العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الثقافي

المنتدى الثقافي المنتدى مخصص للكتاب والقصة والشعر والنثر

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 11  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:44 AM


المجلس الرابع
ليلة الاثنين26/ رجب / 1345 هجرية


في أول المغرب دخل ثلاثة من أهل السنة من غير العلماء، وكانوا من الحاضرين في المجالس السابقة، وقالوا: جئنا قبل الآخرين لنقول لسماحتكم: إن حديث الناس في كل مكان، في الدوائر الحكومية والمتاجر، وحتى في الحوانيت، يدور حول مناظرتكم وحواركم مع علمائنا، وإن الصحف التي تنشر هذا الحوار مهما كثرت نسخها فهي مع ذلك تنفذ في أول ساعة من نشرها.
ويشاهد في كل نقطة وزاوية من البلد شخص بيده صحيفة يقرأ حديثكم بصوت عال وحوله جمع غفير من الناس يستمعون إليه وهم يتابعون حواركم وحديثكم بكل لهفة واشتياق.
اعلم يا سيد! إن مجتمعنا متعطش لفهم هذه الحقائق التي طالما أخفاها علماؤنا! فنرجوك يا مولانا أن تكشف أستار الظلام وتزيل الأوهام أكثر فأكثر ، لتنور أفكار الناس لا سيما العوام، فيعرفوا حقائق الإسلام.
ونرجوك أن تبسط لنا المواضيع المطروحة وتبينها من غير تكلف، ببيان وكلام سهل نفهمه نحن العوام والسوقة.
فإن الناس إذا عرفوا عقائدكم وفهموا مذهبكم سيتقبلوه ويعتنقوه، وسيتمسكون بعقائدكم لأنها مبينة على أساس القرآن والأحاديث الصحيحة المروية في كتبنا وهي أقرب إلى الفطرة والعقل.
والله يا سيد إن كلامك بعث الوعي في مجتمعنا، فكأنهم كانوا نياما فانتبهوا وكانوا عميا فأبصروا.
نحن وأهل بلدنا كنا نسمع منذ الطفولة من علمائنا ومشايخنا بأن الشيعة مشركون وكفار وأنهم من أهل النار!
ولكن بفضل حديثكم في الليالي الماضية عرفنا أن شيعة أهل البيت هم المسلمون حقا، فهم أتباع النبي وأهل بيته، وعرفنا أن ما كان يقوله مشايخنا و علماؤنا عن الشيعة كله كذب وافتراء، فالشيعة إخواننا في الدين.
قلت: إني أشكركم على حسن فهمكم واتباعكم للحق بعدما عرفتموه، وأشكركم على هذا الكلام النابع من قلوبكم الصافية ونفوسكم الزاكية.
ثم استأذنت منهم لأصلي العشاء، وبينما أنا في الصلاة إذ دخل سائر الأخوة من العلماء وغيرهم، فأنهيت الصلاة والدعاء، وأقبلت نحوهم وسلمت عليهم ورحبت بهم.
فقال النوّاب: لقد قرّرت في الليلة الماضية أن تحدّثنا عن مقام أئمّتكم واعتقادكم في حقّهم، لاَنّا نحبّ أن نعرف ما هو الاختلاف بيننا وبينكم حول الأئمة عليهم السلام.
قلت: لا مانع لدي من ذلك إذا سمح العلماء الاَعلام والحاضرون الكرام.
الحافظ ـ وهو منخطف اللون ـ: لا مانع لدينا أيضاً.

معنى الإمام في اللغة
قلت: إنّ العلماء في المجلس يعرفون إنّ لكلمة الإمام معانٍ عديدة في اللغة، منها: المقتدى.
فإمام الجماعة هو الذي تقتدي به جماعة المصلّين وتتابعه في أفعال الصلاة كالقيام والقعود والركوع والسجود.
وأئمّة المذاهب الأربعة هم فقهاء بيّنوا لاَتباعهم أحكام الإسلام ومسائل الدين، وهم اجتهدوا فيها واستنبطوها من القرآن والسنّة الشريفة بالقياس والاستحسانات العقلية، فلذلك لمّا نطالع كتبهم نرى في آرائهم وأقوالهم، في الأصول والفروع، اختلافاً كثيراً.
ويوجد مثل الأئمة الأربعة في كلّ دين ومذهب، وحتى في مذهب الشيعة، وهم العلماء الفقهاء الذين يرجع إليهم الناس في أمور دينهم، ويعملون بأقوالهم ويقلّدونهم في الأحكام الشرعية والمسائل الدينية، ومقام هؤلاء المراجع عندنا كمقام الأئمة الأربعة عندكم، وهم في هذا العصر الذي غاب فيها عن الأنظار الإمام المعصوم المنصوص عليه من النبي صلى الله عليه وآله. يستنبطون الأحكام الشرعية ويستخرجون المسائل الدينية على أساس القرآن والسنّة والإجماع والعقل، فيفتون بها، وللعوّام أن يتّبعوهم ويقلّدونهم، وفي اصطلاح مذهبنا نسمّيهم: مراجع الدين، والواحد منهم: المرجع الديني.

سدّ باب الاِجتهاد عند العامّة
كان الأئمة الأربعة حسب زعمكم فقهاء أصحاب رأي وفتوى في المسائل الدينية ومستندهم: الكتاب والسنّة والقياس. فهنا سؤال يطرح نفسه وهو:
إنّ الفقهاء وأصحاب الرأي والفتوى عددهم أكثر من أربعة، وأكثر من أربعين، وأكثر من أربعمائة، وأكثر... وكانوا قبل الأئمة الأربعة وبعدهم، وكثير منهم كانوا معاصرين للاَئمّة الأربعة، فلماذا انحصرت المذاهب في أربعة؟!
ولماذا اعترفتم بأربعة من الفقهاء وفضّلتموهم على غيرهم وجعلتموهم أئمّة؟! من أين جاء هذا الحصر؟! ولماذا هذا الجمود؟!
نحن وأنتم نعتقد أنّ الإسلام قد نسخ الأديان التي جاءت قبله، ولا يأتي دين بعده، فهو دين الناس إلى يوم القيامة، قال تعالى: (وَمن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه ...)(1).
فكيف يمكن لهذا الدين الحنيف أن يساير الزمن والعلم في الاختراعات والاكتشافات والصناعات المتطوِّرة، ولكلّ منها مسائل مستحدثة تتطلّب إجابات علمية؟!
فإذا أغفلنا باب الاجتهاد ولم نسمح للفقهاء أن يبدوا رأيهم ويظهروا نظرهم ـ كما فعلتم أنتم بعد الأئمة الأربعة ـ فمن يجيب على المسائل المستحدثة؟!
وكم ظهر بينكم بعد الأئمة الأربعة فقهاء أفقه منهم، ولكنّكم ما أخذتم بأقوالهم وما عملتم بآرائهم! فلماذا ترجّحون أولئك الأربعة على غيرهم من الفقهاء والعلماء، لا سيّما على الأَفقه والأعلم منهم؟! أليس هذا ترجيح بلا مرجّح، وهو قبيح عند العقلاء؟!

انفتاح باب الاِجتهاد عند الشيعة
ولكن في مذهبنا نعتقد: أنّ في مثل هذا الزمان وبما أنّ الإمام المعصوم غائب عن الأبصار، فباب الاِجتهاد مفتوح غير مغلق، والرأي غير محتكر، بل كلّ صاحب رأي حرّ في إظهار رأيه، شريطة أن يكون مستنداً إلى الكتاب أو السنّة أو الإجماع أو العقل، وعلى العوام أن يرجعوا إليهم في أخذ الأحكام ومسائل الإسلام.
والإمام الثاني عشر، وهو المهدي المنتظر، آخر أئمّتنا المعصومين عليهم السلام، أمر بذلك قبل أن يغيب عن الأبصار... فقال: من كان من الفقهاء حافظاً لدينه، صائناً لنفسه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه ـ أي ربّه ـ فللعوامّ أن يقلّدوه.
لذلك يجب عند الشيعة، على كلّ من بلغ سنّ الرشد والبلوغ الشرعي ، ولم يكن مجتهداً فقيهاً، يجب عليه أن يقلّد أحد الفقهاء الأحياء الحاوين لتلك الشرائط التي اشترطها الإمام المعصوم عليه السلام، ولا يجوز عندنا تقليد الفقيه الميّت ابتداءً، والعجيب أنّكم تتّهمون الشيعة بأنّهم يعبدون الأموات لزيارتهم القبور!!
ليت شعري هل زيارة القبور عبادة الأموات، أم عبادة الأموات هي اعتقادكم بأنّ كلّ من لم يتّبع الأئمة الأربعة في الأحكام، ولم يلتزم برأي الأشعري أو المعتزلي في أصول الدين، فهو غير مسلم، يجوز قتله ونهب ماله وسبي حريمه حتى إذا كان يتبع أهل بيت النبي (ص) وعترته الهادية (ع)؟!!
مع العلم أنّ أئمّة المذاهب الأربعة، وأبا الحسن الاَشعري والمعتزلي، ما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يدركوا صحبته، فبأيّ دليل تحصرون الإسلام في رأي هؤلاء الستّة؟ أليس هذا العمل منكم بدعة في الدين؟!
الحافظ: لقد ثبت عندنا أنّ الأئمة الأربعة حازوا درجة الاِجتهاد، وتوصّلوا إلى الفقه وإبداء الرأي في الأحكام، وهم كانوا على زهد وعدالة وتقوى، فلزم علينا وعلى جميع المسلمين متابعتهم والأخذ بقولهم؟
قلت: إن الأمور التي ذكرتها لا تصير سبباً لانحصار الدين في أقوالهم وآرائهم وإلزام المسلمين بالأخذ منهم فقط إلى يوم القيامة، لاَنّ هذه الصفات متوفّرة في علماء وفقهاء آخرين منكم أيضاً.
ولو قلتم بانحصار هذه الصفات في الأئمة الأربعة فقد أسأتم الظنّ في سائر علمائكم الأعلام، بل أهنتموهم وهتكتم حرمتهم ولا سيّما أصحاب الصحاح منهم!!
ثمّ إنّ إلزام المسلمين وإجبارهم على أيّ شيء يجب أن يكون مستنداً إلى نصّ من القرآن الحكيم أو حديث النبي الكريم صلى الله عليه وآله، وأنتم تجبرون المسلمين وتلزمونهم على أخذ أحكام دينهم من أحد الأئمة الأربعة من غير استناد إلى الله ورسوله، فعملكم هذا لا يكون إلاّ تحكّماً وزورا.

السياسة تحصر المذاهب في أربعة
لقد سبق زعمكم أنّ التشيّع مذهب سياسي، ولا أساس له في الدين، ونحن أثبتنا وهن هذا الكلام وبطلانه، بنقل الكثير من الأحاديث النبويّة الشريفة التي يذكر النبي صلى الله عليه وآله فيها شيعة عليّ عليه السلام بالفوز والفلاح ويعدهم الجنّة.
وأثبتنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله هو مؤسّس مذهب الشيعة ، وهو واضع أساسه، وهو الذي سمّى موالي الإمام عليّ عليه السلام وأتباعه بالشيعة، حتى صار هذا الاسم علماً لهم في حياته صلى الله عليه وآله، واستندنا في كلّ ذلك على الروايات المعتبرة المرويّة في كتبكم، المقبولة لديكم، والتي تعتمدون عليها كلّكم.
والآن أقول لكم بصراحة: إن مذاهبكم الأربعة هي مذاهب سياسية ليس لها أساس في الدين، وهذا ثابت لأهل التقوى واليقين.
فإن كنتم لا تعلمون أساس التزامكم بالمذاهب الأربعة وانحصار الإسلام الحنيف فيها كما تزعمون فراجعوا التاريخ وطالعوه بدقّة وتحقيق حتى تعرفوا إنّما وجدت المذاهب الأربعة بدواعٍ سياسية، وكان الهدف منها ابتعاد المسلمين عن أهل البيت عليهم السلام وغلق مدرستهم العلمية!
هذا ما كان يبتغيه السلطان الظالم الغاصب الذي تسمّوه: " الخليفة " لاَنّ الخلفاء كانوا يرون أهل البيت عليهم السلام منافسين لهم في الحكم والسلطة، فهم يحكمون الناس بالقوّة والقهر والسوط والسيف، ولكنّ الناس يميلون إلى أهل البيت عليهم السلام بالرغبة والمحبّة قربة إلى الله تعالى فيطيعونهم ويأخذون بأقوالهم ويتّبعونهم في مسائل الحلال والحرام، وكلّ أحكام الإسلام.
فأهل البيت عليهم السلام هم أصحاب السلطة الشرعية والحكومة الروحية المهيمنة على النفوس والقلوب عند الناس، فلأجل القضاء على هذه الحالة ـ التي جعلت الخلفاء في حذر وخوف دائم، وسلبت منهم النوم والراحة ـ بادروا إلى تأسيس المذاهب الأربعة، واعترفت السلطات الحكومية والجهات السياسية بها دون غيرها، وأعطتها الطابع الرسمي، وحاربت سواها بكلّ قوّة وقسوة.
وأصدرت قرارات رسمية تأمر الناس بالأخذ بقول أحد الأئمة الأربعة ، وأمرت القضاة أن يحكموا على رأي أحدهم ويتركوا أقوال الفقهاء الآخرين، هكذا انحصر الإسلام بالمذاهب الأربعة، وإلى هذا اليوم أنتم أيضاً تسيرون على تلك القرارات الظالمة التي ما أنزل الله بها من سلطان؟!
والعجيب أنّكم ترفضون كلّ مسلم مؤمن يعمل بالأحكام الدينية على غير رأي الأئمة الأربعة، حتى إذا كان يعمل برأي الإمام عليّ بن أبي طالب والعترة الهادية عليهم السلام كمذهب الشيعة الأمامية.
فإنّ الشيعة سائرون على منهج أهل البيت والخطّ الذي رسمه النبي صلى الله عليه وآله، فيأخذون دينهم من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي تربّى في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو باب علمه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله المسلمين بمتابعته والأخذ منه، والأئمّة الأربعة بعد لم يُخلقوا، فقد جاؤا بعد رسول الله بعهد طويل، مائة عام أو أكثر، مع ذلك تزعمون أنّكم على حقّ والشيعة على باطل!!
أمَا قال النبي صلى الله عليه وآله: إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً(2)؟!
فانظروا وفكّروا.. من المتمسّك بالثقلين، نحن أم أنتم؟!
أما قال النبي صلى الله عليه وآله: إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى ـ وفي رواية: هلك(3) فمن المتخلّف عنهم، نحن أم أنتم.
هل الأئمة الأربعة من أهل البيت عليهم السلام؟! أم الإمام علي عليه السلام، والحسن والحسين عليهما السلام ريحانتا النبي صلى الله عليه وآله وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنة؟!
أما قال النبي صلى الله عليه وآله فيهما: فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم(4)؟!
ثم يقول ابن حجر في " تنبيه " له على الحديث: سمّى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم القرآن وعترته.. ثقلين، لاَنّ الثقل: كلّ نفيس خطير مصون وهذان كذلك، إذ كلّ منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العليّة والأحكام الشرعيّة، ولذا حثّ صلى الله عليه [وآله] وسلم على الاقتداء والتمسّك بهم والتعلّم منهم.
وقيل سُمِّيا ثقلين: لثقل وجوب رعاية حقوقهما، ثمّ الذين وقع الحث عليهم منهم، إنّما هم العارفون بكتاب الله وسنّة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى ورود الحوض، ويؤيّده الخبر السابق: ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم.
وتَميّزوا بذلك عن بقيّة العلماء، لاَنّ الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة، وقد مرّ بعضها.. إلى آخر ما قاله ابن حجر.
وما لي لا أتعجّب منه ومن أمثاله وما أكثرهم في علمائكم! فإنّه مع إذعانه وإقراره بأنّ أهل البيت عليهم السلام يجب أن يقدَّموا على مَن سواهم، ويجب أن تأخذ الأمة منهم أحكام دينها ومسائلها الشرعية، لكنّه قدّم أبا الحسن الاَشعري عليهم وأخذ منه أصول دينه، وقدّم الأئمة الأربعة، وأخذ أحكام الشريعة المقدّسة منهم لا من أهل البيت عليهم السلام!!
وهذا نابع من العناد والتعصّب واللجاج، أعاذنا الله تعالى منها.

مطاعن الأئمة الأربعة
ثمّ أسألك أيّها الحافظ، إذا كان الواقع كما زعمت أنّ الأئمة الأربعة كانوا على زهد وعدالة وتقوى، فكيف كفّر بعضهم بعضاً، ورمى بعضهم الآخر بالفسق؟!!
الحافظ ـ وقد تغيّر لونه ولاح الغضب في وجهه وصاح ـ: لا نسمح لكم أن تتهجّموا على أئمّتنا وعلمائنا إلى هذا الحدّ، أنا أعلن أنّ كلامك هذا كذب وافتراء على أئمّة المسلمين، وهو من أباطيل علمائكم، أمّا علماؤنا فكلّهم أجمعوا على وجوب احترام الأئمة الأربعة وتعظيمهم، ولم يكتبوا فيهم سوى ما يحكي جلالة شأنهم وعظيم مقامهم.
قلت: يظهر أنّ جنابك لا تطالع حتى كتبكم المعتبرة، أو تتجاهل عن مثل هذه المواضيع فيها، وإلاّ فإنّ كبار علمائكم كتبوا في ردّ الأئمة الأربعة، وفَسَّقَ بعضهم الآخر بل كفّر بعضهم بعضهم الآخر!!
الحافظ: نحن لا نقبل كلامك، بل هو مجرّد ادّعاء، ولو كنت صادقاً في ما تزعم فاذكر لنا أسماء العلماء وكتبهم وما كتبوا حتى نعرف ذلك!
قلت: أصحاب أبي حنيفة وابن حزم وغيرهم يطعنون في الإمامين مالك والشافعي.
وأصحاب الشافعي، مثل: إمام الحرمين، والإمام الغزالي وغيرهما يطعنون في أبي حنيفة ومالك.
فما تقول أنت أيّها الحافظ، عن الإمام الشافعي وأبي حامد الغزالي وجا الله الزمخشري؟!
الحافظ: إنّهم من كبار علمائنا وفقهائنا، وكلّهم ثقات عدول يُعتمد عليهم ويُصلّى خلفهم.
قلت: جاء في كتبكم عن الإمام الشافعي أنّه قال: ما وُلد في الإسلام أشأم من أبي حنيفة.
وقال أيضاً: نظرت في كتب أصحاب أبي حنيفة فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة، فعددت منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنّة!
وقال الإمام الغزالي في كتابه " المنخول في علم الأصول ": فأمّا أبو حنيفة فقد قلّب الشريعة ظهراً لبطن، وشوّش مسلكها، وغيّر نظامها. و أردف جميع قواعد الشريعة بأصلٍ هَدَم به شرع محمد المصطفى صلى الله عليه وآله،... ومن فعل شيئاً من هذا مستحلاً كفر، ومن فعله غير مستحلّ فسق.
ويستمر بالطعن في أبي حنيفة بالتفصيل إلى أن قال: إنّ أبا حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، يلحن في الكلام ولا يعرف اللغة والنحو ولا يعرف الاَحاديث، ولذا كان يعمل بالقياس في الفقه، وأوّل من قاس إبليس.
انتهى كلام الغزالي.
وأمّا جار الله الزمخشري صاحب تفسير " الكشّاف " وهو يُعدُّ من ثقات علمائكم وأشهر المفسّرين عندكم، قال في كتابه " ربيع الاَبرار ": قال يوسف بن أسباط: ردّ أبو حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة حديث أو أكثر!
وحكي عن يوسف أيضاً: أنّ أبا حنيفة كان يقول: لو أدركني رسول الله صلى الله عليه وآله لأخذ بكثير من قولي!!
وقال ابن الجوزي في " المنتظم " اتّفق الكلّ على الطعن فيه ـ أي : في أبي حنيفة ـ والطعن من ثلاث جهات:
1 ـ قال بعض: إنّه ضعيف العقيدة، متزلزل فيها.
2 ـ وقال بعض: إنّه ضعيف في ضبط الرواية وحفظها.
3ـ وقال آخرون: إنّه صاحب رأي وقياس، وإنّ رأيه غالباً مخالف للأحاديث الصحاح. انتهى كلام ابن الجوزي.
والكلام من هذا النوع كثير في كتبكم حول الاَئمّة الاَربعة، وأنا لا اُحب أن أخوض هذا البحث، وما أردت أن أتكلّم بما تكلّمت، ولكنّك أحرجتني بكلامك حيث قلت: إنّ علماء الشيعة يكذبون على علمائنا وأئمتنا فأردت أن أثبت لك وللحاضرين أن كلام علماء الشيعة مستدلّ وصحيح ولا يصدر إلاّ عن الواقع والحقيقة، ولكن كلامك أيّها الحافظ عار من الصحة والواقع، وإذا أردت أن تعرف المطاعن كلّها حول الأئمة الأربعة، فراجع كتاب " المنخول في علم الأصول " للغزالي، وكتاب " النكت الشريفة " للشافعي، وكتاب " ربيع الأبرار " للزمخشري، وكتاب " المنتظم " لابن الجوزي.. حتى تشاهد كيف يطعن بعضهم البعض إلى حدّ التكفير والتفسيق!!
ولكن لو تراجع كتب الشيعة الإمامية حول الأئمة الاثني عشر عليهم السلام لرأيت إجماع العلماء والفقهاء والمحدّثين والمؤرخين على تقديسهم وعظم شأنهم وجلال مقامهم وعصمتهم (سلام الله عليهم).
لأننا نعتقد أنّ الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام كلّهم خريجوا جامعة واحدة، وهم أخذوا علمهم من منبع ومنهل واحد، وهو منبع الوحي ومنهل الرسالة ، فلم يفتوا إلاّ على أساس كتاب الله تعالى والسنّة الصحيحة التي ورثوها من جدّهم خاتم النبيّين وسيّد المرسلين صلى الله عليه وآله عن طريق الإمام عليّ أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين عليهم السلام، وحاشا أئمّتنا عليهم السلام أن يفتوا على أساس الرأي والقياس، ولذا لا تجد أي اختلاف في ما بيّنوه، لأنّهم كلّهم ينقلون عن ذلك المنبع الصافي الزلال:
" روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري ".

مقام الإمام عند الشيعة الإمامية
الإمام في اصطلاح الشيعة يختلف عن الإمام في اصطلاحكم، فإن الإمام عندكم بمعناه اللغوي وهو: المقتدى، كإمام الجمعة والجماعة.
ولكن الإمام عندنا ـ كما هو ثابت في علم الكلام ـ هو صاحب الرئاسة العامة الإلهية خلافة عن رسول الله (ص) في أمور الدين والدنيا، إذ يجب على الأمة كافة اتباعه، ولذا نعتقد بأن الإمامة من أصول الدين.
الشيخ عبد السلام: الإمامة عند علمائنا لا تعد من أصول الدين، بل أثبتوا أنها من فروع الدين، وهم فندوا قول الشيعة بالأدلة القطعية، فقولكم: إن الإمامة من أصول الدين كلام بلا دليل.
قلت: كثير من علمائكم وافقونا في هذه العقيدة وأثبتوا صحتها، وردوا كلام القائلين بأن الإمامة من فروع الدين.
منهم: القاضي البيضاوي، وهو من أشهر مفسريكم، قال في كتابه " منهاج الأصول ": إن الإمامة من أعظم مسائل أصول الدين التي مخالفتها توجب الكفر والبدعة.
ومنهم: العلامة القوشجي، وهو من أشهر الكلاميين عندكم، قال في كتابه " شرح التجريد " في مبحث الإمامة: وهي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا خلافة عن النبي (ص).
ومنهم: القاضي روزبهان، وهو من علمائكم الذي اشتهر بالتعصب ضد الشيعة قال: الإمامة عند الأشاعرة هي: خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة.
ثم إذا كانت الإمامة من فروع الدين لما كان رسول الله (ص) يؤكد على أهميتها بقوله المروي في كتبكم المعتبرة، مثل: " الجمع بين الصحيحين " للحميدي و " شرح العقائد النسفية " لسعد التفتازاني.
قال (ص): من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
من الواضح أن عدم المعرفة بفرع من فروع الدين لا يوجب التزلزل في أصل الدين حتى يخرج صاحبه من الدنيا بالجاهلية قبل الإسلام. ولذا صرح البيضاوي : بأن مخالفة الإمامة توجب الكفر والبدعة.
فالإمامة في معتقدنا، مرتبة عظيمة هامة، نازلة منزلة النبوة، والإمام قائم مقام النبي (ص)، وبهذا يظهر الفرق بين أئمتنا الاثنى عشر من أهل البيت عليهم السلام وبين الأئمة عندكم، فأنتم تطلقون كلمة الإمام على علمائكم، كالإمام الأعظم، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، والإمام الفخر الرازي، والإمام الغزالي وغيرهم، وهو عندكم كإمام الجمعة والجماعة، والإمام بهذا المعنى يخرج عن الحد والحصر.
ولكن الإمام بالمعنى الذي نقوله نحن فهو في كل زمان واحد لا أكثر، وهو أفضل أهل زمانه في جميع الصفات الحميدة، فهو الأعلم والأتقى والأشجع والأورع والمعصوم بفضل الله ولطفه من الخطأ والسهو، فيكون حجة الله في الأرض، ولا تخلو الأرض من حجة لله عز وجل، يعين بالنص، كما وردت نصوص من النبي الأكرم (ص) في إمامة الاثنى عشر من أهل البيت عليهم السلام، وأمر أمته بطاعتهم والأخذ منهم.
والأئمة الاثنا عشر عليهم السلام بعد جدهم خاتم النبيين وسيد الخلق أجمعين يكونون أعلى رتبة وأرفع درجة من جميع الخلق حتى الأنبياء العظام عليهم تحيات وصلوات الملك العلام.
الحافظ: الله أكبر! قبل هذا كنت تذم الغلاة وتطردهم من مذهب الشيعة، والآن ثبت أنكم أيضا مغالون في حق أئمتكم إذ تجعلونهم أعلى وأرفع من الأنبياء العظام، والقرآن يصرح بأن مقام النبوة أعلى المراتب التي يمنحها الله سبحانه لأحد من عباده المكرمين، فكلامكم مخالف للقرآن الكريم والعقل السليم.
قلت: مهلا... لا تتسرع في ردنا، ولا تعجل في تخطئة كلامنا، ولا تقل بأن كلامنا يخالف القرآن الحكيم، بل لنا دليل على صحة كلامنا واعتقادنا من القرآن الكريم، واعلم بأننا أبناء الدليل، حيثما مال نميل.
الحافظ: بينوا دليلكم حتى نعرفه! فإن كلامكم غريب جدا!
قلت: إن الله سبحانه بعد أن يذكر امتحان أبي الأنبياء إبراهيم الخليل (ع) وابتلاءه في نفسه وأمواله وولده، وبعد نجاحه وفوزه في كل تلك الامتحانات، أراد الله تعالى أن يمنحه مقاما أعلى من النبوة والرسالة والخلة والعزم، لأنه كان آنذاك نبيا رسولا من أولي العزم، وصاحب الخلة، فرفعه إلى مقام الإمامة وجعله إمام للناس، فقال سبحانه: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)(5). فظهر أن الإمامة أعلى مرتبة من النبوة والرسالة والعزم والخلة.
الحافظ: فعلى هذا، إن الإمام علي (كرم الله وجهه) يكون مقامه عندكم أعلى من مقام سيدنا محمد (ص) وأي غلو أعظم من هذا؟!
قلت: ليس كذلك! وإنما بين النبوة العامة والنبوة الخاصة فرق كبير، والإمامة أعلى مرتبة من النبوة العامة ودون النبوة الخاصة، والأخيرة هي درجة خاتم الأنبياء وسيد الخلق أجمعين، محمد المصطفى، حبيبنا وحبيب إله العالمين (ص).
النواب: أرجو المعذرة من التدخل في البحث، فإني حريص على اكتساب المعلومات وفهم هذه المسائل، ولذا حينما تخطر مسألة في بالي أطرحها فورا لأني أخاف أن أنساها، فسؤالي عن الآية الكريمة التي تقول: (لا نفرق بين أحد منهم)(6) ـ أي: الرسل ـ فالأنبياء كلهم في رتبة واحدة ومقام الجميع عند الله على حد سواء، فكيف قسمتم النبوة إلى قسمين عامة وخاصة؟! أرجو التوضيح.
قلت: هذه الآية صحيحة في محلها، أي لا نفرق بين أحد من الرسل بأنهم مبعوثون من عند الله عز وجل إلى الناس، وكلهم يدعون إلى الله سبحانه وحده لا شريك له، وإلى المعاد والقيامة، ويدعون إلى المعروف والحسنات، وينهون عن المنكرات والسيئات.

مراتب الأنبياء
هل إن النبي المبعوث إلى ألف نفر يساوي مقامه مقام النبي الذي أرسل إلى مائة ألف؟! وهل هذا يساوي مقامه مقام النبي الذي بعثه الله و أرسله إلى الناس كافة؟!
وكذلك.. هل إن معلم الدورة الابتدائية يساوي مقامه العلمي مقام أستاذ الكلية أو
الجامعة؟! لا..
والحال إنه يصح أن نقول لأستاذ الجامعة معلم أيضا، وكلاهما يعملان في وزارة واحدة وهي: وزارة التربية والتعليم ومسؤوليتها أن يأخذا بيد الطلاب ويصعدا بهم سلم العلم والثقافة، ولكن أين هذا من ذاك!
وكذلك الأنبياء والرسل متساوون من جهة أنهم مبعوثون ومرسلون من عند الله عز وجل إلى خلقه، لا نفرق بين أحد منهم.. ولكن من حيث العلم والفضل غير متساوين، فقد قال تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات)(7).
قال الزمخشري في الكشاف في تفسيرها: إن المراد من: (ورفع بعضهم درجات) هو نبينا محمد الذي فضله الله على جميع الأنبياء بخصائص كثيرة، أهمها أنه خاتم النبيين.
النواب: أشكركم على هذا التوضيح التام، ورفع الشبهة والوهم، وقد بقي عندي سؤال آخر، أستأذنكم واسـتأذن الحاضرين لأطرحه: وهو: أرجوكم أن توضحوا معنى: النبوة الخاصة وميزتها ولو باختصار، والرجاء أن يكون بيانكم على حد فهمنا ومستوانا.
قلت: إن ميزات النبوة الخاصة كثيرة والمجلس لم ينعقد لبيان هذا الموضوع، فإذا أدخل هذا البحث ضمن بحوثنا اشغلنا عن مبحث الإمامة الذي هو محور النقاش والحوار. ولكن من باب: " ما لا يدرك كله لا يترك كله " أبين لكم باختصار:

النبوة الخاصة
الإنسان الكامل هو صاحب النفس المتكاملة بالتزكية، لقوله تعالى :(قد أفلح من زكاها)(8) وتزكية النفس إنما تحصل عن طريق التعقل، والعقل يدعو إلى العلم والعمل، فهما الجناحان اللذان يحلق بهما الإنسان ويسمو بهما إلى قمة الكمال الممكن.
كما روي عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: " خلق الإنسان ذا نفس ناطقة، إن زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد وصار موجودا بما هو إنسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان ".
فكما أن الطائر يرتفع في الفضاء ويحلق في الجو على قدر قوة جناحيه بالنسبة إلى جثته، كذلك الإنسان يرتفع في سماء المعنوية والكمالات الروحية بمقدار علمه وعمله الصالح المبتني على أساس العقل السليم.
فكل إنسان إذا بلغ مرتبة الكمال فقد بلغ مرتبة النبوة، وإذا اختاره الله سبحانه وبعثه إلى الناس، صار نبيا رسولا.
وللنبوة والكمال مراتب، كما هو ثابت في أبحاث النبوة في كتب الكلامية، و أعلى تلك المراتب هي المرتبة التي حين وصل إليها حبيب الله محمد (ص) ختمت به النبوة، وليس فوق الخاتمية مرتبة ممكنة للإنسان، وأعلى منها مرتبة الرب جل جلاله وعم نواله.
فمقام خاتم النبيين (ص) فوق جميع المراتب المتصورة والمقررة لممكن الوجود، ودون مرتبة واجب الوجود.
ومرتبة الإمام فوق مراتب النبوة ودون مرتبة الخاتمية بدرجة، ولما كان الإمام علي عليه السلام واصلا إلى مرتبة النبوة واتحدت نفسه مع نفس خاتم النبيين (ص) حتى صار كنفس واحدة، منحه الله تعالى مرتبة الإمامة وجعله أفضل من الأنبياء الماضين.
وصلنا إلى هنا فارتفع صوت المؤذن يدعو إلى صلاة العشاء وبعد إقامة الصلاة، عاد الجميع إلى المجلس وتناولوا الشاي والحلوى.
فقال الحافظ: إنك تصعّب الموضوع أكثر فأكثر، وقبل أن تجيب على الإشكال الأول، نجد في كلامك إشكالا آخر!
قلت: الموضوع واضح وسهل، فلا أدري ما هو الصعب في نظركم؟! وما هو الإشكال في كلامي؟! اطرحوه حتى أجيب عنه!!
الحافظ: في كلامكم الأخير أجد بعض الكلمات التي لا تخلو من إشكال:
1ـ قولكم: إن عليا كرم الله وجهه وصل مرتبة النبوة.
2ـ قولكم: إن عليا اتحدت نفسه مع نفس النبي حتى صارا كنفس واحدة.
3ـ قولكم: إن عليا أفضل من جميع الأنبياء غير خاتم النبيين (ص).
فهذه الجمل غريبة جدا، ولا أدري ما هو دليلكم عليها؟!
قلت: ربما يكون كلامي غريبا ومشكلا وصعبا بالنسبة لكم!
لأنكم لا تريدون أن تتعمقوا في الحقائق ولا تريدون أن تدرسوا القضايا هذه دراسة تحقيق وتفهم.
وأما بالنسبة للعلماء المحققين والمنصفين، فإن كلامي ليس بغريب ولا مشكل، بل هو واضح ومقبول.
وإليك الجواب عن الإشكالات التي طرحتها.

إثبات مرتبة النبوة لعلي عليه السلام:
إن الدليل على أن الإمام علي عليه السلام وصل مرتبة النبوة وكان أهلا لهذا المقام العظيم، هو حديث المنزلة المروي عن النبي (ص) في كتبكم المعتبرة أنه قال:
" يا علي! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".
وتارة كان (ص) يخاطب الناس فيقول: " علي مني بمنزلة هارون من موسى " إلى آخره.
الحافظ: لا نعلم صحة هذا الحديث، وعلى فرض صحته فهو خبر واحد ولا يعتد به ولا يعتمد عليه.
قلت: يظهر أنك قليل الاطلاع حتى على كتبكم والأخبار والأحاديث المروية فيها، أو إنك تتجاهل الحقائق وتتناسى الأحاديث المروية عن طرقكم حتى وصل بعضها حد التواتر، مثل هذا الحديث وأتعجب من قولك: إنه خبر واحد.. فكلامك هذا إما عن سهو أو عناد!

إسناد حديث المنزلة
ولكي تعرف ويعرف الحاضرون صحة حديث المنزلة عندنا وعندكم، فإني أذكر بعض أسانيده الحاضرة في ذهني وحافظتي بمقدار ما يسمح لي المقام، حتى يعترف الكل أن هذا الحديث الشريف لم ينقل عن طرق واحد، بل من طرق متعددة، رواه كبار علمائكم ومحدثيكم، وهو من الأحاديث المتواترة:
1ـ البخاري في الصحيح / 3 من كتاب المغازي في باب غزوة تبوك، ومن كتاب بدء الخلق في باب مناقب علي عليه السلام.
2ـ مسلم بن الحجاج في صحيحه 2/236/237/ ط. مصر 1290، وفي كتاب فضل الصحابة / باب فضائل علي عليه السلام.
3ـ الإمام أحمد بن حنبل في المسند 1/98 و 118 و 119 في وجه تسمية الحسنين عليهما السلام.
فبعد ذكر هذه الأسانيد والمدارك المعتبرة من أعلام علمائكم، وهي قليل من كثير، هل أذعنت بصحة حديث المنزلة؟ وهل تعترف بأنك كنت مشتبها في قولك: إنه خبر واحد لا يعتد!
الحافظ: لم يثبت التواتر بثلاثة مصادر، بل يحتاج إلى ذكر مصادر أكثر حتى نقول وصل حد التواتر.
قلت:
أولا: كل مصدر من هذه المصادر التي ذكرتها يعادل عندكم بألف.
ثانيا: صرح بعض المحققين من علمائكم بتواتر حديث المنزلة، مثل العلامة جلال الدين السيوطي في كتبه: " الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة " و " إزالة الخفاء " و " قرة العينين " ففي هذه الكتب عد حديث المنزلة من الأحاديث المتواترة.
وإذا لم يزل في قلبك وتريد أن تطمئن فراجع كتاب: " كفاية الطالب " تأليف محمد بن يوسف الكنجي الشافعي، وهو من أعلام علمائكم، في الباب السبعين منه، فإنه بعدما يروي الحديث عن عدة طرق يقول: هذا حديث متفق على صحته، رواه الأئمة الأعلام.. إلى آخره.
فاكتفى بهذا المقدار، وأظن أن الإبهام ارتفع والحافظ اقتنع.
الحافظ: أنا لست بلجوج ولا معاند، ولكن أدعوك إلى مطالعة كلام العالم الفقيه أبي الحسن الآمدي، الذي هو من المتكلمين المتبحرين، فإنه يرد حديث المنزلة ويضعفه.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 12  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:46 AM


قلت أتعجب منك! إذ أنك عالم وتدعي التحقيق والإنصاف، ثم تعدل عن كبار علمائكم الموثقين بما فيهم أئمة أهل الحديث المجمع على صحة ما رووا كالبخاري ومسلم، ثم تأخذ بقول الآمدي سيئ العقيدة والتارك للصلاة!!
الشيخ عبد السلام: الإنسان حر في بيان عقيدته، فلا يجوز لأحد أن يتهم أحدا أظهر عقيدته في شيء يخالف المشهور، ثم يُقَبح من مثلكم أن تتهجموا بسوء الكلام على فقيه، بل يجب أن تردوه بالمنطق والدليل، وخاصة جنابك، حيث تجسد أخلاق أهل البيت رضي الله عنهم.
قلت:
أولا: إن كنتم تلتزمون بحرية العقيدة، فلماذا ترمون الشيعة بالكفر والشرك وتجوزون قتلهم ونهب أموالهم؟!
لذا فهم يخفون عقائدهم الحقة إذا عاشوا في بلادكم وبين أظهركم خشية القتل!
أم إنكم تقصدون حرية الآمدي فحسب، وذلك في نصبه العداء ومخالفته لأهل البيت عليهم السلام؟!!
ثانيا.. أنا لم أتهجم على الآمدي بسوء الكلام، بل نقلت قول علمائكم الأعلام فيه.
الشيخ عبد السلام: أين ذكر علماؤنا الآمدي بسوء العقيدة وترك الصلاة؟!

