع البعض في إنكاره لظهور الإمام المهدي عليه السّلام في آخر الزمان بحديث رواه ابن ماجة عن محمد بن خالد الجندي الذي رواه عن أنس بن مالك، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لا يزداد الأمر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شُحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ على شِرار الناس، ولا مهديّ إلاّ عيسى ابن مريم»(1)! فما مدى صحّة هذا الحديث ؟
جواب: إنّ حال محمّد بن خالد الجُندي لا تخفى على أحد من علماء الرجال؛ فقد اشتهر أنّه وضع إلى الجُند ـ وهي على مسيرة يومَين من صنعاء ـ حديث الجند المشهور وَضْعُه، وهو « تُعمَل الرِّحال إلى أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصى، ومسجد الجند »(2)! في محاولة منه لاستمالة قلوب الناس إلى زيارة معسكر الجند، بعد أن مهّد له بشدّ الرحال إلى المساجد الثلاثة المقدّسة عند جميع المسلمين.
ونقول:
1 ـ إنّ الحديث الأوّل له طرق صحيحة أُخرى لا تُوجد فيها الزيادة « ولا مهديّ إلاّ عيسى ابن مريم »، منها ما أخرجه الطبراني والحاكم بسندهما عن أبي أُمامة بنفس ألفاظ حديث ابن ماجة، لكن مِن غير العبارة المذكورة، وصحّحه الحاكم فقال: هذا حديث صحيح الاسناد، ولم يُخرجاه(3).
2 ـ أنّ الذهبي تطرّق في ميزان الاعتدال في ترجمة محمد بن خالد الجندي إلى جرحه وتضعيفه، ثمّ قال: حديثه « لا مهدي إلاّ عيسى » وهو حديث مُنكَر، أخرجه ابن ماجة(4).
3 ـ ذكر الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب في ترجمة الجندي بأنّه مجهول(5).
4 ـ أنّ القرطبي ذكر الحديث وقال: فقوله « ولا مهدي إلاّ عيسى » يعارض أحاديث هذا الباب. ثمّ نقل كلمات مَن طعن بمحمد بن خالد الجندي وأنكر عليه حديثه.. إلى أن قال: والأحاديث عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصحّ من هذا الحديث، فالحكم لها دونه(6).
5 ـ قال الحافظ ابن حجر في الصواعق عن الحديث المذكور: وصرّح النسائي بأنّه منكَر، وجزم غيره من الحفّاظ بأنّ الأحاديث التي قبله ـ أي الأحاديث الناصّة على أنّ المهدي من ولد فاطمة ـ أصحّ إسناداً(7).
6 ـ وفنّد أبو الفيض الغماري حديث « ولا مهدي إلاّ عيسى » بثمانية وجوه هي في غاية الجودة والمتانة (8).
7 ـ والطريف أن ابن ماجة الذي روى حديث « ولا مهديّ إلاّ عيسى » روى بنفسه حديث « المهديّ حقّ، وهو من ولد فاطمة »(9)!
8 ـ أنّ ابن القيّم تناول في المنار المنيف حديث « ولا مهدي إلاّ عيسى » ونقل كلمات علماء أهل السنّة بشأنه، وأنّه مما تفرّد به محمّد بن خالد الجندي، ثمّ نقل كلام البيهقي بأنّ الأحاديث على خروج المهدي أصحّ إسناداً(10).
9 ـ ولا ننسى أنّ صحاح أهل السنّة نقلت أحاديث كثيرة عن نزول عيسى عليه السّلام واقتدائه بالإمام المهدي عليه السّلام. وروى البخاري في صحيحه حديث « كيف أنتم إذا نزل فيكم عيسى ابن مريم وإمامُكم منكم ؟! »، ورواه أيضاً مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده وعبدالرزاق الصنعاني في مصنّفه باختلاف يسير(11).
10 ـ ومن المسلّم لدى جميع المسلمين أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم صرّح بمقولته الشهيرة: « لا نبيّ بعدي »، وأنّ الاعتقاد باستقلال عيسى عليه السّلام بالنزول وحده دون المهدي عليه السّلام يوهم العوامَّ بانتقال الملّة المحمّدية إلى الملّة العيسويّة النصرانيّة، وهذا كفر(12).
1 ـ سنن ابن ماجة 1340:2، حديث 4039.
2 ـ تهذيب التهذيب، لابن حجر 125:9/ الرقم 202.
3 ـ المعجم الكبير، للطبراني 214:8، حديث 7757. المستدرك، للحاكم 440:4.
4 ـ ميزان الاعتدال، للذهبي 535:3/ الرقم 7479.
5 ـ تقريب التهذيب.
6 ـ التذكرة، للقرطبي 701:2.