شرح أحوال الآمدي
ذكر ابن حجر في كتاب " لسان الميزان ": السيف الآمدي، المتكلم علي بن أبي علي، صاحب التصانيف، وقد نفي من دمشق لسوء اعتقاده، وصح أنه كان يترك الصلاة!!
وذكر الذهبي ـ وهو من أعلامكم ـ في كتاب " ميزان الاعتدال " نفس الترجمة للآمدي وزاد: " أنه كان من المبتدعة ".
وإذا نظرتم في حال الآمدي بنظر التحقيق لعرفتم أنه لو لم يكن عديم الأيمان ومبتدعا لما خالف جميع الصحابة حتى عمر بن الخطاب ـ الذي هو أحد رواة حديث المنزلة ـ ولما خالف كل المحدثين الثقات وأعلام الرواة.
وأتعجب من أنكم تطعنون في الشيعة، لنهم لا يقبلون بعض الأحاديث المروية في الصحيحين عندكم، وهي عندنا غير صحيحة السند!
ولكن الآمدي حينما يرد حديثا أجمع عليه علماء الفريقين، وصححه ورواه جميع أصحاب الصحاح الستة! كيف تقبلون كلامه وتأخذون برأيه؟! وهو واحد خارج عن الإجماع، وعلى الأصل الذي عندكم!
ولو لم يكن للآمدي أي عيب ونقص سوى إنه رد حديثا جاء في الصحيحين، وبرده كذب الفاروق وكذب البخاري ومسلم وسائر أصحاب الصحاح، لكفى في طعنه وفسقه عندكم.
الحافظ: قلتم إن أحد رواة حديث المنزلة، الخليفة عمر بن الخطاب (رض) فهل يمكن أن تبينوا سندكم على هذا النقل؟
قلت: روى جماعة من علمائكم ومحدثيكم حديث المنزلة عن عمر بن الخطاب، منهم:
1ـ نصر بن محمد السمرقندي الحنفي، في كتاب " المجالس ".
2ـ محمد بن عبدالرحمن الذهبي في " الرياض النضرة ".
3ـ المولى علي المتقي الهندي، في " كنز العمال ".
4ـ العلامة ابن الصباغ المالكي، في " الفصول المهمة ".
5ـ محب الدين الطبري، في " ذخائر العقبى ".
6ـ الشيخ سليمان الحنفي، في " ينابيع المودة ".
7ـ موفق بن أحمد الخوارزمي، في " المناقب ".
هؤلاء كلهم رووا عن ابن عباس حبر الأمة ـ واللفظ للأخير ـ بسنده المتصل ـ بحذف سلسلة السند للاختصار ـ قال:
حدثني أمير المؤمنين الرشيد، عن أبيه، عن جده، عن عبدالله بن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الإسلام..
فقال عمر: أما علي فسمعت رسول الله (ص) يقول فيه ثلاث خصال وددت لو أن لي واحدة منهم، كان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس.
كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من الصحابة إذ ضرب النبي (ص) بيده على منكب علي فقال: يا علي! أنت أول المؤمنين إيمانا، وأول المسلمين إسلاما، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى.
أخرجه ابن عساكر في تاريخه عن عمر مع تغيير يسير في اللفظ.
وأخرجه المتقي الهندي الحنفي في كنز العمال: 6/ 395 وفيه زيادة لم تكن في غيره، وهذا نصه:
مسند عمر، عن ابن عباس [ قال] قال عمر بن الخطاب: كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب! فإني سمعت رسول الله (ص) يقول في علي ثلاث خصال، لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس:
كنت أنا وأبو بكر وأبوعبيدة بن الجراح ونفر من أصحاب رسول الله (ص) والنبي متكئ على علي بن أبي طالب، حتى ضرب بيده على منكبه ثم قال: أنت يا علي أول المؤمنين إيمانا، وأولهم إسلاما، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغضك.
وأخرجه الإسكافي في كتابه " نقض الرسالة العثمانية " للجاحظ: ص 21/ط مصر وفيه زيادات نافعة، فليراجع.
وبعد هذا هل يجوز في مذهبكم الرد على الخليفة عمر وهو الفاروق عندكم؟! وإذا لا يجوز ذلك فكيف تأخذون بقول الآمدي المعلوم الحال؟!

حكم الخبر الواحد عند العامة
وبقيت جملة أخرى من كلامكم، لابد لي من جوابها، زعمتم: أن حديث المنزلة خبر واحد، ثم قلتم: إن الخبر الواحد لا اعتبار به ولا اعتماد عليه.
أقول إذا يصدر هذا الكلام من أحد الشيعة فإنه يقبل منه، لأنه على الأصل والمبنى المقبول عندنا.
ولكن صدور هذا الكلام من مثلكم يثير التعجب والتساؤل، لأن في مذهبكم خبر الواحد مقبول وحجيته ثابتة، حتى أن بعض علمائكم حكم بتكفير وفسق المنكر له، فقد قال ملك العلماء شهاب الدين في كتابه " هداية السعداء " في فصل المضمرات من كتب الشهادات.
ومن أنكر الخبر الواحد والقياس، وقال: إنه ليس بحجة، فإنه يصير كافرا! ولو قال: هذا الخبر الواحد غير صحيح، وهذا القياس غير ثابت، لا يصير كافرا ولكن يصير فاسقا!
الحافظ: لقد سررت جدا من حسن بيانكم وسعة اطلاعكم عن كتبنا، وقد وجدتكم على خلاف ما كنت أسمع من قبل بأن علماء الشيعة لا يلمسون كتبنا ويعتقدون بنجاستها، فكيف بمطالعتها؟!
قلت: هذه أقاويل وأباطيل أعداء الإسلام، فانهم يريدون أن يفرقوا بين المسلمين، وفي المثل: " يعكروا الماء ليصطادوا سمكا "، وهو من باب " فرق تسد ".
يريدون فرض سيادتهم وهيمنتهم علينا، ولكنا يجب أن نكون واعين في هذه الأمور ويجب أن نعرف خطط أعدائنا المستعمرين فنبينها لعامة الناس حتى لا يقعوا في شباكهم، ويتبصروا في تشخيص مصالحهم ومضارهم، فيخبوا آمال الأعداء بمخالفتهم.
يجب أن نوجه أتباعنا المسلمين إلى مفاهيم القرآن الكريم حيث يقول: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)(9).
على أثر غفلتنا عن القرآن، وابتعادنا عن تعاليمه الحقة، يتمكن عدو المسلمين أن يتصرف في أفكارنا، فنصدق أكاذيبه ونعتقد بأباطيله! منها ما كنت تسمعه، كما قلت: بأن علماء الشيعة لا يلمسون كتبكم... إلى آخره.
نحن نأخذ كتب المرتدين والكفار والمشركين بكلتي يديدنا ونطالعها حتى نعرف ما يقولون، فنأخذ صحيحها ونطرح سقيمها، ونرد شبهاتها الموجهة إلينا، فكيف بكتبكم وأنتم إخواننا في الدين؟!
فاعلموا.. أننا على خلاف ما قيل لكم، بل نحترم كتبكم ونطالعها بدقة وإمعان، ونستفيد من أقوال علمائكم وأقوال محققيكم، ونستفيد من الأحاديث والروايات الصحيحة المروية في مسانيدكم وصحاحكم، وإن كثيرا من الكتب التي تدرس في حوزاتنا العلمية تكون من تأليف وتصنيف علمائكم.
منتهى الأمر بعض رواتكم المقبولين عندكم، غير موثقين ولا معتبرين عندنا، مثل: أنس وأبي هريرة وسمرة وغيرهم، وهذا لا يخصنا الآن، فإن بعض علمائكم أيضا لا يقبلونهم، منهم: أبو حنيفة، فإنه لا يقبل هؤلاء الثلاثة ونظراءهم!
وكتبكم عندنا معتبرة ونستفيد منها، وأنا شخصا أكثر مطالعاتي حول النبي (ص) وسيرته المباركة وتاريخ الأئمة من آله صلوات الله عليهم تكون من كتبكم، وأستند إليها في خطبي ومحاضراتي، وأنقل منها أكثر مما أنقل من كتبنا.
وإن مكتبتي الخاصة تحتوي على أكثر من مائتي مجلد مطبوع ومخطوط من كتبكم المشهورة في التفسير والتاريخ والفقه والحديث والكلام والرجال و....
ولكنا نطالع كتبكم مطالعة تحقيق وتمحيص فكما أن النقاد والصرافين يميزون بين الدراهم والدنانير، والصحيحة من المغشوشة، فكذلك نحن حينما نطالع أي كتاب لا نحسب محتوياته ومضامينه من المسلمات، بل نتفكر فيها ونميز بين الأحاديث والروايات والمواضيع، فنأخذ الصحيحة ونترك السقيمة، ولا تؤثر فينا شبهات وتشكيكات الفخر الرازي، ولا مغالطات ابن حجر، أو إشكالات روزبهان، او تكذيبات الآمدي وأمثالهم.
واعلم أن مطالعتي لكتبكم، والنظر في الأحاديث المروية والمقبولة عندكم، كانت السبب في معرفتي لأئمة أهل البيت (ع) أكثر، ويقيني بعلو مقامهم وعظم شأنهم.
الحافظ: لقد ابتعدنا عن موضوع البحث، فالرجاء بينوا وجه الاستدلال بحديث المنزلة، على أن عليا كرم الله وجهه كان في رتبة النبوة؟!
قلت: يثبت بهذا الحديث الشريف ثلاث خصائص للإمام علي (ع):
1ـ مقام النبوة بأنه لو كان نبي بعده لكان عليا ولكنه (ص) خاتم النبيين.
2ـ مقام وزارة النبي (ص) وخلافته.
3ـ أفضلية الإمام علي (ع) على جميع الصحابة.
ودليل ذلك... أن النبي (ص) جعل الإمام عليا (ع) منه بمنزلة هارون من موسى، وكان هارون نبيا، وكان وزير موسى وخليفته في قومه، وكان أفضل بني إسرائيل بعد أخيه موسى.
النواب: هل كان هارون نبيا؟!
قلت: نعم.
النواب: عجبا! إني ما سمعت بهذا من قبل! فهل ذكر الله نبوته في القرآن الحكيم؟!
قلت: نعم، في سورة النساء، الآية 163، قوله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا).
وفي سورة مريم، الآية 53 قوله تعالى: (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا).
الحافظ: إذا على هذا فمحمد وعلي كلاهما نبيان مبعوثان من عند الله إلى الخلق!
قلت: أنا لا أقول هكذا، وأنت تعلم أن عدد الأنبياء كثير جدا، وهو محل اختلاف بين العلماء، حتى قال بعضهم: إن عددهم مائة وعشرون ألفا أو اكثر، لكن كان أكثرهم يتبعون الأنبياء أولي العزم من الرسل وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتمهم سيدنا ونبينا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهارون كان نبيا غير مستقل وإنما كان تابعا لأخيه موسى ويعمل على شريعة أخيه.
كذلك الإمام علي عليه السلام، كان تاليا لرتبة أخيه وابن عمه رسول الله (ص) واصلا مقام النبوة ولكن غير مستقل بالأمر، بل كان تابعا لشريعة سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد (ص).
وكان غرض النبي (ص) من هذا الحديث الشريف أن يعرّف عليا عليه السلام لأمته في هذا المقام، ويثبت له تلك الرتبة الرفيعة والدرجة العلية، وهذه خصيصة عالية من خصائص الإمام علي عليه السلام.
وذكر ابن الحديد في " شرح نهج البلاغة " حديث المنزلة وعلّق عليه قائلا:
ويدل على أنه وزير رسول الله (ص) من نص الكتاب والسنة، قول الله تعالى: (اجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري * و أشركه في أمري)(10).
وقال النبي (ص) في الخبر المجمع على روايته بين سائر فرق الإسلام: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".
فأثبت له جميع مراتب هارون من موسى.
فإذا هو وزير رسول الله (ص) وشاد أزره، ولولا أنه خاتم النبيين لكان شريكا في أمره(11).
وذكر العلامة محمد بن طلحة الشافعي حديث المنزلة عن النبي (ص) في كتابه مطالب السؤول: 1/ 54 ط دار الكتاب، وعلق عليه فقال: فتلخيص منزلة هارون من موسى أنه كان أخاه ووزيره، وعضده، وشريكه في النبوة، وخليفته على قومه عند سفره، وقد جعل رسول الله (ص) عليا منه بهذه المنزلة، وأثبتها له، إلا النبوة، فإنه (ص) استثناها في آخر الحديث بقوله: " لا نبي بعدي " فبقي ما عدا النبوة المستثناة ثابتا لعلي عليه السلام من كونه أخاه ووزيره وعضده وخليفته على أهله عند سفره إلى تبوك.
وهذه من المعارج الشراف ومدارج الإزلاف، فقد دل الحديث بمنطوقه ومفهومه على ثبوت هذه المزية العلية لعلي عليه السلام، وهو حديث متفق على صحته.
انتهى كلامه.
وذكر مثل هذا الكلام العلامة ابن الصباغ المالكي في كتابه " الفصول المهمة " وكذلك كثير من علمائكم الكبار وقد ذكروا الحديث وعلقوا عليه تعليقات مفيدة، ولكن الوقت لا يسمح أن أذكر لكم كل مقالات علمائكم وتعليقاتهم المؤيدة لكلامنا حول حديث المنزلة.
الحافظ: ولكني أظن أن الاستثناء في الحديث ينفي مرتبة نبوة علي كرم الله وجهه، وإن قولكم: إن سيدنا محمدا (ص) لو لم يكن خاتم النبيين وكان الله يبعث بعده نبيا لكان ذلك علي بن أبى طالب! من غلوكم ولم يقل به قائل.
قلت: إن الحق واضح، ولكنك يا للأسف تتبع أسلافك في إنكار الحق بعد ظهوره، نعوذ بالله من التعصب والعناد!
ثم اعلم أن هذا القول لا يكون من الشيعة فحسب حتى ترمينا بالغلو ، وإنما كثير من علمائكم ذهب هذا المذهب أيضا.
الحافظ: لا أعرف أحد من علمائنا ذهب هذا المذهب، وان كنتم تعرفون أحدا فاذكروا اسمه!
قلت: أحد علمائكم الذي أخذ بهذا القول هو: ملا علي بن سلطان محمد الهروي القاري، صاحب التصانيف والتآليف الكثيرة.
قال في كتابه " المرقاة في شرح المشكاة " عند ذكره حديث المنزلة قال: وفيه إيماء إلى انه لو كان بعده (ص) نبيا لكان عليا.
ومنهم: العلامة الشهير والعالم النحرير جلال الدين السيوطي، في آخر كتابه " بغية الوعاظ في طبقات الحفاظ " ذكر مسندا عن جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رسول الله (ص) قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ولو كان لكنتَه.
ومنهم: المير سيد علي الهمداني، الفقيه الشافعي، ذكر في الحديث الثاني من المودة السادسة في كتابه " مودة القربى " عن أنس بن مالك، أنه روى أن رسول الله (ص) قال: إن الله اصطفاني على الأنبياء فاختارني واختار لي وصيا ، واخترت ابن عمي وصيي، يشد عضدي كما يشد عضد موسى بأخيه هارون، وهو خليفتي، ووزيري، ولو كان بعدي نبيا لكان علي نبيا، ولكن لا نبوة بعدي.
فثبت أن الشيعة لا تنفرد بهذا المقال، بل هناك كثير من علمائكم قالوا به أيضا.
بل قال به النبي (ص) أيضا كما يظهر من الأخبار المروية في كتبكم ، وقد مرت.
فحديث المنزلة يضمن جميع مراتب هارون بالنسبة لموسى لعلي بن أبي طالب بالنسبة لمحمد المصطفى (ص) إلا النبوة بعده (ص) التي استثناها فقال (ص): " إلا أنه لا نبوة بعدي ".
وأجلى المراتب الثابتة لهارون هي خلافته لقوله تعالى: (وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)(12) ومنها تثبت خلافة علي عليه السلام بعد خاتم النبيين (ص).
الحافظ: لقد ذكرت الآيات القرآنية أن هارون شريك موسى في أمر النبوة، فكيف جعلوه خليفة له؟! والحال أن مرتبة الشريك أعلى من مرتبة الخليفة، فإذا جعلوا الشريك خليفة فقد أنزلوا من مقامه، لأن مقام النبوة أعلى من مقام الخلافة.
قلت: لو تدبرت في حديثنا السابق وفهمته، ما طرحت هذا الأشكال ! فقد بينا أن نبوة موسى هي الأصل ونبوة هارون تابعة لنبوة أخيه، كما يقال: إن فلانا عضو على البدل، فكأنه خليفته.
ثم إن هارون كان شريك أخيه في تبليغ الرسالة السماوية، هذا ما يظهر من الآيات التي تحكي كلام موسى ودعاءه في قوله تعالى: (قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري * واشركه في أمري * كي نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا)(13).
ولكن علي بن أبي طالب هو الرجل الوحيد الذي كان شريكا لرسول الله (ص) في جميع صفاته الخاصة ومراحل الكمال إلا النبوة الخاصة.
الحافظ: ما زلنا نزداد تعجبا وحيرة منكم، لأنكم تغالون في علي كرم الله وجهه غلوا يأباه العقل السليم! أليس قولكم هذا إن عليا كان يشارك النبي (ص) في جميع صفاته الخاصة مغالاة صريحة في حق علي كرم الله وجهه؟!
قلت: إن كلامي هذا ليس غلوا ولا يأباه العقل، بل هو الحق الصريح ويحكم به العقل السليم الصحيح، فإن خليفة النبي (ص) يجب أن يكون ـ على القاعدة العقلية ـ مثله في جميع صفاته الكمالية حتى يصح أن يكون بديله وقائما مقامه وممثله.
لذلك، فإن كثير من علمائكم الكبار ذهبوا مذهبنا وقالوا مقالنا.
منهم: الإمام الثعلبي في تفسيره، والعالم الفاضل السيد أحمد شهاب الدين في كتاب " توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل " قال: ولا يخفى أن مولانا أمير المؤمنين قد شابه النبي في كثير، بل أكثر الخصال الرضية والفعال الزكية وعاداته وعباداته وأحواله العلية، وقد صح ذلك له بالأخبار الصحيحة والآثار الصريحة ، ولا يحتاج إلى إقامة الدليل والبرهان، ولا يفتقر إلى إيضاح حجة وبيان، وقد عد بعض العلماء بعض الخصال لأمير المؤمنين علي التي هو فيها نظير سيدنا النبي الأمي، فهو نظيره في النسب، ونظيره في الطهارة بدليل قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(14).
ونظيره في آية ولي الأمة، بدليل قوله: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(15).
ونظيره في الأداء والتبليغ، بدليل الوحي الوارد عليه يوم إعطاء سورة براءة لغيره، فنزل جبرئيل قال: لا يؤديها إلا أنت أو من هو منك، فاستعادها منه فأداها علي رضي الله تعالى عنه في الموسم.
ونظيره في كونه مولى الأمة بدليل قوله (ص): " من كنت مولاه فهذا علي مولاه ".
ونظيره في مماثلة نفسيهما، وأن نفسه قامت مقام نفسه (ص)، والله تعالى أجرى نفس علي مجرى نفس النبي (ص) فقال: (فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم)(16).
ونظيره في فتح بابه في المسجد كفتح باب رسول الله (ص) وجواز دخوله المسجد جنبا كحال رسول الله (ص) على السواء.
لما وصل الحديث إلى هذا الموضوع، وإذا بهمهمة قامت بين الحاضرين من أهل السنة والجماعة. فسألت عن سبب ذلك، فأجاب النواب قائلا:
في خطبة يوم الجمعة في المسجد، نسب الحافظ هذه الفضيلة لسيدنا أبي بكر (رض)، والآن جنابكم تنسبوه للإمام علي رضي الله عنه، لذلك تحير الحاضرون من هذا التناقض!
قلت ـ مخاطبا للحافظ ـ: أ صحيح أنك نسبت هذه الفضيلة للخليفة أبي بكر؟!
الحافظ: نعم.. لقد ورد عن الصحابي الجليل والثقة العدل أبي هريرة (رض): أن رسول الله (ص) أمر بسد أبواب بيوت الأصحاب التي تنفتح في المسجد إلا باب بيت أبي بكر (رض) وقال (ص): أبو بكر مني وأنا منه.
قلت: لا يخفي على كل من طالع التاريخ بدقة وتحقيق، أن بني أمية سعوا في خلق الفضائل والمناقب للصحابة الذين كانوا مناوئين لعلي بن أبي طالب (ع)، ولا سيما المناقب التي تعد من خصائص أمير المؤمنين علي (ع) فنسبوها للآخرين.
فكان معاوية يدعو أبا هريرة والمغيرة وعمرو بن العاص ونظراءهم، فيشبع بطونهم بألوان الطعام، ويغريهم بالأموال والحطام، ويأمرهم بنقل الروايات المجعولة والأخبار المعلولة لأهل الشام، وكان المناوئون البكريون والعمريون والعثمانيون ينشرون تلك الأكاذيب بين الأنام.
ولكن ظهر أمام هؤلاء المفترين الوضاعين، جماعة من علمائكم المحققين، وفضحوا بعض تلك الأخبار المجعولة وكشفوا الستار عنها.
منهم: العلامة الكبير والعالم النحرير، ابن أبي الحديد، قال : فلما رأت البكرية ما صنعت الشيعة، وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث، نحو: " لو كنت متخذا خليلا " فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء، ونحو " سد الأبواب " فإنه كان لعلي (ع) فقلبته البكرية إلى أبي بكر...(17).
والعجب منك أيها الحافظ إذ تنقل هذا الخبر المجعول لأصحابك وتترك الخبر الصحيح المتواتر والمجمع عليه، وقد أثبته كبار علمائكم وأصحاب الصحاح كلهم رووا: أن رسول الله (ص) أمر بسد جميع الأبواب التي كانت تنفتح على مسجده إلا باب بيته وباب بيت الإمام علي (ع).
النواب: لقد صار هذا الخبر موضع اختلاف، فالحافظ يقول: إنه من مناقب أبي بكر (رض)، وأنتم تقولون: إنه من فضائل سيدنا علي كرم الله وجهه ومن خصائصه دون الصحابة، فهل عندكم مدارك وأسناد معتبرة عندنا أي: تكون المشهورة؟!
قلت: نعم.
روى الإمام أحمد في مسنده 1/175 و 2/26 و 4/369.
والنسائي في سننه، وأيضا في خصائصه: 13 و14.
والحاكم في المستدرك 3/117 و 125.
وسبط ابن الجوزي في التذكرة 24 و 25.
وابن الأثير الجزري في أسنى المطالب 12.
وابن حجر في الصواعق المحرقة 76.
وابن حجر العسقلاني في فتح الباري 7/205.
وابن كثير في تاريخه 7/342.
والمتقي الهندي في كنز العمال 6/408.
والهيثمي في مجمع الزائد 9/115.
ومحب الدين الطبري في الرياض 2/192.
والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء 4/153.
والسيوطي في تاريخ الخلفاء 116، وفي بعض كتبه الأخرى.
مثل: جمع الجوامع والخصائص الكبرى واللآلي المصنوعة ج 1.
ورواه الخطيب الخوارزمي في المناقب.
والحمويني في فرائد السمطين.
وابن المغازلي في المناقب.
والمناوي في كنوز الدقايق.
وشهاب الدين القسطلاني في إرشاد الساري 6/81.
والقندوزي في ينابيع، أفراد الباب 17 لهذا الحديث.
والحلبي في السيرة الحلبية 3/374.
ومحمد بن طلحة في مطالب السؤول 17.
هؤلاء وغيرهم من كبار علمائكم ومحدثيكم رووا عن كبار الصحابة المعتبرين عندكم، كالخليفة الثاني، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وزيد بن أرقم، وبراء بن عازب، وأبي سعيد الخدري، وأبي حازم، والأشجعي، وسعد بن أبي وقاص، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وغيرهم، قالوا: إن النبي (ص) أمر بسد جميع الأبواب التي كانت تفتح من بيوت الصحابة في المسجد إلا باب بيت علي بن أبي طالب (ع).
وبين بعض علمائكم المحققين توضيحات كاملة وكافية لتوجيه وهداية المغتربين والمغررين بالدعايات الأموية فضلوا عن الحق وعن الصراط المستقيم.
لقد خصص العلامة محمد بن يوسف الشافعي في كتابه " كفاية الطالب " بابا، وهو الخمسون خصصه في هذا الموضوع، وبعد أن يروي الأخبار وينقل الروايات المعتبرة والمقبولة بسنده يقول: هذا حديث حسن عال.
ثم يقول: وإنما أمر النبي (ص)، بسد الأبواب وذلك لأن أبواب مساكنهم كانت شارعة إلى المسجد فنهى الله تعالى عن دخول المساجد مع وجود الحيض والجنابة، فعم النبي (ص) بالنهي عن الدخول في المسجد والمكث فيه للجنب والحائض وخص عليا بالإباحة في هذا الموضع.
وما ذاك دليل على إباحته المكروه له، وإنما خص بذلك لعلم المصطفى (ص) بأنه يتحرى من النجاسة هو وزوجته فاطمة وأولاده صلوات الله عليهم، وقد نطق القرآن بتطهيرهم في قوله عز وجل:
(إنما يريد ليذهب أهل ويطهركم تطهيرا) (18) إلى آخره ما رواه وعلقه العلامة الكنجي.
فمع هذا التوضيح من العلامة الكنجي الشافعي فليقايس جناب الحافظ مع الخبر الذي نقله إلى المصلين في يوم الجمعة عن أبي هريرة، ثم لينظر هل يكون عنده دليل على طهارة أبو بكر؟! مع غض النظر عن كل الاسناد والمدارك التي ذكرتها في تأييد الخبر وصحته في الإمام علي بن أبي طالب (ع) لا غيره.
فلينظر الحافظ هل يكون عنده دليل طهارة أبي بكر حتى يسمح له فتح بابه في المسجد وتردده فيه؟!
فلما لم يدع أحد من المسلمين طهارة أبي بكر، لم يكن خبر فتح بابه على المسجد صحيحا، بل هو كذب افتراه الجعالون، وقد تذكرت الآن حديثا بالمناسبة، رواه كبار علمائكم عن الخليفة عمر بن الخطاب.
ورواه الحاكم في المستدرك 3/125، والحافظ سليمان القندوزي في " ينابيع المودة " باب 56 ص 210، نقلا عن " ذخائر العقبي " ومسند الإمام أحمد، ورواه الخطيب الخوارزمي في المناقب: 261، وابن حجر في الصواعق المحرقة: 76، وجلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء، وغير هؤلاء، كلهم رووا ـ باختلاف يسير في الألفاظ ـ أن عمر بن الخطاب قال:
" لقد أوتي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن تكون لي واحدة منها أحب إلي من خمر النعم:
زوجه النبي (ص) بنته.
وسد الأبواب إلا بابه، وسكناه المسجد مع رسول الله، يحل له فيه ما يحل له.
وأعطاه الراية يوم خيبر ".
فاكتفي بهذا المقدار في هذا الإطار، وأظن أن الحق قد انكشف والسحاب قد انقشع، وظهر الواقع لحضرة النواب وجناب الحافظ وجميع الحاضرين.
والآن نرجع إلى محور حديثنا من قبل، وهو كلام السيد شهاب الدين ، حول الإمام علي (ع):
فبعد مقايسته لبعض خصال الإمام علي (ع) المشابهة لخصال النبي (ص)، يقول في آخر حديثه: ومن تتبع أحواله في الفضائل المخصوصة، وتفحص أحواله الشمائل المنصوصة، يعلم أنه كرم الله تعالى وجهه بلغ الغاية في اقتفاء آثار سيدنا المصطفى، وأتى النهاية في اقتباس أنواره حيث لم يجد فيه غيره مقتضى.
هذا نموذج من مقالات واعترافات كبار علمائكم في حق الإمام علي (ع) ومقاماته العالية وفضائله السامية، نقلتها لكم حتى تعرفوا، أني لم أغال في حق الإمام علي (ع)، ولم أدع شيئا بغير مستند في حقه.
بل كل ما أقوله إنما هو عن دليل وبرهان، وتدقيق وإتقان.
وعلماء الشيعة كلهم كذلك، كل ما نقلوه من فضائل الإمام علي عليه السلام ومناقبه إنما هي مستندة إلى كتب كبار علمائكم ومحققيكم.
ولكن من دواعي الأسف أن بعض علمائكم، وخاصة في زماننا، إذا واجهوا عوام الناس والجهلاء من أتباعهم، ينكرون تلك الفضائل والمناقب المروية في الكتب المعتبرة عندهم في حق الإمام علي عليه السلام، بل يكذب بعضهم بكل صلافة الشيعة وغيرهم إذا نقلوا تلك الأخبار والروايات المعتبرة.
وحاصل الكلام، فقد ثبت أن علي بن أبي طالب هو نظير رسول الله (ص) وشريكه، كما كان هارون بالنسبة لموسى بن عمران (ع) ولما وجد موسى أخاه هارون أولى وأفضل من جميع بني إسرائيل، وهو اللائق بهذا المقام، سأل ربه عز وجل فيه وقال: (واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري * واشركه في أمري....)(19).
وكذلك محمد المصطفى، خاتم الأنبياء (ص) لما وجد أخاه علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل أمته، وأرجحهم علما وعقلا، فهو أليقهم بأمر الخلافة، وأولاهم بمقام الإمامة، سأل ربه سبحانه وتعالى فيه ما سأله النبي موسى (ع) في حق أخيه.
النواب: هل وردت روايات في هذا الباب؟
قلت: أما الشيعة فقد أجمعوا على هذا الموضوع من غير إنكار، وأما علماؤكم فقد نقلوا أيضا في كتبهم المعتبرة روايات صحيحة وأحاديث صريحة في ذلك ، منهم:
ابن المغازلي الفقيه الشافعي، في " مناقبه ".
وجلال الدين السيوطي، في تفسيره " الدر المنثور ".
والإمام الثعلبي، في تفسيره " كشف البيان ".
وسبط ابن الجوزي، في كتابه " تذكرة الخواص " في ذيل آية الولاية، وروى في صفحة 14، عن أبي ذر الغفاري وأسماء بنت عميس ـ إحدى زوجات أبي بكر، قالا:
صلينا يوما الظهر في المسجد مع رسول الله (ص) وإذا برجل قام يسأل الناس شيئا فما أعطاه أحد، وكان علي عليه السلام في الركوع فأشار إليه بإصبعه ، فأخرج السائل خاتمه من إصبعه، فرأى النبي (ص) ذلك، فنظر نحو السماء وقال: اللهم إن أخي موسى سألك فقال: (قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري * واشركه في أمري) فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما).
اللهم وأنا محمد صفيك ونبيك، فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيرا من أهلي، عليا اشدد به أزري.
فوالله ما انتهى النبي (ص) من الدعاء، إلا ونزل جبرئيل بالآية الكريمة: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(20).
والعلامة محمد بن طلحة نقل هذا الخبر مع اختلاف يسير في الألفاظ ، في كتابه " مطالب السؤول 19 ".
وهناك خبر آخر، نقله الحافظ أبو نعيم في " منقبة المطهرين " والشيخ علي الجعفري في " كنز البراهين " والإمام أحمد بن حنبل في " المسند " والسيد شهاب الدين في " توضيح الدلائل " والسيوطي في " الدر المنثور " وآخرون من كبار علمائكم، لا يسع الوقت لذكر أسمائهم لكثرتهم، فقد ذكروا في كتبهم بطرق مختلفة عن : أسماء بنت عميس وغيرها من الصحابة، ورووا عن ابن عباس ـ حبر الأمة ـ أنه قال:
أخذ رسول الله (ص) بيدي وبيد علي بن أبي طالب، فصلى أربع ركعات ، ثم رفع يده نحو السماء وقال: اللهم سألك موسى بن عمران، وأنا محمد أسألك: أن تشرح لي صدري، وتيسر لي أمري، وتحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي عليا، أشدد به أزري، وأشركه في أمري.
فقال ابن عباس: سمعت صوتا يقول: يا أحمد! قد أوتيت ما سألت.
وقال ابن عباس: فأخذ النبي (ص) بيد علي ورفعها نحو السماء، وقال: يا علي! ارفع يدك واسأل ربك ليعطيك شيئا.
فرفع علي يده وقال: اللهم اجعل لي عندك عهدا، واجعل لي عندك ودا.
فنزل جبرئيل بالآية الكريمة: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)(21).
فتعجب الأصحاب من هذا الموضوع، فقال النبي (ص): مما تعجبون؟! إن القرآن أربعة أرباع، فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع حلال، وربع حرام، وربع فرائض وأحكام، والله أنزل في علي عليه السلام كرائم القرآن.
الشيخ عبد السلام: على فرض صحة كلامكم، فإن حديث المنزلة لا يخص علي بن أبي طالب، بل ورد في حق الشيخين أبي بكر وعمر (رض).
فقد روى قزعة بن سويد، عن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال رسول الله (ص): أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.
قلت: لو كنتم تعرفون رأي علمائكم في رواة هذا الحديث لما تمسكتم به!
فإن قزعة كالآمدي، كذاب جعال، وإن كبار علمائكم الرجاليين، ردوا عليه وقالوا، إن رواياته غير مقبولة.
منهم: العلامة الذهبي في كتابه " ميزان الاعتدال " قال في ترجمة قزعة بن سويد: نقل هذا الحديث ـ منزلة الشيخين ـ عمار بن هارون وأنكره فقال : هذا كذب.
لذا فنحن نتعجب منكم إذ تتركون الحديث المجمع عليه، والمروي في كتب الفريقين، وهو مؤيد بأحاديث صحيحة أخرى، وتتمسكون بحديث ضعيف، مردود عند الفرقين، وغير مقبول عند كبار علمائكم الأعلام!!
ولما وصلنا إلى هنا نظر بعض الحضور إلى الساعة وقالوا: لقد طال بنا الحديث، ومضى من الليل نصفه، فلنترك الحوار حول الموضوع إلى الليلة القابلة.
فوافق جميع الحاضرين، وتوادعوا، وذهبوا إلى بيوتهم.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 13  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:48 AM