7 ـ الصواعق المحرقة، لابن حجر 164.
8 ـ إبراز الوهم المكنون 538.
9 ـ سنن ابن ماجة 1368:2، حديث 4086.
10 ـ المنار المنيف، لابن القيم 129 ـ 130، حديث 324 و 325.
11 ـ صحيح البخاري 205:4 ـ باب نزول عيسى. صحيح مسلم 94:1 ـ باب نزول عيسى. مسند أحمد 336:2. مصنّف عبدالرزاق 400:18، حديث 20841.
12 ـ انظر: البيان، للگنجي الشافعي 128 ـ آخر الباب 12.
إمكان العمر الطويل
سؤال: قد يثار تساؤل عن إمكان بقاء الإمام المهدي عليه السّلام أكثر من أحد عشر قرناً، وهل من الممكن أن يعيش المرء هذه الفترة المديدة دون أن تجري عليه قوانين الطبيعة التي تحتّم مروره بمرحلة الهرم فالشيخوخة فالوفاة ؟!
جواب: في الإجابة على هذا التساؤل يمكن مناقشة الإمكان في هذه الحالة على ثلاثة مستويات:
1 ـ الإمكان المنطقي: أي ما لا يمنع العقلُ حدوثه، وما لا يستحيل عقلاً.
2 ـ الإمكان العِلمي: وهو ما لا يمتنع من الناحية العِلمية الصرفة، أي أنّ العلم لا يمنع حدوثه ووجوده فعلاً.
3 ـ الإمكان العملي: ويُراد به ما هو ممكن فعلاً وواقعاً، أي ما هو متحقّق وموجود ظاهراً في الخارج.
أمّا الإمكان المنطقي: فإنّ امتداد العمر فوق الحدّ الطبيعي ليس في دائرة المستحيل، نعم هو ليس مألوفاً ومُشاهداً في العادة، بَيْد أنّ التاريخ نقل حالات كثيرة من هذا القبيل. فقد أخبرنا القرآن الكريم عن طول عمر النبيّ نوح عليه السّلام في قوله تعالى: ولقد أرسَلْنا نوحاً إلى قَومهِ فلَبِثَ فيهِم ألفَ سنةٍ إلاّ خمسينَ عاماً (1)، وهذا ـ بطبيعة الحال ـ غير عمره قبل النبوّة، وأخبرنا أيضاً عن بقاء عيسى حيّاً، وورد في الروايات المتواترة التي تناقلها عامة المسلمين أنّه سينزل فيصلّي خلف المهديّ عليه السّلام، إضافة إلى ما تواتر بين المسلمين من امتداد عمر الخضر عليه السّلام.
ومتى اعتقد المسلم بأنّ الله تعالى أراد أن يُعمِّر نوحاً عليه السّلام هذه المدّة الطويلة، وأراد أن يُبقي عيسى عليه السّلام في العالم الآخر طوال هذه المدّة، وأراد كذلك أن يبقي الخضر عليه السّلام(2) هذه المدّة المديدة، وأمكن أن يُبقيَ الشيطان ـ وهو عدوّه اللدود ـ إلى يوم يُبعثون لحكمةٍ ما، فلماذا يستبعد أن يعمّر الله تعالى خاتم الأوصياء الإمام المهديّ عليه السّلام؛ لينشر العدل والقسط في أرجاء البسيطة، وليُظهر الإسلام على الدين كلّه، كما وعَدَ القرآنُ الكريم ووعد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟!
وأمّا الإمكان العِلمي والعمليّ: فإنّ التجارب المعاصرة على الرغم من إخفاقها ـ في ضوء الإمكانات المتاحة ـ في إطالة عمر الإنسان إلى حدّ كبير.. فهذا لا يدلّ على عدم إمكان طول عمر الإنسان؛ لأنّ الإمكان العملي ينحصر بمحاولات إطالة العمر الطبيعي للإنسان بِيد الإنسان نفسه، فإذا قلنا إنّ الله سبحانه يوفّر الأسباب الكفيلة بإدامة حياة الفرد المعمَّر، وأنّ دَور العِلم ليس أكثر من اكتشاف هذه الأسباب ـ لأن إبداع السباب منحصر بيده تعالى ـ ظهر تفسير الإمكان العلمي الآتي الذي نتحدّث عنه.
والتجارب العلميّة آخذة بالازدياد لإطالة عمر الإنسان أكثر من المعتاد، والعلماء يسعون جاهدين لتحويل هذا الإمكان العلمي إلى إمكان عملي واقعيّ ملموس، وغاية سعيهم هو بلوغ أمرٍ صرّح بوقوعه القرآن الكريم حين أخبرنا عن حياة نوح عليه السّلام الطويلة.