المجلس الخامس
ليلة الثلاثاء 27/ رجب / 1345 هجرية


أقبل الحافظ وسائر العلماء من أول الليل مع جماعة كبيرة من أتباعهم، وبعد تناول الشاي والحلوى، بدأ الحافظ قائلا:
لقد فكرت كثيرا في حديثكم وكلامكم حول حديث المنزلة، وراجعت كتبنا فرأيته كما ذكرتم أنه من الأحاديث الصحيحة المتواترة بإجماع علمائنا وأهل الحديث الموثقين عندنا..
ولكنه لا يدل على خلافة سيدنا علي كرم الله وجهه بعد وفاة النبي (ص) مباشرة من غير فاصل كما تقولون، بل صدر حديث المنزلة عند خروج النبي (ص) من المدينة إلى غزوة تبوك وخلّف عليا في المدينة.
فهو يدل على خلافة سيدنا علي رضي الله عنه لرسول الله (ص) في ذلك المورد فحسب، وذلك في حياة النبي (ص)، فلا يتعدى إلى موارد أخرى، وخاصة بعد وفاة رسول الله (ص)!
قلت: لو كان أحد الحاضرين من غير العلماء يطرح هذا الإشكال ما كنت أتعجب، ولكن هذا البيان من رجل فاضل يعلم قواعد اللغة العربية.. مثلكم غريب!
لأن الاستثناء الذي جاء في آخر حديث المنزلة يفيد العموم، وهو: " إلا أنه لا نبي بعدي ".
ثم هناك أصل مقبول عند أشهر علماء اللغة العربية وهو: إن اسم الجنس إذ ذكر في الكلام وكان مضافا إلى اسم علم فهو يفيد العموم وكلمة " المنزلة " التي أضيفت إلى اسم " هارون " يفهم منها معناها العام.
وجملة " لا نبي بعدي " يؤول على المصدر، أي: " لا نبوة بعدي " وهو أيضا على القاعدة المشهورة بين اللغويين العرب.
الحافظ: إذا ننظر إلى جملة: " لا نبي بعدي " بنظر الدقة، لوجدناها جملة إخبارية، فلا يمكن استثناؤها من منازل هارون ومراتبه، ثم ما الداعي لنصرف ظاهر الكلمة على المصدر؟!
قلت: إنك تعرف الحق وتحرفه جدلا! لأن كلامي غير شاذ، بل هو على القواعد المسلمة عند علماء اللغويين والأصوليين، وهناك كثير من علمائكم قالوا به وصرحوا بما فهمناه من حديث المنزلة.
وعندنا دليل أقوى من كل ذلك، وهو أن النبي (ص) صرح أيضا بهذا المعنى كما في بعض الروايات الصحيحة المعتبرة عند علمائكم، منهم:
1ـ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي، في كتابه " كفاية الطالب في مناقب مولانا علي بن أبي طالب " الباب السبعين.
2ـ الشيخ سليمان الحنفي القندوزي، في كتابه " ينابيع المودة " بسنده عن عامر بن سعد، عن أبيه.
ومن طريق آخر بسنده عن مصعب بن سعد، عن أبيه، عن النبي (ص) قال لعلي عليه السلام: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي؟!
قال القندوزي في الباب السادس من كتابه: هذا حديث متفق على صحته، ورواه الأئمة الحفاظ كأبي عبدالله البخاري ومسلم بن الحجاج في صحيحيهما.
3ـ ابن كثير، في تاريخه، عن عائشة بنت سعد عن أبيها عن النبي (ص).
4ـ سبط ابن الجوزي، في " تذكرة الخواص ": 12، نقلا عن مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم.
5ـ الإمام أحمد، في المناقب.
6ـ أحمد بن شعيب النسائي، في كتابه " خصائص علي بن أبي طالب " بسنده عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله (ص).
7ـ الخطيب الخوارزمي، في المناقب، عن جابر بن عبدالله الأنصاري.
هؤلاء وغيرهم رووا عن رسول الله (ص) قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟!
8ـ المير سيد علي الهمداني، في كتابه " مودة القربى " ـ المودة السادسة، عن أنس بن مالك ـ وقد نقلت لكم الحديث في الليلة الماضية ـ يقول في آخره : ولو كان بعدي نبيا لكان علي نبيا ولكن لا نبوة بعدي.
فثبت بحديث المنزلة، أن موسى بن عمران (ع) كما خلف أخاه هارون (ع) مكانه حينما ذهب لميقات ربه سبحانه، وفوض أمر النبوة إليه، لأنه كان أفضل أمته وأحفظهم للدين، فجعله يقوم مقامه، كي لا يضيع شرعه وتذهب أتعابه سدى كذلك خاتم النبيين (ص)، وشريعته المقدسة أفضل الشرائع السماوية، ودينه المبين أكمل الأديان الإلهية.
فمن الأولى أن لا يترك أمته من غير خليفة، ولا بد له أن يعين من يقوم مقامه في أمر النبوة، كي لا تختلف أمته في أحكام الدين، ولا يضيع شرعه المقدس بين الجاهلين والمغرضين، فيتحكمون فيه ويفتون بالرأي والقياس، وما استحسنته عقولهم المتحجرة، فيذهبون إلى الدروشة والتصوف.. وما إلى ذلك.
حتى انقسمت الأمة الإسلامية الواحدة التي قال تعالى في وصفها: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)(1). فتفرقت إلى ثلاث وسبعين فرقة، واحدة ناجية والباقون في النار، لأنهم ضالون ومضلون.
فأعلن النبي (ص) أن عليا منه بمنزلة هارون من موسى، وبقي على المسلمين أن يفهموا من الحديث الشريف، بأن جميع منازل هارون تكون لعلي عليه السلام ، ومنها تفضيله على الآخرين، وخلافته للنبي (ص) في حياته وبعدها.
الحافظ: كل ما بينتموه حول حديث المنزلة نقبله، إلا هذا الموضوع الأخير. فإن كل منازل ومراتب هارون تكون لعلي كرم الله وجهه في حياة النبي (ص)، وأما بعد حياته فلا!
لأنه (ص) عين عليا خليفته في المدينة حينما أراد الخروج لغزوة تبوك ـ وهي قضية في واقعة ـ فلما رجع (ص) من الغزو تسلم الأمر من علي كرم الله وجهه ، وانتهى التعيين لأنه كان خاصا بذلك الزمان.
فلا نفهم من حديث المنزلة خلافة سيدنا علي رضي الله لسيدنا محمد المصطفى (ص) ما بعد وفاته (ص)، وهذا الأمر يحتاج إلى دليل آخر.
قلت: لم ينحصر صدور حديث المنزلة في غزوة تبوك فقط، بل نجد في الأخبار المعتبرة والروايات الصحيحة أن النبي (ص) أعلن حديث المنزلة في مناسبات أخر.
منها: حينما آخى بين أصحابه في مكة وأخرى في المدينة واتخذ عليا عليه السلام أخا لنفسه، فقال (ص) له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي.
الحافظ: هذا خبر غريب! لأني كل ما سمعت وقرأت عن حديث المنزلة ، أنه صدر من النبي (ص) حين ذهابه إلى تبوك، وذلك لما خلّف عليا رضي الله عنه في المدينة، فحزن علي لعدم مشاركته في الحرب والجهاد، فقال له رسول الله (ص): أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى...؟ إلى آخره.
لذلك فإني أظن أن سماحة السيد قد وهم في كلامه، واشتبه الأمر عليه.
قلت: إني لست متوهما، بل على يقين من كلامي، وهو قول جميع علماء الشيعة وكثير من علمائكم أيضا، منهم:
1ـ المسعودي، في مروج الذهب 2/ 49.
2ـ السيرة الحلبية 2/ 26 و120.
3ـ الإمام النسائي، في خصائص علي بن أبي طالب:19.
4ـ سبط ابن الجوزي، في التذكرة: 13 و14.
5ـ الشيخ سليمان الحنفي القندوزي، في " ينابيع المودة " الباب التاسع والسابع عشر، نقلا عن مسند أحمد، وعن زوائد المسند لعبدالله بن أحمد، وعن مناقب الخوارزمي.
كل هؤلاء ذكروا حديث المنزلة ضمن خبر المؤاخاة، والمستفاد من الأخبار والروايات، أن النبي (ص) كرر حديث المنزلة في حضور أصحابه وفي مناسبات كثيرة منها: عند المؤاخاة، وعند استخلافه (ص) عليا على المدينة حين خروجه (ص) منها إلى تبوك وغيرها.
فكان النبي (ص) كان يريد إعلان خلافة أخيه وابن عمه الإمام علي عليه السلام في كل وقت ومكان، لا في زمان ومكان معين.
الحافظ: كيف تفهمون من حديث المنزلة هذا الموضوع المهم، ولم يفهمه الصحابة الكرام ما فهمتموه؟!
أم تقولون إنهم فهموا من حديث المنزلة ما فهمتموه ومع ذلك خالفوا نبيهم وبايعوا غير سيدنا علي رضي الله عنه؟!
قلت: في جواب سؤالك الثاني، الذي هو قولنا، عندي قضايا مشابهة كثيرة، ولكن أكتفي بنقل قضية واحدة وهي قضية هارون الذي نحن في ذكره والكلام يدور حوله.
وعلي عليه السلام في الإسلام يشبه هارون في بني إسرائيل، والقضية كما ذكرها المفسرون عند تفسير قوله تعالى: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)(2).
قال المفسرون: إن موسى بن عمران لما أراد أن يذهب إلى ميقات ربه تعالى، جمع بني إسرائيل ـ والحاضرون على بعض الروايات سبعون ألف نفر، فأكد عليهم أن يطيعوا أمر هارون ولا يخالفوه في شيء، فإنه خليفته فيهم.
ثم لما ذهب إلى الميقات وطال مكثه، انقلب بنو إسرائيل على هارون فخالفوه وأطاعوا السامري، وسجدوا للعجل الذي صنعه السامري من حليهم وذهبهم!
ولما منعهم هارون ونهاهم من ذلك ودعاهم لعبادة الله سبحانه تألبوا عليه وكادوا يقتلونه، كما حكى الله تعالى عن قول هارون: (إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني)(3).
بالله عليكم، أيها الحاضرون، أنصفوا!! هل إن اجتماع أمة موسى حول السامري و عجلهم، وتركهم هارون خليفة موسى بن عمران، المؤيد من عند الله، والمنصوص عليه بالخلافة، دليل على أحقية السامري وبطلان خلافة هارون؟!
هل إن عمل بني إسرائيل صحيح عند الله سبحانه وتعالى؟!
هل لعاقل أن يقول: إن بني إسرائيل إذا كانوا يسمعون من لسان نبيهم نصا في خلافة هارون ما كانوا يتركوه، ويجتمعون حول السامري وعجله؟!
وهل إن اجتماعهم حول السامري وعجله، دليل على أنهم ما سمعوا نصا من موسى بن عمران في خلافة أخيه هارون؟!
كلنا يعلم أن هذا كلام تافه وواه.، لأن القرآن الكريم يصرح بأن موسى (ع) نصب هارون في مقامه، وعينه خليفته في قومه، ثم ذهب إلى ميقات ربه، ولكن بني إسرائيل مع ذلك ضلوا عن الحق، بإغواء السامري وتدليس إبليس لعنه الله.
فهم مع علمهم بخلافة هارون ووجوب إطاعتهم أمره، خالفوه وكادوا يقتلونه، بل أطاعوا السامري وسجدوا لعجله وعبدوه!!
كذلك بعد وفاة النبي (ص)، إن أولئك الذين سمعوا من فم رسول الله (ص) كرارا ومرارا، بالصراحة والكناية، يقول: إن علي بن أبي طالب خليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا، فكما أن أمة موسى تركوا هارون، كذلك أمة محمد (ص) تركوا عليا، وتبعوا أهواءهم.
بعضهم للرئاسة والدنيا كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها (4).
وبعضهم للحقد الذي كان مكنونا في صدورهم، لأن عليا عليه السلام قتل أبطالهم وجندل ذؤبانهم، وضربهم بسيفه حتى استسلموا وقالوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، بألسنتهم ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، فكانوا يتحينون الفرصة لإظهار بغضهم الدفين، فلما أتيحت لهم الفرصة بوفاة رسول الله (ص) انقلبوا على أعقابهم، وفعلوا ما فعلوا ظلما وعناد.
وبعضهم للحسد والكبرياء، لأنهم كانوا أسن من الإمام علي (ع)، وهو يوم ذاك لم يبلغ الأربعين من العمر، فثقل عليهم أن يخضعوا له ويطيعوا أمره!
لهذه الأسباب ونحوها تركوا خليفة نبيهم وخذلوه وكادوا يقتلوه، كما كاد بنو إسرائيل أن يقتلوا هارون!!
لذلك روى ابن قتيبة وهو من كبار علمائكم، في كتابه الإمامة والسياسة صفحة 13 ـ 14 / ط مطبعة الأمة بمصر تحت عنوان: " كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ".
قال: وإن أبا بكر (رض) تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء وناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقها على من فيها!
فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة!
فقال: وإن!!
فخرجوا وبايعوا إلا عليا... فأخرجوا عليا، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع.
فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟!
قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك!!
قال: إذا تقتلون عبدالله وأخا رسوله.
قال: عمر أما عبدالله فنعم، وأما أخو رسوله فلا!
وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟!!
فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.
فلحق علي بقبر رسول الله (ص) يصيح ويبكي وينادي: (يابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني)(5).
ونقل أكثر المؤرخين الموثقين عندكم أن الإمام عليا (ع) تلا هذه الآية عند قبر رسول الله (ص) في تلك الحالة العصيبة، وهي حكاية قول هارون عند أخيه موسى بن عمران حينما رجع من ميقات ربه، فشكى إليه قومه بني إسرائيل، وكيف استضعفوه وصاروا ضده.
وإني أعتقد أن رسول الله (ص) كان يعلم بأنه سيجري من قومه على وصيه وخليفته من بعده، ما جرى على هارون من أمة موسى في غيبته، ولذلك شبه عليا (ع) بهارون.
والإمام علي (ع) لإثبات هذا المعنى خاطب النبي (ص) عند قبره فقال له ما قال هارون لأخيه موسى، قوله تعالى: (إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني)(6).
فلما وصل حديثنا إلى هذه النقطة، سكت الحافظ وبهت الحاضرون، وبدا ينظر بعضهم إلى بعض، في حالة من التفكر والتعجب.
فرفع النواب رأسه وقال: إذا كانت الخلافة حق الإمام علي (ع) بعد النبي (ص) مباشرة من غير تأخر وذلك بأمر الله تعالى كما تقولون، فلماذا لم يصرح به رسول الله (ص) أمام أصحابه والذين آمنوا به؟!
فلو كان النبي (ص) يقول بالصراحة: يا قوم! إن علي بن أبي طالب خليفتي فيكم وهو بعدي أميركم والحاكم عليكم، فلم يكن حينئذ عذر للأمة في تركه ومبايعة غيره ومتابعة الآخرين!
قلت:
أولا: المشهورين بين أهل اللغة والأدب بأن: " الكناية أبلغ من التصريح " فتوجد في الكناية نكات دقيقة ولطائف رقيقة لا توجد في التصريح أبدا.
مثلا... المعاني الجمة التي تستخرج من كلمة " المنزلة " فيما نحن فيه من البحث حول حديث المنزلة، تكون أعم وأشمل من كلمة " الخليفة " لأن الخلافة تكون جزءا وفرعا لمنزلة هارون من موسى.
ثانيا: توجد تصريحات من النبي (ص) في خلافة الإمام علي (ع).
النواب: هل يمكن أن تبينوا لنا تلك التصريحات وأعتذر أنا من هذا السؤال، لأن علماؤنا يقولون لنا: لا يوجد حديث صريح من رسول الله (ص) في خلافة علي كرم الله وجهه، وإنما الشيعة يؤولون بعض الأحاديث النبوية الشريفة في خلافة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه!
قلت: إن الذين قالوا لكم هذا الكلام، إما هم جهال في زي أهل العلم، أو علماء
يتجاهلون ! لأن الأحاديث الصريحة في خلافة الإمام علي (ع) وتعيينه دون غيره كثيرة، وقد ذكرها علماؤكم الأعلام في الكتب المعتبرة، وأنا الآن أبين لكم بعض ما يحضرني، حسب ما يسمح به الوقت

يوم الإنذار
أول مناسبة صرح فيها رسول الله (ص) بخلافة الإمام علي في أوان رسالته والإسلام بعد لم ينتشر، بل كان لا يزال في مهده ولم يخرج من مكة المكرمة، لما نزلت الآية الكريمة: (وأنذر عشيرتك الأقربين...)(7).
روى الإمام أحمد، في مسنده 1/111 و 159 و333.
والثعلبي في تفسيره عند آية الإنذار.
والعلامة الكنجي الشافعي، في " كفاية الطالب " أفرد لها الباب الحادي و الخمسين.
والخطيب موفق بن أحمد الخوارزمي، في المناقب.
ومحمد بن جرير الطبري، في تفسيره عند آية الإنذار، وفي تاريخه 2/217 بطرق كثيرة.
وابن أبي الحديد، في شرح " نهج البلاغة ".
وابن الأثير، في تاريخه، الكامل 2/22.
والحافظ أبو نعيم، في " حلية الأولياء ".
والحميدي، في " الجمع بين الصحيحين ".
والبيهقي، في " السنن والدلائل ".
وأبو الفداء، في تاريخه 1/116.
والحلبي، في السيرة 1/381.
والإمام النسائي، في الخصائص، حديث رقم 65.
والحاكم في المستدرك 3/132.
والشيخ سليمان الحنفي، في الينابيع، أفرد لها الباب الحادي والثلاثين.
وغيرهم من كبار علمائكم ومحدثيكم ومفسريكم، رووا ـ مع اختلاف يسير في العبارات ـ:
إنه لما نزلت الآية الشريفة: (وأنذر عشيرتك الأقربين) جمع رسول الله (ص) بني عبد المطلب، وكانوا أربعين رجلا، منهم من يأكل الجذعة(8) ويشرب العس(9).، فصنع لهم مدا من طعام، فأكلوا حتى شبعوا، وبقي كما هو!
ثم دعا بعس، فشربوا حتى رووا، وبقي كأنه لم يُشرب!
ثم خاطبهم رسول الله (ص) قائلا:
يا بني عبد المطلب! إن الله بعثني للخلق كافة وإليكم خاصة، وقد رأيتم ما رأيتم، وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان وثقيلتين في الميزان، تملكون بها العرب والعجم، وتنقاد لكم الأمم، وتدخلون بهما الجنة، وتنجون بهما من النار، وهما شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.
فمن منكم يجبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي؟
وفي بعض الأخبار: يكون أخي وصاحبي في الجنة. وفي بعض الأخبار : يكون خليفتي في أهلي.
فلم يجبه أحد إلا علي بن أبي طالب، وهو أصغر القوم.
فقال له النبي (ص): اجلس، وكرر النبي (ص) مقالته ثلاث مرات ولم يجبه أحد، إلا علي بن أبي طالب (ع).
وفي المرة الثالثة، أخذ بيده وقال للقوم: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.
هذا الخبر الهام الذي اتفق على صحته علماء الفريقين من الشيعة والسنة.

تصريحات أخرى في خلافة علي (ع)
وهناك تصريحات أخرى من رسول الله (ص) في شأن خلافة الإمام علي (ع)، ذكرها علماؤكم ومحدثوكم الموثقون لديكم في كتبهم المعتبرة، منهم:
1ـ الإمام أحمد في " المسند " والمير السيد علي الهمداني الشافعي في كتابه " مودة القربى " في آخر المودة الرابعة، عن النبي (ص) قال: يا علي! أنت تبرئ ذمتي، وأنت خليفتي على أمتي.
2ـ الإمام أحمد في " المسند " بطرق شتى، وابن المغازلي الشافعي في المناقب، والثعلبي في تفسيره، عن النبي (ص) أنه قال لعلي (ع): أنت أخي، ووصيي، وخليفتي، وقاضي ديني.
3ـ العلامة الراغب الأصبهاني، في كتابه محاضرات الأدباء 2/213 ط. المطبعة الشرفية سنة 1326 هجرية، عن أنس بن مالك، عن النبي (ص) أنه قال: إن خليلي ووزيري وخليفتي وخير من أترك بعدي، يقضي ديني، وينجز موعدي، علي بن أبي طالب.
4ـ المير السيد علي الهمداني الشافعي في كتابه " مودة القربى " في أوائل المودة السادسة، روى عن عمر بن الخطاب، قال: إن رسول الله (ص) لما آخى بين أصحابه قال (ص): هذا علي أخي في الدنيا والآخرة، وخليفتي في أهلي، ووصيي في أمتي، ووارث علمي، وقاضي ديني، ماله مني مالي منه، نفعه نفعي، وضره ضري، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني.
وفي رواية أخرى ـ في المودة السادسة ـ قال (ص) مشيرا لعلي (ع): وهو خليفتي ووزيري.
5ـ العلامة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي، في كتابه " كفاية الطالب " في الباب الرابع والأربعين، روى بسنده عن ابن عباس، قال:
ستكون فتنة، فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب الله تعالى وعلي بن أبي طالب (ع).
فإني سمعت رسول الله (ص) وهو يقول: هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الصديق الأكبر، وهو بابي الذي أوتي منه، وهو خليفتي من بعدي.
قال العلامة الكنجي: هكذا أخرجه محدث الشام في فضائل علي (ع)، في الجزء التاسع والأربعين بعد الثلاثمائة من كتابه بطرق شتى.
6ـ أخرج البيهقي والخطيب الخوارزمي وابن المغازلي الشافعي في " المناقب ":
عن النبي (ص) أنه قال (ص) لعلي (ع): إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وأنت أولى بالمؤمنين من بعدي.
7ـ الإمام النسائي، وهو أحد أئمة الحديث وصاحب أحد الصحاح الستة عندكم، أخرج في كتابه (الخصائص) في ضمن الحديث 23:
عن ابن عباس، أن النبي (ص) قال لعلي: أنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي.
فالنبي (ص) يؤكد في هذا الحديث أن عليا (ع) خليفته من بعده، أي مباشرة وبلا فصل، فلا اعتبار لإدعاء أي مدع خلافة النبي (ص) من الذين نازعوا عليا (ع) وغصبوا منصبه ومقامه(10) لوجود حرف: " من " في الحديث، فهي إما أن تكون بيانية أو ابتدائية، وعلى التقديرين يتعين علي (ع) بعد النبي (ص) بأنه خليفته بلا فصل.
8ـ المير السيد علي الهمداني: أخرج في كتابه " مودة القربى " في الحديث الثاني من المودة السادسة، بسنده عن أنس، رفعه عن النبي (ص) قال: إن الله اصطفاني على الأنبياء فاختارني واختار لي وصيا، واخترت ابن عمي وصيي، يشد عضدي كما يشد عضد موسى بأخيه هارون، وهو خليفتي، ووزيري، ولو كان بعدي نبيا لكان علي نبيا، ولكن لا نبوة بعدي.
9ـ أخرج الطبري في كتابه " الولاية " خطبة الغدير، عن النبي (ص) يقول فيها: قد أمرني جبرئيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد، واعلم كل أبيض وأسود: أن علي بن أبي طالب أخي، ووصيي، و خليفتي، والإمام بعدي.
ثم قال: معاشر الناس! فإن الله قد نصبه لكم وليا وإماما وفرض طاعته على كل أحد، ماض حكمه، جائز قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صدقه.
10ـ أخرج أبو المؤيد بن أحمد الخوارزمي في كتابه " فضائل أمير المؤمنين (ع) " الفضل 19، بإسناده عن النبي (ص) أنه قال: لما وصلت في المعراج إلى سدرة المنتهى، خاطبني الجليل قائلا: يا محمد! أي خلقي وجدته أطوع لك؟
فقلت: يا رب، علي أطوع خلقك إلي.
قال عز وجل: صدقت يا محمد.
ثم قال: فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤدي عنك، ويعلم عبادي من كتابي ما لا يعلمون.
قال (ص): قلت: يا رب اختر لي، فإن خيرتك خيرتي.
قال: اخترت لك عليا (ع)، فاتخذه لنفسك خليفة ووصية، ونحلته علمي وحلمي، وهو أمير المؤمنين حقا، لم ينلها أحد قبله، وليست لأحد بعده (11).
اعلموا أن الأخبار في هذا المضمار، كثيرة في كتبكم المعتبرة، وقد نقلت لكم بعض ما أحفظ منها، كي يعلم الحافظ بأننا لا نرو إلا ما رواه علماؤكم الأعلام، ولا نقول إلا الحق، ولا نعتقد إلا بالحقيقة والواقع.
والجدير بالذكر أن بعض علمائكم المنصفين اعترفوا بخلافة علي بن أبي طالب عليه السلام كما نعتقد نحن، منهم: إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري، المعروف بالنظّام(12)، فإنه يقول: نص النبي (ص) على أن الإمام هو علي وعيّّنه، وعَرَفت الصحابة ذلك، ولكن كتمه عمر لأجل أبي بكر رضي الله عنهما.
ونحن لما لم ندرك عصر النبي (ص) ولم نحظ بصحبته، يجب أن نراجع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة عند الفريقين في تعرف الأفضل والأعلم والأرجح عند الله ورسوله والأحب إليهما فهو أولى من غيره في خلافة النبي (ص).
ولا يخفى على أي عالم منصف غير معاند: أن الأخبار الصريحة في خلافة علي عليه السلام وإمامته، وفي وصايته وولايته، وكذلك في أفضليته وأعلميته وأرجحيته من سائر الصحابة، والمسلمين، كثيرة جدا.
وهي مروية عن طرقكم وبأسانيدكم المعتبرة، ومنقولة في كتبكم وتصانيف علمائكم الأعلام، وهي كثيرة وكثيرة بحيث لم يرد معشارها في حق أي واحد من الصحابة الكرام.
وإن أكثر تلك الفضائل العلوية والمناقب الحيدرية تعد من خصائص الإمام علي عليه السلام، ولم يشاركه فيها أحد، ولم يشابهه فيها أحد من الصحابة الأوفياء، ولكنه شاركهم في جميع فضائلهم ومناقبهم.
وقد ذكرنا لكم بعض الأخبار المروية عن طرقكم والمسجلة في مسانيدكم ومصادركم في حق الإمام علي عليه السلام، ضمن حديثنا وحوارنا في الليالي السالفة والمجالس السابقة.
وإليكم نموذجا من حديث النبي (ص) نقله علماؤكم الأعلام، يصرح نبي الإسلام فيها أن فضائل ومناقب الإمام علي عليه السلام كثيرة جدا بحيث لا تعد ولا تحصى.
أخرج الموفق ابن أحمد الخوارزمي في المناقب:18، والعلامة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه " كفاية الطالب " الباب الثاني والستين، في تخصيص علي عليه السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة، جاء في الباب، ص 123، بسنده عن ابن عباس، قال:
قال رسول الله (ص): لو أن الغياض أقلام، والبحر مداد، والجن حساب، والإنس كتاب، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب.
وأخرج السيد علي الهمداني بسنده عن عمر بن الخطاب، رفعه، قال : قال رسول الله (ص): لو أن البحر مداد، والرياض أقلام، والإنس كتاب، والجن حساب، ما أحصوا فضائلك يا أبا الحسن.
وأخرجه ابن الصباغ المالكي في " الفصول المهمة " بسنده عن ابن عباس، وأخرجه سبط ابن الجوزي في " التذكرة " (13) لذلك نحن نعتقد أن عليا عليه السلام أحق من غيره بالخلافة.
الشيخ عبد السلام: نحن لا ننكر فضائل ومناقب مولانا علي كرم الله وجهه، ولكن انحصار الفضائل فيه غير معقول، لأن الخلفاء الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ أكرم أصحاب رسول الله (ص) وهم في الرتبة والفضل متساوون.
ولكنكم تنحازون إلى جانب سيدنا علي رضي الله عنه، وتنقلون كل الفضائل باسمه دون غيره، ولا تذكرون فضائل الصحابة الآخرين!
وهذا العمل يحرف أفكار الحاضرين عن الواقع فيلتبس الأمر عليهم، وهذا هو التعصب!
فلكي ينكشف الحق للحاضرين، ولا يلتبس الأمر عليهم، أريد أن أذكر شيئا من فضائل ومناقب الخلفاء الراشدين.
قلت: نحن نتبع العقل والعلم، ونقبل الدليل والبرهان، نحن لا نحصر الفضائل في الإمام علي عليه السلام، وإنما نمحّضه في الفضائل، ونجله عن الرذائل، وذلك لنزول آية التطهير في شأنه.
وأما الانحياز إلى جانبه فليس منا فحسب، بل الله ورسوله انحازا إليه، كما نجد الآيات القرآنية في حقه والأحاديث النبوية الصريحة في فضله.
وأما نسبة التعصب إلينا فهو بهتان وافتراء، فإن التعصب معناه الالتزام بشيء مع الإصرار من غير دليل.
وأنا أشهد الله سبحانه بأني ما التزمت بشيء من أمور ديني، وما تمسكت بولاية الإمام علي عليه السلام والأئمة الهادين من ولده، إلا بدليل القرآن والسنة والعقل السليم.
لذا أرجو من الحاضرين أن ينبهوني إذا تكلمت بشيء بغير دليل، أو تحدثت على خلاف
المنطق والعقل، فأكون لهم شاكرا.
وأما حديثكم في مناقب الراشدين فيكون مقبولا بشرط أن تروون الأخبار الصحيحة عند الفريقين، فنتبرك بها، لأننا لا ننكر مناقب وفضائل الصحابة الطيبين، ولا شك أن لكل واحد من الأصحاب المؤمنين له فضائل ومناقب، ولكن الغرض من هذا المجلس والحوار، البحث عن أفضلهم وأحسنهم وأكثرهم منقبة عند الفرقين: الشيعة والسنة.
فإن كلامنا يدور حول الأفضل لا الفاضل، لأن الفضلاء كثيرون، والأفضل واحد منهم بحكم العقل والنقل، وهو أحق أن يتبع ويطاع.
الشيخ عبد السلام: إنكم تغالطون في الموضوع، لأن كتبكم لا تحتوي على أي خبر أو حديث في فضل الخلفاء الراشدين غير سيدنا علي كرم الله وجهه، فكيف أنقل لهذا الجمع أخبارا مقبولة لديكم؟!
قلت: هذا الإشكال يرد عليكم، لأنه في أول ليلة حينما أردنا أن نبدأ بالبحث، قال الحافظ محمد رشيد سلمه الله: إن الاحتجاج والاستدلال يجب أن يكون بالآيات القرآنية والأخبار المروية المقبولة عند الفريقين، وأنا قبلت الشرط، لأنه مقتضى العقل، وعلمت به في أثناء الحوار والحديث في المجالس السابقة.
والحاضرون يشهدون، وأنتم تعلمون بأني كل ما احتججت به عليكم واستدللت به على صحة كلامي، إنما كان من القرآن الحكيم وأحاديث النبي الكريم (ص) المعتبرة والمقبولة عندكم.
وأنا إلى آخر حواري معكم، وحتى الوصول إلى النتيجة القطعية لا أنقض الشرط، بل أعمل على وفقه إن شاء الله تعالى.
ومع ذلك كله فإني أتساهل معكم، وأتنازل لكم، وأقبل منكم الروايات المنقولة في كتبكم دون كتبنا، شريطة أن لا تكون موضوعة أو مجعولة، وأن لا يأباها العقل السليم، فنستمع إليها مع الحاضرين، ثم نقضي فيها بالعدل والإنصاف ، لنرى هل الأخبار التي تقرأها وترويها لنا، هل تفضل وترجح أحدا على سيدنا ومولانا علي بن أبي طالب في العلم والجهاد والرتبة والمنزلة عند الله سبحانه وعند رسوله (ص) ؟!
الشيخ عبد السلام: إنكم نقلتم أحاديث وأخبارا صحيحة وصريحة في خلافة سيدنا علي كرم الله وجهه، ولكنكم غافلون أن عندنا أخبارا كثيرة في خلافة سيدنا أبي بكر (رض).
قلت: مع أن كبار علمائكم أمثال: الذهبي والسيوطي وابن أبي الحديد وغيرهم أعلنوا بأن الأمويين والبكريين وضعوا أحاديث كثيرة مجعولة في فضائل أبي بكر، مع ذلك نحن نستمع إليك رجاء أن لا تكون رواياتك وأخبارك من تلك الموضوعات والمجعولات.

نقل حديث في فضل أبي بكر وردّه
الشيخ عبد السلام: لقد ورد في حديث معتبر عن عمر بن إبراهيم بن خالد، عن عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده العباس، أن رسول الله (ص) قال: يا عم! إن الله جعل أبي بكر خليفتي على دين الله، فاسمعوا له وأطيعوا تفلحوا.
قلت: هذا حديث مردود، ليس قابلا للبحث والنقاش.
الشيخ عبد السلام: كيف يكون مردودا وهو مروي عن العباس عم النبي؟!
قلت: إنه حديث مردود عند علمائكم أيضا، فإن كبار علمائكم نسبوا بعض رواة هذا الحديث مثل: عمر بن إبراهيم إلى الكذب وجعل الأحاديث، فلذا فإن رواياته ساقطة عن الاعتبار.
قال الذهبي في كتابه " ميزان الاعتدال " في ترجمة إبراهيم بن خالد، وقال الخطيب البغدادي في " تاريخه " في ترجمة عمر بن إبراهيم: إنه كذاب، ساقطة عن الاعتبار.
الشيخ عبد السلام: ما تقول في هذا الحديث الذي رواه الصحابي الثقة أبو هريرة: إن جبرئيل نزل على النبي (ص) وقال: إن الله تعالى يبلغك السلام ويقول: إني راض عن أبي بكر، فاسأله هل هو راض عني؟!!
قلت: يجب أن ندقق في نقل الأخبار والأحاديث، حتى لا نواجه مخالفة العقلاء. وليكن الحديث الذي نقله ابن حجر في " الإصابة " وابن عبد البر في " الاستيعاب " نصب أعينكم، وهو:
عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال: كثرت علي الكذابة، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، وكلما حدثتم بحديث مني فاعرضوه على كتاب الله.
وليكن نصب أعينكم الحديث الذي رواه الفخر الرازي في تفسيره ج3، آخر الصفحة 371، عن النبي (ص) قال: إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى، فإن وافقه فاقبلوه، وإلا فردوه.
فإذا كان في حيلة النبي (ص) أناس يكذبون عليه ويجعلون الأحاديث عن لسانه الشريف، فكيف بعد موته؟!
ومن جملة المزورين الجاعلين للحديث عن لسان النبي (ص): أبو هريرة، الذي رويت عنه خلافة أبي بكر!
الشيخ عبد السلام: لا نتوقع منك أن ترد صحابيا جليلا مثل أبي هريرة وتطعن فيه! وأنت عالم فاهم.
قلت: لا ترعبني بكلمة " الصحابي " لأن الصحابي أيا كان إذا راعى حق صحبته للنبي بأن كان سامعا لقوله، مطيعا لأمره فهو محترم مكرم، وصحبته تكون له شرفا وفخرا.
ولكن إذا كان يخالف أوامر رسول الله (ص)، ويعمل حسب رأيه وهواه ، ويكذب على النبي (ص) فهو ملعون ملعون، وليست حصيلة صحبته إلا الخزي والعار في الدنيا، وهو في الآخرة من أصحاب النار.
أما كان المنافقون حول رسول الله (ص) كما يصرح القرآن الكريم؟ وكانوا يعدون في الظاهر من أصحابه، لأن الصحابي هو الذي أدرك النبي (ص) وسمع حديثه ، والمنافقون كذلك، ولكنهم ملعونون ومعذبون في النار.
إذا لا ترعبني يا شيخ بكلمة " الصحابي " لأن أبا هريرة هو من جملة أولئك المنافقين الملعونين، ولذا فإن رواياته مردودة غير معتبرة عند أهل الحديث المحققين.
الشيخ عبد السلام:
أولا: إن كان أبو هريرة مردودا عند جماعة من العلماء، فهو مقبول عند آخرين.
ثانيا: لا دليل على أن المردود عند بعض العلماء يكون ملعونا، ويكون من أهل النار، لأن الملعون هو الذي لعن في القرآن الحكيم أو على لسان النبي الكريم (ص).

دليل لعن أبي هريرة
قلت: أدلة العلماء الذين ردوا روايات أبي هريرة ورفضوها كثيرة وغير قابلة للتأويل.
منها: إنه كان موافقا لمعاوية، وهو رأس المنافقين وزعيمهم، الملعون على لسان النبي المأمون (ص).
وقد كان أبو هريرة، كما نقل العلامة الزمخشري في " ربيع الأبرار " وابن أبي الحديد في " شرح نهج البلاغة " وغيرهما، أنه كان في أيام صفين يصلي خلف الإمام علي عليه السلام ويجلس على مائدة معاوية فيأكل معه، ولما سئل عن ذلك؟ أجاب: مضيرة معاوية أدسم، والصلاة خلف علي أفضل (أتمّ) ولذا اشتهر بشيخ المضيرة.
ومنها: إنه روي، كما في كتب كبار علمائكم مثل: شيخ الإسلام الحمويني في " فرائد السمطين " باب 37، والخوارزمي في " المناقب " والطبراني في " الأوسط " والكنجي الشافعي في " كفاية الطالب " والإمام أحمد في " المسند " والشيخ سليمان القندوزي في " ينابيع المودة " وأبو يعلى في " المسند " والمتقي الهندي في " كنز العمال " وسعيد ابن منصور في " السنن " والخطيب البغدادي في " تاريخه " والحافظ ابن مردويه في " المناقب " والسمعاني في " فضائل الصحابة " والفخر الرازي في " تفسيره " والراغب الأصفهاني في " محاضرات الأدباء " وغيرهم، رووا عن النبي (ص) أنه قال: علي مع الحق، والحق مع علي، يدور الحق حيثما دار علي عليه السلام.
وقال (ص): علي مع القرآن، والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
وأبو هريرة يترك الحق والقرآن بتركه عليا عليه السلام، ويحارب الحق والقرآن بانضمامه إلى معاوية بن أبي سفيان، ومع ذلك تقولون: هو صحابي جليل وغير مردود وغير ملعون!
ومنها: أنه روي في كتب علمائكم، مثل الحاكم النيسابوري في المستدرك 3/124، والإمام أحمد في " المسند " والطبراني في " الأوسط "، وابن المغازلي في " المناقب " والكنجي الشافعي في " كفاية الطالب " الباب العاشر، وشيخ الإسلام الحمويني في " الفرائد "، والمتقي الهندي في " كنز العمال " 6/153، وابن حجر في الصواعق: 74 و75.
عن النبي (ص) قال: علي مني، وأنا من علي، من سبه فقد سبني، ومن سبني فقد سبّ الله.
مع ذلك كله يذهب أبو هريرة إلى معاوية ويجالسه، حتى يصبح من ندماء معاوية الذي كان في السر والعلن، وعلى المنابر، وعلى رؤوس الأشهاد، وفي قنوت الصلوات، وخطب الجمعات، يسبّ ويلعن الإمام عليا والحسن والحسين عليهم السلام.
وكان يأمر ولاته الفسقة الفجرة أن يقتدوا به ويفعلوا مثل فعله!
وأبو هريرة يركن إليه ويجامله ويجالسه ويؤاكله، ولا ينهاه عن كفره ومنكراته، بل يجعل الأحاديث عن لسان النبي (ص) في تأييده وتصحيح أفعاله المنكرة، ويغوي الناس العوام، ويبعدهم من الإمام، ويحرفهم عن الإسلام، ومع هذا كله لا يسقط عندكم عن درجة الاعتبار؟!!
الشيخ عبد السلام: هل من المعقول أن نقبل هذه التهم والمفتريات على صحابي طاهر القلب؟! إنما هي من موضوعات الشيعة!!
قلت: نعم، ليس بمعقول أن صحابيا طاهر القلب يقوم بهذه المنكرات، لأن العامل بها كائنا من كان، فإنه آثم قلبه.
وكل من يكذب على النبي الأكرم (ص) ويسب الله ورسوله فإنه كافر ومخلد في جهنم وإن كان من صحابة الرسول (ص)!


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 14  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:50 AM


وبنص الأخبار الكثيرة الواردة في كتبنا وفي كتب كبار علمائكم الأعلام أن النبي (ص) قال: من سبّ عليا فقد سبّني وسب ّالله سبحانه.
وأما قولكم: إن هذا الكلام من موضوعات الشيعة، فهو اشتباه محض ، لأنكم تقيسون القضايا على أنفسكم، وأن كثيرا منكم لا يتورعون من الكذب وكيل الاتهامات على شيعة آل محمد (ص) من أجل الوصول إلى غاياتهم الدنيوية، فيغوون بكلامهم الباطل العوام الجاهلين، ولا يخشون يوم الدين ومحاسبة رب العالمين.
عبد السلام: إنما أنتم الشيعة كذلك! فأنت أحد علمائهم، وفي مجلسنا هذا لا تتورع عن سبّ الصحابة الكرام، والافتراءات عليهم، فكيف تتورع من الافتراء على علمائنا الأعلام؟!
قلت: ولكن التاريخ يشهد على خلاف ما تدعيه، فإن أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم منذ قبض رسول الله (ص) مضطهدون ومشردون ومحاربون!
إذ أن حكومة بني أمية حين أسست قررت محاربة آل محمد (ص) وعترته الطاهرة، وأعلنوا على المنابر سبّ علي بن أبي طالب ولعنه، وهو أبو العترة وسيدهم ، بل أمعنوا في السب واللعن حتى سبّوا الحسن والحسين وهما سبطا رسول الله و ريحانتاه وسيدا شباب أهل الجنة.
وقاموا بمطاردة الشيعة حتى إذا ظفروا بهم سجنوهم وعذبوهم، وكم قتلوا منهم صبرا تحت التعذيب!!
والمؤسف أن بعض علمائكم كانوا يساندون أولئك الظلمة ويفتون بمشروعية تلك الأعمال الجنائية والإجرامية!!
وبعضهم يحوكون الأكاذيب والأباطيل بأقلامهم المأجورة فينسبونها على الشيعة على أنها من معتقداتهم! وبناء عليها يحكمون على الشيعة المؤمنين بالكفر والشرك والرفض والغلو، وما إلى ذلك من التهم والأباطيل، فيزرعون في قلوب أتباعهم ، العوام الغافلين، بذور عداوة الشيعة المؤمنين.
عبد السلام: إن علماءنا الأعلام كتبوا عن واقعكم ولم ينسبوا إليكم ما ليس فيكم، وإنما كشفوا عن أعمالكم الفاسدة وعقائدكم الباطلة، فاتركوها حتى تسلموا من أقلام علمائنا الكرام.