ونلفت الأنظار إلى أنّ تعطيل القانون الطبيعي المألوف أمر يؤمن به الفرد المسلم، فقد صرّح القرآن الكريم بأنّ النبيّ إبراهيم عليه السّلام أُلقي في النار العظيمة التي من شأنها الإحراق، فأنجاه الله تعالى بالمعجزة، قال تعالى: يا نارُ كوني بَرداً وسلاماً على إبراهيم (3). وقد أصبحت هذه المعجزة وأمثالها من معاجز الأنبياء ـ بمفهومها الدينيّ ـ أقرب إلى الفهم بدرجةٍ كبيرة في ضوء المعطيات العلميّة الحديثة، فلقد كنّا نقرأ في الروايات ـ قبل اختراع التلفزيون ـ أنّه ( سيكون في آخر الزمان يَرى ويسمع مَن في المشرق مَن هو في المغرب )، وكان البعض حينذاك يستبعده ويعدّه من غير المعقول، ثمّ صرنا نشاهده بأُمّ أعيننا. ونقول هنا إنّ استبعاد أمرٍ ما لمجرّد عدم وجود حالة مماثلة أو مقاربة ليس مقبولاً منطقيّاً، وليس مُبرَّراً علميّاً، إذا كان ذلك الأمر المستبعَد يقع في دائرة الإمكان العلمي والمنطقي، وقامت عليه الشواهد والأدلّة.
1 ـ العنكبوت: 14.
2 ـ ذكر ابن حجر في الإصابة الخضرَ من جملة الصحابة، وقال الحافظ النووي في تهذيب الأسماء واللغات 176:1 / الرقم 147 أنّ جمهور العلماء يعتقدون أن الخضر حيّ، وكذلك قال القاري في مرقاة المفاتيح 692:9 ـ كتاب الفتن.
3 ـ الأنبياء: 69.
سؤال: قد يتساءل البعض: إذا كانت أحاديث المهدي المنتظر عليه السّلام صحيحة، فلماذا خلا منها كتابا الصحيحَين: صحيح البخاري وصحيح مسلم ؟
جواب: ونُشير في الإجابة إلى عدّة أمور:
1 ـ أنّ علماء السنّة استدركوا على الصحيحَين الكثيرَ من الأحاديث الصحيحة في كتابه، فقد صرّح هو نفسه بأنّ ما تركه من الصحيح أكثر ممّا أخرجه في كتابه.
2 ـ أنّ علماء السنّة استدركوا على الصحيحين الكثيرَ من الأحاديث الصحيحة، وكتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري أوضح مثال على ذلك.
3 ـ أنّ البخاري ومسلم رَوَيا في كتابيهما عشرات الأحاديث المجملة في المهدي عليه السّلام، وقد أرجع علماء أهل السنّة الأحاديث المذكورة إلى الإمام المهدي عليه السّلام لوجود أحاديث صحيحة أخرى مُخرَّجة في بقيّة كتب الصحاح أو المسانيد تفسّر الأحاديث المجملة الواردة في صحيحَي البخاري ومسلم.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ؟!(1)
وروى مسلم بسنده عن جابر بن عبدالله، قال: سمعتُ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم عليه السّلام، فيقول أميرُهم: تعالَ صَلِّ لنا، فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمةً لهذه الأمّة(2).
وإذا نظرنا في كتب الصحاح الأخرى والمسانيد وغيرها، نجد روايات كثيرة تصرّح بأنّ هذا الإمام ـ أمير الطائفة التي تقاتل على الحقّ إلى يوم القيامة ـ هو الإمام المهدي عليه السّلام لا سواه.
ومَن راجع شروح صحيح البخاري يعلم بأنّ شارحيها متّفقون على تفسير لفظة «الإمام» الواردة في حديث البخاري بالإمام المهدي عليه السّلام.
وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يكون في آخر أمّتي خليفة يحثي المال حَثياً لا يعدّه عدّاً(3).
وصفة إحثاء المال ( مبالغةً في الكثرة ) لم يُوصف بها أحد غير الإمام المهدي عليه السّلام في كتب أهل السنّة ورواياتهم، فقد أخرج الترمذي ـ على سبيل المثال ـ بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: إنّ في أمّتي المهدي ـ وساق الحديث، إلى أن قال ـ: فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني أعطِني! فيحثي المال له في ثوبه ما استطاع أن يحمله(4). وروي هذا الحديث أيضاً عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري من طرق كثيرة.
4 ـ أنّ البخاري أخرج حديثاً صريحاً في المهدي في تاريخه الكبير، فقد روى عن أمّ سلمة، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حديث «المهدي حقّ، وهو من ولد فاطمة» (5)، وروى مسلم هذا الحديث في صحيحه، صرّح بذلك ابن حجر الهيثمي في صواعقه، والمتّقي الهندي الحنفي في كنز العمّال، والشيخ محمّد علي الصبّان في إسعاف الراغبين، والشيخ حسن العدوي الحمزاوي المكّي في مشارق الأنوار(6)، وهم أربعة من علماء أهل السنّة الموثوق بنقلهم عن صحيح مسلم صراحةً، لكننا نرجع إلى صحيح مسلم في طبعاته المتداولة حاليّاً فلا نجد لهذا الحديث أثراً!!
ونحكم ـ من خلال هذا كلّه ـ بأنّ التشكيك في أحاديث المهدي المنتظر عليه السّلام بذريعة عدم إخراج البخاري ومسلم لها في الصحيحين ليس له ما يبرره في لغة العلم والمنطق، إضافة إلى أنّ أهل السنّة ـ أنفسهم ـ لا يشترطون، في تعريفهم للحديث الصحيح، أن يكون مرويّاً في الصحيحَين أو أحدهما، وكذا الحال في تعريفهم للحديث المتواتر.
1 ـ صحيح البخاري 205:4 ـ باب ما ذُكر عن بني إسرائيل. وصحيح مسلم 136:1، حديث 244 ـ باب نزول عيسى عليه السّلام.
2 ـ صحيح مسلم 137:1، حديث 247 ـ باب نزول عيسى عليه السّلام.
3 ـ صحيح مسلم 52:4، حديث 2913 ـ كتاب الفتن.
4 ـ سنن الترمذي 506:4، حديث 2232.
5 ـ التاريخ الكبير، للبخاري.
6 ـ الصواعق المحرقة، لابن حجر 163، ب 11، ف 1. كنز العمّال، للمتقي الهندي 264:14، حديث 38662. إسعاف الراغبين، للصبّان 145. مشارق الأنوار، للعدوي الحمزاوي المالكي 112.
سؤال: يتساءل البعض: ما فائدة الاعتقاد بإمام غائب ؟!
جواب: نذكّر هنا بالحديث الشريف الذي تناقله علماء المسلمين عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: « مَن مات ولم يَعرِف إمامَ زمانه ماتَ مِيتةً جاهليّة »(1). إنّ المسلم إذا اعتقد بالإمام المنتظر عليه السّلام ووضع في حسابه أنّ ظهور هذا الإمام سيكون مفاجئاً، وعلى حدّ تعبير الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم: « مَثَلُه مَثَل الساعة لا تأتيكم إلاّ بغتة »(2)، فإنّ أوّل ثمار الاعتقاد بالإمام المهديّ عليه السّلام سيكون الترقّب لظهوره المبارك، هذا الترقّب الذي وصفته الروايات المتكاثرة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته عليهم السّلام بأنّ ثوابه ثواب مَن قاتل مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنّ من مات على فراشه وهو على معرفةِ حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته، مات شهيداً(3).
وهذا الترقّب يستلزم أن يكون الفرد المسلم على حالة من الاستقامة على الشريعة الإلهية، والتقيّد بأوامرها ونواهيها؛ لأنّ ظهور الإمام المهدي عليه السّلام الذي سيكون مفاجئاً يتطلّب من المؤمن المترقِّب المنتظِر أن يكون على أُهْبة كاملة للاشتراك في حركة التطهير الواسعة التي سيقودها الإمام المنتظر عليه السّلام، لإرساء دين الله تعالى والانتصاف للمظلومين من ظالميهم وغاصبي حقوقهم. وهذا الترقّب المقرون بالنهوض بالمسؤوليّة في تطبيق الشريعة على المستوى الفرديّ والاجتماعي.. هو مصداقُ: « مَن مات على فراشه وهو على معرفةِ حقّ ربه وحقّ رسوله وأهل بيته عليهم السّلام »، وهو مصداق « أفضل العبادة انتظار الفَرَج »(4).
وندرك من خلال هذا الفهم أنّ الأئمّة الأطهار عليهم السّلام كانوا إذا نَهَوا أصحابهم عن الاستعجال بظهور الإمام، إنّما كانوا يأمرونهم بأن يكونوا مستعدّين لظهوره عليه السّلام، ويؤكّدون عليهم الالتزام بالشريعة الحقّة، فذلك أفضل وسيلة لتمهيد الأرضيّة لظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السّلام.
1 ـ صحيح البخاري 13:5 ـ باب الفتن. صحيح مسلم 21:6 ـ 22،حديث 1849.
2 ـ فرائد السمطين، للحمويني 337:2، حديث 591.
3 ـ تأويلات الآيات، لشرف الدين 642.