مفتريات ابن عبد ربه
قلت: ما كنت أحب أن أخوض هذا البحث وأسوق الحديث في هذا الميدان، ولكنك اضطررتني إلى ذلك، فأبين الآن لمحة للحاضرين حتى يعرفوا كيف ينسب علماؤكم إلينا ما ليس فينا!!
فأقول: أحد كبار علمائكم، المشهور بالأدب واللغة، هو شهاب الدين أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي المالكي، المتوفي سنة328 هجرية، ففي كتابه العقد الفريد 269/1: يعبر عن الشيعة الموحدين المؤمنين، بأنهم يهود هذه الأمة، ثم إنه كما يتهجم على اليهود والنصارى ويبدي عداءه لهم، يتهجّم على شيعة آل محمد (ص) ويظهر لهم البغض والعداء.
ومن جملة مفترياته وأباطيله على الشيعة، يقول:
الشيعة لا يعتقدون بالطلاق الثلاث، كاليهود...
الشيعة لا يلتزمون بعدة الطلاق!
والحال أن أكثر الحاضرين من أهل السنة في المجلس يعاشرون الشيعة ويتزاورون معهم يشهدون بخلاف هذا العالم المعاند الضالّ المضلّ.
وأنتم إن كان عندكم أدنى اطلاع على فقه الشيعة فستعرفون بطلان كلام ابن عبد ربه، وإن لم يكن عندكم اطلاع فخذوا أي كتاب شئتم من فقه الشيعة واقرءوها حتى تعرفوا أحكامنا حول مسألة الطلاق الثلاث وعدة الطلاق.
ثم إن عمل الشيعة في كل مكان بمسائل الطلاق والتزامهم بالعدة، أكبر دليل على بطلان كلام ابن عبد ربه.
ويقول هذا المفتري أيضا: إن الشيعة كاليهود، يعادون جبرئيل، لأن في اعتقادهم أنه أنزل الوحي على محمد بدل أن ينزله على علي بن أبي طالب!
" الشيعة الحاضرون كلهم ضحكوا من هذا الكلام "
فتوجهت إلى العامة الحاضرين وقلت لهم: انظروا هؤلاء الشيعة كلهم ضحكوا من هذا الكلام السخيف وسخروا منه، فكيف يعتقدون به؟!
فلو كان ابن عبد ربه يطالع كتب الشيعة ويحقق في معتقداتهم ما كان يتكلم بهذا الكلام المهين، وما كان اليوم يظهر جهله للحاضرين، أو يحكم عليه بأنه من المغرضين، وفي قلبه داء دفين، يريد أن يفرق بين المسلمين!!
أما نحن الشيعة فنعتقد أن محمدا المصطفى هو خاتم الأنبياء، بل نصدق الحديث النبوي الشريف: " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين " فهو نبي مبعوث من عند رب العالمين، اختاره، واصطفاه، واجتباه، وأرسله للناس أجمعين، ونعتقد بأن جبرئيل هو أمين وحي الله، وهو معصوم ومصون عن الخطأ والسهو والاشتباه.
ونعتقد أن الإمام علي (ع) منصوب بأمر الله تعالى في مقام الولاية والإمامة، فهو خليفة النبي (ص) بلا فصل، نصبه رسول الله (ص) بأمر الله عز وجل يوم الغدير.
ويقول ابن عبد ربه الضال المضل: ومن وجوه الشبه بين الشيعة واليهود، أنهم لا يعملون بسنة النبي (ص)، فهم عندما يتلاقون لا يسلّمون، بل يقولون: السام عليكم!
" ضحك الشيعة الحاضرون، ضحكا عاليا "
فوجهت كلامي إلى العامة، وقلت: وإن معاشرتكم مع الشيعة في هذا البلد وتحيتهم معكم وفيما بينهم، بتحية الإسلام: " السلام عليكم " ينفي مزاعم هذا الإنسان وأباطيله.
ويستمر ابن عبد ربه في أكاذيبه ومفترياته على شيعة آل محمد (ص) فيقول: إن الشيعة كاليهود، يحلون قتل المسلمين ونهب أموالهم!!
أقول: إنكم تعيشون مع الشيعة في بلد واحد وتشاهدون معاملتهم الحسنة معكم ومع غيركم.
فنحن الشيعة لا نحل دماء وأموال أهل الكتاب (غير المحاربين) فكيف نحل دماء وأموال إخواننا المسلمين من أهل السنة والجماعة؟!
وإن حق الناس عندنا من أهم الحقوق، وقتل النفس من أعظم الذنوب وأكبر حوب!
هذه بعض مزاعم وأباطيل أحد علمائكم ضد الشيعة.
والوقت لا يسمح لأكشف لكم أكثر مما ذكرت من كلماته الواهية السخيفة.

مفتريات ابن حزم
وأبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، المتوفى سنة 456 هجرية، هو أشهر علمائكم المعروف بحقده وعدائه للشيعة، فلقد تحامل على شيعة أهل البيت (ص) وافترى عليهم في كتابه " الفصل في الملل والنحل " الجزء الأول، فيقول: إن الشيعة ليسوا بمسلمين، وإنما اتخذوا مذهبهم من اليهود والنصارى!
وقال في الجزء الرابع من الكتاب نفسه، صفحة 182: الشيعة يجوزون نكاح تسعة نساء!
ويظهر كذب الرجل وافتراءه علينا إذا راجعتم كتبنا الفقهية، فقد أجمع فقهاؤنا الكرام في كتبهم: أن نكاح تسعة نساء في زمان واحد هو من خصائص رسول الله (ص)، ولا يجوز لأحد من رجال أمته، بل يجوز لهم نكاح أربعة نساء في زمن واحد بالنكاح الدائم، بدليل الآية الكريمة: ( فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)(14).
فإذا طالعتم مجلدات كتاب " الفصل في الملل والنحل " وتقرءون سبابه وشتمه وكلامه البذيء للشيعة المؤمنين لعرق جبينكم خجلا، لانتسابه إليكم، وأنه يعد من علمائكم!!

مفتريات ابن تيميّة
وأحد علمائكم الذي اشتهر بشدة عدائه للشيعة الأبرار الأخيار، هو أحمد بن عبد الحليم الحنبلي، المعروف بابن تيمية، المتوفى سنة 728 هجرية وهو حاقد لا على الشيعة فحسب، بل يكمن في صدره بغض الإمام علي (ع) والعترة الطاهرة.
ولو يطالع أحدكم مجلدات كتابه المسمى بـ: " منهاج السنة " لوجدتم كيف يحاول الرجل أن يخدش في كل فضيلة ومنقبة ثابتة للإمام علي بن أبي طالب وأبنائه الطيبين والعترة الطاهرين!
فكأنه آلى على نفسه أن لا يدع فضيلة واحدة من تلك الفضائل والمناقب ـ التي لا تعد ولا تحصى لأهل البيت (ع) ـ إلا يردها ويرفضها أو يشكك فيها ! حتى التي أجمعت الأمة على صحتها ورواها أصحاب الصحاح.
ولو أردت أن أذكر لكم كل أكاذيبه وأباطيله لضاع الوقت، ولكن أذكركم لكم نبذة من كلامه السخيف وبيانه العنيف! لكي يعرف جناب الشيخ عبد السلام، أن الافتراء والكذب من خصائص وخصال بعض علمائهم لا علماء الشيعة!!
والعجب أن ابن تيمية بعد ذكر أباطيله وأكاذيبه وافترائه على الشيعة المؤمنين، يقول في الجزء الأول من " المنهاج " صفحة 15: لم تكن أية طائفة من طوائف أهل القبلة مثل الشيعة في الكذب، فلذا أصحاب الصحاح لم يقبلوا رواياتهم ولم ينقلوها!
وفي الجزء العاشر، صفحة 23 يقول: أصول الدين عند الشيعة أربعة : " التوحيد والعدل والنبوة والإمامة " ولم يذكر المعاد، مع العلم أن كتبنا الكلامية التي تبين عقائد الشيعة منشرة في كل مكان وفي متناول كل إنسان.
وكما أشرنا في بعض مجالسنا السالفة: فإن الشيعة تعتقد أن أصول الدين ثلاثة: التوحيد والنبوة والمعاد، وبحث عن عدل الباري سبحانه ضمن التوحيد، وتجعل الإمامة جزء النبوة.
وفي الجزء الأول، صفحة 131، من " منهاج السنة " يقول: إن الشيعة لا تعتني بالمساجد، فمساجدهم خالية من المصلين، غير عامرة بصلاة الجمعة والجماعة، وبعض الأحيان يحضر بعضهم في المسجد فيصلي فرادى!!
وجهت خطابي حينئذ إلى الشيخ عبد السلام وقلت: أيها الشيخ! أسألك وأسأل الحاضرين، أما تنظرون بأعينكم إلى مساجد الشيعة في بلادكم وهي عامرة أوقات الصلوات بكثرة المصلين وإقامة الجماعة بالمؤمنين؟!
وهذه إيران، وهي عاصمة الشيعة، نجد في كل مدينة منها، بل في كل قرية منها مساجد عديدة، مبنية بأحسن شكل وأجمل بناء وهندسة، وفي أكثرها، أو كلها، تقام الصلوات في أوقاتها جماعة.
(عرضت لهم تصاوير عن صلوات الجماعة لعلماء الشيعة).
وأنتم العلماء! راجعوا كتبنا الفقهية سواء المفصلة أو المجملة ، كالرسائل العملية لمراجع ديننا المعاصرين، تجدون فيها فصولا ومسائل كثيرة في ثواب الصلاة في المسجد وصلاة الجماعة، فإن ثوابها أضعاف الصلاة في البيت أو الصلاة فرادى.
ويستمر ابن تيمية في افترائه على شيعة أهل البيت (ع) في نفس الصفحة فيقول: الشيعة لا يحجون بيت الله الحرام كسائر المسلمين، وإنما حجهم يكون زيارة القبور، وثواب زيارة القبور عندهم أعظم من ثواب حج بيت الله الحرام، بل هم يلعنون كل من لا يذهب إلى زيارة القبور!!
" ضحك الشيعة من هذا الكلام ضحكا عاليا "
والحال أنكم إذا راجعتم موسوعاتنا الفقهية، وكتبنا العبادية، لرأيتم مجلدات عديدة باسم: كتاب الحج، وهي تحتوي على آلاف المسائل عن كيفية أداء الحج وأحكامه ومسائله الفرعية.
وكل فقيه يقلده الناس في الأحكام الشرعية لابد أن ينشر كتابا باسم " مناسك الحج " حتى يعمل مقلدوه وتابعوه وفق ذلك.
ورأى جميع فقهائنا الكرام وعلمائنا الأعلام: أن تارك الحج ـ المستطيع الذي يترك الحج عنادا ـ كافر، يجب الاجتناب منه والابتعاد عنه، عملا بالآية الكريمة: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)(15).
والتزاما بالحديث الشريف: " يقال لتارك الحج: مت إن شئت يهوديا أو نصرانيا ".
فهل بعد هذا كله، يترك الشيعة حج بيت الله؟!
ثم بإمكانكم أن تذهبوا عند قبور أئمة أهل البيت (ع) وهي أفضل المزارات عند الشيعة، واسألوا الزائرين وحتى السوقيين منهم والقرويين: أن أداء الحج، أين يكون وكيف يكون؟؟ تسمعون الجواب منهم: إنه يكون في مكة المكرمة... إلى آخره.
ثم نجد هذا الرجل المفتري الكذاب، وهو: ابن تيمية، يتهم أحد مفاخر العلم والدين، وأحد كبار علماء المسلمين، وهو الشيخ الجليل، والحبر النبيل ، العلامة محمد بن محمد النعمان، المعروف بالشيخ المفيد (قدس سره)، فيقول: إن له كتابا باسم: " مناسك حج المشاهد " بينما لم يكن لفضيلة الشيخ المفيد هكذا كتاب وإنما له كتاب باسم: " منسك الزيارات " وهو في متناول الأيدي، ويحتوي على التحيات والعبارات الواردة قراءتها عند مشاهد ومراقد أئمة أهل البيت (ع).
ولو راجعتم كتب الشيعة التي ألفت في الزيارات والمزارات تجدون فيها تأكيد المؤلفين على أن زيارة المشرفة والمراقد المتبركة، مندوبة وليست واجبة.
وإن أكبر دليل قاطع، وبرهان ساطع، على كذب ابن تيمية وافترائه علينا، أنكم تشاهدون في كل عام عشرات الآلاف من الشيعة يحجون ويقصدون بيت الله الحرام في الموسم، ويحضرون في الموقف بعرفات والمشعر الحرام مع إخوانهم المسلمين من سائر المذاهب.
وقد ورد في كتب الأدعية عندنا أهل البيت (ع)، في أدعية شهر رمضان المبارك، أن يقرأ في الليل والنهار وفي الأسحار: اللهم ارزقني حج بيتك الحرام في عامي هذا وفي كل عام، ولا تخلني من تلك المواقف الكريمة، والمشاهد الشريفة، و زيارة قبر نبيك والأئمة (ع).
ويقول الحاقد المعاند، في الجزء الثاني من كتابه " منهاج السنة ": الشيعة ينتظرون إمامهم الغائب، ولذلك في كثير من البلاد كمدينة سامراء، يذهبون إلى سرداب هناك ويهيئون فرسا أو بغلا أو غيره، ويصيحون وينادون باسم إمامهم ويقولون: نحن مسلحون ومهيئون لنكون معك ونقاتل بين يديك، فاظهر واخرج!!
ثم يقول: وفي أواخر شهر رمضان المبارك يتوجهون نحو المشرق وينادون باسم إمامهم حتى يخرج ويظهر.
ويستمر في خزعبلاته قائلا: ومن بينهم من يترك الصلاة، حتى لا تشغلهم الصلاة عن إدراك خدمة الإمام (ع) لو ظهر.
(ضحك الحاضرون كلهم)
فهذه الأراجيف والكلام السخيف من ابن تيمية الجلف العنيف، ليس بعجيب، لكني أتعجب من بعض علماء مصر وسوريا، الذين كنا نعتقد أنهم أهل علم وتحقيق لا أهل وهم وتحميق!! كيف قلدوا ابن تيمية وكرروا خزعبلاته الهزلية وكلماته الهستيرية.
مثل: عبد الله القصيمي في كتابه " الصراع بين الإسلام والوثنية ".
ومحمد بن ثابت المصري في كتابه " جولة في ربوع الشرق الأدنى ".
وموسى جار الله في كتابه " الوشيعة في نقد علماء الشيعة "
وأحمد أمين المصري في كتابيه: " فجر الإسلام " و " ضحى الإسلام ".
وغير هؤلاء من دعاة التفرقة والطائفية وأصحاب الجاهلية العصبية.
وهناك بعض الجاهلين منكم اشتهروا بالعلم والتحقيق، وانتشرت كتبهم، وأصبحت عندكم من المصادر المعتمدة حتى أخذتم كل ما جاء فيها حول الشيعة وجعلتموها من المسلمات الحتمية.
منهم محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، وهو من علمائكم وكتابه " الملل والنحل " مشهور عندكم، وقد أصبح من مصادركم المعتمدة، بينما أهل العلم والتحقيق يرفضون هذا الكتاب ولا يعتمدون عليه أبدا، لأنه مشحون بالأخبار الضعيفة، بل الأخبار الباطلة المخالفة للواقع!
فمثلا: ضمن وصفه للشيعة الاثني عشرية يقول: بعد الإمام محمد التقي، الإمام علي بن محمد النقي ومشهده في مدينة قم بإيران!!
بينما كل من عنده اطلاع عن تاريخ الإسلام وعلم الرجال، يعلم أن الإمام علي بن محمد النقي (ع) مرقده في مدينة سامراء بالعراق، وتعلوه قبة ذهبية عظيمة لامعة، أمر بتذهيبها المرحوم ناصر الدين شاه، الملك القاجاري الإيراني.
ومن هنا نعرف مدى علم الشهرستاني وتحقيقاته العلمية والتاريخية حول الشيعة!! فيسمح لنفسه أن ينسب إليهم أنهم يعبدون علي بن أبي طالب، وأنهم يعتقدون بتناسخ الأرواح والتشبيه، وما إلى ذلك، مما يدل على جهله وعدم اطلاعه على الملل والنحل!!
يكفينا هذا المقدار في هذا الإطار، وقد ذكرته ليعرف الشيخ من الكاذب والمفتري، فلا يقول بعد هذا: إن علماء الشيعة يكذبون ويفترون على علماء العامة، فقد ثبت أن الأمر على عكس ما قاله الشيخ عبد السلام.

الكلام في ذم أبي هريرة
ولكي يعرف الشيخ أن الشيعة لم ينفردوا في ذم أبي هريرة، بل كثير من علماء العامة ردوا عليه أيضا ورفضوا رواياته، أنقل بعض ما جاء منهم في هذا المجال:
1ـ ابن أبي الحديد، في شرح نهج البلاغة: 4/63 ـ ط دار إحياء التراث العربي، قال: وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى... أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (ع)، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلا وعطايا مغرية، فاختلفوا ما أرضاه ، منهم: أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين: عروة بن الزبير...
وفي الصفحة 67 من الجزء نفسه ذكر ابن أبي الحديد، أن أبو جعفر قال: وروى الأعمش، قال لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة، جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبته ثم ضرب صلعته مرارا وقال:
يا أهل العراق! أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله، وأحرق نفسي بالنار؟!
والله لقد سمعت رسول الله (ص) يقول: إن لكل نبي حرما، وإن حرمي بالمدينة، ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وأشهد بالله أن عليا أحدث فيها!!
فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة.
أسألكم أيها المستمعون بالله عليكم! ألا يكفي هذا الخبر وحده لرد أبي هريرة وإسقاط رواياته عن الاعتبار؟! أم أن الشيخ عبد السلام يعتقد أن أبا هريرة لما كان من الصحابة، فيحق له أن يقول ما يحب ويفتري ويكذب، وله أن يتهم أفضل الخلفاء الراشدين وأكملهم حسب رواياتكم وهو الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وليس لأحد أن يرد عليه ويضعفه أو يطعن فيه؟!
الشيخ عبدالسلام: لو فرضنا صدق كلامكم وصحة بيانكم فكل ذلك لا يوجب لعن أبي هريرة؟! وأنا إنما استشكل عليكم وأقول: بأي دليل تلعنون أبا هريرة ؟!
قلت: بديل العقل والنقل أنه: لا يسب النبي (ص) إلا ملعون، وحسب الأخبار والأحاديث المعتبرة المروية عن طرقكم والمسجلة في كتب كبار علمائكم، أن رسول الله (ص) قال:
من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله سبحانه وتعالى.
وأبو هريرة كان من الذين يسبون عليا (ع)، وكان يجعل الأحاديث في ذمه (ع) ليشجع المسلمين الغافلين والجاهلين على سب أمير المؤمنين (ع).

أبو هريرة مع بسر بن أرطأة
2ـ ذكر الطبري في " تاريخه " وابن الأثير في " الكامل " وابن أبي الحديد في " شرح النهج " والعلامة السمهودي وابن خلدون وابن خلكان، وغيرهم: أن معاوية حينما بعث بسر بن أرطأة، الظالم الغاشم، إلى اليمن لينتقم من شيعة الإمام علي (ع) كان معه أربعة آلاف مقاتل، فخرج من الشام ومر بالمدينة المنورة ومكة المكرمة والطائف وتبالة ونجران وقبيلة أرحب ـ من همدان ـ وصنعاء وحضر موت ونواحيها، وقتلوا كل من ظفروا به من الشيعة في هذه البلاد، وأرعبوا عامة الناس، فسفكوا دماء الأبرياء، ونهبوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، وقضوا على كل من ظفروا به من بني هاشم حتى لم يرحموا طفلي عبيد الله بن العباس ـ ابن عم رسول الله (ص) ـ وكان واليا على اليمن من قبل الإمام علي (ع).
وذكر بعض المؤرخين: أن عدد الذين قتلوا بسيوف بسر وجنده في تلك السرية بلغ ثلاثين ألفا!!
وهذا غير عجيب من معاوية وحزبه الظالمين، فإن التاريخ يذكر ما هو أدهى وأمر من هذا الأمر.
والجدير بالذكر أن أبا هريرة الذي تعظموه غاية التعظيم، ولا ترضون بذكر مثالبه ولعنه كان قد رافق بسرا في رحلته الدموية وحملته الإرهابية الدموية، وخاصة جناياته على أهل المدينة المنورة، وما صنع بكبار شخصيات الأنصار، مثل: جابر بن عبدالله الأنصاري، وأبي أيوب الأنصاري إذ حرقوا داره! وأبو هريرة حاضر وناظر ولا ينهاهم عن تلك الجرائم والجنايات!!
بالله عليكم أنصفوا!!
أبو هريرة الذي صحب النبي (ص) مدة ثلاث سنوات ويروي خمسة آلاف حديث عنه (ص)، هل من المعقول أنه لم يسمع الحديث النبوي المشهور الذي يرويه كبار العلماء والمحدثين، مثل السمهودي في " تاريخ المدينة " والإمام أحمد بن حنبل في " المسند " وسبط ابن الجوزي في " التذكرة " وغيرهم عن النبي (ص) أنه قال:
" من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ".
وقال (ص): " لعن الله من أخاف مدينتي ـ أي أهل مدينتي ـ ".
وقال (ص): " لا يرد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص ".
فهل من المعقول أن أبا هريرة ما سمع واحدا من هذه الأحاديث الشريفة؟!
إنه سمع! ومع ذلك رافق الجيش الذي هاجم المدينة المنورة وأخاف أهلها، ثم وقف بجانب معاوية المارق على إمام زمانه علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو يومئذ خليفة رسول الله بحكم بيعة أهل الحل والعقد في المدينة المنورة.
فانضم أبو هريرة إلى معاوية مخالفا لأمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب، بل محاربا له عليه السلام، وما اكتفى بكل هذه الأمور المنكرة حتى بدأ يجعل الأحاديث المزورة والأخبار المنكرة في ذم ولي الله وحجته علي بن أبي طالب عليه السلام، برواية يرويها عن رسول الله (ص)، وحاشا رسول الله (ص) ثم حاشاه من ذلك كله.
والعجيب، أن مع كل هذه الأمور المفجعة والقضايا الفظيعة، قول القائل: إنه لا يجوز لعن أبي هريرة وطعنه، لأنه من صحابة النبي (ص)!
وفي منطق أبي هريرة يجوز سب الإمام علي عليه السام ولعنه والعياذ بالله وهو أكرم الصحابة وأفضلهم، وأحب الناس إلى الله ورسوله (ص).
الشيخ عبد السلام: الله الله! كيف تقول هكذا في شأن أبي هريرة وهو أعظم راو وأوثق صحابي؟!
فالطعن واللعن رأي الشيعة، وأما رأي عامة المسلمين في أبي هريرة، فإنهم يعظموه ويحترموه ويجلوه عن كل ما تقولون.
قلت: إن ما قلناه فيه لم يكن رأي الشيعة فحسب، بل هو رأي كثير من علمائكم ورجالكم، حتى الخليفة الثاني عمر الفاروق، فقد ذكر المؤرخون، كابن الأثير في الكامل في حوادث عام 23، وابن أبي الحديد في شرح النهج 2/104ط مصر وغيرهما، ذكروا: أن عمر بن الخطاب في سنة 21 أرسل أبا هريرة واليا على البحرين، وأخبر الخليفة بعد ذلك بأن أبا هريرة جمع مالا كثيرا، واشترى خيلا كثيرة على حسابه الخاص، فعزله الخليفة سنة23 واستدعاه، فلما حضر عنده، قال له عمر: يا عدو الله وعدو كتابه، أسرقت مال الله؟!
فقال: لم أسرق، وإنما هي عطايا الناس لي.
ونقل ابن سعد في طبقاته 4/90، وابن حجر العسقلاني في " الإصابة " وابن عبد ربه " العقد الفريد " الجزء الأول، كتبوا: أن عمر حينما حاكمه قال له: يا عدو الله! لما وليتك البحرين كنت حافيا لا تملك نعالا، والآن أخبرت بأنك شريت خيلا بألف وستمائة دينار!!
فقال أبو هريرة: عطايا الناس لي وقد أنتجت.
فغضب الخليفة وقام وضربه بالسوط على ظهره حتى أدماه! ثم أمر بمصادرة أمواله، وكانت عشرة آلاف دينار، فأوردها بيت المال.
وقد ضرب عمر أبا هريرة قبل هذا، كما ذكر مسلم في صحيحه 1/34 قال: في زمن رسول الله (ص) ضرب عمر أبا هريرة حتى سقط على الأرض على قفاه!
ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج 1/360 ط مصر أنه قال أبو جعفر الإسكافي: وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا، غير مرضي الرواية، ضربه عمر بالدرة وقال : قد أكثرت من الرواية، أحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله (ص).
وذكر ابن عساكر في تاريخه، والمتقي في " كنز العمال ": أن الخليفة عمر بن الخطاب زجر أبا هريرة، وضربه بالسوط، ومنعه من رواية الحديث ونقله عن رسول الله (ص) وقال له: لقد أكثرت نقل الحديث عن النبي (ص) وأحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله (ص)!! وإذا لم تنته عن الرواية عن النبي (ص) لأنفينك إلى قبيلتك دوس، أو أبعد إلى أرض القردة.
ونقل ابن أبي الحديد في شرحه 1/ 360 ط مصر، عن أستاذه جعفر الإسكافي، أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: ألا إن أكذب الناس ـ أو قال: أكذب الأحياء ـ على رسول الله (ص) أبو هريرة الدوسي.
وذكر ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " والحاكم في الجزء الثالث من " المستدرك " والذهبي في " تلخيص المستدرك " ومسلم في صحيحه، ج2 في فضائل أبي هريرة: أن عائشة كانت تقول مرات وكرات: أبو هريرة كذاب، وقد وضع وجعل أحاديث كثيرة عن لسان النبي (ص)!!
فأبو هريرة لم يكن مرفوضا وكذابا عندنا فحسب، بل هو مردود وكذاب عند سيدنا الإمام علي عليه السلام، وعند مولاكم عمر الفاروق، وعند أم المؤمنين عائشة، وعند كثير من الصحابة والتابعين، والعلماء المحققين!!
كما إن شيوخ المعتزلة وعلماء المذهب الحنفي كلهم رفضوا مروياته وردوها، وأعلنوا: أن كل حكم وفتوى صدرت على أساس رواية عن طريق أبي هريرة، باطل وغير مقبول.
كما أن النووي في " شرح صحيح مسلم " في المجلد الرابع يتعرض لهذا الأمر بالتفصيل.
وكان إمامكم الأعظم أبو حنيفة يقول: أصحاب النبي (ص) كلهم عندي ثقات وعدول، والحديث الواصل عن طريقهم عندي صحيح ومقبول، إلا الأحاديث الواصلة عن طريق أبي هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب، فلا أقبلها، وهي مردودة ومرفوضة.
(وصل الحديث إلى هنا فصار وقت صلاة العشاء).
وبعد أداء الصلاة وتناول الشاي.
قلت: نظرا إلى ما سبق من أقوال العلماء والأئمة حول أبي هريرة ونظرائه، لا بد لنا أن نحتاط في قبول مطلق الأحاديث، والاحتياط الذي هو سبيل النجاة يقتضي التحقيق والتدقيق في ما يروى عن النبي (ص).
وكما ورد عنه (ص): كلما حدثتم بحديث عني فاعرضوه على كتاب الله سبحانه، فإذا كان موافقا فخذوه، وإن كان مخالفا لكلام الله تعالى فاتركوه.

الحديث في فضل أبي بكر
وأما الكلام حول الحديث الذي نقله الشيخ عبد السلام عن أبي هريرة: أن جبرائيل نزل على النبي (ص) فقال: إن الله تعالى يقول: إني راض عن أبي بكر فاسأله هل هو راض عني؟!
فأقول:
أولا: نجد في سند هذا الحديث أبا هريرة، وهو عندنا وعند كثير من علمائكم مردود وساقط، ورواياته غير مقبولة، كما مر.
ثانيا: حينما نعرض الحديث على كتاب الله تعالى كما أمرنا النبي (ص) نجده مخالفا للقرآن المجيد، فإنه سبحانه يقول: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)(16).
وقال: (.... فإنه يعلم السرّ وأخفى)(17).
وقوله تعالى: (إنه يعلم الجهر وما يخفى)(18).
وقوله سبحانه: (ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن)(19).
فبحكم هذه الآيات الكريمة، وبحكم العقل السليم، فإن الله عز وجل يعلم كل ما هو في قرارة نفس الإنسان ومكنون سره، وكل ما يختلج في صدره.
فالحديث الذي يقول: " سل أبا بكر هل هو راضٍ؟! ".مفهومه: إن الأمر لا يخفى على الله سبحانه، فيسأل ليعلم!! وهذا ينافي القرآن الحكيم والعقل السليم.
ثم مما لا شك فيه أن رضا الباري عز وجل يحصل بالنسبة للعبد الذي هو راض عن ربه، فالعبد إذا لم يصل إلى درجة الرضا، أي: لا يرضى بقضاء الله وقدره ، فإن الله لا يرضى عنه، ولا يكون مقربا إليه تعالى.
فعلى هذا، كيف يبدي الله عز وجل رضاه عن أبي بكر وهو لا يدري هل إن أبا بكر وصل إلى درجة الرضا أم لا؟!
الشيخ عبد السلام: لا بأس، نترك هذا الحديث الذي تشككون فيه ولكن عندنا أحاديث لا شك فيها أنها صدرت عن النبي (ص) في شأن الخليفة أبي بكر، منها أنه:
وقال (ص): إن الله يتجلّى للناس عامة، ويتجلّى لأبي بكر خاصة.
وقال (ص): ما صب الله في صدري شيئا إلا صبه في صدر أبي بكر.
وقال (ص): إن في السماء الدنيا ثمانون ألف ملك يستغفرون لمن أحب أبا بكر وعمر، وفي السماء الثانية ثمانون ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر.
وقال (ص): أبو بكر وعمر خير الأولين.
وقال (ص): خلقني الله من نوره وخلق أبا بكر من نوري وخلق عمر من نور أبي بكر وخلق أمتي من نور، وعمر سراج أهل الجنة.
هذه الأحاديث وأمثالها كثيرة، وهي مروية في كتبنا المعتبرة وقد ذكرت بعضها لتعرف ويعرف الحاضرون فضل الشيخين ومقامهما الرفيع عند الله وعند رسوله (ص).

أحاديث مدسوسة
قلت: هذه الأحاديث تدل ظواهرها على بطلانها وفسادها. وحاشا رسول الله (ص) أن تصدر منه هكذا كلمات!!
فإن الحديث الأول: يدل بظاهره على تجسم الباري عز وجل وسبحانه عن ذلك وعلا علوا كبيرا.
والحديث الثاني: يصرّح بأن أبا بكر شريك رسول الله (ص) في ما نزل عليه من الوحي.
والحديث الثالث: يدل على أن النبي (ص) ما كان أرفع درجة وأعلى رتبة من أبي بكر، بل يساويه في المقام والمنزلة.
والخبران الأخيران، مخالفان لأحاديث كثيرة متواترة ومقبولة عند الفريقين، فالأحاديث الصحيحة تصرّح بأن خير أهل العالم محمد المصطفى وآله النجباء ، سلام الله عيهم أجمعين.
وأما الجملة الأخيرة: " وعمر سراج أهل الجنة ".
فأقول: إن أهل الجنة مستغنون عن السراج فيها، لأن وجوههم منيرة يومئذ، كما قال تعالى: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم...)(20).
وقوله تعالى: (.. يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم...)(21).
وقد ورد في الأخبار المروية في كتب الفريقين: أن الجنة تكون مضيئة في حد ذاتها كالدرة البيضاء والياقوتة الحمراء، فلا قيمة فيها للسراج، لأن السراج إنما يفيد في الظلام، ولا ظلام في الجنة.
وإضافة على ما ذكرنا، فإن كبار علمائكم في علم الدراية والرجال ، وكبار محدثيكم الذين يميزون الأحاديث الصحيحة عن السقيمة مثل: العالم الجليل المقدسي في: " تذكرة الموضوعات ".
والفيروز آبادي الشافعي ـ صاحب " القاموس " ـ في: " سفر السعادة ".
والذهبي في " ميزان الاعتدال ".
والخطيب البغدادي في: " تاريخ بغداد ".
وأبي الفرج ابن الجوزي في: " الموضوعات ".
وجلال الدين السيوطي في: " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " هؤلاء صرحوا: أن هذه الأخبار موضوعة ولا اعتبار بها، لسببين:
1ـ أسانيدها ضعيفة، لأن في طريقها رجال متهمون بالكذب وجعل الأحاديث.
2ـ عدم موافقتها للقواعد العقلية والآيات القرآنية.
الشيخ عبد السلام: لو فرضنا صحة كلامكم في الأحاديث المذكورة، فما تقول في هذا الحديث الشريف المشهور بين علماء المسلمين، والمذكور في الكتب المعتبرة الموثوقة، أن النبي (ص) قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة؟!
قلت: أما قولك: " الحديث.....المشهور "... فربّ مشهور لا أصل له!
وأما قولك: " والمذكور في الكتب " فليتك تذكر لنا هذه الكتب المعتبرة، الموثوقة!!
وأما الحديث، إضافة على أنه مردود وغير مقبول عند علمائكم ومحدثيكم المتخصصين في علم الدراية والرجال والحديث والرواية، وقد حسبوه من الموضوعات، فإن ظاهره يخالف الحق الذي يتجلى في الأخبار الصحيحة المقبولة عند الفرقين.

أهل الجنة كلهم شباب
من معتقدات المسلمين أن الجنة ليس فيها غير شباب ولا يدخلها شيوخ وكهول.
والخبر المشهور في كتب الفريقين صريح في الموضوع، وهو أن رسول الله (ص) قال لامرأة عجوز وهو يمازحها، حين طلبت منه (ص) أن يدعو لها بالجنة.
فقال (ص): " إن الجنة لا تدخلها العجائز " فحزنت المرأة وقالت : واخيبتاه إذا لم أدخل الجنة!
فتبسم رسول الله (ص) وقال: تدخلين الجنة ولست يومئذ بعجوز، بل تنقلبين إلى فتاة باكرة، كما قال الله سبحانه: (إنا انشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكارا * عربا أترابا) (22).
وكما ورد في الحديث النبوي الشريف: المؤمنون يدخلون الجنة جردا ، مردا، بيضا، جعادا، مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين.
على هذا ذكر الفيروز آبادي في " سفر السعادة:142 ".
والسيوطي في: " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " وابن الجوزي في " الموضوعات ".
والمقدسي في: " تذكرة الموضوعات " والشيخ محمد البيروتي في " سنى المطالب: 123 ".
قالوا: في سند حديث: " أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة " يحيى بن عنبسة.
وقال الذهبي: هو ضعيف.
وقال ابن جان: إن يحيى جعال وضاع للحديث.
لذلك هذا الحديث ساقط عن الاعتبار!
ونحتمل احتمالا معقولا، أن هذا الحديث من جعل بني أمية البكريين، لأنهم كانوا يضعون الأحاديث قبال كل حديث نبوي صدر في فضل أهل البيت عليهم السلام، وقد وضعوا هذا الحديث مقابل حديث شريف متفق عليه بين الشيعة والسنة.
النواب: أي حديث تقصدوه، بينوه للحاضرين؟!
قلت الحديث النبوي الشريف: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما. وفي بعض أفضل منهما وقد جاء هذا النص في كثير من كتبكم المعتبرة، وصرح به كبار علمائكم الأعلام، منهم:
الخطيب الخوارزمي في " المناقب ".
والمير السيد علي الهمداني في المودة الثامنة من كتابه: " مودة القربى ".
والإمام النسائي في " الخصائص العلوية ".
وابن الصباغ المالكي في " الفصول المهمة " ص 159.
وسليمان الحنفي القندوزي، في الباب 54 من: " ينابيع المودة " نقلا عن الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد.
وسبط ابن الجوزي في ص 133 من: " التذكرة ".
والإمام أحمد بن حنبل في " المسند ".
والترمذي في " السنن ".
ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الباب 97 من " كفاية الطالب " بعد نقله للحديث الشريف بإسناده يقول: هذا حديث حسن ثابت، لا أعلم أحدا رواه عن ابن عمر غير نافع، تفرد به: المعلى عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذيب، رزقناه عاليا بحمد الله ومنه.
قال: وجمع إمام أهل الحديث، أبو القاسم الطبراني في " معجمه الكبير " في ترجمة الحسن (ع) طرقه عن غير واحد من الصحابة، منهم: عمر بن الخطاب، ومنهم: علي بن أبي طالب (ع)، وطرقه عن علي بطرق شتى... إلى آخره.
وبعد كلام طويل، وذكره الحديث بشكليه: " وأبوهما خير منهما " ... " وأبوهما أفضل منهما " بأسانيد عديدة. قال: وانضمام هذه الأسانيد بعضها إلى بعض دليل صحته.
انتهى كلام الكنجي.
ونقله أبو نعيم في " الحلية " وابن عساكر في تاريخه الكبير 4/206، والحاكم في
" المستدرك " وابن حجر في الصواعق: 82.
فعلماؤكم قد اتفقوا وأجمعوا على أن هذا الحديث الشريف صدر عن النبي (ص): " الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما ".
الشيخ عبد السلام: سأذكر حديثا معتبرا مقبولا عند جميع علمائنا إذ لم ينكره أحد منهم، وهو الحديث النبوي الشريف: " ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقد عليه غيره " وهذا أفضل دليل على أن أبا بكر بعد النبي (ص) هو إمام المسلمين والمقدم عليهم.
قلت: أسفي عليكم، أنتم علماء الأمة! إذ تتقبلون الأخبار والأحاديث من غير تفكر وتدبر!
هلا فكرتم أن هذا الخبر إن كان صحيحا، فلماذا النبي (ص) بنفسه لم يعمل به، ولم يقدم أبا بكر في قضايا كثيرة مهمة في تاريخ النبي (ص) وتاريخ الإسلام، مثل يوم المباهلة، إذ أخذ معه فاطمة وعليا ابنيهما، وقدمهم على من سواهم.
وفي غزوة تبوك إذ خلّف الإمام عليا (ع) في المدينة مكانه وقال له: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى... " إلى آخره.
وفي تبليغ الآيات الأوائل من سورة براءة، للمشركين، إذ عزل أبا بكر وأرسل عليا (ع) وقال (ص): " لا يبلغ إلا أنا أو رجل مني ـ أو قال من أهل بيتي ـ(23).
وفي فتح خيبر حين أعطاه النبي (ص) الراية وكان الفتح على يديه.
ويوم فتح مكة، رفع النبي (ص) علي بن أبي طالب (ع) على كتفه فكسر الأصنام التي على سطح الكعبة.
وأرسله النبي (ص) لأهل اليمن يبلغهم الدين ويقضي فيهم.
وأهم من كل ذلك: أن النبي (ص) جعل عليا (ع) وصيه، وأوصى إليه بكل ما أراد ليقوم به بعد موته. ولم يوص لأبي بكر!
وكان أبو بكر في كل هذه القضايا والأمور حاضرا، لا غائبا ولا مسافرا، والنبي (ص) اختار عليا وقدمه في تلك الأمور وغيرها من القضايا الكثيرة وترك أبا بكر!!