4 ـ فرائد السمطين، للجوينيّ الحموينيّ 335:2، حديث 588. ينابيع المودّة، للقندوزي الحنفيّ 397:3 الباب 94.
سؤال: قد يتذرّع البعض في تشكيكه بأحاديث الإمام المهدي عليه السّلام بتضعيف ابن خلدون لبعضها في مقدّمته.. فبماذا يجاب هذا البعض ؟
جواب: الواقع أنّ هؤلاء لم يلتفتوا إلى عدّة نقاط هامّة، لو علموا بها لكان لهم ـ بالتأكيد ـ موقف آخر.
1 ـ إنّ ابن خلدون نفسه قد صرّح بصحّة بعض الأحاديث الواردة في الإمام المهدي عليه السّلام، فقد صرّح بصحّة الحديث الذي رواه الحاكم بسنده عن أبي سعيد الخدري ( من طريق سليمان بن عبيد، عن أبي الصديق الناجي )، وبصحّة الحديث الذي رواه الحاكم بسنده عن عليّ عليه السّلام حول ظهور المهدي، وبصحّة حديث أبي داود السجستاني عن أُمّ سَلَمة، واعترف بصحّة ما رواه الحاكم عن أبي سعيد الخُدري ( من طريق عون الأعرابي، عن أبي الصديق الناجي ).
2 ـ إنّ علماء دراية الحديث من أهل السنّة قد ردّوا على ابن خلدون ردوداً مطوّلة ومختصرة، كأبي الفيض الشافعي في « إبراز الوهم » في الردّ على من تذرّع بتضعيفات ابن خلدون، حيث أورد مؤاخذة عنيفة على ابن خلدون، وبيّن أنّ العلل التي ذكرها في تضعيفه لبعض الأحاديث علل مزوّرة مكذوبة، وأنّ التجريحات التي لَمز بها ثقاتِ رواتها تجريحاتٌ ملفّقة مقلوبة، وأن ابن خلدون لا نصيب له ولا سهم في هذا الشأن، ولا استوفى منه بمكيال ولا ميزان، فكيف يُعتمد فيه عليه، ويُرجع في تحقيق مسائله إليه(1) ؟!
وكالشيخ أحمد شاكر الذي صرّح بأنّ ابن خلدون قد قفا ما ليس له به عِلم، واقتحم قحماً لم يكن من رجالها، وأنّه تهافَتَ في الفصل الذي عقده في مقدّمته تهافتاً عجيباً، وغَلَط أغلاطاً واضحة(2).
وكالشيخ عبدالمحسن بن حمد العباد الذي قال: إنّ ابن خلدون مؤرّخ وليس من رجال الحديث، فلا يُعتدّ به في التصحيح والتضعيف(3).
3 ـ إنّ طائفة كبيرة من حفّاظ الحديث ونقّاده قد صرّحوا بصحّة أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام، وقد أوردنا أسماء بعضهم في فصول متقدّمة، فراجع.
4 ـ إنّ ابن خلدون لم يضعّف إلاّ (19) حديثاً فقط من مجموع (23) حديثاً انتخبها من المجموع الضخم لأحاديث الإمام المهدي عليه السّلام، الذي يتراوح مجموع ما نُقل منه من طريق أهل السنّة والشيعة ما يقرب من (1941) حديثاً ( من ضمنها الأحاديث المفسِّرة للآيات القرآنية ).
وبإجراء حساب رياضيّ بسيط يتضّح لنا أنّ ابن خلدون لم يُناقش في مقدّمته إلاّ
18و1% من مجموع الأحاديث، وأنّه لم يضعّف إلاّ 978 و0 % من مجموع تلك الأحاديث(4).
فكيف يُدّعى بأنّ ابن خلدون قد ضعّف جميع أحاديث المهدي عليه السّلام، وكيف يدّعي البعض بأنّ ابن خلدون قد تتبّع هذه الأحاديث بالنقد، وضعّفها حديثاً حديثاً ؟!!(5).
1 ـ انظر كلامه في « إبراز الوهم » 443.
2 ـ الردّ على من كذّب بالاحاديث الصحيحة الواردة في المهدي، مقالة في مجلّة الجامعة الإسلاميّة في المدينة المنورة العدد 1، السنة 12، الرقم 46، سنة 1400 هـ.
3 ـ الرد على من كذّب بالاحاديث الصحيحة الواردة في المهدي، مقالة في مجلّة الجامعة الإسلاميّة في المدينة المنورة العدد 1، السنة 12، الرقم 46، سنة 1400 هـ.
4 ـ انظر: « المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي »، اصدار مركز الرسالة.