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 15  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:52 AM





الشيخ عبد السلام: ما لكم كلما نذكر حديثا في فضل أبي بكر صاحب رسول الله (ص) رفضتموه ولم تقبلوه؟!
قلت: ما ذنبنا، إذا كانت الأحاديث التي تنقلها في هذا المجال ، يأباها العقل والنقل؟!
الشيخ عبد السلام: لقد وصلنا حديث ثابت صحيح غير قابل للإنكار ، وهو عن طريق عمرو بن العاص، قال: سألت النبي (ص) يوما عن أحب نساء العالم إليه ؟ فقال (ص): عائشة!
قال: فسألته عن أحب الرجال إليه؟ فقال (ص): أبو بكر!
على هذا فهما مقدمان، لأن حب النبي (ص) لهما دليل على أن الله تعالى يحبهما، وهذا دليل قاطع على أحقية أبي بكر (رض) بخلافة رسول الله (ص).
قلت: بالإضافة إلى أن هذا الخبر من الموضوعات، فهو يعارض الأخبار المعتبرة والأحاديث الصحيحة عند الفرقين من جهتين:
أولا: من جهة عائشة أم المؤمنين، بأنها أحب النساء إلى النبي (ص)، فإن هناك أحاديث جمة تصرح بأن أحب النساء إلى النبي (ص) وخيرهن هي: فاطمة سيدة النساء.
فقد أثبت ذلك علماء المسلمين عامة ـ شيعة وسنة ـ في أحاديث متواترة في كتبهم المعتبرة، منهم:
1ـ أبو بكر البيهقي، في تاريخه.
2ـ الحافظ ابن عبد البر، في " الاستيعاب ".
3ـ المير السيد علي الهمداني، في " مودة القربى ".
وغيرهم من علمائكم وعلماء الشيعة، كلهم متفقون على صحة الحديث المروي عن النبي (ص) أنه قال كرارا:
" فاطمة خير نساء أمتي " أو: " خير نساء أمتي فاطمة ".
وروى الإمام أحمد في " المسند " والحافظ أبو بكر في " نزول القرآن في علي " عن محمد بن الحنفية عن أمير المؤمنين عليه السلام.
وروى ابن عبد البر في " الاستيعاب " في قسم: التحدث عن فاطمة الزهراء عليها السلام وخديجة أم المؤمنين، عن عبد الوارث بن سفيان وأبي هريرة، وفي قسم التحدث عن خديجة أم المؤمنين، روى عن أبي داود نقلا عن أبي هريرة وانس بن مالك.
وروى الشيخ سليمان الحنفي، في الباب 55 من " ينابيع المودة ".
والمير السيد علي الهمداني في المودة الثالثة عشرة من " مودة القربى " عن أنس بن مالك.
وروى غيرهم عن طرق عديدة: أن رسول الله (ص) قال: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد عليهما السلام.
وروى الخطيب البغدادي في تاريخه، أن رسول الله (ص) عدّ هؤلاء النساء الأربع خير نساء العالمين وفضّل فاطمة في الدنيا والآخرة عليهنّ.
وروى البخاري في صحيحه، والإمام أحمد في المسند، عن عائشة بنت أبي بكر، قالت: قال النبي (ص) لفاطمة: يا فاطمة أبشري، فإن الله اصطفاك وطهرك على نساء العالمين، وعلى نساء الإسلام، وهو خير دين.
وروى البخاري في صحيحه 4/64، ومسلم في صحيحه، في باب فضائل فاطمة ج2، والحميدي في " الجمع بين الصحيحين " والعبدي في الجمع بين الصحاح الستة " وابن عبد البر في " الاستيعاب " في قسم: الحديث عن فاطمة عليها السلام، والإمام أحمد في المسند 6/282، ومحمد بن سعد في الطبقات ج2 في قسم أحاديث النبي (ص) في مرضه، وفي الجزء الثامن في قسم الحديث حول فاطمة عليها السلام، نقلا عن أم المؤمنين عائشة عن النبي (ص) في حديث طويل جاء فيه أنه (ص) قال: " يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟! ".
وفسره ابن حجر العسقلاني في الإصابة، في ترجمة فاطمة عليها السلام، أي: أنت سيدة نساء العالمين.
وروى محمد بن طلحة الشافعي في كتابه " مطالب السؤول " ص7، أحاديث وأخبارا كثيرة في هذا الباب، وقال بعدها: فثبت بهذه الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة، كون فاطمة كانت أحب إلى رسول الله (ص) من غيرها، وأنها سيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء أهل المدينة.
وروى البخاري و مسلم في الصحيح، والثعلبي في تفسير الإمام أحمد في " المسند " والطبراني في " المعجم الكبير " وسليمان الحنفي في " الينابيع " الباب 32، عن تفسير أبي حاتم، والحاكم في " المناقب " والواحدي في " الوسيط " وأبي نعيم في " حلية الأولياء " وعن الحمويني في " فرائد السمطين ".
وروى ابن حجر الهيتمي في " الصواعق " في ذكر الآية الرابعة عشر.
وروى محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول، ص8.
والطبري في تفسيره، والواحدي في أسباب النزول، وابن المغازلي في المناقب، ومحب الدين الطبري في الرياض، والشبلنجي في نور الأبصار، والزمخشري في تفسيره، والسيوطي في الدر المنثور، وابن عساكر في تاريخه، والسمهودي في وفاء الوفاء والنيسابوري في تفسيره، والبيضاوي في تفسيره، والفخر الرازي في التفسير الكبير، وأبو بكر شهاب الدين العلوي في رشفة الصادي: الباب الأول /22ـ 23، نقلا عن تفسير البغوي والثعلبي، والملا في سيرته، ومناقب أحمد، والطبراني في المعجم الكبير والأوسط، والسدي، والشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي في كتابه " الإتحاف " صفحة 5 عن الحاكم والطبراني وأحمد.
وروى السيوطي في " إحياء الميت " عن تفاسير ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه " والمعجم الكبير " للطبراني.
كلهم رووا عن ابن عباس حبر الأمة: أنه لما نزلت الآية الكريمة : (.... قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا...)(24).
قال جمع من الأصحاب: يا رسول الله! من قرابتك الذين فرض الله علينا مودتهم؟
قال (ص): علي وفاطمة والحسن والحسين.
وهذا الأمر ثابت ولا يشك فيه إلا الذي في قلبه مرض النفاق والعناد.
وإن هذا الأمر ثابت عند كبار علمائكم الأعلام، حتى روى ابن حجر في " الصواعق " صفحة 88، والحافظ جمال الدين الزرندي في " معراج الوصول " والشيخ عبد الله الشبراوي في " الإتحاف " صفحة 529 ومحمد بن علي الصبان في " إسعاف الراغبين " صفحة 119، وغير هؤلاء ذكروا: أن الإمام محمد بن إدريس الشافعي أنشد شعرا في هذا الأمر، فقال:
يا أهل بيت رسول الله حبكمفرض من الله في القرآن أنزلهكفاكم من عظيم الشأن أنكممن لم يصل عليكم لا صلاة له
والآن، أوجه سؤالي لكل منصف في المجلس وأقول:
بالله عليكم هل يقابل الحديث الذي ذكره الشيخ عن عمرو بن العاص الفاسق، الذي خرج لقتال إمام زمانه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وسفك دماء المؤمنين عمار بن ياسر ونظرائه الأخيار الأبرار، هل يقابل حديثه بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة المجمع على صحتها بين المسلمين، شيعة وسنة؟!
وهل يقبل العقل أن يفضل رسول الله (ص) أحدا ويحب أحدا أكثر من الذين فرض الله حبهم ومودتهم على المسلمين؟!
وهل يتصور أن النبي (ص) يتبع هواه فيغرم في حب زوجته عائشة من غير دليل معنوي ورجحان شرعي، فيرجحها على سائر زوجاته ويحبها أكثر من نسائه؟!
مع العلم أن الله عز وجل يطالب عباده بالعدل بين زوجاتهم فيقول : (...فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة...)(25).
أم هل من المعقول أن النبي (ص) يفضل زوجته عائشة على ابنته فاطمة التي فضلها الله تعالى ومدحها في آية التطهير والمباهلة، وفرض مودتها في آية القربى؟!
كلنا نعلم ونؤمن بأن الأنبياء والأصفياء لا يتبعون الهوى، وإنما تكون أفعالهم وأقوالهم وحبهم وبغضهم لله وفي الله سبحانه، فمعيار الحب والبغض عندهم هو: الله، وليس الهوى!
والله عز وجل يرجح فاطمة ويفضلها على من سواها ويفرض حبها والذي يقول غير ما نقول، فيلزم أن يرد كل الأحاديث والأخبار المعتضدة والمؤيدة بالقرآن الحكيم والعقل السليم التي استدللنا بها على ما نقول!
أو أنه ينسب النبي (ص) ويتهمه ـ والعياذ بالله ـ بمتابعة الهوى ومخالفة الحق! وهذا كفر صريح.

أحب الرجال إلى النبي علي عليه السلام
ثانيا: أما من جهة أبي بكر، كما يقول حديث عمرو بن العاص: " إن أحب الرجال إلى النبي (ص) هو أبو بكر " فهو ينافي الأخبار الكثيرة والأحاديث الصحيحة المعتبرة المروية في كتب كبار علمائكم ومحدثيكم بأن أحب الرجال إلى النبي (ص) هو علي بن أبي طالب عليه السلام، منهم:
1ـ روى الحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب55، عن الترمذي بسنده عن بريدة، أنه قال: كان أحب النساء إلى رسول الله (ص) فاطمة ومن الرجال علي عليه السلام.
2ـ العلامة محمد بن يوسف الكنجي روى مسندا في كتابه " كفاية الطالب " الباب 91، بسنده عن أم المؤمنين عائشة، أنها قالت: ما خلق الله خلقا كان أحب إلى رسول الله (ص) من علي بن أبي طالب.
ثم يقول الكنجي: هذا حديث حسن، رواه ابن جرير في مناقبه، وأخرجه ابن عساكر في ترجمته، أي ترجمة الإمام علي عليه السلام(26).
3ـ روى الحافظ الخجندي بسنده عن معاذة الغفارية، أنها قالت: دخلت على رسول الله (ص) في بيت عائشة، وكان علي عليه السلام خارج الدار، فسمعت رسول الله (ص) يقول لعائشة: إن هذا ـ أي علي عليه السلام ـ أحب الرجال إلي، وأكرمهم عليّ، فاعرفي حقه، واكرمي مثواه.
4ـ روى ابن حجر في آخر الفصل الثاني من " الصواعق " بعد نقله أربعين حديثا في فضائل الإمام علي عليه السلام، قال الترمذي: عن عائشة، قالت: كانت فاطمة أحب النساء إلى رسول الله (ص) وزوجها أحب الرجال إليه.

خبر الطائر المشوي
من أهم الأخبار في الموضوع، خبر الطير المشوي المروي في كتبنا وكتبكم المعتبرة كالصحاح والمسانيد، منها:
صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والترمذي، والنسائي، والسجستاني ، في صحاحهم، والإمام أحمد في " المسند " وابن أبي الحديد في " شرح نهج البلاغة " وابن الصباغ المالكي في " الفصول المهمة " صفحة 21، رواه بهذه العبارة: وأنه صح النقل في كتب الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة عن أنس بن مالك... إلى آخره.
ورواه الشيخ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب الثامن، وقد خصه لهذا الخبر من طرق شتى فيرويه عن الإمام أحمد و الترمذي والموفق بن أحمد الخوارزمي وابن المغازلي وسنن أبي داود، عن سفينة مولى النبي (ص).
وعن أنس بن مالك وابن عباس.
ثم يقول: وقد روى أربعة وعشرون رجلا حديث الطير عن أنس، منهم : سعيد بن المسيب والسدي وإسماعيل.
قال: ولابن المغازلي " حديث الطير " من عشرين طريقا.
ورواه سبط ابن الجوزي في التذكرة: 23، عن فضائل أحمد وسنن الترمذي.
وأشار إليه المسعودي في مروج الذهب 2/49.
ورواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في الحديث التاسع من " الخصائص ".
وكتب كل من: الحافظ ابن عقدة ومحمد بن جرير الطبري والحافظ أبو نعيم، كتابا خاصا بخبر الطير المشوي وأسانيده وطرقه وتواتره.
كما أن العلامة المحقق الورع، الزاهد التقي، السيد حامد حسين الدهلوي ـ وأنتم الحاضرون لقرب جواركم منه تعرفون العلمية وتعرفون وروعه وزهده أحسن وأكثر من غيركم ـ خصص مجلدا ضخما من موسوعته العلمية الكريمة: " عبقات الأنوار " لخبر الطير المشوي وقد جمع فيه أسناد ومصادر الخبر من طرقكم وكتب علمائكم فقط.
وأنا لا أذكر الآن كم بلغ عدد أسناد ومصادر هذا الخبر في ذلك الكتاب العظيم، ولكني أذكر بأني عجبت حين مطالعته من سعة اطلاع العلامة الدهلوي!
والخبر كما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، عن سفينة مولى النبي (ص) قال: أهدت امرأة من الأنصار طيرين مشويين بين رغيفين، فقال النبي (ص) :اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك فجاء علي (ع) فأكل معه من الطيرين حتى كفيا.
وجاء في بعض كتبكم مثل: " الفصول المهمة " لابن الصباغ المالكي وتاريخ الحافظ النيسابوري، و " كفاية الطالب " للعلامة الكنجي الشافعي، و مسند أحمد، عن أنس بن مالك، قال:
أتى النبي (ص) بطائر فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي.
فجاء علي (ع) فحجبته مرتين، فجاء في الثالثة فأذنت له.
فقال النبي (ص): يا علي! ما حبسك؟!
قال: هذه ثلاث مرات قد جئتها فحبسني أنس.
قال (ص): لم يا أنس؟! قال: قلت: سمعت دعوتك يا رسول الله، فأحببت أن يكون رجلا من قومي.
فقال النبي (ص): الرجل يحب قومه.
فاسأل الشيخ عبد السلام وأقول: هل استجاب الله تعالى دعوة حبيبه ونبيه محمد (ص) أم لا؟!
الشيخ عبد السلام: نعم، وكيف لا يستجيب وقد وعده الإجابة؟!
وهو سبحانه يعلم أن النبي لا يدعوه ولا يطلب منه حاجة إلا في محلها. فلذلك كانت دعوة رسول الله (ص) مستجابة في كل وقت.
قلت: على هذا فعلي (ع) هو أحب الخلق إلى الله عز وجل.
كما إن كبار علمائكم صرحوا بذلك، مثل العلامة محمد بن طلحة الشافعي، في أوائل الفصل الخامس من الباب الأول من كتابه " مطالب السؤول " بمناسبة حديث الراية وحديث الطير، فقد أثبت أن عليا (ع) كان أحب الخلق إلى الله ورسوله (ص).
ثم يقول: أراد النبي أن يحقق للناس ثبوت هذه المنقبة السَنيّة والصفة العليّة، التي هي أعلى درجات المتقين، لعلي (ع)... إلى آخره.
والعلامة الكنجي الشافعي، فقيه الحرمين ومحدث الشام وصدر الحفاظ، في كتابه " كفاية الطالب " الباب 33، بعد نقله الحديث والخبر بسنده عن أربع طرق، عن أنس وسفينة خادمي رسول الله (ص) قال: وفيه دلالة واضحة على أن عليا (ع) أحب الخلق إلى الله، وأدل الدلالة على ذلك إجابة دعاء النبي (ص) في ما دعا به، وقد وعد الله تعالى من دعاه بالإجابة، حيث قال عزوجل: ( ادعوني استجب لكم...) (27).
فأمر بالدعاء ووعد بالإجابة، وهو عز وجل لا يخلف الميعاد. وما كان الله عز وجل ليخلف وعده رسله، ولا يرد دعاء رسوله لأحب الخلق إليه، وهو من أقرب الوسائل إلى الله تعالى محبته ومحبة من يحبه لحبه.
وبعد هذا يقول: وحديث أنس الذي صدرته في أول الباب، أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري عن ستة وثمانين رجلا، كلهم رووه عن أنس، ثم يذكر أسماءهم(28).
فأنصفوا أيها المستمعون! هل من الصحيح أن نتمسك بخبر واحد رواه عمر بن العاص، وهو أحد أعداء الإمام علي (ع)، والمعلن عليه الحرب، والخارج لقتاله، ونعرض عن هذه الأخبار الكثيرة المتواترة في كتب كبار علمائكم ومحدثيكم؟!
الشيخ عبد السلام: أظن أنكم مصرون على رد كل خبر ننقله في فضيلة الشيخين!!

نحن نتبع الحق!
قلت: إني أعجب من الشيخ إذ يتهمني أمام الحاضرين بهذه التهمة! ولا أدري أي خبر موافق للكتاب الحكيم والعقل السليم والمنطق القويم قاله الشيخ وأنا رفضته وما قبلته؟!
حتى يجابهني بهذا العتاب، ويواجهني بهذا الكلام الذي يقصد منه أننا نتبع طريق اللجاج والعناد!!
وإني أعوذ بالله أن أكون معاندا أو متعصبا جاهلا، وأعوذ به سبحانه أن يكون في قلبي شيء من الحقد عليكم خصوصا، وعلى إخواني من أهل السنة عموما.
وإني أشهد الله ربي وربكم أني ما كنت معاندا وما تبعت طريق اللجاج في محاوراتي ومناظراتي مع اليهود والنصارى، والهنود والمجوس، ومع الماديين والوجوديين، وسائر المذاهب و الفرق والأحزاب المنحرفة، بل كنت دائما أطلب وجه الله عز وجل وأبحث عن الحق والحقيقة على أساس المنطق والعقل وأصول العلم والبرهان، فكيف أكون معاندا في محاورتي معكم وأنتم إخواني في الدين، ونحن وإياكم على دين واحد، وكتاب واحد، ونبي واحد وقبلة واحدة؟!
غاية ما هنالك لقد وقعت بعض الاشتباهات والمغالطات في الأمر، والتبس بذلك الحق عليكم، ونحن بتشكيل مجالس البحث والمناظرة، نريد أن نتفاهم في القضايا حتى يرتفع الاختلاف إن شاء الله تعالى، ويخيم علينا الاتحاد والائتلاف، ويتحقق أمر عز وجل إذ يقول: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)(29).
وأنتم والحمد لله عالمون وفاهمون، ولكن تأثرتم بكلمات وأكاذيب الأمويين المعادين للنبي (ص) وأهل بيته الطيبين فقلدتم الناكثين والمارقين المتعصبين ضد الإمام علي أمير المؤمنين وشيعته أهل الحق واليقين.
فإن تخليتم عن أقاويل أولئك، وتحررتم عن التعصب والتقليد الأعمى، وأنصفتم الحكم في القضايا المطروحة، فإنا نصل إنشاء الله تعالى إلى الهدف المنشود والحق المعهود.
الشيخ عبد السلام: نحن قرأنا في الصحف والمجلات، مناظراتكم مع الهنود والبراهمة في مدينة لاهور، وعلمنا إفحامكم إياهم فأجبناكم لانتصاركم للدين الحنيف وإثباتكم الحق، وكنا نحب زيارتكم ونتشوق لمجالستكم، والآن نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياكم على الحق.
ونحن نوافقكم على مراجعة القرآن الحكيم في الأمور الخلافية، وعرض الأخبار والأحاديث المروية على كتاب الله سبحانه، فهو الفرقان الأعظم، ولذا قبلنا من منكم الردود على ما نقلناه من الأخبار والأحاديث حينما أثبتم نقاط تعرضها مع الكتاب والعقل والعلم والمنطق.
فلذلك أذكر الآن دليلا من القرآن الكريم في شأن الخلفاء الراشدين وفضلهم، وأنا على يقين بأنكم ستوافقون عليه ولا تردونه، لأنه مأخوذ ومقتبس من كتاب الله تعالى.
قلت: أعوذ بالله العظيم من أن أرد الدلائل القرآنية أو الأحاديث الصحيحة النبوية. ولكن اعلموا أني حينما كنت أحاور الفرق الملحدة مثل الغلاة والخوارج، وغيرهم من الذين ينسبون أنفسهم للإسلام وما هم منه، كانوا يحتجون عليّ في إثبات ادعائهم الباطل ببعض الآيات القرآنية!
لأن بعض آيات الذكر الحكيم ذو معان متعددة ووجوه متشابهة، ولذا لم يسمح النبي الكريم (ص) لأحد أن يفسر القرآن برأيه، فقال:
" من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ".
وقد وكل هذا الأمر الهام إلى أهل بيته الكرام (ع)، فقال:
" إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ".
وقد أجمعت هذه الأمة على صحة هذا الحديث الشريف، فيجب أن نأخذ ذلك من العترة الهادية، وهم أهل بيته الذين جعلهم النبي (ص) مع القرآن ككفتي ميزان.
والله سبحانه أيضا أمر الأمة أن يرجعوا إليهم في ما لا يعلمون، فقال: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)(30).
والمقصود من أهل الذكر: علي بن أبي طالب والأئمة من بنيه (ع) كما روى الشيخ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب 39 نقلا عن تفسير " كشف البيان " للعلامة الثعلبي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن علي (ع)، قال: نحن أهل الذكر، والذكر: هو القرآن الحكيم لقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)(31).
وبتعبير آخر من القرآن الكريم، الذكر: هو رسول الله (ص) لقوله تعالى: (... قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات...)(32).
فأهل الذكر هم آل النبي (ص)، وأهل القرآن الذين نزل الوحي في بيتهم، فهم أهل بيت النبوة وأهل بيت الوحي.
ولذلك كان علي (ع) يقول للناس: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم نهار، وفي سهل أم في جبل، والله ما أنزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من أنزلت، وإن ربي وهب لي لسانا طلقا، وقلبا عقولا... إلى آخره.
ملخص القول في نظرنا... إن الاستدلال بالآيات القرآنية يجب أن يطابق بيان أهل البيت والعترة النبوية، وإلا إذا كان كل إنسان يفسر القرآن حسب رأيه وفكره لوقع اختلاف في الكلمة والتشتت في الآراء، وهذا لا يرضى به الله سبحانه.
والآن وبعد هذه المقدمة فإنا نستمع لبيانكم.
الشيخ عبد السلام: لقد أول بعض علمائنا الأعلام قوله تعالى:
(محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود...)(33).
قالوا: (والذين معه) إشارة إلى أبي بكر الصديق، فهو كان مع رسول الله (ص) في كل مكان حتى في الغار، ورافقه في الهجرة إلى المدينة المنورة.
والمقصود من (أشداء على الكفار): هو عمر بن الخطاب (رض) الذي كان شديدا على الكفار.
والمراد من (رحماء بينهم): هو عثمان ذو النورين، فإنه كان كما نعلم رقيق القلب كثير الرحمة.
والمعني من (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) هو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فإنه ما سجد لصنم قط.
وأنا أرجو أن تقبل هذا التأويل الجميل، والقول الجامع لفضيلة الخلفاء الراشدين!
قلت: يا شيخ! إني أعجب من كلامك وفي حيرة منه! ولا أدري من أين جئت به؟! فإني لم أجد في تفاسيركم المعتبرة المشهورة، هذا التفسير، ولو كان هذا الأمر كما تقول، لكان الخلفاء المتقدمون على الإمام علي (ع) احتجوا بها حينما واجهوا معارضة بني هاشم وامتناع السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي (ع) من البيعة لهم.
ولكن لم نجد ذلك في التاريخ ولا التفاسير التي كتبها كبار علمائكم، أمثال: الطبري و الثعلبي والنيسابوري والسيوطي والبيضاوي والزمخشري والفخر الرازي، وغيرهم.
وهذا التأويل والتفسير ما هو إلا رأي شخصي غير مستند إلى حديث أو رواية، وإن القائل والملتزم به ومن يقبله يشملهم حديث النبي (من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)
وإذا قلت: إن ما قلته هو تأويل لا تفسير.
فأقول: إن مذاهبكم الأربعة لا يقبلون تأويل القرآن مطلقا، ولا يجوز عند أئمتكم تأويل القرآن، وأضف على هذا، إن في الآية الشريفة نكات علمية وأدبية تمنع من هذا التأويل، وتحول دون الوصول إلى مقصودكم، وهي:
أولا: الضمائر الموجودة في الآية الكريمة.
وثانيا: صياغة الجمل فـ (محمد) (ص): مبتدأ، و( رسول الله): عطف بيان أو صفة، (والذين معه): عطف على (محمد) (ص) و (أشداء) وما بعدها : خبر، ولو قلنا غير هذا فهذا غير معقول وخارج عن قواعد العربية والأصول.
ولذا فإن جميع المفسرين من الفريقين قالوا: إن الآية الكريمة تشير إلى صفات المؤمنين بالنبي (ص) جميعا.
ولكني أقول: إن هذه الصفات ما اجتمعت في كل فرد فرد من المؤمنين، بل مجموعها كانت في مجموع المؤمنين، أي إن بعضهم كانوا (أشداء على الكفار) وبعضهم كانوا (رحماء بينهم) وبعضهم (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) ولم يكن من المؤمنين إلا رجل واحد جمع كل هذه الصفات والميزات الدينية، وهو: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، فهو الذي كان مع النبي (ص) من أول رسالته وبعثته حتى آخر ساعات حياته المباركة، إذ كان رأس النبي (ص) في حجر وصيه وابن عمه علي بن أبي طالب حين فارقت روحه الدنيا.
الشيخ عبد السلام: إنك قلت: بأني لا أجادل ولست متعصبا! بينما الآن تظهر التعصب، وتجادلنا على ما لا ينكره أي فرد من أهل العلم!
أما قرأت قوله تعالى: ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم)(34).
هذه الآية الكريمة إضافة على أنها تؤيد رأينا في تأويل الآية السابقة: (والذين معه) فهي تسجل فضيلة كبرى، ومنقبة عظمى لسيدنا أبي بكر الصديق (رض)، لأن مصاحبته للنبي (ص) تدل على منزلته عنده، ودليل على أن رسول الله (ص) كان يعلم بعلم الله أن أبا بكر يكون خليفته، فكان يلزم عليه حفظه كما يلزم حفظ نفسه الشريفة، لذلك أخذه معه حتى لا يقع في أيدي المشركين، ولم يأخذ النبي أحدا سواه، وهذا أكبر دليل على خلافته.
قلت: إذا أبعدتم عنكم التعصب، وتركتم تقليد أسلافكم، ونظرتم إلى الآية الكريمة بنظر التحقيق والتدقيق، لو وجدتم أنها لا تعدّ فضيلة ومنقبة لأبي بكر، وليس فيها أي دليل على خلافته!
الشيخ عبد السلام: إني أتعجب من قولك هذا، والآية صريحة في ما نقول، ولا ينكره إلا معاند متعصب!
قلت: قبل أن أخوض هذا البحث أرجو أن تعرضوا عن كلامكم، لأني أخشى أن يمس ويخدش البحث عواطفكم، فإن الكلام يجر الكلام، ونصل بالبحث إلى ما لا يرام، ولا يتحمله العوام، لسوء ما تركز عندهم في الأفهام.
الشيخ عبد السلام: أرجو أن لا تتكلّم بالإبهام، بل بين لنا كل ما عندك من الجواب والرد على ما قلناه بالتمام، ونحن إنما اجتمعنا وحاورناكم لنعرف حقيقة الإسلام، ونحن مستعدون لاعتناق مذهبكم إذا ظهر لنا وثبت أنه الحق الذي أمر به محمد سيد الأنام (ص).
قلت: إن إنكاري لقولكم لا يكون عن تعصب وعناد، وإعراضي عن الجواب ليس عن عيّ وجهل، بل رعاية للأدب والوداد، ولكن إصراركم على رأيكم، وإحساسي بالمسؤولية في كشف الحق وإظهار الحقيقة والإرشاد، يفرض علي الرد والجواب، حتى يعرف الحاضرون كلمة الحق والسداد، فأقول:
أولا: قولك: إن النبي (ص) حمل معه أبا بكر، لأنه (ص) كان يعلم انه يكون خليفته، فأراد أن يحفظه من شر المشركين، كلام غريب..
لأن النبي (ص) إذا حمله لهذا السبب، فلماذا لم يأخذ معه خلفاءه الآخرين، الراشدين على حد زعمكم؟! عمر وعثمان وعلي، لأنهم كانوا في مكة مهددين أيضا!
فلماذا هذا التبعيض؟! يأخذ أبا بكر ويأمر عليا ليبيت على فراش الخطر، ويفدي النبي (ص) بنفسه!
هل هذا من العدل والإنصاف؟!
ثانيا: بناء على ما ذكره الطبري في تاريخه، ج3: إن أبا بكر ما كان يعلم بهجرة النبي (ص) فجاء عند علي بن أبي طالب وسأله عن رسول الله (ص)، فأخبره بأنه هاجر نحو المدينة فأسرع أبو بكر ليلتقي بالنبي (ص)، فرآه في الطريق فأخذه النبي (ص) معه.
فالنبي (ص) إنما أخذ معه أبا بكر على غير ميعاد، لا كما تقول.
وقال بعض المحققين: إن أبا بكر بعدما التقى بالنبي (ص) في الطريق، اقتضت الحكمة النبوية أن يأخذه معه ولا يفارقه، لأنه كان من الممكن أن يفشي أمر الهجرة وكان المفروض أن يكون سرّا، كما نوّه به الشيخ أبو القاسم بن الصباغ، وهو من كبار علمائكم، قال في كتابه
" النور والبرهان ":
إن رسول الله (ص) أمر عليا فنام على فراشه، وخشي من أبي بكر أن يدلّهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار!
ثالثا: أسألك أن تبين لنا محل الشاهد من الآية الكريمة، وتوضّح الفضيلة التي سجلتها الآية الكريمة لأبي بكر؟!
الشيخ عبد السلام: محل الشاهد ظاهر، والفضيلة أظهر، وهي:
أولا: صحبة النبي (ص)، فإن الله تعالى يعبر عن الصديق (رض) بصاحب رسول الله (ص).
ثانيا: جملة: (إن الله معنا).
ثالثا: نزول السكينة من عند الله سبحانه على سيدنا أبي بكر.
ومجموعها تثبت أفضلية سيدنا الصديق وأحقيته بالخلافة.
قلت: لا ينكر أحد أن أبا بكر كان من كبار الصحابة، ومن شيوخ المسلمين، وأنه زوج ابنته من النبي (ص).
ولكن هذه الأمور لا تدل على أحقيته بالخلافة.
وكذلك كل ما ذكرتم من شواهد ودلائل في الآية الكريمة، لا تكون فضائل خاصة بأبي بكر، بل لقائل أن يقول: إن صحبة الأخيار والأبرار لا تكون دليلا على البر والخير، فكم من كفار كانوا في صحبة بعض المؤمنين والأنبياء، وخاصة في الأسفار.

الصحبة ليست فضيلة
1ـ فإنا نقرأ في سورة يوسف الصديق (ع) أنه قال: (يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) (35).
لقد اتفق المفسرون أن صاحبي يوسف الصديق (ع) هما ساقي الملك وطباخه، وكانا كافرين ودخلا معه السجن ولبثا خمس سنين في صحبة النبي يوسف الصديق (ع) ولم يؤمنا بالله، حتى أنهما خرجا من السجن كافرين، فهل صحبة هذين الكافرين لنبي الله يوسف (ع) تعد منقبة وفضيلة لهما؟!
2ـ ونقرأ في سورة الكهف: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا)(36).
ذكر المفسرون: أن المؤمن ـ وكان اسمه: يهودا ـ قال لصاحبه ـ واسمه: براطوس ـ وكان كافرا، وقد نقل المفسرون ـ منهم: الفخر الرازي ـ محاورات هذين الصحابين، ولا مجال لنقلها، فهل صحبة براطوس ليهودا، تعد له فضيلة أو شرفا يقدمه على أقرانه؟!
أم هل تكون دليلا على إيمان براطوس، مع تصريح الآية: (أكفرت بالذي خلقك من تراب)(37) ؟!
فالمصاحبة وحدها لا تدل على فضيلة وشرف يميز صاحبها ويقدمه على الآخرين.
وأما استدلالك على أفضلية أبي بكر، بالجملة المحكية عن النبي (ص) (إن الله معنا) فلا أجد فيها فضيلة وميزة لأحد، لأن الله تعالى لا يكون مع المؤمنين فحسب، بل يكون مع غير المؤمنين أيضا، لقوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا...)(38).
فبحكم هذه الآية الكريمة، فإن الله عز وجل يكون المؤمن والكافر والمنافق.
الشيخ عبد السلام: لا شك أن المراد من الآية الكريمة: (إن الله معنا...) يعني: بما أننا مع الله ونعمل لله، فإن ألطاف الله تعالى تكون معنا، والعناية الإلهية تشملنا.

حقائق لا بد من كشفها
قلت: حتى لو تنزلنا لكم وسلمنا لقولكم، فلقائل أن يقول: إن الجملة مع هذا التفسير أيضا لا تدل على فضيلة ثابتة أو منقبة تقدم صاحبها على الآخرين، لأن هناك أشخاص شملتهم الألطاف الإلهية والعناية الربانية، وما داموا مع الله كان الله معهم، وحينما تركوا الله سبحانه تركهم وانقطعت العناية والألطاف الإلهية عنهم، مثل:
1ـ إبليس ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ فإنه عبد الله تعالى عبادة قل نظيرها من الملائكة، وقد شملته الألطاف والعنايات الربانية، ولكن لما تمرد عن أمر ربه تكبر واتبع هواه واغتر، خاطبه الله الأعظم الأكبر قائلا: (قال فأخرج منها فإنك رجيم * وإنّ عليك اللعنة إلى يوم الدين)(39).
2ـ ومثله في البشر: بلعم بن باعورا، فإنه كما ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى:
(واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين)(40) قالوا:إنه تقرب إلى الله تعالى بعبادته له إلى أن أعطاه الاسم الأعظم وأصبح ببركة اسم الله سبحانه مستجاب الدعوة، وعلى أثر دعائه تاه موسى وبنو إسرائيل أعواما كثيرة في الوادي.
ولكن على أثر طلبه للرئاسة والدنيا سقط في الامتحان، واتّبع الشيطان، وخالف الرحمن، وسلك سبيل البغي والطغيان، وصار من المخلدين في النيران.
وإذا أحببتم تفصيل قصته، فراجعوا التاريخ والتفاسير، منها: تفسير الرازي 4/ 463، فإنه يروي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد بالتفصيل.
3ـ وبرصيصا.. في بني إسرائيل، كان مجدا في عبادة الله سبحانه حتى أصبح من المقربين، وكانت دعوته مستجابة، ولكن عند الامتحان أصيب بسوء العاقبة فترك عبادة رب العالمين، وسجد لإبليس اللعين، وأمسى من الخاسرين، فقال الله تعالى فيه: (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين)(41).
فإذا صدر عمل حسن من إنسان، فلا يدل على أن ذلك الإنسان يكون حسنا إلى آخر عمره وأن عاقبة أمره تكون خيرا، ولذا ورد في أدعية أهل البيت عليهم السلام: اللهم اجعل عواقب أمورنا خيرا.
إضافة إلى ما قلنا: فإنكم تعلمون أنه قد ثبت عند علماء المعاني والبيان، أن التأكيد في الكلام يدل على شك المخاطب وعدم بقيته للموضوع، أو توهمه خلاف ذلك.
والآية مؤكدة " بأنّ " فيظهر بأن ّ مخاطب النبي (ص) وهو صاحبه في الغار كان شاكا في الحق، على غير يقين بأن الله سبحانه يكون معهما!
الشيخ عبد السلام: ـ شاط غاضبا ـ وقال: ليس من الإنصاف أن تمثل صاحب رسول الله وخليفته بإبليس وبلعم وبرصيصا!
قلت: أنا في البداية بينت أن: " لا مناقشة في الأمثال " ومن المعلوم أن في المحاورات إنما يذكرون الأمثال لتقريب موضوع الحوار إلى الأذهان، وليس المقصود من المثل تشابه المتماثلين من الجهات، بل يكفي تشابههما من جهة واحدة ، وهي التي تركز عليها موضوع الحوار.
وإني أشهد الله! بأني ما قصدت بالأمثال التي ذكرتها إهانة أحد أبدا، بل البحث والحوار يقتضي أحيانا أن أذكر شاهدا لكلامي، وأبين مثلا لتفهيم مقصدي ومرامي.
الشيخ عبد السلام: دليلي على أن الآية الكريمة تتضمن مناقب وفضائل لسيدنا أبي بكر (رض)، جملة: ( فأنزل الله سكينته عليه) فإن الضمير في (عليه) يرجع لأبي بكر الصديق، وهذا مقام عظيم.
قلت: الضمير يرجع إلى النبي (ص) وليس لأبي بكر، بقرينة الجملة التالية في الآية (وأيده بجنود لم تروها).
وقد صرح جميع المفسرين: أن المؤيد بجنود الله سبحانه هو النبي (ص).
الشيخ عبد السلام: ونحن نقول أيضا: إن المؤيد بالجنود هو النبي (ص) ولكن أبا بكر كذلك كان مؤيدا مع النبي (ص).