5 ـ انظر: المهدي والمهدوية، لأحمد أمين 108. الإمام الصادق، لأبي زهرة 239. دائرة معارف القرن العشرين محمد فريد وجدي 481:10. تبديد الظلام، للجبهان 479 ـ 480.
سؤال: قد يخطر في ذهن البعض هذا التساؤل: ما الفائدة من العمر الطويل بالنسبة إلى الإمام المهدي عليه السّلام ؟ ولماذا أطال الله تعالى عمره ولم يكتفِ بخَلْقه قبل ظهوره بمدّة يسيرة، كأن يخلقه قبل وقت ظهوره بأربعين سنة مثلاً ؟
جواب: الإجابة عن هذا السؤال تماثل ـ إلى حدٍّ ما ـ الإجابة عن سؤال فلسفة الغَيبة، لكننا نشير في هذا المجال إلى جملة أمور:
1 ـ أنّ فائدة وجود الإمام عليه السّلام لا تنحصر في ظهوره وقيامه في آخر الزمان، بل إنّ أحد فوائد وجود الإمام عليه السّلام هو كونه أماناً للبشريّة وللأرض من الزوال والفناء؛ فقد روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من طرق الفريقين: « بأنّ النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمانٌ لأهل الأرض »(1). وروي عن الأئمّة الأطهار عليهم السّلام أنّه: « لولا الإمامُ لَساخَت الأرضُ بأهلها »(2)، و« أنّ الأرض لا تخلو من قائمٍ لله بحجّة، إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً، لئلاّ تبطل حُجج الله وبيّناته »(3).
2 ـ أنّ وجود الإمام عليه السّلام بين الناس هو مصدر للخير والبركة وسبب لنزول الرحمة والألطاف الإلهيّة، لأنّ الإمام عليه السّلام واسطة للفيض الإلهيّ بين الله تعالى وبين العباد.
3 ـ أنّ الغَيبة لا تعني غيبة الشخص بل غَيبة العنوان، فالناس يَرَون الإمام عليه السّلام بينهم، لكنّهم لا يعرفونه بشخصه، وقد ورد أنّه عليه السّلام يحضر موسم الحج فيرى الناس ولا يعرفونه، وأنّه يُغيث المنقطعين ويقضي حوائج المؤمنين المتعسّرة، ممّا يعني استمرار بركاته عليه السّلام للناس. وقد عبّر الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم عن هذه الحقيقة حين سئل: هل للناس الانتفاع به في غيبته ؟ فقال: « إي والذي بعثني بالنبوّة، إنّهم يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن سَتَرها سحاب »(4). فنحن ننتفع بالإمام ظاهراً كما ننتفع بحرارة الشمس حين تشرق وتظهر، وننتفع ببركاته وتعاليمه كما نستفيد من نور الشمس حين يخترق الغيوم التي تحجبها.
4 ـ أنّ وجود الإمام عليه السّلام بين الناس ممّا يقوّي قلوب المؤمنين ويشدّ من عزائمهم، وكيف لا يشعر المؤمن بالطمأنينة والثبات ـ مهما واجه من المحن والمصاعب ـ وهو يحسّ أن إمامه عليه السّلام معه يُعاني ما يعاني، ويرى ما يرى، وينتظر الفَرَج كما ينتظر؟!
وقد نًُقل أن الملك نادر شاه شاهد في إحدى حروبه جنديّاً يقاتل ببسالة وشجاعة فائقة، فسأله متعجّباً: أين كنتَ في الحرب السابقة ضد الأفغان ؟ فردّ الجندي ببساطة: لقد كنتُ موجوداً، ولكنّك كنت غائباً يومذاك!
وروي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: كنّا إذا احمّر البأس اتّقَينا برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلم يكن أحدٌ منّا أقربَ إلى العدوّ منه(5).
فحتّى أمير المؤمنين عليه السّلام مع شجاعته المنقطعة النظير، كان يتقوّى برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ويستمدّ العزم من وجوده المبارك صلّى الله عليه وآله وسلّم، من هنا ندرك أن وجود الإمام المهدي عليه السّلام بين شيعته من بواعث الطمأنينة والثبات في قلوبهم وأرواحهم، وممّا يُهوّن عليهم مواجهة الصِّعاب والصبر على الشدائد.
1 ـ المستدرك، للحاكم 448:2. فرائد السمطين، للحمويني 252:2، حديث 521.
2 ـ انظر الكافي، للكُليني 179:1، حديث 10 ـ 13.
3 ـ انظر: نهج البلاغة ـ طبعة صبحي الصالح 497. وشرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 351:18.
4 ـ ينابيع المودّة، للقندوزي 399:3 ـ الباب 94. بحار الأنوار، للمجلسي 93:52.