السكينة والتأييد من خصوصيات النبي (ص)
قلت: إذا كان الأمر كما تقول، لجأت الضمائر في الآية الكريمة بالتثنية، بينما الضمائر كلها جاءت منفردة، فحينئذ لا يجوز لأحد أن يقول: إن الألطاف والعنايات الإلهية كالنصرة والسكينة شملت رسول الله دون صاحبه!!
الشيخ عبد السلام: إن رسول الله (ص) كان في غنى عن نزول السكينة عليه، لأن السكينة الإلهية كانت دائما معه ولا تفارقه أبدا، ولكن سيدنا أبا بكر (رض) كان بحاجة ماسة إلى السكينة فأنزلها الله سبحانه عليه.
قلت: لماذا تضيع الوقت بتكرار الكلام، بأي دليل تقول: إن النبي (ص) لا يحتاج إلا السكينة الإلهية؟! بينما الله سبحانه يقول: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها...)(42) وذلك في غزوة حنين.
ويقول سبحانه وتعالى أيضا: (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى...)(43) وذلك في فتح مكة المكرمة.
فكما في الآيتين الكريمتين يذكر الله النبي (ص) ويذكر بعده المؤمنين، فلو كان أبو بكر في آية الغار من المؤمنين الذين تشملهم السكينة الإلهية ، لكان الله عز وجل ذكره بعد ذكر النبي (ص) أو يقول: فأنزل الله سكينته عليهما.
هذا وقد صرح كثير من علمائكم: بأن ضمير (عليه) في الآية الكريمة يرجع إلى النبي (ص) لا إلى أبي بكر، راجعوا كتاب " نقض العثمانية " للعلامة الشيخ أبي جعفر الإسكافي وهو أستاذ ابن أبي الحديد، وقد كتب ذلك الكتاب القيم في رد وجواب أباطيل أبي عثمان الجاحظ.
إضافة على ما ذكرنا، نجد في الآية الكريمة جملة تناقض قولكم! وهي: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن) فالنبي ينهى أبا بكر عن الحزن، فهل حزن أبي بكر كان عملا حسنا أم سيئا؟
فإن كان حسنا، فالرسول لا ينهى عن الحسن، وإن كان سيئا فنهي النبي (ص) له من باب النهي عن المنكر بقوله: (لا تحزن) فالآية الكريمة لم تكن في فضل أبي بكر ومدحه، بل تكون في ذمه وقدحه! وصاحب السوء والمنكر، لا تشمله العناية والسكينة الإلهية، لأنهما تختصان بالنبي (ص) والمؤمنين، وهم أولياء الله الذين لا يخشون أحدا إلا الله سبحانه.
ومن أهم علامات الأولياء كما في قوله تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(44).
ولما وصل البحث إلى هذه النقطة، نظر العلماء إلى الساعة وهي تشير إلى أن الوقت قد جاوز منتصف الليل.
فأرادوا الانصراف من المجلس، ولكن النواب قال: ما وصلنا إلى نتيجة حول الآية الكريمة: (محمد رسول الله والذين معه..) إلى آخره والسيد بعد لم يتم كلامه في الموضوع.
فقال الحاضرون: لقد تعب السيد فنترك البحث إلى الليلة المقبلة إن شاء الله تعالى.. فتوادعنا وانصرفوا.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 16  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:54 AM




المجلس السادس
ليلة الأربعاء28 رجب 1345 هجرية


قبل غروب الشمس جاءني إلى البيت حضرة الفاضل غلام إمامين، وكان تاجراً محترماً من أهل السنة، وهو رجل كيس ورزين، كان يحضر مجلس الحوار في كل ليلة.
جاءني وقال: أيها السيد الجليل إنما جئت في هذا الوقت وقبل مجيء رفاقي، لأخبرك بأنك كسبت قلوبنا ونورتها بكلامك الحلو وبيانك العذب، فانجذب أكثر الحاضرين نحوك، فقد كشفت لنا ما كان مستورا وبينت لنا الحق الذي كان مجهولا.
واعلم أننا حين انصرفنا في الليلة الماضية من المجلس، وقع اختلاف شديد بيننا وبين علمائنا وعاتبناهم عتابا شديدا على إخفائهم هذه الحقائق عنا وإغوائنا بالأكاذيب والأباطيل، وكاد الأمر يؤول من التشاجر إلى التناحر، ولكن بعض العقلاء والكبار توسطوا في البين وأنهوا القضية بسلام.
ولما صار وقت المغرب تهيأت وقمت للصلاة، واقتدى بي كل من كان في البيت، وصلى غلام إمامين أيضا معنا جماعة.
وبعد إتمامنا الصلاة، جاء العلماء ومعهم الأصحاب والرفاق، فأكرمهم صاحب البيت ورحب بهم ورحبت بهم بدوري، وبعدما شربوا الشاي وتناولوا الحلوى ، وجه الأستاذ نواب عبد القيوم خان نظره إلي واستأذن للسؤال، فأذنت له.
فقال: نسألكم أن تتموا موضوع الليلة الماضية حول الآية الكريمة : (محمد رسول الله والذين معه...)
قلت: إذا أذن لي المشايخ الحاضرون، فلا مانع لدي.
الحافظ ـوكان في حالة غضب ـ: لا مانع... تكلموا ونحن نستمع.
قلت: لقد بينت لكم في الليلة الماضية بعض الإشكالات الأدبية على تأويل الآية وتطبيقها على الخلفاء الراشدين.
وأما في هذه الليلة فنبحث فيها من جهات أخرى حتى ينكشف الحق للحاضرين.
إن جناب الشيخ عبد السلام سلمه الله تعالى أول كل صفه من الصفات الأربعة في الآية الكريمة على أحد الراشدين بالترتيب فأقول:
أولا: لم يذكر أحد من المفسرين في شأن نزول الآية، هذا التأويل.
ثانيا: كلنا يعرف أن الصفات الأربعة المذكورة إذا اجتمعت كلها في شخص واحد، فهو المراد من الآية الكريمة.
وأما إذا تحقق بعضها في شخص، فلا يكون ذلك هو مقصود الآية ومرادها.
ونحن إذا نظرنا في تاريخ الإسلام نظر تحقيق وتعمق، ودرسنا حياة الصحابة دراسة تحليلية، ونظرنا في سيرتهم نظرة استقلالية، بعيدا عن الأغراض النفسية والعوارض القلبية، لوجدنا أن كل الصفات المذكورة في الآية الكريمة ما اجتمعت في واحد من الصحابة سوى مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام.
الحافظ: إنكم معشر الشيعة تغالون في حق سيدنا علي كرم لله وجهه ، فكلما وجدتم آية في وصف المؤمنين والمتقين والمحسنين والصالحين، تقولون: نزلت في شأن الإمام علي!!
قلت: هذا اتهام وافتراء آخر منكم، نحن الشيعة لا نغالي في حق مولانا لإمام علي عليه السلام، وإنما نواليه ولا نبغضه، كما أراد الله سبحانه، فلذلك نقول فيه ما هو حقه، وإنه لظاهر كالشمس في الضحى.
من ينكر فضلك يا حيدر؟هل ضوء الشمس ضحى ينكر؟
وكل ما نقوله نحن في أمير المؤمنين عليه السلام إنما هو من كتبكم ومصادركم!

الآيات النازلة في شأن علي عليه السلام
وأما الآيات المباركة الكثيرة التي نقول بأنها نزلت في شأن الإمام علي عليه السلام وفضله، إنما نذكر رواياتها وتفاسيرها من كتبكم المعتبرة ومن تفاسير علمائكم الأعلام.
فإن الحافظ أبو نعيم، صاحب كتاب " ما نزل من القرآن في علي " والحافظ أبو بكر الشيرازي، صاحب كتاب " نزول القرآن في علي " والحاكم الحسكاني، صاحب كتاب " شواهد التنزيل " فهؤلاء من علماء الشيعة أم من علمائكم؟؟
والمفسرون الكبار، أمثال: الإمام الثعلبي والسيوطي والطبري والفخر الرازي والزمخشري، والعلماء الأعلام، أمثال: ابن كثير ومسلم والحاكم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبي داود وأحمد بن حنبل وابن حجر والطبراني والكنجي والقندوزي، وغيرهم، الذين ذكروا في كتبهم ومسانيدهم وصحاحهم، الآيات القرآنية التي نزلت في شأن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام...
هل هم من علماء الشيعة أم من أهل السنة والجماعة؟؟
ولقد روى الحسكاني، والطبراني، والخطيب البغدادي في تاريخه، وابن عساكر في تاريخه، في ترجمة الإمام علي عليه السلام، وابن حجر في الصواعق: 76، ونور الأبصار: 73، ومحمد بن يوسف الكنجي في " كفاية الطالب " في أوائل الباب الثاني والستين، في تخصيص علي عليه السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة، بإسنادهم عن ابن عباس، قال: نزلت في علي بن أبي طالب ثلاثمائة آية.
وروى العلامة الكنجي في الباب الحادي والثلاثين بإسناده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص) ما أنزل الله تعالى آية فيها: (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي رأسها وأميرها.
ورواه عن طريق آخر: إلا وعلي رأسها وأميرها وشريفها.
وروى في الباب عن ابن عباس أيضا أنه قال: ولقد عاتب الله عز وجل أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في غير آي من القرآن وما ذكر عليا إلا بخير.
فمع هذه الأخبار المتظافرة والروايات المعتبرة الجمة التي رواها كبار علمائنا ومحدثيهم، نحن لا نحتاج لوضع الأحاديث وجعل الأخبار في شأن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وإثبات فضله وجلالته وخلافته.
فإن رفعة مقامه وسمو شأنه وعلو قدره يلوح للمنصفين في سماء العلم والمعرفة، كشمس الضحى في وسط السماء، لا ينكرها إلا فاقدي البصر أو السفهاء.
وكما ينسب إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي ـ أو غيره من الأعلام ـ أنه حين سئل عن فضل الإمام علي عليه السلام قال: ما أقول في رجل، أخفى أعداؤه فضائله بغضا وحسدا، وأخفى محبوه فضائله خوفا ورهبا، وهو بين ذين وذين قد ملأت فضائله الخافقين(1).
وأما حول الآية الكريمة، فإني كل ما أقوله فهو من كتبكم وأقوال علمائكم، كما إني إلى الآن ما تمسكت بأقوال الشيعة في محاوراتي معكم، ولا أحتاج أن أتمسك بها في محاوراتي الآتية أيضا إن شاء الله تعالى.
وأما تطبيق الآية الكريمة: (محمد رسول الله والذين معه...) على مولانا وسيدنا الإمام علي عليه السلام، فهو ليس قولي فحسب، بل أذكر جيدا أن العلامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي، في كتابه " كفاية الطالب " في الباب الثالث والعشرين، وبعد روايته للحديث النبوي الشريف الذي يشبه فيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بالأنبياء والمرسلين عليهم السلام.. فيقول العلامة الكنجي في شرحه للحديث:... وشبهه بنوح في حكمته، وفي رواية في حكمه، وكأنه أصح لأن عليا عليه السلام كان شديدا على الكافرين رؤوفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله: (والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) وأخبر الله عز وجل عن شدة نوح عليه السلام على الكافرين بقوله: (.. رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا)(2)... إلى آخر كلام العلامة الكنجي.
وأما قول الشيخ عبد السلام: بأن (والذين معه) إشارة إلى أبي بكر لأنه كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار.
فإني أجبت بأن صحبته كانت من باب الصدفة، ولو سلمنا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذه معه لاعن صدفة، فهل مرافقة أيام قلائل وصحبة سفر واحد، تساوي مرافقة أكثر العمر وصحبة سنين عديدة هي التي قضاها مولانا الإمام علي عليه السلام تحت رعاية النبي (ص) وتعلم عنده وتأدب بآدابه وتربى على يده وتحت إشرافه؟!
فلو أنصفتم لقلتم: إن عليا أخص من أبي بكر في هذه الصفة أيضا، لأن رسول الله (ص) أخذه من أبي طالب ورباه في حجره وعلمه وأدبه، فكان أول من آمن به وعمره حينذاك عشر سنين، آمن علي عليه السلام حين كان أبو بكر وعمر وعثمان وأبو سفيان ومعاوية وغيرهم من المسلمين، كفارا مشركين، يعبدون الأوثان ويسجدون للأصنام ، وعلي ما سجد لصنم قط، كما صرح كثير من علمائكم.

النبي (ص) مربي علي عليه السلام ومعلمه
لقد ذكر بعض علمائكم موضوع تربية النبي عليا من الصغر.
منهم ابن الصباغ المالكي في كتابه " الفصول المهمة " فإنه خصص فصلا في الموضوع.
ومنهم محمد بن طلحة الشافعي في كتابه " مطالب السؤول " في الفصل الأول.
والحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب السادس والخمسين، ص 238 المكتبة الحيدرية، نقلا عن " ذخائر العقبى " للطبري.
والثعلبي في تفسيره عن مجاهد.
وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13/198 ط دار إحياء الكتب العربية، نقلا عن الطبري في تاريخه(3)، روى بإسناده عن مجاهد قال كان من نعمة الله عز و جل على علي بن أبي طالب ع و ما صنع الله له و أراده به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة و كان أبو طالب ذا عيال كثير فقال رسول الله ص للعباس و كان من أيسر بني هاشم يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال و قد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة فانطلق بنا فلنخفف عنه من عياله آخذ من بيته واحدا و تأخذ واحدا فنكفيهما عنه فقال العباس نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما إن تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما فأخذ رسول الله ص عليا فضمه إليه و أخذ العباس جعفرا رضي الله عنه فضمه إليه فلم يزل علي بن أبي طالب ع مع رسول الله ص حتى بعثه الله نبيا فاتبعه علي ع فأقر به و صدقه و لم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم و استغنى عنه(4).
وقال ابن الصباغ المالكي بعد نقله للرواية: فلم يزل علي عليه السلام مع رسول الله (ص) حتى بعث الله عز وجل محمدا نبيا، فاتبعه علي عليه السلام وآمن به وصدقه، وكان إذ ذاك في السنة الثالثة عشر من عمره لم يبلغ الحلم، وإنه أول من أسلم وآمن برسول الله (ص) من الذكور.

علي عليه السلام أول من آمن
ثم ينقل ابن الصباغ المالكي، قول الإمام الثعلبي في تفسيره للآية الكريمة (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار..)(5)، إنه روى عن ابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري وزيد بن أرقم ومحمد بن المنكدر وربيعة المرائي، أنهم قالوا: أول من آمن برسول الله (ص) بعد خديجة أم المؤمنين، هو علي بن أبي طالب.
وهذا الموضوع الهام صرح به كبار علمائكم الأعلام، مثل: البخاري ومسلم في الصحيح، والإمام أحمد في مسنده، وابن عبد البر في الاستيعاب: 3/32 والإمام النسائي في الخصائص، وسبط ابن الجوزي في التذكرة: 63 والحافظ سليمان القندوزي في الينابيع باب 12ـ نقلا عن مسلم والترمذي، وابن أبي الحديد في شرح النهج: 13/224 ط احياء الكتب العربية، والحمويني في فرائد السمطين، والمير السيد الهمداني في مودة القربى، والترمذي في الجامع:2/214، وابن حجر في الصواعق، ومحمد بن طلحة القرشي في مطالب السؤول ـ الفصل الأول ـ وغيرهم من كبار علمائكم ومحدثيكم ذكروا بأن: النبي (ص) بعث يوم الاثنين وآمن به علي يوم الثلاثاء ـ وفي رواية: وصلى علي يوم الثلاثاء ـ وقالوا: إنه أول من آمن برسول الله (ص) من الذكور.
كما جاء في مطالب السؤول: ولما أنزل الوحي على رسول الله (ص) وشرفه الله سبحانه وتعالى بالنبوة كان علي عليه السلام يومئذ لم يبلغ الحلم، وكان عمره إذ ذاك في السنة الثالثة عشر، وقيل: أقل من ذلك، وقيل: أكثر منه، وأكثر الأقوال وأشهرها: أنه لم يكن بالغا، فإنه أول من أسلم وآمن برسول الله (ص) من الذكور، وقد ذكر عليه السلام ذلك وأشار إليه في أبيات قالها ونقلها عنه الثقات ورواها النقلة الاثبات، وهي:
محمد النبي أخي وصنويوحمزة سيد الشهداء عميوجعفر الذي يضحي ويمسييطير مع الملائكة ابن أميوبنت محمد سكني وعرسيمنوط لحمها بلحمي ودميسبقتكم إلى الإسلام طــراغلاما ما بلغت أوان حلميوأوجب لي ولايته عليكـمرسول الله يوم غـدير خمفويل ثم ويل ثم ويل لمن يلقىالإله غـــــدا بظلمي(6)
ونقل الطبري في تاريخه: 2/ 241 والترمذي في الجامع: 2 ص 215 والإمام أحمد في مسنده: 4/ 368 وابن الاثير في تاريخه الكامل: 2/22 والحاكم في المستدرك: 4/336 ومحمد بن يوسف القرشي الكنجي في كفاية الطالب: الباب الخامس والعشرون، وغيرهم من علمائكم الثقات رووا بإسنادهم عن ابن عباس: أول من صلى علي بن أبي طالب عليه السلام(7).
وروى الحاكم الحسكاني في كتابه " شواهد التنزيل " في ذيل الآية (السابقون الأولون...) بسنده عن عبد الرحمن بن عوف، أن عشرة من قريش آمنوا وكان أولهم علي بن أبي طالب.
وروى كثير من علمائكم ـ منهم الإمام أحمد في مسنده، والخطيب الخوارزمي في " المناقب " والحافظ سليمان الحنفي القندوزي في الباب الثاني عشر من " الينابيع " وغيرهم ـ بإسنادهم عن أنس بن مالك، أن النبي (ص) قال: صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين، وذلك أنه لم ترفع شهادة أن لا إله إلا الله إلى السماء، إلا مني ومن علي.
وأما ابن أبي الحديد في سرح نهج البلاغة: 4/125 ط دار إحياء الكتب العربية، بعدما نقل روايات كثيرة في سبق علي عليه السلام إلى الإيمان، وأخرى مخالفة، قال: فدل مجموع ما ذكرناه أن عليا عليه السلام أول الناس إسلاما وأن المخالف في ذلك شاذ، والشاذ لا يعتد به.
وهذا الإمام الحافظ أحمد بن شعيب النسائي، صاحب واحد من الصحاح الستة عندكم، له كتاب " خصائص الإمام علي عليه السلام " فإنه روى أول حديث في هذا الكتاب بإسناده عن زيد بن أرقم، قال: أول من صلى مع رسول الله (ص) علي رضي الله عنه.
وابن حجر الهيتمي ـ مع شدة تعصبه ـ يرى أن عليا عليه السام أول من آمن، كما في الفصل الثاني من كتابه " الصواعق المحرقة ".
ونقل الحافظ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه " ينابيع المودة " في الباب الثاني عشر، نقل واحدا وثلاثين خبرا ورواية عن الترمذي والحمويني وابن ماجة وأحمد بن حنبل والحافظ أبي نعيم والامام الثعلبي وابن المغازلي وأبي المؤيد الخوارزمي والديلمي وغيرهم، بعبارات مختلفة والمعنى واحد، وهو أن عليا عليه السلام أول من أسلم وآمن وصلى مع رسول الله (ص).
وينقل رواية شريفة في آخر الباب، من كتاب المناقب بالاسناد عن أبي زبير المكي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أنقلها لكم إتماما للحجة وإكمالا للفائدة.
عن رسول الله (ص) قال: " إن الله تبارك و تعالى اصطفاني و اختارني و جعلني رسولا، وأنزل علي سيد الكتب، فقلت: إلهي و سيدي، إنك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيرا، تشد به عضده و يصدق به قوله و إني أسألك يا سيدي و إلهي، أن تجعل لي من أهلي وزيرا تشد به عضدي، فاجعل لي عليا وزيرا وأخا، واجعل الشجاعة في قلبه، و ألبسه الهيبة على عدوه، وهو أول من آمن بي و صدقني و أول من وحد الله معي.
و إني سألت ذلك ربي عز و جل فأعطانيه، فهو سيد الأوصياء، اللحوق به سعادة، و الموت في طاعته شهادة، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، وزوجته الصديقة الكبرى ابنتي. و ابناه سيدا شباب أهل الجنة ابناي، وهو وهما والأئمة بعدهم حجج الله على خلقه بعد النبيين، وهم أبواب العلم في أمتي، من تبعهم نجا من النار، ومن اقتدى بهم هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، لم يهب الله عز و جل محبتهم لعبد إلا أدخله الله الجنة ".
فهذا قليل من كثير مما نقله حملة الأخبار، من علمائكم الكبار، في هذا المضمار، ولو نقلتها كلها لطال بنا المجلس في موضوع واحد إلى النهار، ولكن أكتفي بهذه النماذج التي ذكرتها لكي يعرف العلماء والحاضرون أن الإمام علي عليه السلام كان مع النبي (ص) منذ صغره وقبل أن يبعث.
وحينما بعث (ص) بالنبوة، آمن به علي عليه السلام ولازمه ولم يفارقه أبدا.
فهو أولى وأجلى لمصداق الآية: (والذين معه) من الذي صاحب النبي وكان معه في سفر واحد.

شبهة على الموضوع وردها
الحافظ: نحن كلنا نقول بما تقولون، ونقر بأن عليا كرم الله وجهه أول من آمن، وأن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة آمنوا بعده بمدة من الزمن، ولكن إيمان أولئك يفرق عن إيمان علي بن أبي طالب إذ لا يحسب العقلاء إيمانه في ذلك الزمان فضيلة، ويحسبون إيمان أولئك المتأخرين عنه فضيلة!
لأن عليا كرم الله وجهه، آمن وهو صبي لم يبلغ الحلم، وأولئك آمنوا وهم شيوخ كبار في كمال العقل والإدراك.
ومن الواضح أن إيمان شيخ محنك ومجرب ذي عقل وبصيرة أفضل من إيمان طفل لم يبلغ الحلم.
وأضف على هذا أن إيمان سيدنا علي تقليدا وإيمانهم كان تحقيقا وهو أفضل من الإيمان التقليدي.
قلت: إني أتعجب من هذا الكلام، وأنتم علماء القوم! أنا لا أنسبكم إلى اللجاج والعناد والتعصب، ولكن أقول: إنكم تفوهتم من غير تفكر، وتكلمتم من غير تدبر، تبعا لأسلافكم الذي قلدوا بني أمية وتبعوا الناصبين العداء للعترة الهادية!
والآن، لكي يتضح لكم الأمر، أجيبوا على سؤالي:
هل إن عليا عليه السلام حين آمن صبيا، كان إيمانه بدعوة من رسول الله (ص) أم من عند نفسه؟!
الحافظ: أولا: لماذا تنزعجون من طرح الشبهة وتتضجرون من إيراد الإشكال، فإذا لم نطرح ما يختلج في صدورنا من الشبهات، ولا نستشكل على كلامكم، فلن يصدق على مجلسنا اسم الحوار والمناظرة، فقد اجتمعنا هنا لنعرف الحق، وهذا يقتضي أن نطرح كل ما يكون في أذهاننا من الشبهات والإشكالات حول مذهبكم وعقائدكم، فإن دفعتم الشبهات ورفعتم الاشكالات وأوضحتم الحق، يلزم علينا أن نصدقكم ونعتنق مذهبكم، وإذا لم تتمكنوا من ذلك فيلزم عليكم تصديق مذهبنا وترك مذهبكم.
ثانيا: وأما جواب سؤالكم، أقول: من الواضح أن عليا كرم الله وجهه إنما آمن بدعوة من النبي (ص) لا من عند نفسه.
قلت: هل إن النبي (ص) حين دعا عليا عليه السلام إلى الإيمان كان يعلم أن لا تكليف على الطفل الذي لم يبلغ الحلم أم لا؟!
إذا قلتم: ما كان يعلم! فقد نسبتم الجهل إلى النبي (ص) وذلك لا يجوز، لأنه (ص) مدينة العلم، ولا يخفى عليه شيء من الأحكام.
وإذا قلتم: إنه (ص) كان يعلم أن لا تكليف على الطفل ومع ذلك دعا عليا عليه السلام وهو صبي إلى الإيمان بالله والإيمان برسالته، فيلزم من قولكم إن النبي (ص) قام بعمل لغو وعبث، والقول بهذا في حد الكفر بالله سبحانه!
لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤيد بالعصمة، ومسدد بالحكمة من الله تعالى وهو بريء من اللغو والعبث، وقد قال عز وجل في شأنه:
(وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)(8).

فضيلة سبق علي عليه السلام إلى الإيمان
لقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليا عليه السلام إلى الإيمان، فاستجاب وآمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم سيد العقلاء والحكماء، ولا يصدر منه عمل اللغو والعبث، فلابد أنه رأى عليا عليه السلام أهلا وكفوا، فدعاه إلى الإيمان صبيا. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قابلية الإمام علي عليه السلام ولياقته وكماله وفضله وتميزه و وفور عقله.
وصغر السن لا ينافي الكمال العقلي، وبلوغ الحلم وحده لا يكون سبب التكليف، فإن هناك من بلغ الحلم ولم يكلف ـ لقصر عقله وسفهه ـ وبالعكس، نجد من لم يبلغ الحلم، لكن الله كلفه بأعظم التكاليف، كما قال سبحانه وتعالى في شأن يحي عليه السلام: (وآتيناه الحكم صبيا) (9).
وقال تعالى حكاية عن عيسى بن مريم: (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا)(10).
قال هذه الجملة، وهو صبي في المهد، فالحكم المأتي ليحيى إنما كان تكليفا من الله تعالى ليحي عليه السلام، والنبوة كذلك تكليف من عند الله عز وجل لعيسى بن مريم عليه السلام، وهذان التكليفان لهذين الصبيين، دليل على عظمة شأنهما وكمالهما وكفايتهما وفضلهما و وفور عقلهما.
وإيمان الإمام علي عليه السلام بدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو تكليف موجه من هذا القبيل، وهو على فضله وكماله أكبر دليل!
وقد أشار سيد الشعراء إسماعيل الحميري ـ المتوفي سنة 179 هجرية ـ إلى هذه الفضيلة قائلا:
وصي مـحـمد وأبو بـنـيهو وارثه وفارسه الوفياوقد أوتي الهدى والحكم طفلاكيحيى يوم أوتيه صبيا
كما كان الإمام علي عليه السلام يشيد بهذه الفضيلة ويفتخر بها كما مر في أشعاره:
سبقتكم إلى الإسلام طفلا صغيراما بلغت أوان حلمي(11)
وإذا كان إيمانه في الصغر لا يعد فضيلة، فلماذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينوه به ويشير إليه؟! وما ذلك إلا ليسجل له فضيلة أخرى، تضاف إلى فضائله الجمة؟!
فقد روى الحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب السادس والخمسين، عن محب الدين الطبري المكي في كتابه " ذخائر العقبى " بسنده عن عمر بن الخطاب، أنه قال:
كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة وجماعة إذ ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منكب علي فقال: يا علي! أنت أول المؤمنين أيمانا، وأولهم إسلاما، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس، أنه قال: كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح وجماعة من الصحابة عند النبي (ص) إذ ضرب على منكب علي بن أبي طالب(ع) فقال: أنت أول المسلمين إسلاما، وأنت أول المؤمنين إيمانا، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، كذب يا علي من زعم أنه يحبني ويبغضك.
ورواه ابن الصباغ المالكي عن ابن عباس أيضا في الفصول المهمة( 125) وروى الإمام أحمد بن شعيب بن سنان النسائي في الخصائص وموفق بن أحمد الخطيب الخوارزمي في " المناقب " مختصرا، وابن عساكر في تاريخه مختصرا، وأخرجه المتقي الهندي في كنز العمال 6/395، وهذا نصه:
من مسند عمر، عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول في علي ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح ونفر من أصحاب رسول الله(ص) والنبي متكىء على علي بن أبي طالب، حتى ضرب بيده على منكبه ثم قال: أنت يا علي أول
المؤمنين إيمانا، وأولهم إسلاما، أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وكذب علي من زعم أنه يحبني ويبغضك.
وفي رواية ابن الصباغ المالكي أضاف: من أحبك فقد أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله تعالى وأدخله النار(12).
وروى الطبري في تاريخه عن محمد بن سعد بن أبي وقاص، قال:
سألت أبي: هل إن أبا بكر أول من آمن بالنبي (ص)؟
فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلا، ولكنه كان أفضل منا في الإسلام.
ولقد ذكر الطبري أيضا فقال: ولقد أسلم قبل عمر بن الخطاب خمسة وأربعون رجلا وإحدى وعشرون امرأة، ولكن أسبق الناس إسلاما وإيمانا فهو علي بن أبي طالب.

ميزة إيمان علي عليه السلام
ثم إن لإيمان علي عليه السلام ميزة على إيمان غيره، وهي أن إيمانه عليه السلام كان عن فطرة غير مسبوق بكفر أو شرك، فإنه بدأ حياته التكليفية بالإيمان ولم يشرك بالله سبحانه طرفة عين، بينما الآخرون بدءوا بالكفر والشرك ثم آمنوا، فكان إيمانهم مسبوق بالكفر والشرك، وإيمان الإمام علي عليه السلام كان عن فطرة، وهو فضيلة عظيمة وميزة كريمة امتاز بها عن غيره.
لذا قال الحافظ أبو نعيم في كتابه " ما نزل من القرآن في علي عليه السلام " والمير السيد علي الهمداني في كتابه " مودة القربى " نقلا عن ابن عباس أنه قال: والله ما من عبد آمن بالله إلا وقد عبد صنم، إلا علي بن أبي طالب، فإنه آمن بالله من غير أن يعبد صنما.
وروى محمد بن يوسف الكنجي القرشي في " كفاية الطالب " الباب الرابع والعشرون، بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: سباق الأمم ثلاثة لم يشركوا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب، وصاحب ياسين، ومؤمن آل فرعون ؛ فهم الصديقون، حبيب النجار مؤمن أو صاحب ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم(13).
وفي " نهج البلاغة " قال علي عليه السلام: فإني ولدت على الفطرة ، وسبقت إلى الإيمان والهجرة.
وروى الحافظ أبو نعيم وابن أبي الحديد وغيرهما، أن عليا عليه السلام لم يكفر بالله طرفة عين.
وروى الإمام أحمد في المسند، والحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " عن ابن عباس، أنه قال لزمعة بن خارجة: إنه عليا لم يعبد صنما، ولم يشرب خمرا، وكان أول الناس إسلاما.
وأخيرا أتوجه إلى من يقول بأن إيمان الشيخين أفضل من إيمان علي عليه السلام فأسأله: أما سمع الحديث النبوي الشريف الذي رواه كبار علماء العامة، منهم: ابن المغازلي في المناقب، والإمام أحمد في المسند، والخطيب الخوارزمي في المناقب، والحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " وغيرهم، رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لو وزن إيمان علي وإيمان أمتي لرجح إيمان علي على إيمان أمتي إلى يوم القيامة.
وروى الإمام الثعلبي في تفسيره، والخوارزمي في المناقب، والمير السيد علي الهمداني في المودة السابعة من كتابه " مودة القربى " عن عمر بن الخطاب، قال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لو أن السموات السبع والأرضين السبع وضعن في كفة ميزان ووضع إيمان علي في كفة ميزان لرجح إيمان علي(14).
وفي ذلك يقول سفيان بن مصعب الكوفي:
أشهد بالله لقد قال لنامحمد والقول منه ما خفىلو أن إيمان جميع الخلق ممنسكن الأرض ومن حل السمايجعل في كفة ميزان لكييوفي بإيمان علي ما وف
علي عليه السلام أفضل الأمة
روى المير السيد علي الهمداني، الفقيه الشافعي، في كتابه " مودة القربى " أخبارا متظافرة في أفضلية الإمام علي عليه السلام على جميع الصحابة، بل على جميع الأمة.
قال في المودة السابعة: عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أفضل رجال العالمين في زماني هذا علي عليه السلام(15).
وقال ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة: 1/9: وأما نحن فنذهب إلى ما ذهب إليه شيوخنا البغداديون، من تفضيله(ع) ـ أي: علي ـ وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الفضل، وهل المراد به الأكثر ثوابا، أو الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة، وبينا أنه عليه السلام أفضل على التفسيرين معا.
وقال في11/119: وقع بيدي بعد ذلك كتاب لشيخنا أبي جعفر الإسكافي ، ذكر فيه أن مذهب بشر بن المعتمر، وأبي موسى، وجعفر بن بشر، وسائر قدماء البغداديين، أن أفضل المسلمين علي ابن أبي طالب، ثم ابنه الحسن، ثم ابنه الحسين ، ثم حمزة بن عبدالمطلب، ثم جعفربن أبي طالب...إلخ.
وبعد نقله هذا القول، وعده عقيدة المعتزلة، ينظم فيه شعرا، فيقول:
وخير خلق الله بعد المصطفىأعظمهم يوم الفخار شرفاالسيد المـعظـم الوصيبعد البتول المرتضى عليوابناه ثم حمزة وجعفر ثمعتيق بعـــدهم لا ينكر
الشيخ عبدالسلام: لو كنت تطالع أقوال العلماء في أفضلية أبي بكر (رض) ما كنت تتمسك بغيره.
قلت: وأنتم إذا كنتم تتركون أقوال المتعصبين وتأخذون بأقوال المنصفين من علمائكم الأعلام، لرأيتم رأينا وتمسكتم بقولنا في تفضيل الإمام علي عليه السلام.
ولكي تعرف دلائل وبراهين الطرفين أدلك على مصدر واحد كنموذج راجع: شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 13/215 ـ295، فإنه ذكر في هذا الفصل من الكتاب كلام الجاحظ، ودلائله على
أفضلية صاحبكم، أبي بكر، وذكر رد أبي جعفر الإسكافي وهو من أفاضل علماء السنة وكبار أعلام الأمة وشيخ المعتزلة، وذكر دلائله وبراهينه العقلية والنقلية في تفضيل الإمام علي(ع) على غيره من الأمة.
ومن جملة كلامه ـ في صفحة 275 ـ يقول أبو جعفر الإسكافي: إننا لا ننكر فضل الصحابة وسوابقهم، ولسنا كالإمامية الذين يحملهم الهوى على جحد الأمور المعلومة (لقد أصدر علينا حكما غيابيا ولو كنا لأجبناه).. قال: ولكننا ننكر تفضيل أحد من الصحابة على علي بن أبي طالب(ع) انتهى.
فنستفيد من مجموع الأخبار والأحاديث وأقوال العلماء والمحدثين، أن عليا عليه السلام لا يقاس به أحد من المسلمين. وأن مقامه أسمى وشأنه أعلى من الآخرين بمراتب، فلا يمكن أن تقدموهم عليه بنقل بعض الأحاديث الضعيفة السند أو الدلالة.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 17  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:58 AM


ثم لا ينكر أن عليا عليه السلام هو أبو العترة وسيد أهل البيت عليهم السلام، ولا يقاس بأهل البيت أحد من الأمة في الشأن والمرتبة، فكيف بسيدهم وعَلَمهم؟!
لقد روى المير السيد علي الهمداني الشافعي، في المودة السابعة من كتابه " مودة القربى " عن أحمد بن محمد الكرزي البغدادي، أنه قال:
سمعت عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: سألت أبي عن التفضيل.
فقال: أبو بكر وعمر وعثمان. ثم سكت.
فقلت: يا أبه أين علي بن أبي طالب؟!
قال: هو من أهل البيت، لا يقاس به هؤلاء!
وإذا نريد أن نفسر كلام الإمام أحمد فنقول: يعني: أن عليا(ع) لا يذكر في عداد الصحابة، بل هو في مقام النبوة والإمامة.
ونجد خبرا آخر في المودة السابعة أيضا بهذا المعنى، رواه عن أبي وائل، عن ابن عمر، قال: كنا إذا عددنا أصحاب النبي (ص) قلنا: أبو بكر وعمر وعثمان.
فقال رجل: يا أبا عبدالرحمن! فعلي ما هو؟!
قال: علي من أهل البيت لا يقاس به أحد، هو مع رسول الله(ص) في درجته، إن الله تعالى يقول: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم...)(16).
ففاطمة مع رسول الله (ص) في درجته وعلي معهما(17).
وكان هذا الأمر واضحا وضوح الشمس في الضحى، وكان من المسلمات، ولذا نرى في المودة السابعة أيضا خبرا بهذا المعنى، رواه عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال رسول الله (ص) يوم يحضر المهاجرون والأنصار ـ كذا ـ: يا علي ! لو أن أحدا عبد الله حق عبادته، ثم شك فيك وأهل بيتك، أنكم أفضل الناس، كان في النار!! انتهى
لما سمع أهل المجلس هذا الخبر استغفر أكثرهم الله، وبالخصوص الحافظ محمد رشيد. استغفروا الله، لأنهم كانوا يظنون أفضلية الآخرين!
هذه نماذج من الأخبار الكثيرة في تفضيل الإمام علي عليه السلام على الصحابة والمسلمين عامة، وأضف عليها الحديث النبوي الشريف الذي رواه علماء الفريقين في يوم الخندق ومعركة الأحزاب حينما قتل الإمام علي (ع) بطل الأحزاب و قائدهم وحامل لوائهم عمرو بن عبد ود العامري وانهزم المشركون وانتصر المسلمون، قال رسول الله(ص): ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين.
فإذا كان عمل واحد من مولانا الإمام علي (ع) هو أفضل من عبادة الجن والإنس، فكيف بأعماله كلها، من الجهاد في سبيل الله، وتحمل الأذى في جنب الله، وصلاته، وصومه، وإنفاقه الصدقات، ورعايته الأرامل والأيتام في طول حياته المباركة؟!
فلا أرى أحدا مع ما ذكرناه، ينكر تفضيل الإمام علي(ع) على غيره، إلا المعاند.

علي عليه السلام أفضل بدليل المباهلة
قال تعالى: (فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)(18).
اتفق المفسرون، واجمع المحدثون، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امتثل أمر الله عز وجل في الآية الكريمة فأخذ معه الحسن والحسين عليهما السلام لأبنائنا، وأخذ فاطمة الزهراء عليها السلام تطبيقا لكلمة نسائنا، وأخذ الإمام عليا عليه السلام، تطبيقا لكلمة أنفسنا.
ومن الواضح الذي لا يشك فيه إلا كافر، أن رسول الله (ص) سيد الأولين والآخرين، وخير الخلق، وأفضل الخلائق، وبحكم كلمة أنفسنا حيث جعل الله تعالى عليا(ع) في درجة نفس النبي، فصار هو كالنبي(ص) في الفضل، وأصبح خير الخلق، وأفضل الخلائق(19).
فأذعنوا واعتقدوا أن مصداق (والذين معه) هو سيدنا ومولانا علي(ع)الذي كان من أول عمره، ومن أول البعثة مع رسول الله(ص) لم يدعه في الملمات، وما تركه في الهجمات والطامات، بل كان ناصره وحاميه، يقيه بنفسه، ويدافع عنه بسيفه، ويفديه بروحه.
حتى أن رسول الله(ص) فارقت روحه الدنيا ورأسه في حجر الإمام علي(ع) كما قال في خطبة له في نهج البلاغة: ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد(ص ) أني لم أرد على الله ولا على رسوله ساعة قط، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، وتتأخر الأقدام، نجدة أكرمني الله بها.
ولقد قبض رسول الله(ص)، وإن رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله والملائكة أعواني... حتى واريناه في ضريحه، فمن ذا أحق به مني حيا وميتا؟!
ولما وصلنا إلى نهاية خطبة الإمام أمير المؤمنين(ع) صار وقت صلاة العشاء... فقطعنا كلامنا.. وبعدما أدوا الصلاة شربوا الشاي وتناولوا الفواكه والحلوى، ولما انتهوا بدأت أنا بالكلام فقلت:
لقائل أن يقول: إذا كان علي(ع) مع النبي(ص) في كل مواقفه، فلماذا لم يرافقه بالهجرة من مكة إلى المدينة؟!
أقول: لأن عليا(ع) قام في مكة بأعمال مهمة بعد النبي(ص) كان قد ألقاها النبي(ص) على عاتقه وأمره أن ينفذها، لأنه(ص) لم يعتمد على أحد يقوم مقامه ويقضي مهامه غير الإمام علي(ع) لأن النبي(ص) ـ كما نعلم ـ كان أمين أهل مكة، حتى إن الكفار والمشركين كانوا يستودعون عنده أموالهم ولا يعتمدون على غيره في استيداع أماناتهم وحفظها، فكان(ص) يعرف بالصادق الأمين.
فخلف رسول الله(ص) أخاه وابن عمه عليا(ع) في مكة ليرد الودائع والأمانات إلى أهلها، وبعد ذلك حمل معه بنت رسول الله وحبيبته فاطمة الزهراء التي كان يعز فراقها على أبيها، وأخذ معه أمه فاطمة بنت أسد وابنة عمه فاطمة بنت الزبير بن عبدالمطلب وغيرهن فأوصلهن بسلام إلى المدينة المنورة عند رسول الله(ص).

فضيلة المبيت على فراش النبي (ص)
وإضافة إلى ما ذكرناه، فإن عليا(ع) إذا لم يدرك فضيلة مرافقة النبي (ص) في الهجرة، فإنه عليه السلام أدرك مقاما أسمى بالإستقلال لا بالتبع، وهو مبيته على فراش النبي(ص) ليلتبس الأمر على الأعداء، فيخرج رسول الله (ص) من بينهم بسلام.
فإذا كانت آية الغار تعد فضيلة لأبي بكر بأن حسبته ثاني إثنين، فقد جعلته تابعا لرسول الله (ص)، غير مستقل في كسب الفضيلة، وإنما حصلها تبعا للنبي(ص).
بينما الإمام علي(ع) حينما بات على فراش رسول الله(ص) نزلت في شأنه آية كريمة سجلت له فضيلة مستقلة تعد من أعظم مناقبه، وهي قوله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد)(20).
وقد ذكر جمع كثير من كبار علمائكم الأعلام والمحدثين الكرام، خبرا هاما بهذه المناسبة، وإن كانت ألفاظهم مختلفة ولكنها متقاربة والمعنى واحد، ونحن ننقله من كتاب " ينابيع المودة " للحافظ سليمان الحنفي، الباب الحادي والعشرين ، وهو ينقله عن الثعلبي وغيره.
قال الحافظ سليمان: عن الثعلبي في تفسيره، وابن عقبة في ملحمته، وأبو السعادات في فضائل العترة الطاهرة، والغزالي في إحياء العلوم، بأسانيدهم، عن ابن عباس وعن أبي رافع وعن هند بن أبي هالة ربيب النبي (ص) ـ أمه خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ـ أنهم قالوا:
قال رسول الله(ص): أوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل: إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه، فأيكما يؤثر أخاه عمره، فكلاهما كرها الموت، فأوحى الله إليهما: إني آخيت بين علي وليي وبين محمد نبيي، فآثر علي حياته للنبي، فرقد على فراش النبي يقيه بمهجته. إهبطا إلى الأرض واحفظاه من عدوه.
فهبطا، فجلس جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرائيل يقول: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب، والله عز وجل يباهي بك الملائكة!
فأنزل الله تعالى: (ومن الناس من يشري....).
أقول: الذين نقلوا هذا الخبر بألفاظ متقاربة وبمعنى واحد، جمع كبير من أعلام العامة، منهم: ابن سبع المغربي في كتابه " شفاء الصدور " والطبراني في الجامع الأوسط والكبير، وابن الأثير في أسد الغابة 4/25، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: 33، والفاضل النيسابوري، والإمام الفخرالرازي، وجلال الدين السيوطي، في تفاسيرهم للآية الكريمة، والحافظ أبونعيم في كتابه " مانزل من القرآن في علي " والخطيب الخوارزمي في " المناقب "، وشيخ الإسلام الحمويني في " الفرائد " والعلامة الكنجي القرشي الشافعي في " كفاية الطالب " الباب الثاني والستين، والإمام أحمد في المسند ومحمد بن جرير بطرق متعددة، وابن هشام في " السيرة النبوية " والحافظ محدث الشام في " الأربعين الطوال " والإمام الغزالي في إحياء العلوم 3/223وأبو السعادات في " فضائل العترة الطاهرة " وسبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص: 21، وغير هؤلاء الأعلام.
ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13/262 ـ ط دار إحياء التراث العربي ـ قول الشيخ أبي جعفر الإسكافي، قال: وقد روى المفسرون كلهم أن قول الله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) أنزلت في علي(ع) ليلة المبيت على الفراش.
فأرجو من الحاضرين، وخاصة العلماء الأفاضل، أن يفكروا في الآيتين بعيدا عن الانحياز إلى إحدى الجهتين، فتدبروا وقايسوا بينهما، وأنصفوا أيهما أفضل وأكمل، صحبة النبي(ص) ومرافقته أياما قليلة في سفر الهجرة، أم مبيت الإمام علي (ع) على فراش النبي (ص) واقتحامه خطر الموت، وتحمله أذى المشركين، ورميه بالحجارة طيلة الليل، وهو يتضور ولا يكشف عن وجهه، ليسلم رسول الله(ص) من كيد الأعداء وهجومهم، ومباهاة الله سبحانه ملائكته بمفاداة علي(ع) وإيثاره ثم نزول آية مستقلة في شأنه، أنصفوا أيهما أفضل؟؟
ولا يخفى أن بعض علمائكم الأعلام أنصفوا فأعلنوا تفضيل الإمام علي (ع) على غيره، وفضلوا مبيته على فراش رسول الله(ص) على صحبة أبي بكر ومرافقته إياه في الهجرة، منهم: الإمام أبو جعفر الإسكافي ـ وهو من أبرز وأكبر علماء ومشايخ أهل السنة المعتزلة ـ في رده على أبي عثمان الجاحظ وكتابه المعروف بالعثمانية.
لقد تصدى الإسكافي لنقضه بالبراهين العقلية والأدلة النقلية، وأثبت تفضيل الإمام علي(ع) على أبي بكر، وفضل المبيت على الصحبة، ونقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13/215 ـ 295، فراجعه، فإنه مفيد جدا.
ومما يذكره الشيخ أبوجعفر في مقاله، قال: قال علماء المسلمين: (إن فضيلة علي(ع) تلك الليلة لا نعلم أحدا من البشر نال مثلها) شرح ابن أبي الحديد 13: 260.
وبعد كلام طويل ـ وكله مفيد ـ قال في صفحة 266 و 267: قد بينا فضيلة المبيت على الفراش على فضيلة الصحبة في الغار بما هو واضح لمن أنصف، ونزيد هاهنا تأكيدا بما لم نذكره فيما تقدم فنقول: إن فضيلة المبيت على الفراش على الصحبة في الغار لوجهين:
أحدهما: إن عليا(ع) قد كان أنس بالنبي(ص) وحصل له بمصاحبته قديما أنس عظيم، وإلف شديد، فلما فارقه عدم ذلك الأنس، وحصل به أبوبكر، فكان ما يجده علي(ع) من الوحشة وألم الفرقة موجبا زيادة ثوابه، لأن الثواب على قدر المشقة.
وثانيهما: إن أبابكر كان يؤثر الخروج من مكة، وقد كان خرج من قبل فردا فازداد كراهيته للمقام، فلما خرج مع رسول الله(ص) وافق ذلك هوى قلبه ومحبوب نفسه، فلم يكن له من الفضيلة ما يوازي فضيلة من احتمل المشقة العظيمة وعرض نفسه لوقع السيوف، ورأسه لرضخ الحجارة، لأنه على قدر سهولة العبادة يكون نقصان الثواب.
وعالم آخر من علمائكم وهو ابن سبع المغربي، صاحب كتاب " شفاء الصدور " يقول فيه وهو يبين شجاعة سيدنا الإمام علي (ع): إن علماء العرب أجمعوا على أن نوم علي(ع) على فراش رسول الله(ص) أفضل من خروجه معه، وذلك أنه وطن نفسه على مفاداته لرسول الله(ص) وآثر حياته، وأظهر شجاعته بين أقرانه. انتهى
فالموضوع واضح جدا بحيث لا ينكره إلا من فقد عقله بالتعصب الذي يعمي ويصم عن فهم الحق وإدراك الحقيقة!
أكتفي بهذا المقدار في إطار البحث حول جملة (والذين معه) وأما جملة (أشداء على الكفار) فقد قال الشيخ عبد السلام: إن المراد منها والمقصود بها هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.
فأقول: نحن لا نقبل الكلام بمجرد الإدعاء، من غير دليل. والأولى أن نطبق العبارة على الشخص المشار إليه، فندرس سيرته وحالاته ونعرف صفاته وأخلاقه، فإذا تطابقت مع الآية الكريمة، فحينئذ نسلم، وإذا لم تتطابق، فنرد إدعائكم وكلامكم، ونثبت قولنا ورأينا بالدليل والبرهان.
فلنضع الجملة على طاولة التحليل والتحقيق فنقول: الشدة تظهر في مجالين:
1 ـ مجال المناظرات العلمية والبحوث الدينية مع الخصوم.
2 ـ مجال الجهاد الحربي والمناورات القتالية مع الأعداء.
أما في المجال العلمي فلم يذكر التاريخ لعمر بن الخطاب مناظرة علمية ومحاورة دينية تغلب فيها على الخصوم ومناوئي الإسلام وذا كنتم تعرفون له تاريخا وموقفا مشرفا في هذا المجال فبينوه حتى نعرف!
ولكن عليا(ع) يعترف له جميع العلماء وكل المؤرخون بأنه كان حلال المشكلات الدينية والمعضلات العلمية.
وهو الوحيد في عصره الذي كان قادرا على رد شبهات اليهود والنصارى مع كل التحريفات التي جرت على أيدي الأمويين والبكريين الخونة على تاريخ الإسلام ـ كما يصرح بها علماؤكم في كتب الجرح والتعديل ـ مع ذلك ما تمكنوا من إخفاء هذه الحقائق الناصعة، والمناقب الساطعة، والأنوار العلمية اللامعة، التي أضاءت تاريخ الإسلام مدى الزمان..
وخاصة في عصر الخلفاء الذين سبقوا الإمام علي (ع)، فقد كان علماء اليهود والنصارى وسائر الأديان، يأتون إلى المدينة ويسألونهم مسائل مشكلة ويوردون شبهات مضلة، ولم يكن لهم بد من أن يرجعوا إلى مولانا وسيدنا علي(ع) لأنه باب علم رسول الله(ص)، فيرد شبهاتهم ويجيب عن مسائلهم، وقد أسلم كثير من أولئك العلماء كما نجده مسطورا في التاريخ.
والجدير بالذكر، أن الخلفاء الثلاثة الذين سبقوا الإمام عليا( ع) كلهم اعترفوا وأقروا له بتفوقه العلمي وعجزهم وجهلهم أمام علماء الأديان.
وقد ذكر بعض المحققين من أعلامكم عن أبي بكر أنه قال: أقيلوني أقيلوني! فلست بخيركم وعلي فيكم!
وأما عمر بن الخطاب فقد قال أكثر من سبعين مرة: لولا علي لهلك عمر. وقال: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن.
وذلك لما كان يرى من علي(ع) حل المعضلات والحكم في القضايا المشتبهات التي كان يحار في حلها وحكمها عمر وحاشيته وكل الصحابة، وقد ذكر التاريخ كثيرا منها في كتبكم ولكن لا مجال لذكرها ولا منكر لها!! فالأفضل أن يدور بحثنا حول الأهم فالأهم.
النواب: لا أرى موضوعا أهم من هذا، فلو سمحتم...أرجو أن تذكروا لنا بعض الكتب المعتبرة عندنا التي نقلت وذكرت ما نقلتم من قول الخليفة عمر الفاروق ، حتى نعرف الحق والواقع.
قلت: نعم، إن أكثر علمائكم نقلوا هذه العبارات أو ما بمعناها وإن اختلف اللفظ، وسأذكر لكم بعضهم حسب ما يحضر في ذهني وذاكرتي.

مصادر قول عمر
1 ـ ابن حجر العسقلاني، في تهذيب التهذيب/ 337 ط حيدر آباد الدكن.
2 ـ ابن حجر العسقلاني ـ أيضا ـ في الإصابة 2/509 ط مصر.
3 ـ ابن قتيبة ـ المتوفي سنة 276 هجرية ـ في تأويل مختلف الحديث 201 و 202.
4 ـ ابن حجر المكي الهيتمي، في الصواعق: 78.
5 ـ أحمد أفندي، في هداية المرتاب: 146 و152
6 ـ ابن الأثير الجزري، في أسد الغابة: 4/22.
7 ـ جلال الدين السيوطي، في تاريخ الخلفاء: 66.
8 ـ ابن عبد البر القرطبي، في الإستيعاب: 2/474.
9 ـ عبدالمؤمن الشبلنجي، في نور الأبصار: 73.
10 ـ شهاب الدين العجيلي، في ذخيرة المال.
11 ـ الشيخ محمد الصبان، في إسعاف الراغبين: 152.
12 ـ ابن الصباغ المالكي، في الفصول المهمة: 18.
13 ـ نور الدين السمهودي، في جواهر العقدين.
14 ـ ابن أبي الحديد في شرح النهج: 1/18 ط دار إحياء التراث العربي(21).
15 ـ العلامة القوشجي، في شرح التجريد: 407.
16 ـ الخطيب الخوارزمي المكي، في المناقب 48/60.
17 ـ محمد بن طلحة القرشي الشافعي، في مطالب السؤول: 82 الفصل السادس ط دار الكتب.
18 ـ الإمام أحمد بن حنبل، في المسند والفضائل.
19 ـ سبط ابن الجوزي، في التذكرة: 85 و87.
20 ـ الإمام الثعلبي، في تفسيره " كشف البيان ".
21 ـ ابن القيم، في الطرق الحكيمة ـ ضمن نقله بعض قضاياه(ع): 41 ـ 53.
22 ـ محمد بن يوسف القرشي الكنجي، في " كفاية الطالب " الباب السابع والخمسين.
23 ـ ابن ماجة القزويني، في سننه.
24 ـ ابن المغازلي، في كتابه " مناقب علي بن أبي طالب ".
25 ـ شيخ الإسلام الحمويني، في فرائد السمطين.
26 ـ الحكيم الترمذي، في شرح " الفتح المبين ".
27 ـ الديلمي، في " فردوس الأخبار ".
28 ـ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي، في " ينابيع المودة " الباب الرابع عشر.
29 ـ الحافظ أبو نعيم، في " حلية الأولياء " وفي كتابه الآخر المسمى " ما نزل من القرآن في علي ".
30 ـ والفضل بن روزبهان، في كتابه المسمى بـ: " إبطال الباطل " (22).
هؤلاء وكثير غيرهم وكلهم من أجلة علمائكم وأعلامكم رووا أن عمر كان يقول: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن!
ويقول: كاد يهلك ابن الخطاب، لولا علي بن أبي طالب!
ويقول: لولا علي لهلك عمر!
ويقول: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن!
وغيرها من العبارات المتقاربة من العبارات المذكورة.
النواب: نرجو من سماحتكم أن تحدثونا عن بعض القضايا المعضلة التي حكم فيها سيدنا علي كرم الله وجهه، وكذلك عن المسائل المشكلة التي حلها وأجاب عنها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
قلت: من جملة القضايا قضية رواها جمع من علمائكم..
روى ابن الجوزي في كتابه الأذكياء: 18، وفي كتابه الآخر أخبار الظراف: 19.
وروى محب الدين الطبري، في كتابه الرياض النضرة: 2/197، وفي كتابه الآخر ذخائر العقبى: 80.
وروى الخطيب الخوارزمي، في المناقب: 60.
وروى سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 87، قالوا: عن حنش بن المعتمر، قال: أن رجلين أتيا إمرأة من قريش فاستودعاها مائة دينار وقالا: لا تدفعيها إلى أحد منا دون صاحبه حتى نجتمع. فلبثا حولا، ثم جاء أحدهما إليها وقال: إن صاحبي قد مات فادفعي إلي الدنانير، فأبت، فثقّل عليها بأهلها، فلم يزالوا بها حتى دفعتها إليه. ثم لبثت حولا آخر فجاء الآخر فقال: ادفعي إلي الدنانير!
فقالت: إن صاحبك جاءني وزعم أنك قد مت فدفعتها إليه.
فاختصما إلى عمر، فأراد أن يقضي عليها وقال لها: ما أراك إلا ضامنة.
فقالت: أنشدك الله أن تقضي بيننا، وارفعنا إلى علي بن أبي طالب.
فرفعها إلى علي (ع) وعرف أنهما قد مكرا بها.
فقال: أليس قلتما، لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه؟
قال: بلى.
قال: فإن مالك عندنا، اذهب فجيء بصاحبك حتى ندفعها إليكما.
فبلغ ذلك عمر فقال: لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب!
ومن جملة المسائل والقضايا المشكلة التي تحير فيها عمر، وحلها الإمام علي (ع)، مسائل كانت بين عمر وحذيفة بن اليمان، رواها العلامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي في كتابه " كفاية الطالب " الباب السابع والخمسين، بإسناده عن حذيفة بن اليمان، أنه لقى عمر ابن الخطاب، فقال له عمر: كيف أصبحت يا ابن اليمان؟
فقال: كيف تريدني أصبح؟! أصبحت والله أكره الحق، وأحب الفتنة ، وأشهد بما لم أره، وأحفظ غير المخلوق، وأصلي على غير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء!!
فغضب عمر لقوله، وانصرف من فوره وقد أعجله أمر، وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك.
فبينا هو في الطريق إذ مر بعلي بن أبي طالب، فرأى الغضب في وجهه، فقال: ما أغضبك يا عمر؟!
فقال: لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت؟
فقال: أصبحت أكره الحق!
فقال(ع): صدق، فإنه يكره الموت وهو الحق.
فقال: يقول: وأحب الفتنة!
قال(ع): صدق، فإنه يحب المال والولد، وقد قال تعالى:
(... إنما أموالكم وأولادكم فتنة...)(23).
فقال: يا علي! يقول: وأشهد بما لم أره!
فقال: صدق، يشهد لله بالوحدانية، ويشهد بالموت، والبعث، والقيامة، والجنة، والنار، والصراط، وهو لم ير ذلك كله.
فقال: يا علي! وقد قال: إنني أحفظ غير المخلوق!
قال(ع): صدق، إنه يحفظ كتاب الله تعالى ـ القرآن ـ وهو غير مخلوق.
قال: ويقول: أصلي على غير وضوء!
فقال: صدق، يصلي على ابن عمي رسول الله(ص) على غير وضوء.
فقال: يا أبا الحسن! قد قال أكبر من ذلك!
فقال (ع): وما هو؟!
قال: قال: إن لي في الأرض ما ليس لله في السماء!
قال: صدق، له زوجة، وتعالى الله عن الزوجة والولد.
فقال عمر: كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب!
قال العلامة الكنجي بعد نقله للخبر بطوله:
قلت: هذا ثابت عند أهل النقل، ذكره غير واحد من أهل السير.
فهذا عمر في المجال العلمي عاجز جاهل، وساكت خامل، ولكن نرى الإمام عليا (ع) يصول ويقول، فيرد شبهات الفضول، ويقنع ذوي العقول.
وأما في المجال الثاني، وهو الحرب والضرب،والجهاد والجلاد، في سبيل الله والمستضعفين من العباد، فإنا لا نرى أيضا لعمر بن الخطاب موقفا مشرفا ، ولا نعرف له صولة أو جولة، وشجاعة أو بطولة.
بل يحدثنا التاريخ أنه لم يثبت أمام الكفار والمشركين، وكان سبب انهزام وانكسار المسلمين!
الحافظ: لا نسمح لك أن تتفوه بهذا الكلام، ولا نسمح أن تحط من شأن عمر (رض) الذي هو أحد مفاخر الإسلام، ولا ينكر أحد من الأعلام والمؤرخين العظام، أن الفتوحات التي حصلت في الإسلام، أكثرها أهمها كانت في عهد سيدنا عمر وبأمره وسياسته وحسن قيادته، وأنت تقول إنه كان فرّارا من الحروب، وإنه سبّب هزيمة المسلمين وانكسارهم!
أتظن أننا نسمع هذه الإساءة والإهانة بخليفة سيد الأنام وأحد زعماء الإسلام ونسكت؟!
نحن لا نتحمل هذا الكلام، فإما أن تأتي بالدليل والبرهان، أو تستغفر الله سبحانه وتعالى من الإساءة والإهانة في الحديث والبيان.
قلت: وهل تكلمت بكلام في طول حوارنا وبحثنا في الليالي الماضية من غير دليل وبرهان؟!
أو هل رويت حديثا من غير أن أذكر له مصدرا وسندا من كتبكم المعتبرة ومصادركم الموثقة؟!
أما عرفتم أني لا أتكلم عن جهل وتعصب، ولا أنحاز إلا إلى الحق ، وان مدحي وقدحي لا يكون إلا بسبب مقبول عند ذوي العقول؟!
وأظن إنما صدرت منكم هذه الزبرة والزفرة والنفرة! حين سمعتم الكلام من رجل شيعي، فحسبتموه إساءة وإهانة، وذلك لأنكم تسيئون الظن بنا، والله عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم...)(24).
فإنكم تظنون أن الشيعة يحرفون التاريخ، ويضعون الأحاديث ليذموا رجالا ويمدحوا آخرين، بينما نحن لا نزيد على الواقع شيئا، ولا نتكلم إلا نقلا من كتب علمائكم ومحدثيكم.
فلا داعي لتغير الحال والغضب، وشدة المقال والعتب، أو أن تنسب إليّ الإساءة باللسان، والإهانة في البيان! بل من حقك أن تطالبني بالدليل والبرهان.
وإن أردت مني فأقول:
ذكر كثير من علمائكم ومؤرخيكم، أن القتال الذي لم يحضره الإمام علي عليه السلام لم ينتصر فيه المسلمون، والذي حضره سجل النصر والانتصار للدين، وأهمها غزوة خيبر، فإن عليا عليه السلام غاب عن المعسكر لرمد أصابه في عينه فأعطى النبي (ص) الراية لأبي بكر، فرجع منكسرا، فأعطاها لعمر بن الخطاب، فرجع وهو يجبن المسلمين وهم يجبنونه!
الحافظ ـ وهو غضبان ـ: هذا الكلام من أباطيلكم، وإلا فالمشهور بين المسلمين أن الشيخين كانا شجاعين، وكل منهما كان يحمل في صدره قلبا قويا ليس فيه موضع للخوف والجبن.
قلت: ذكرت لكم كرارا، أن شيعة أهل البيت عليهم السلام لا يكذبون ولا يفترون، لأنهم يتبعون الأئمة الصادقين عليهم السلام، وهم يحسبون الكذب من الذنوب الكبائر، والافتراء أكبر منه خسائر.
ونحن كما قلت مرارا، لسنا بحاجة لاثبات عقائدنا وأحقية مذهبنا ، أن نضع الأحاديث ونتمسك بالأباطيل.
فإن غزوة خيبر من أهم الغزوات التي سجلها التاريخ من يومها إلى هذا اليوم، وجميع مؤرخيكم ذكروها باختصار أو بتفصيل، منهم: الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء 1/62، ومحمد بن طلحة في مطالب السؤول:40 وابن هشام في السيرة النبوية، ومحمد بن يوسف الكنجي في الباب الرابع عشر من " كفاية الطالب " وغير هؤلاء من الأعلام، ولا يقتضي المجلس أن أذكرهم جميعا، ولكن أهمهم الشيخين، البخاري في صحيحه 2/100 ط. مصر سنة 1320هجـرية، ومسلم في صحيحه 2/324 ط. مصر سنة 1320 هجرية.
فإنهما كتبا بالصراحة هذه العبارة: " فرجع أيضا منهزما " أي: عمر.
ومن الدلائل الواضحة على هذه القضية الفاضحة، أشعار بن أبي الحديد، فإنه قال ضمن علوياته السبع المشهورة:
ألم تخبر الأخبار في فتح خيبرففيها لذي اللب الملب أعاجيبوما أَنْس لا أنْــس اللذين تقدماوفرهما و الفر قد علما حوبوللراية العظمى وقد ذهبا بهاملابس ذل فوقها و جلابيبيشلهما من آل موسى شمردلطويل نجاد السيف أجيد يعبوبيمج منونا سيفه وسنانهويلهب نارا غمده والأنابيباحضرهما أم حضرا خرج خاضبوذانهما أم ناعم الخد مخضوبعذرتكما، إن الحمام لمبغضوإن بقاء النفس للنفس محبوبليكره طعم الموت والموت طالبفكيف يلذ الموت والموت مطلوب؟!
فنحن لا نريد إهانة أحد الصحابة، وإنما ننقل لكم ما حكاه التاريخ ورواه المؤرخون عنهم، وبعد هذا عرفنا أن عمر ما كان صاحب صولة وجولة، وشدة وحدة، في الحروب والغزوات التي كانت بين المسلمين وبين أعدائهم، فكيف نؤول الجملة من الآية الكريمة (أشداء على الكفار ) بعمر ونطبقها عليه؟!
ولكن إذا راجعنا تاريخ الإسلام ودرسنا سيرة الإمام علي(ع) وطالعنا تاريخه المبارك، نجده أشد المسلمين على الكفار في المجال العلمي والمجال الحربي، والله تعالى يشير إليه بقوله: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم....)(25).
الحافظ: إنك تريد أن تحصر الآية الكريمة التي تصف عامة المؤمنين في شأن علي كرم الله وجهه؟!
قلت: لقد أثبت لكم أني لا أتكلم بغير دليل، ودليلي على هذا، أن الآية إذا كانت تصف جميع المؤمنين، لما فروا في بعض الغزوات من الميادين!
الحافظ: هل هذا الكلام من الإنصاف إذ تصف صحابة النبي(ص) الذين جاهدوا ذلك الجهاد العظيم، وفتحوا تلك الفتوحات العظيمة، وتقول: إنهم فروا ؟!
أليس قولك هذا إهانة لصحابة رسول الله(ص)؟!
قلت: أولا: أشهد الله سبحانه أني لم أقصد إهانة أي فرد من الصحابة وغيرهم، وإنما الحوار والنقاش يقتضي هذا الكلام.
ثانيا: أنا ما أنسب إليهم الفرار، ولكن التاريخ هكذا يحكم ويقول: إن في غزوة أحد، فر الصحابة حتى كبارهم، وتركوا النبي (ص) طعمة لسيوف المشركين والكفار، كما يذكر الطبري والمؤرخون الكبار، فماذا تقولون حول الآية الكريمة التي تشمل أولئك الذين ولوا الدبر وفروا من الجهاد وخالفوا أمر الله عز وجل إذ يقول:
(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير)(26).
ثالثا: لقد وافقنا في قولنا بأن الآية نزلت في شأن الإمام علي( ع) كثير من أعلامكم وكبار علمائكم، منهم: أبو إسحاق الثعلبي ـ الذي تحسبوه أمام أصحاب الحديث في تفسير القرآن ـ قال في تفسير " كشف البيان " في ذيل الآية الكريمة 54 من سورة المائدة: إنما نزلت في شأن الإمام علي (ع)، لأن الذي يجمع كل المواصفات المذكورة في الآية لم يكن أحد غيره.
ولم يذكر أحد من المؤرخين من المسلمين وغيرهم، بأن الإمام عليا (ع) فر من الميدان، حتى ولو مرة، أو أنه تقاعد وتقاعس في حروب النبي (ص) وغزواته مع الكفار، ولو في غزوة واحدة.
بل ذكر المؤرخون أنه في معركة أحد حينما انهزم المسلمون، حتى كبار الصحابة، ثبت الإمام علي (ع) واستقام واستمر في الجهاد ومقاتلة المشركين الأوغاد، وهم أكثر من خمسة آلاف مقاتل بين راكب وراجل، وعلي (ع) يضرب بالسيف خراطيمهم ويحصد رؤوسهم، فذب عن الإسلام، ودفع الطغام، عن محمد سيد الأنام، حتى سمع النداء من السماء: (لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي)(27).
وقد أصيب في جسمه يوم أحد بتسعين إصابة غير قابلة للعلاج، فعالجها رسول الله بعدما انتهت المعركة عن طريق الإعجاز، إذ مسح عليها بريقه المبارك الذي جعل الله فيه بلسم كل جرح، ودواء كل داء.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 18  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:00 AM





الحافظ: ما كنت أظن أن تفتري على كبار الصحابة إلى هذا الحد وتنسبهم إلى الفرار! وهم المجاهدون في سبيل الله وخاصة الشيخان (رض) فإنهما ثبتا ودافعا عن النبي (ص) إلى آخر لحظة حتى انتهت المعركة.
قلت: إني لست بمفتر، ولكنكم ما قرأتم تاريخ الإسلام، وليس لكم فيه تحقيق وإلمام، حتى نطقتم بهذا الكلام!
لقد ذكر المؤرخون وأصحاب السير: أن المسلمين انهزموا في غزوة أحد وخيبر وحنين، أما خبر خيبر فقد ذكرته لكم عن صحيح البخاري ومسلم وغيرهما (28).
وأما الخبر عن غزوة حنين وفرار المسلمين فيها، فراجع الجمع بين الصحيحين للحميدي والسيرة الحلبية: 3/123.
وأما فرارهم في غزوة أحد، فحدث ولا حرج! فقد ذكره عامة المؤرخين، منهم: ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي في شرح النهج 13/ 278 ط دار إحياء التراث العربي، قال: فر المسلمون بأجمعهم ولم يبق معه[ النبي (ص)] إلا أربعة: علي والزبير وطلحة وأبو دجانة (29).
وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج 14: 251، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: 34، وغيرهما من الأعلام، قالوا: وسمع ذلك اليوم صوت من قبل السماء، لا يرى شخص الصارخ به، ينادي مرارا: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي!
فسئل رسول الله(ص) عنه، فقال: هذا جبرائيل ـ والنص لابن أبي الحديد ـ.
فكان علي(ع) في كل الحروب التي خاضها مؤيدا من عند الله ومنصورا بالملائك.
روى محمد بن يوسف الكنجي القرشي في كتابه " كفاية الطالب " في الباب السابع والعشرين، بإسناده عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله(ص): ما بعث علي في سرية إلا رأيت جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره والسحابة تظله حتى يرزقه الله الظفر.
وروى الإمام الحافظ النسائي في كتابه خصائص الإمام علي(ع)، ص8 ط مطبعة التقدم بالقاهرة، بسنده عن هبيرة بن هديم، قال: جمع الناس الحسن بن علي(ع) وعليه عمامة سوداء لما قتل أبوه، فقال: قد كان قتلتم بالأمس رجلا ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، وإن رسول الله(ص) قال: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثم لا ترد رايته حتى يفتح الله عليه.... إلى آخره.
نعم، كان النصر معقودا براية الإمام علي(ع) وسيفه، وكان الظفر ينزل على المسلمين في كل ميدان ينزل فيه علي(ع)، حتى قال النبي (ص): ما قام الدين وما استقام إلا بسيف علي عليه السلام.

علي حبيب الله ورسوله(ص)
رابعا: الآية الكريمة في سورة المائدة، تصرح أن المقصودين هم الموصوفون فيها، يحبهم الله ويحبونه.. وهذه فضيلة ثابتة للإمام أمير المؤمنين (ع ) ولم تثبت في حق غيره، وإن كان كثير من المؤمنين والصحابة هم أيضا يحبهم الله ويحبونه ولكن غير معنيين، أما علي (ع) فهو معني بهذه الفضيلة كما قال ذلك كثير من الأعلام، منهم:
العلامة الكنجي الشافعي في الباب السابع من كتابه " كفاية الطالب " روى بإسناده عن ابن عباس، أنه قال: كنت أنا وأبي ـ العباس جالسين عند رسول الله(ص) إذ دخل علي بن أبي طالب، وسلم، فرد عليه رسول الله(ص) وبش وقام إليه واعتنقه، وقبل ما بين عينيه، وأجلسه عن يمينه؛ فقال العباس: أتحب هذا يا رسول الله؟ فقال رسول الله(ص): يا عم رسول الله! والله، الله أشد حبا له مني.
وروى في الباب الثالث والثلاثين؛ بإسناده عن أنس بن مالك، قال: اهدي إلى رسول الله(ص) طائر وكان يعجبه أكله، فقال: اللهم ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي من هذا الطائر.
فجاء علي بن أبي طالب.
فقال: استأذن على رسول الله.
قال: قلت: ما عليه إذن.
وكنت أحب أن يكون رجلا من الأنصار.
فذهب ثم رجع فقال: استأذن لي عليه.
فسمع النبي(ص) كلامه، فقال: أدخل يا علي؛ ثم قال(ص): اللهم وإلي، اللهم وإلي ـ أي هو أحب الخلق إلي أيضا ـ.
وذكرنا لكم في المجالس الماضية مصادر هذا الخبر الذي تلقاه العلماء كلهم بالصحة والقبول، وهو دليل قاطع، وبرهان ساطع، على أن عليا(ع) أحب الخلق إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رسوله(ص).

إعطاؤه الراية يوم خيبر
ومن أهم الدلائل على أن عليا(ع) هو المقصود بالآية الكريمة (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه....) حديث الراية لفتح خيبر، وقد نقله كبار علمائكم، ومشاهير أعلامكم، منهم:
البخاري في صحيحه ج 2 كتاب الجهاد، باب دعاء النبي (ص)، و ج3 كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، ومسلم في صحيحه 2/324، والإمام النسائي في ( خصائص أمير الؤمنين(ع)، والترمذي في السنن، وابن حجر العسقلاني في الإصابة 2/508، وابن عساكر في تاريخه، وأحمد بن حنبل في مسنده، وابن ماجة في السنن، والشيخ الحافظ سليمان في " ينابيع المودة " الباب السادس، وسبط ابن الجوزي في التذكرة، ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي، في " كفاية الطالب " الباب الرابع عشر، ومحمد بن طلحة في " مطالب السؤول " الفصل الخامس، والحافظ أبو نعيم في " حلية الأولياء " والطبراني في الأوسط، والراغب الإصفهاني في محاضرات الأدباء2/212.
ولا أظن أن أحدا من المؤرخين أهمل الموضوع أو أحدا من المحدثين أنكره، حتى إن الحاكم ـ بعد نقله له ـ يقول: هذا حديث دخل في حد التواتر؛ والطبراني يقول: فتح علي(ع) لخيبر ثبت بالتواتر.
وخلاصة ما نقله الجمهور، أن رسول الله(ص) حاصر مع المسلمين قلاع اليهود ومنها قلعة خيبر، عدة أيام، فبعث النبي(ص) أبا بكر مع الجيش وناوله الراية وأمره أن يفتح، ولكنه رجع منكسرا عاجزا عن الفتح، فأخذ النبي(ص) الراية وأعطاها لعمر بن الخطاب وأرسله مع الجيش ليفتح خيبر، ولكنه رجع منهزما يجبن المسلمين وهم يجبنونه.
فلما رأى النبي(ص) خور أصحابه وتخاذلهم وانهزامهم أمام ثلة من اليهود، غضب منهم وأخذ الراية فقال: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرارا، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه.
ـ ولا يخفى تعريض النبي(ص) في كلامه بالفارين ـ.
فبات المسلمون ليلتهم يفكرون في كلام رسول الله(ص)، ومن يكون مقصوده ومراده؟!
فلما أصبح الصباح اجتمعوا حول النبي(ص) والراية بيده المباركة ، فتطاولت أعناق القوم طمعا منهم بها أو ظنا بأنه سيناولهم الراية، لكن النبي(ص) أجال بصره في الناس حوله وافتقد أخاه ومراده علي بن أبي طالب(ع) فقال: أين ابن عمي علي؟
فارتفعت الأصوات من كل جانب: أنه أرمد يا رسول الله!
فقال(ص): علي به.
فجاؤا بالإمام علي(ع) وهو لا يبصر موضع قدمه، فسلم ورد النبي عليه وسأله: ما تشتكي يا علي؟ فقال(ع): صداع في رأسي، ورمد في عيني.
فأخذ النبي(ص) شيئا من ريقه المبارك ومسح به على جبين الإمام علي(ع) وقال: اللهم قه الحر والبرد؛ ودعا له بالشفاء، فارتد بصيرا.
وإلى هذه المنقبة يشير حسان في شعره فيقول:
وكان علي أرمد العين يبتغيدواء فلما لم يحس مداوياشفاه رسول الله منه بتفلةفبورك مرقيا وبورك راقياوقال سأعطي الراية اليوم فارساكميا شجاعا في الحروب محاميايحب الإله والإله يحبهبه يفتح الله الحصون الأوابيافخص بها دون البرية كـلهاعليا وسماه الوصي المؤاخيا
فأعطى النبي (ص) الراية لعلي (ع) وقال: خذ الراية! جبرائيل عن يمينك، وميكائيل عن يسارك، والنصر أمامك، والرعب مبثوث في قلوب القوم، فإذا وصلت إليهم فعرف نفسك وقل: أنا علي بن أبي طالب، فإنهم قرأوا في صحفهم أن الذي يدمر عليهم الحصون ويفتحها اسمه إيليا، وهو أنت يا علي!
فأخذ علي(ع) الراية وهرول بها نحو القلاع حتى وصل إلى باب خيبر وهو أهم تلك الحصون والقلاع، فطلب المبارز، فخرج إليه مرحب مع جماعة من أبطال اليهود، فهزمهم علي(ع) مرتين، وفي المرة الثالثة لما برزوا وحمل عليهم علي(ع) ضرب بالسيف على رأس مرحب فوصل إلى أضراس مرحب وسقط على الأرض صريعا، وسجل النصر للمسلمين(30).
ونقل ابن الصباغ في " الفصول المهمة " عن صحيح مسلم، وكذلك روى الإمام النسائي في خصائص الإمام علي: 7ط مطبعة التقدم بالقاهرة، قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ...الخ.
وأخرج السيوطي في " تاريخ الخلفاء " وابن حجر في " الصواعق " والديلمي في " فردوس الأخبار " بإسنـادهم عن عمر بن الخطاب أنه قال: لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من أن أعطى حمر النعم، فسئل: ما هي؟
قال: تزويجه فاطمة بنت رسول الله (ص)، وسكناه المسجد مع رسول الله (ص) يحل له فيه ما يحل له، وإعطاؤه الراية يوم خيبر(31).
فالخبر ثابت لا ينكره إلا المعاندون الجاهلون الذين ليس لهم اطلاع على تاريخ الإسلام وغزوات رسول الله (ص). والآن فقد ثبت للحاضرين، وخاصة العلماء والمشايخ، بأني لا أتكلم من غير دليل، ولم أقصد إهانة الصحابة، بل مقصدي بيان الواقع وكشف الحقائق، التي منها الاستدلال بالتاريخ والحديث والعقل والنقل، بأن جملة (أشداء على الكفار) في الآية الكريمة تنطبق على الإمام علي عليه السلام قبل أن تنطبق على غيره كائنا من كان.
وهذا لم يكن قولي أنا فحسب، بل كثير من أعلامكم صرحوا به، منهم العلامة الكنجي في " كفاية الطالب " في الباب الثالث والعشرين، فإنه يروي حديثا عن النبي (ص) يشبه فيه عليا عليه السلام بالأنبياء، وفي تشبيهه بنوح (ع) يقول العلامة الكنجي: وشبه بنوح لأن عليا عليه السلام كان شديدا على الكافرين، رؤوفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله (... والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم....)(32).
وأخبر الله عز وجل عن شدة نوح على الكافرين بقوله: (.... رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا)(33) انتهى.
فعلي(ع) هو المصداق الأجلى والأظهر لجملة( أشداء على الكفار)(34).
وأما قولكم بأن جملة ( رحماء بينهم) تنطبق على عثمان بن عفان وهي إشارة إلى مقام الخلافة في المرتبة الثالثة، وأن عثمان كان رقيق القلب، بالمؤمنين رؤوفا رحيما..
فنحن لا نرى ذلك من صفات عثمان، بل التاريخ يحدثنا على عكس ذلك ، وأرجو أن لا تسألوني توضيح الموضوع أكثر من هذا، لأني أخاف أن تحملوا حديثي على الإساءة والإهانة بمقام الخليفة الثالث ولا أحب أن أزعجكم.
الحافظ: نحن لا نضجر إذا لم يكن حديثك فحشا، وكان مدعما بالدليل ومطابقا للواقع مع ذكر الإسناد والمصادر.
قلت: أولا: إني ما كنت ولم أكن فحاشا، بل سمعت الفحش وأجبت بالمنطق والبرهان!
ثانيا: هناك أدلة كثيرة على خلاف ما ذهبتم في شأن عثمان، فإن جملة (رحماء بينهم) لا تنطبق عليه أبدا، ولإثبات قولي أشير إلى بعض الدلائل، وأترك التحكيم والقضاء للحاضرين الأعزاء.