5 ـ نهج البلاغة 214. غرائب كلامه عليه السّلام / الرقم 9.
سؤال: يتساءل البعض: ما فائدة الاعتقاد بإمام غائب ؟!
جواب: نذكّر هنا بالحديث الشريف الذي تناقله علماء المسلمين عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: « مَن مات ولم يَعرِف إمامَ زمانه ماتَ مِيتةً جاهليّة »(1). إنّ المسلم إذا اعتقد بالإمام المنتظر عليه السّلام ووضع في حسابه أنّ ظهور هذا الإمام سيكون مفاجئاً، وعلى حدّ تعبير الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم: « مَثَلُه مَثَل الساعة لا تأتيكم إلاّ بغتة »(2)، فإنّ أوّل ثمار الاعتقاد بالإمام المهديّ عليه السّلام سيكون الترقّب لظهوره المبارك، هذا الترقّب الذي وصفته الروايات المتكاثرة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته عليهم السّلام بأنّ ثوابه ثواب مَن قاتل مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنّ من مات على فراشه وهو على معرفةِ حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته، مات شهيداً(3).
وهذا الترقّب يستلزم أن يكون الفرد المسلم على حالة من الاستقامة على الشريعة الإلهية، والتقيّد بأوامرها ونواهيها؛ لأنّ ظهور الإمام المهدي عليه السّلام الذي سيكون مفاجئاً يتطلّب من المؤمن المترقِّب المنتظِر أن يكون على أُهْبة كاملة للاشتراك في حركة التطهير الواسعة التي سيقودها الإمام المنتظر عليه السّلام، لإرساء دين الله تعالى والانتصاف للمظلومين من ظالميهم وغاصبي حقوقهم. وهذا الترقّب المقرون بالنهوض بالمسؤوليّة في تطبيق الشريعة على المستوى الفرديّ والاجتماعي.. هو مصداقُ: « مَن مات على فراشه وهو على معرفةِ حقّ ربه وحقّ رسوله وأهل بيته عليهم السّلام »، وهو مصداق « أفضل العبادة انتظار الفَرَج »(4).
وندرك من خلال هذا الفهم أنّ الأئمّة الأطهار عليهم السّلام كانوا إذا نَهَوا أصحابهم عن الاستعجال بظهور الإمام، إنّما كانوا يأمرونهم بأن يكونوا مستعدّين لظهوره عليه السّلام، ويؤكّدون عليهم الالتزام بالشريعة الحقّة، فذلك أفضل وسيلة لتمهيد الأرضيّة لظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السّلام.
1 ـ صحيح البخاري 13:5 ـ باب الفتن. صحيح مسلم 21:6 ـ 22،حديث 1849.
2 ـ فرائد السمطين، للحمويني 337:2، حديث 591.
3 ـ تأويلات الآيات، لشرف الدين 642.
4 ـ فرائد السمطين، للجوينيّ الحموينيّ 335:2، حديث 588. ينابيع المودّة، للقندوزي الحنفيّ 397:3 الباب 94
سؤال: يتساءل البعض ما هي الأسباب التي أدّت إلى غيبة الإمام المهدي عليه السلام وما الحكمة في غيبته عليه السلام عن شيعته ؟
جواب: تحدّث أئمّة أهل البيت عليهم السّلام عن أسباب غَيبة الإمام المهدي عليه السّلام، فذكروا جملة أمور، نعرض لها هنا بإيجاز:
1 ـ الخوف من القتل: روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: إنّ للغُلام ـ يقصد الإمام الحجّة عليه السّلام ـ غَيبةً قبل أن يقوم. قال الراوي: ولِمَ ؟ قال عليه السّلام: يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه(1).
وقد صرّح القرآن الكريم بأنّ من الأنبياء مَن فرّ واعتزل عن أمّته مخافة القتل، ورجاء لنشر رسالته بعد ذلك. قال عزّوجلّ عن النبيّ موسى بن عمران عليه السّلام لما فرّ إلى مصر وورد على شُعيب: فَفَررتُ منكم لمّا خِفتُكم »(2)، وقال عزّوجلّ على لسان مؤمن آل فرعون: « إنّ الملأ يأتمرونَ بك ليقتُلوكَ فاخرُج (3)، وحدثنّا عن نبيّنا الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه اعتزل في الغار حين أرادت قريش قتله، فأمره تعالى بالهجرة إلى المدينة.
2 ـ لئلاّ يكون في عُنقه عليه السّلام بيعة لظالم: روي عن الإمام الرضا عليه السّلام ـ في حديث ـ أنّه سُئل عن علّة غَيبة الإمام المهدي عليه السّلام، فقال: لئلاّ يكون في عُنقه بيعة إذا قام بالسيف ـ الحديث(4). وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام: يقوم القائم وليس في عُنقه لأحد بَيعة(5).
ومن الطبيعي أنّ عدم وجود بَيعة لأحد في عُنق الإمام المهدي عليه السّلام سيكفل له الحريّة في الدعوة والاستقلال بالأمر، لأنّ من لوازم الوفاء بالبيعة مماشاة هؤلاء وترك التعرّض لهم. ونحن نعلم أنّ الإمام المهدي عليه السّلام إذا أذِن الله تعالى له بالظهور، فإنّه سيُظهر العدلَ ويستأصل الظلم والفساد، ويُظهر الله تعالى على يده الإسلام على باقي الأديان، وهو ممّا يتطلّب حريّة في العمل غير محدودة ببيعة لظالم.
3 ـ الامتحان: روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال ـ في حديث ـ: لا واللهِ لا يكون ما تَمُدّون إليه أعيُنَكم حتّى تُغَربَلوا، لا واللهِ لا يكون ما تَمدّون إليه أعناقكم حتّى تُميَّزوا ـ الحديث(6).
ولقد امتحن اللهُ تعالى الأممَ السابقة بأمور مختلفة، منها غَيبة أنبيائهم الكرام. وقدّر لهذه الأمّة الخاتمة ـ جرياً على سُننه التي لا تتغيّر ـ أن تُمتحن بغيبة إمامها المنتظر عليه السّلام، قال تعالى: أم حَسِبتُم أن تُترَكوا ولمّا يَعلَمِ اللهُ الذين جاهَدوا منكم ويعلَمَ الصابرين (7). وقد روي عن الإمام الكاظم عليه السّلام ـ في حديث ـ أنّه قال: إنّه لابُدّ لصاحب هذا الأمر من غَيبة، حتّى يرجع عن هذا الأمر مَن كان يقول به، إنّما هي محنة من الله امتَحنَ اللهُ تعالى بها خَلقه(8).
4 ـ تأديب الأمّة وتنبيهها إلى رعاية حقّ الإمام: ذلك أنّ الأمّة إذا لم تَقُم بواجب حقّ الرسول أو الإمام، وإذا عصت أوامره ولم تمتثل نواهيه، جاز له تركُها والاعتزال عنها تأديباً لها، لعلّها تعود إلى رُشدها بعد غيّها، ويُشير إلى هذا قولُه تعالى: وأعتَزِلُكم وما تَدعونَ مِن دونِ الله وأدعو ربّي (9).
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: إنّ الله إذا كَرِه لنا جِوارَ قومٍ، نَزَعَنا من بينِ أظهرُهم ـ الحديث(10). وروي عن الإمام الحجّة عليه السّلام في رسالةٍ وجّهها للشيخ المفيد: ولو أنّ أشياعناـ وفّقهم اللهُ لطاعته ـ على اجتماعٍ من القلوب في الوفاء بالعهدِ عليهم، لَما تأخّر عنهم اليُمْن بلقائنا(11).
5 ـ الحكمة الإلهيّة: يبقى السبب الأهمّ للغَيبة راجعاً إلى الحِكمة الإلهيّة. فقد ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام بأنّ وجه الحكمة في الغَيبة لا ينكشف بشكل كامل إلاّ بعد ظهوره، كما أنّ وجه الحكمة في عمل الخِضر عليه السّلام ـ مِن خَرْق السفينة وقَتْل الغُلام وإقامة الجدار ـ لم ينكشف لموسى عليه السّلام إلا وقت افتراقهما. وإنّنا متى عَلِمنا أنّ الله تعالى حكيم، صَدَّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة، وإن كان وجهُها غير منكشف لنا(12).
وروى عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال ـ في حديث ـ يا جابر، إنّ هذا الأمر من أمر الله، وسرّ من سرّ الله، مطويّ عن عباد الله، فإيّاكَ والشكّ فيه، فإنّ الشكَّ في أمر الله عزّوجلّ كفر(13).
1 ـ الغَيبة، للطوسي 202.
2 ـ الشعراء: 21.
3 ـ القصص: 20.
4 ـ كمال الدين، للصدوق 480:2، حديث 4.
5 ـ كمال الدين 480:2، حديث 3.
6 ـ الغيبة، للطوسي 203 ـ 204.
7 ـ التوبة: 16.
8 ـ الغيبة، للطوسي 204.
9 ـ مريم: 48.
10 ـ علل الشرائع، للصدوق 244:1، حديث 2.
11 ـ الاحتجاج، للطبرسي 324:2 ـ 325.
12 ـ علل الشرائع 246:1، حديث 8.
13 ـ كمال الدين، للصدوق 287:1 ـ 288، حديث 7.