سيرة عثمان على خلاف الشيخين
لقد أجمع المؤرخون والأعلام، مثل: ابن خلدون، وابن خلكان، وابن أعثم الكوفي، وأصحاب الصحاح كلهم، والمسعودي في مروج الذهب 1/435، وابن أبي الحديد في شرح النهج، والطبري في تاريخه، وغيرهم من علمائكم، قالوا: إن عثمان بن عفان حينما ولي الخلافة سار على خلاف سنة الرسول(ص) وسيرة الشيخين، ونقض العهد الذي عاهده عليه عبد الرحمن بن عوف في مجلس الشورى حين بايعه على كتاب الله وسنة الرسول(ص) وسيرة الشيخين، وأن لا يسلط بني أمية على رقاب المسلمين.
ولكن حينما استتب له الأمر خالف العهد، وتعلمون بأن نقض العهد من كبائر الذنوب، والقرآن الحكيم يصرح بذلك.
قال تعالى: (.... وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا)(35).
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)(36).
الحافظ: نحن لا نعلم لذي النورين خلافا، وإنما هذا قولكم ومن مزاعم الشيعة ولا دليل عليه!
قلت: راجعوا شرح النهج ـ لابن أبي الحديد ـ 1/198 ط دار إحياء التراث العربي، فإنه قال: وثالث القوم هو عثمان بن عفان.... بايعه الناس بعد انقضاء الشورى واستقرار الأمر له، وصحت فيه فراسة عمر، فإنه أوطأ بني أمية رقاب الناس، وولاهم الولايات، وأقطعهم القطائع، وافتتحت أفريقية في أيامه فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان.
وأعطى عبدالله بن خالد أربعمائة ألف درهم.
وأعاد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة، بعد أن كان رسول الله( ص) قد سيره ـ أي: نفاه من المدينة ـ ثم لم يرده أبو بكر ولا عمر! وأعطاه مائة ألف درهم.
وتصدق رسول الله (ص) بموضع سوق بالمدينة ـ يعرف بمهزوز ـ على المسلمين، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان.
وأقطع مروان فدك، وقد كانت فاطمة بنت رسول الله(ص) طلبتها بعد وفاة أبيها(ص) تارة بالميراث، وتارة بالنحل، فدفعت عنها.
وحمى المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلهم إلا عن بني أمية.
وأعطى عبدالله بن أبي السرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح أفريقية بالمغرب، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة، من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين.
وأعطى أبا سفيان بن حرب*(37) مائتي ألف من بيت المال ، في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال، وقد كان زوجه ابنته أم أبان. فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح، فوضعها بين يدي عثمان وبكى وقال:... والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا!
فقال: ألق المفاتيح يابن أرقم، فإنا سنجد غيرك!
وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة، فقسمها كلها في بني أمية.
وأنكح الحارث بن الحكم ـ أخا مروان ـ ابنته عائشة، فأعطاه مائة ألف من بيت المال، بعد طرده زيد بن أرقم عن خزانته.
وانضم إلى هذه الأمور، أمور أخرى نقمها عليه المسلمون، كتسيير أبي ذر رحمه الله تعالى إلى الربذة، وضرب عبدالله بن مسعود حتى كسر أضلاعه، وما أظهر من الحجاب، والعدول عن طريقة عمر في إقامة الحدود ورد المظالم وكف الأيدي العادية والانتصاب لسياسة الرعية!
وختم ذلك ما وجدوه من كتابه إلى معاوية يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين.... إلى آخره.
هذا كلام ابن أبي الحديد في عثمان بن عفان.
وذكر المسعودي في مروج الذهب 2/ 341 ـ 343:
فقد بلغت ثروة الزبير خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وضياعا وخططا في البصرة والكوفة ومصر والإسكندرية، وكانت غلة طلحة بن عبيدالله(38) من العراق كل يوم ألف دينار، وقيل أكثر.
وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف مائة فرس، وله ألف بعير، وعشرة آلاف شاه، وبلغ ربع ثمن ماله بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا.
وحين مات زيد بن ثابت خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار.
ومات يعلي بن منية وخلف خمسمائة ألف دينار وديونا وعقارات وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار.
أما عثمان نفسه... فكان له يوم قتل عند خازنه مائة وخمسون ألف دينار وألف ألف[أي: مليون] درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار، وخلف خيلا كثيرا وإبلا.
ثم قال المسعودي بعد ذلك: وهذا باب يتسع ذكره، ويكثر وصفه فيمن تملك الأموال في أيامه.
انتهى كلام المسعودي.
هكذا كان عثمان وحاشيته يتسابقون في كنز الذهب والفضة، وجمع الخيل والإبل والمواشي، وامتلاك الأراضي والعقار، في حين كان كثير من المسلمين المؤمنين لا يملكون ما يسدون به جوعهم ويكسون به أجسامهم.
أكان هذا السلوك يليق بمن يدعي خلافة رسول الله(ص) وهل كان النبي(ص) كذلك؟!
كلا وحاشا، ولاشك أن عثمان خالف طريقة أبي بكر وناقض سيرة عمر أيضا، وكان هو قد عاهد على أن يسلك سبيلهما.
ذكر المسعودي في مروج الذهب، ج1، في ذكره سيرة عثمان وأخباره ، فقال بالمناسبة: إن الخليفة عمر مع ولده عبدالله ذهبا إلى حج بيت الله الحرام، فلما رجع إلى المدينة كان ما صرفه في سفره ستة عشر دينارا، فقال لابنه: ولدي لقد أسرفنا في سفرنا هذا.
فقايسوا بين تبذير عثمان لأموال المسلمين وكلام عمر بن الخطاب، وشاهدوا كم الفرق بينهما؟!

توليته بني أمية
إن عثمان مكن فساق بني أمية وفجارهم من بلاد المسلمين، وسلطهم على رقاب المؤمنين وأموالهم(39)، فاتخذوا أموال الله دولا، وعباده خولا ، وسعوا في الأرض فسادا، منهم: عمه الحكم بن أبي العاص وابنه مروان، وهما ـ كما نجد في التاريخ ـ طريدا رسول الله (ص) وقد لعنهما ونفاهما من المدينة إلى الطائف.
الحافظ: ما هو دليلكم على نفي هذين بالخصوص؟
قلت: دليلنا على لعنهما من جهتين، جهة عامة، وجهة خاصة.
أما الجهة العامة: فهما غصنان من الشجرة الملعونة في القرآن، بقوله تعالى: (.... وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن...)(40).
وقد فسرها أعلام المفسرين وكبار المحدثين، ببني أمية، منهم: الطبري والقرطبي والنيسابوري والسيوطي والشوكاني والآلوسي، وابن أبي حاتم والخطيب البغدادي وابن مردويه والحاكم المقريزي والبيهقي وغيرهم، فقد رووا في تفسير الآية الكريمة عن ابن عباس أنه قال الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أمية، فإن رسول الله (ص) رأى فيما يراه النائم أن عددا من القردة تنزو على منبره وتدخل محرابه، فلما استيقظ من نومه نزل عليه جبرئيل وأخبره: أن القردة التي رأيتها في رؤياك إنما هي بنو أمية، وهم يغصبون الخلافة والمحراب والمنبر طيلة(41).
وأما الفخر الرازي فيروي في تفسيره عن ابن عباس: أن رسول الله (ص) كان يسمي من بني أمية الحكم بن أبي العاص ويخصه باللعن.
وأما الجهة الخاصة في لعنهما، فالروايات من الفريقين كثيرة:
أما روايات الشيعة فلا أذكرها، وأكتفي بذكر ما نقله كبار علمائكم ومحدثيكم، منهم: الحاكم النيسابوري في المستدرك 4/487، وابن حجر الهيتمي المكي في " الصواعق " قال: وصححه الحاكم، قال رسول الله (ص): إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم.
قال: ومروان بن الحكم كان طفلا، قال له النبي (ص): وهو الوزغ بن الوزغ، والملعون بن الملعون.
وأما الفخر الرازي فيروي في تفسيره عن ابن عباس: أن رسول الله (ص) كان يسمي من بني أمية الحكم بن ابي العاص ويخصه باللعن.
وأما الجهة الخاصة في لعنهما، فالروايات من الفريقين كثيرة:
أما روايات الشيعة فلا أذكرها، وأكتفي بذكر ما نقله كبار علمائكم ومحدثيكم، منهم: الحاكم النيسابوري في المستدرك 4/487، وابن حجر الهيتمي المكي في " الصواعق " قال: وصححه الحاكم، قال رسول الله (ص): إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم.
قال: ومروان بن الحكم كان طفلا، قال له النبي (ص): وهو الوزغ بن الوزغ، والملعون بن الملعون.
وروى ابن حجر أيضا، والحلبي في السيرة الحلبية 1/337، والبلاذري في أنساب الأشراف 5/126، والحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " والحاكم في المستدرك 4/481، والدميري في حياة الحيوان 2/299، وابن عساكر في تاريخه، ومحب الدين الطبري في " ذخائر العقبى " وغير هؤلاء، كلهم رووا عن عمر بن مرة الجهني: أن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي (ص) فعرف صوته، فقال: ائذنوا له، عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه، إلا المؤمن منهم وقليل ما هم.
ونقل الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير، في ذيل الآية: (والشجرة الملعونة) أن عائشة كانت تقول لمروان: لعن الله أباك وأنت في صلبه. فأنت بعض من لعنه الله!
والمسعودي في مروج الذهب 1/435 يقول: مروان بن الحكم طريد رسول الله (ص) الذي أخرجه النبي (ص) ونفاه من المدينة.
إن أبا بكر وعمر لم يأذنا له بالرجوع إلى المدينة، ولكن عثمان خالف النبي والشيخين، فأجاز مروان بالإقامة في المدينة، وزوجه ابنته أم أبان، ومنحه الأموال، وفسح له المجال حتى أصبح صاحب الكلمة النافذة في الدولة(42).
وقال ابن أبي الحديد ـ نقلا عن بعض أعلام عصره ـ عن عثمان سلم عنانه إلى مروان يصرفه كيف شاء، الخلافة له في المعنى ولعثمان في الاسم.
النواب: من كان الحكم بن أبي العاص؟ ولماذا لعنه النبي (ص) ونفاه من المدينة؟
قلت: هو عم الخليفة عثمان، وقد ذكر الطبري وابن الأثير في التاريخ والبلاذري في أنساب الأشراف 5/17: ان الحكم بن أبي العاص كان في الجاهلية جارا لرسول الله (ص) وكان كثيرا ما يؤذي النبي (ص) في مكة، ثم جاء إلى المدينة بعد عام الفتح، وأسلم في الظاهر، ولكنه كان يسعى لأن يحقر النبي (ص) ويحاول أن يحط من شأنه بين الناس. وكان يمشي خلف النبي (ص) ويبدي من نفسه حركات وإشارات يستهزئ بها برسول الله (ص) ويجرئ على السخرية منه (ص).
فدعا عليه رسول الله (ص) أن يبقى على الحالة التي كان عليها، فبقي على حالة غريبة تشبه الجنون، وصار الناس يستهزئون به ويسخرون منه.
فذهب يوما إلى بيت النبي (ص)، ولا أعلم ما صدر منه، إلا أن النبي (ص) خرج وقال: لا يشفع أحدكم للحكم!
ثم أمر (ص) بنفيه مع أولاده وعياله، فأخرجه المسلمون من المدينة، فأقام في الطائف.
ولما ولي أبو بكر الخلافة شفع له عثمان عند الخليفة ليأذن له بالرجوع إلى المدينة، ولكنه رفض، وبعده شفع له عثمان عند عمر، فرفض، وقتلا: هو طريد رسول الله (ص) فلا نعيده ولا نأذن له أن يقيم في المدينة.
فلما أمر إليه وأصبح هو الخليفة بعد عمر، أعاد الحكم مع أولاده إلى المدينة وأحسن إليهم كثيرا ولم يعبأ بمخالفة الصحابة واعتراض المؤمنين، بل منحهم أموال بيت المال، ونصب مروان بن الحكم وزيرا واتخذه مشيرا، فجمع حوله أشرار بني أمية وأسند إليهم الأمور والولايات.

فجور واليه في الكوفة
فولى على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهو أخو عثمان لأمه، وأسمها أروى، وقد صرح النبي (ص) أنه من أهل النار! كما في رواية المسعودي في مروج الذهب، ج1، في أخبار عثمان، وكان فاسقا متجاهرا بالشرور، ومتظاهرا بالفجور:
وذكر أبو الفداء في تاريخه، والمسعودي في مروج الذهب وأبو الفرج في الأغاني 4/178، والسيوطي في تاريخ الخلفاء: 104، الإمام أحمد في المسند 1/144، والطبري في تاريخه 5/60، والبيهقي في سننه 8/318، وابن الأثير في أسد الغابة 5/91، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3/18 ط. دار احياء التراث العربي.
هؤلاء وغيرهم من أعلام السنة ذكروا: أن الوليد بن عقبة ـ والي الكوفة من قبل عثمان ـ شرب الخمر ودخل المحراب سكرانا وصلى الصبح بالناس أربع ركعات وقال لهم: إن شئتم أزيدكم!!
وبعضهم ذكر بأنه تقيأ في المحراب، فشم الناس منه رائحة الخمر، فأخرجوا من إصبعه خاتمه ولم يشعر بذلك، فشكوه إلى عثمان، فهدد الشهود وأبى أن يجري الحد عليه، فضغط عليه الإمام علي (ع) والزبير وعائشة وغيرهم من الصحابة، حتى اضطر إلى ذلك، فعزله وأرسل سعيد بن العاص مكانه، وهو لا يقل عن ذاك في الخمر والمجون والفسق والفجور.
وولى على البصرة ابن خاله عبد الله بن عامر وعمره خمس وعشرون سنة، وكان معاوية عاملا لعمر على دمشق والأردن، فضم إليه عثمان ولاية حمص وفلسطين والجزيرة (43).
هؤلاء وأمثالهم ما كانوا من ذوي السابقة في الدين والجهاد في الإسلام، وإنما كانوا متهمين في دينهم، بل كان فيهم مثل الوليد بن عقبة الذي أعلن القرآن فسقه كما يحدثنا المفسرون في ذيل الآية الكريمة: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون)(44).
فالمؤمن علي (ع) والفاسق الوليد.
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)(45)، وقال المفسرون في شأن نزولها : إن الوليد كذب على بني المصطلق عند رسول الله (ص) وادعى أنهم منعوه الصدقة، ولو قصصنا مخازيه ومساوئه لطال بها الشرح.
وكان المسلمون ـ أعيانهم وعامتهم ـ يراجعون عثمان في شأن هؤلاء الولاة من أقاربه ويطلبون منه عزلهم فلا يعزلهم، ولا يسمع فيهم شكاية كارها، وربما ضرب الشاكين وأخرجهم من المجلس بعنف!

أسباب الثورة على عثمان
إن من أهم أسباب الثورة على عثمان، سيرته المخالفة لسير النبي (ص) وسيرة الشيخين، فلو كان يسعى ليغير سيرته الخاطئة ويصلح الأمور ويعمل بنصيحة الناصحين، أمثال الامام علي (ع) وابن عباس، لكان الناس يهدؤون والمياه ترجع إلى مجاريها الطبيعية (46)، ولكنه اغتر بكلام حاشيته وحزبه من بني أمية حتى قتل، وقد كان عمر بن الخطاب تنبأ بذلك، لأنه عثمان مدة طويلة، وعرف أخلاقه وسلوكه كما يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج 1/186 ط. دار احياء التراث العربي قال:
في قصة الشورى... فقال عمر: أفلا أخبركم عن أنفسكم؟!..
ثم أقبل على علي (ع) فقال: لله أنت! لولا دعابة فيك! أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح، والمحجة البيضاء.
ثم أقبل على عثمان، فقال: هيها إليك! كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك، فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس، وآثرتهم بالفيء، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحا.... إلى آخره.
وقال في ج2/129: وأصح ما ذكر في ذلك ما أورده الطبري في تاريخه ، حوادث سنة 33 ـ 35، وخلاصة ذلك: أن عثمان أحدث أحداثا مشهورة نقمها الناس عليه ، من تأمير بني أمية، ولا سيما الفساق منهم وأرباب السفه وقلة الدين، وإخراج مال الفيء إليهم، وما جرى في أمر عمار بن ياسر وأبي ذر وعبد الله بن مسعود، وغير من الأمور التي جرت في أواخر خلافته.
وراجعوا التاريخ حول أبي سفيان وبنيه، وهو من زعماء بني أمية، وانظروا إلى ما نقله الطبري في تاريخه، فقد قال: إن رسول الله (ص) رأى أبو سفيان مقبلا على حماره ومعاوية يقوده ويزيد بن أبي سفيان يسوق بالحمار، فقال (ص): " لعن الله الراكب والقائد والسائق ".
وبالرغم من ذلك نجد في التاريخ أن عثمان أكرمه وأعطاه أموالا كثيرة، وكان له عند الخليفة مقاما وجاها عاليا، وهو الذي أنكر القيامة والمعاد في مجلس عثمان، فارتد عن الإسلام، وكان على الخليفة أن يأمر بقتله، لأن المرتد جزاؤه القتل، ولكنه تغاضى عنه واكتفى بإخراجه!
فأنصفوا وفكروا! لماذا كان عثمان يكرم أبا سفيان المرتد، ويؤوي طريد رسول الله (ص) الحكم بن أبي العاص وابنه مروان ويقربهم ويمنحهم الأموال الكثيرة من بيت مال المسلمين، ويسند إليهم وإلى أبنائهم الولايات والامارات، وهم الذين لعنهم رسول الله (ص) في الملأ العام، وقد سمعه المسلمون وهو يفسر الشجرة الملعونة في القرآن ببني أمية؟!
لماذا كان عثمان يتخذ مروان وأمثاله ونظراءه أولياء من دون الله تعالى ويركن إليهم ويعمل برأيهم، بل أسند إليهم إدارة الدولة حتى تكون آلة لهم ومطية لأغراضهم الالحادية وأهدافهم الجاهلية؟!
فلقائل أن يقول: إنما كان عثمان يقصد من وراء أعماله التي ذكرنا طرفا منها تمهيد السبيل للانقلاب الذي أخبر الله سبحانه في كتابه بقوله: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم...)(47).

موقف علي عليه السلام من عثمان
لقد كان موقف الإمام علي (ع) في الفتنة موقف الناصح المصلح، والتاريخ يشكر له مواقفه السليمة، وأنا أنقل لكم الآن بعض كلامه في هذا الشأن من " نهج البلاغة " حتى تعرفوا نياته الطيبة ومساعيه الخيرة.
قالوا: لما اجتمع الناس إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، وشكوا إليه ما نقموه على عثمان، وسألوه مخاطبته واستعتابه لهم، فدخل (ع) على عثمان فقال:
إن الناس ورائي وقد استفسروني بينك وبينهم، والله ما أدري ما أقول لك! ما أعرف شيئا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه!
إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلغكه، و قد رأيت كما رأينا، و سمعت كما سمعنا، و صحبت رسول اللّه (ص) كما صحبنا، و ما ابن أبي قحافة و لا ابن الخطّاب بأولى بعمل الحقّ منك، و أنت أقرب إلى رسول اللّه (ص) وشيجة رحم منهما، و قد نلت من صهره ما لم ينالا، فاللّه.. اللّه في نفسك فإنّك و اللّه ما تبصّر من عمي و لا تعلّم من جهل، و إنّ الطّرق لواضحة و إنّ أعلام الدّين لقائمة.
فاعلم أنّ أفضل عباد اللّه عند اللّه إمام عادل هدي و هدى، فأقام سنّة معلومة و أمات بدعة مجهولة، و إنّ السّنن لنيّرة لها أعلام، و إنّ البدع لظاهرة لها أعلام، و إنّ شرّ النّاس عند اللّه إمام جائر ضلّ و ضلّ به، فأمات سنّة مأخوذة و أحيا بدعة متروكة، و إنّي سمعت رسول اللّه (ص) يقول يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر فيلقى في جهنّم فيدور فيها كما تدور الرّحى، ثمّ يرتبط في قعرها.
و إنّي أنشدك اللّه أن تكون إمام هذه الأمّة المقتول!
فإنّه كان يقال يقتل في هذه الأمّة إمام يفتح عليها القتل و القتال إلى يوم القيامة، و تلبس أمورها عليها و يبثّ الفتن فيها فلا يبصرون الحقّ من الباطل يموجون فيها موجا و يمرجون فيها مرجا.
فلا تكونن ّ لمروان سيقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السّنّ و تقضي العمر(48).
فقال له عثمان كلّم النّاس في أن يؤجّلوني حتّى أخرج إليهم من مظالمهم.
فقال (ع): ما كان بالمدينة فلا أجل فيه، و ما غاب فأجله وصول أمرك إليه.
ولكن عثمان شاور مروان في ما طلبه علي (ع) من قبل الناس، فأشار عليه بالمخالفة، فخرج عثمان وخطب الناس وقال في ما قال:
... فاجترأتم علي، أما والله لأنا أقرب ناصرا، وأعز نفرا، وأكثر عودا، وأحرى إن قلت: " هلم " أن يجاب صوتي.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 19  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:06 AM



ولقد أعددت لكم أقرانا، وكشرت لكم عن نابي، وأخرجتم مني خلقا لم أكن أحسنه، ومنطقا لم أكن أنطق به.... إلى آخره.
فهاج الناس ولم يرضوا من كلامه، فاشتد البلاء حتى وقع ما وقع.

موقف الصحابة من عثمان
وأما صحابة رسول الله (ص) فأكثرهم تألبوا على عثمان وقاموا في وجهه ينهونه عن أعماله التعسفية، وتصرفه بغير حق في الأمور المالية وانحيازه لبني أمية.
وقد ذكر الطبري(49): أن نفرا من أصحاب رسول الله (ص) تكاتبوا، فكتب بعضهم إلى بعض أن أقدموا، فإن الجهاد بالمدينة لا بالروم.
واستطال الناس على عثمان، ونالوا منه، وذلك في سنة أربع وثلاثين، ولم يكن أحد من الصحابة يذب عنه ولا ينهى، إلا نفر منهم: زيد بن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بن مالك وحسان بن ثابت.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج 2/134 ط. دار احياء التراث العربي:
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى: ثم إن سعيد بن العاص قدم على عثمان سنة إحدى عشرة من خلافته فلما دخل المدينة اجتمع قوم من الصحابة فذكروا سعيدا و أعماله و ذكروا قرابات عثمان و ما سوغهم من مال المسلمين و عابوا أفعال عثمان.
فأرسلوا إليه عامر بن عبد القيس ـ و كان متألها و اسم أبيه عبد الله و هو من تميم ثم من بني العنبر ـ فدخل على عثمان فقال له: إن ناسا من الصحابة اجتمعوا و نظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما فاتق الله و تب إليه
فقال عثمان: انظروا إلى هذا تزعم الناس أنه قارئ ثم هو يجي‏ء إلي فيكلمني فيما لا يعلمه! و الله ما تدري أين الله!
فقال عامر: بلى و الله إني لأدري إن الله لبالمرصاد!
فأخرجه عثمان.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج 2/144: و روى أبو جعفر [ الطبري ] قال: كان عمرو بن العاص شديد التحريض و التأليب على عثمان.
وقال في صفحة 149: قال أبو جعفر [ الطبري ]: أن عثمان مر بجبلة بن عمرو الساعدي، و هو في نادي قومه، و في يده جامعة فسلم فرد القوم عليه، فقال جبلة: لم تردون على رجل فعل كذا و فعل كذا؟! ثم قال لعثمان: و الله لأطرحن هذا الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه الخبيثة مروان و ابن عامر و ابن أبي سرح فمنهم من نزل القرآن بذمه و منهم من أباح رسول الله ص دمه.
وقال: قيل: إنه خطب يوما و بيده عصا كان رسول الله ص و أبو بكر و عمر يخطبون عليها فأخذها جهجاه الغفاري من يده، و كسرها على ركبته فلما تكاثرت أحداثه و تكاثر طمع الناس فيه كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة و غيرهم إلى من بالآفاق إن كنتم تريدون الجهاد فهلموا إلينا فإن دين محمد(ص) قد أفسده خليفتكم فاخلعوه فاختلفت عليه القلوب و جاء المصريون و غيرهم إلى المدينة حتى حدث ما حدث.
ونقل أبن أبي الحديد في شرح النهج 2/161: قال أبو جعفر [ الطبري ]: و كان لعثمان على طلحة بن عبيد الله خمسون ألفا، فقال طلحة له يوما: قد تهيأ مالك فاقبضه، فقال: هو لك معونة على مروءتك.
فلما حصر عثمان، قال علي (ع) لطلحة: أنشدك الله إلا كففت عن عثمان!
فقال: لا و الله حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها.
فكان علي (ع) يقول: لحا الله ابن الصعبة! أعطاه عثمان ما أعطاه و فعل به ما فعل!
ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج 9/3 عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب " أخبار السقيفة " بسنده عن أبي بن كعب الحارثي، في رواية مفصلة، إلى أن قال في صفحة 5: فتبعته [ أي: عثمان ] حتى دخل المسجد، فإذا عمار جالس إلى سارية، و حوله نفر من أصحاب رسول الله (ص) يبكون، فقال عثمان: يا وثاب! علي بالشرط فجاءوا ، فقال: فرقوا بين هؤلاء ففرقوا بينهم.
ثم أقيمت الصلاة فتقدم عثمان فصلى بهم، فلما كبر قالت امرأة من حجرتها: يا أيها الناس ثم تكلمت و ذكرت رسول الله (ص) و ما بعثه الله به، ثم قالت تركتم أمر الله و خالفتم عهده... و نحو هذا ثم صمتت، و تكلمت امرأة أخرى بمثل ذلك فإذا هما عائشة و حفصة.
قال: فسلم عثمان، ثم أقبل على الناس و قال إن هاتين لفتّانتان يحل لي سبهما و أنا بأصلهما عالم.
فقال له سعد بن أبي وقاص أ تقول هذا لحبائب رسول الله (ص)!
فقال: و فيم أنت و ما هاهنا؟!
ثم أقبل نحو سعد عامدا ليضربه فانسل سعد فخرج من المسجد، فاتبعه عثمان فلقي عليا (ع) بباب المسجد، فقال له (ع): أين تريد؟
قال أريد هذا الذي كذا و كذا ـ يعني سعدا يشتمه ـ فقال له علي (ع): أيها الرجل دع عنك هذا.
قال: فلم يزل بينهما كلام حتى غضبا، فقال عثمان أ لست الذي خلفك رسول الله (ص) يوم تبوك؟!
فقال علي عليه السلام: أ لست الفار عن رسول الله (ص) يوم أحد ؟!
قال: ثم حجز الناس بينهما.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 9/35 و 36: و روى الناس الذين صنفوا في واقعة الدار أن طلحة كان يوم قتل عثمان مقنعا بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام.
و رووا أيضا أنه لما امتنع على الذين حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دار لبعض الأنصار فأصعدهم إلى سطحها و تسوروا منها على عثمان داره فقتلوه.
و رووا أيضا: أن الزبير كان يقول: اقتلوه فقد بدل دينكم.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 3/27 و 28: و روى شعبة بن الحجاج عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: قلت له: كيف لم يمنع أصحاب رسول الله (ص) عن عثمان؟!
فقال إنما قتله أصحاب رسول الله (ص).
قال: و روي عن أبي سعيد الخدري، أنه سئل عن مقتل عثمان هل شهده أحد من أصحاب رسول الله (ص)
فقال: نعم، شهده ثمانمائة!
قال: و هذا عبد الرحمن بن عوف و هو عاقد الأمر لعثمان و جالبه إليه و مصيره في يده، يقول ـ على ما رواه الواقدي و قد ذكر له عثمان في مرضه الذي مات فيه ـ: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه، فبلغ ذلك عثمان، فبعث إلى بئر كان عبد الرحمن يسقي منها نعمه فمنع منها و وصى عبد الرحمن ألا يصلي عليه عثمان، فصلى عليه الزبير ـ أو سعد بن أبي وقاص ـو قد كان حلف لما تتابعت أحداث عثمان ألا يكلمه أبدا.
قال: و روى الواقدي، قال: لما توفي أبو ذر بالربذة، تذاكر أمير المؤمنين (ع) وعبد الرحمن فعل عثمان، فقال أمير المؤمنين (ع) له: هذا عملك! فقال عبد الرحمن: فإذا شئت فخذ سيفك و آخذ سيفي إنه خالف ما أعطاني.
وقال في شرح النهج 3/50 و 51: و قد روي من طرق مختلفة و بأسانيد كثيرة أن عمارا كان يقول: ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر و أنا الرابع و أنا شر الأربعة (... وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)(50) و أنا أشهد أنه قد حكم بغير ما أنزل الله.
وقال: و روي عن زيد بن أرقم من طرق مختلفة أنه قيل له بأي شي‏ء كفرتم عثمان؟
فقال: بثلاث: جعل المال دولة بين الأغنياء و جعل المهاجرين من أصحاب رسول الله (ص) بمنزلة من حارب الله و رسوله و عمل بغير كتاب الله.

موقف عثمان من صحابة النبي (ص) المقربين
ومن أسباب ثورة المسلمين على عثمان وقتله، إيذاؤه بعض الصحابة المقربين إلى رسول الله (ص) والمكرمين لديه، وما كان لهم جرم سوى إنهم كانوا ينهونه عن المنكر ويأمرونه بالمعروف، منهم: عبد الله بن مسعود، وهو الحافظ لكتاب الله، والكاتب الضابط للقرآن الكريم على عهد رسول الله (ص)، وكان يحظى عند النبي (ص) وعند الشيخين باحترام وافر.
وذكر ابن خلدون في تاريخه أن عمر بن الخطاب في أيام خلافته وحكومته كان يقرب عبد الله بن مسعود ولا يفارقه أبدا، لأنه كان ذا اطلاع كامل على القرآن، وقد روى المحدثون أحاديث كثيرة عن رسول الله (ص) في حقه، ذكرها ابن أبى الحديد أيضا في شرح النهج.
وذكر المؤرخون: أن عثمان لما أراد أن يجمع المصاحف أمر بأخذ النسخ الموجودة عند الأصحاب، ومنها النسخة التي كانت عند عبد الله بن مسعود، اذ كان من كتاب الوحي ومحل ثقة النبي (ص)، ولكن ابن مسعود أبا أن يعطيه نسخته، فذهب عثمان بنفسه إلى بيت ابن مسعود وأخذ نسخته قهرا، فلما سمع ابن مسعود أن نسخته أحرقت مع سائر النسخ، حزن حزنا شديدا وكان حينذاك بالكوفة، فبدأ يطعن في عثمان، ويكشف الستار عن أعماله المخالفة لسنة النبي والقرآن وسيرة الشيخين.
وكان الجواسيس يخبرون الوليد بن عقبة والي الكوفة، فكتب فيه الوليد إلى عثمان، فأمره أن يبعثه إلى المدينة.
وقال ابن أبى الحديد في شرح النهج 3/43 ـ عن الواقدي وغيره: أن ابن مسعود دخل المدينة ليلة جمعة، فلما علم عثمان بدخوله قال: أيها الناس إنه قد طرقكم الليلة دويبة، من تمشي على طعامه يقي‏ء و يسلح.
فقال ابن مسعود: لست بدويبة، و لكنني صاحب رسول الله(ص) يوم بدر، و صاحبه يوم أحد، و صاحبه يوم بيعة الرضوان، و صاحبه يوم الخندق، و صاحبه يوم حنين.
و صاحت عائشة: يا عثمان! أ تقول هذا لصاحب رسول الله (ص)؟!
فقال عثمان: اسكتي، ثم قال لعبد الله بن زمعة بن الأسود: أخرجه إخراجا عنيفا!
فأخذه ابن زمعة، فاحتمله حتى جاء به باب المسجد، فضرب به الأرض، فكسر ضلعا من أضلاعه.
فقال ابن مسعود: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان.
و في رواية: أن ابن زمعة كان مولى لعثمان، أسود مسدما طوالا.
وقال ابن أبى الحديد في صفحة 44: وقد روى محمد بن اسحاق عن محمد بن كعب القرظي: أن عثمان ضرب إبن مسعود أربعين سوطا، لأنه قام بتجهيز أبي ذر الغفاري ودفنه.
قال: وهذه قصة أخرى، ثم يذكرها بالتفصيل.
أقول: الله أكبر! وهل دفن مؤمن كأبي ذر، يستوجب التعزيز والتعذيب؟!
وقال ابن أبي الحديد في صفحة 42 و 43: و لما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه أتاه عثمان عائدا.
فقال: ما تشتكي؟
فقال: ذنوبي.
قال: فما تشتهي.
قال: رحمة ربي.
قال: أ لا أدعو لك طبيبا؟
قال: الطبيب أمرضني.
قال: أ فلا آمر لك بعطائك؟
قال: منعتنيه و أنا محتاج إليه و تعطينيه و أنا مستغن عنه!
قال: يكون لولدك.
قال: رزقهم على الله تعالى.
قال: استغفر لي يا أبا عبد الرحمن.
قال: أسأل الله أن يأخذ لي منك حقي!
وقال ابن أبي الحديد في صفحة 42: وقد روي عنه أيضا من طرق لا تحصى كثيرة، أنه كان يقول: ما يزن عثمان عند الله جناح ذباب.
قال ابن أبي الحديد: وتعاطي ما روي عنه في هذا الباب يطول، و هو أظهر من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه، و أنه بلغ من إصرار عبد الله على مظاهرته بالعداوة، أن قال لما حضره الموت: من يتقبل مني وصية أوصيه بها على ما فيه؟
فسكت القوم و عرفوا الذي يريد.
فأعادها، فقال عمار بن ياسر رحمه الله تعالى: أنا أقبلها.
فقال ابن مسعود: ألا يصلي علي عثمان.
قال: ذلك لك.
فيقال: إنه لما دفن جاء عثمان منكرا لذلك، فقال له قائل: أن عمارا ولي الأمر.
فقال لعمار: ما حملك على أن لم تؤذني؟!
فقال: عهد إلي ألا أؤذنك.
فوقف على قبره و أثنى عليه. ثم انصرف و هو يقول: رفعتم و الله أيديكم عن خير من بقي.
فتمثل الزبير بقول الشاعر:
لا ألفينك بعد الموت تندبنيوفي حياتي ما زودتني زادي
إيذاؤه عمار بن ياسر
ومن أعمال عثمان الثابتة عليه، ولم ينكره أحد من المؤرخين، وهو خلاف العدل والرحمة، وظلم ظاهر، لم يرض به المؤمنون، ولو كان أبو بكر وعمر حيين لأنكرا عليه وانتقما منه:
ضربه وإيذاؤه عمار بن ياسر، الصحابي الجليل الذي قال فيه رسول الله (ص): " عمار ملئ إيمانا من قرنه إلى قدميه ". وشهد له ولأبويه بالجنة، بل قال (ص): إن الجنة إليه.
وكان السبب في ضربه أمورا، منها كما نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج 3/50 قال: و روى آخرون أنّ السبب في ذلك أنّ عثمان مرّ بقبر جديد، فسأل عنه، فقيل: عبد اللّه بن مسعود، فغضب على عمّار لكتمانه إيّاه موته، إذ كان المتولّي للصلاة عليه و القيام بشأنه، فعندها وطئ عثمان عمّارا حتى أصابه الفتق.
قال ابن أبي الحديد في صفحة 50: و روى آخرون، أن المقداد و عمارا و طلحة و الزبير و عدة من أصحاب رسول الله (ص) كتبوا كتابا، عددوا فيه أحداث عثمان و خوفوه به و أعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع.
فأخذ عمار الكتاب فأتاه به، فقرأ منه صدرا ثم قال له: أ علَيّ تقدم من بينهم!
فقال: لأني أنصحهم لك.
قال: كذبت يا ابن سمية!
فقال: أنا و الله ابن سمية و ابن ياسر.
فأمر عثمان غلمانا له، فمدوا بيديه و رجليه، ثم ضربه عثمان برجليه ـ و هي في الخفين ـ على مذاكيره، فأصابه الفتق و كان ضعيفا كبيرا فغشي عليه.
قال ابن أبي الحديد في صفحة 49: ثم أخرج فحمل حتى أتي به منزل أم سلمة (رضي الله عنها)، فلم يصل الظهر والعصر والمغرب، فلما أفاق توضأ وصلى.
ومن أحب التفصيل، فليراجع مروج الذهب 1/437، وشرح النهج ـ لابن أبي الحديد ـ الجزء الثالث، طبع دار إحياء التراث العربي.

إيذاؤه أبا ذر الغفاري
ومن أسباب ثورة المسلمين على عثمان، إيذاؤه أبا ذر ونفيه إلى الشام، لكن أبا ذر لم يسكت، بل كان يتكلم في مظالم عثمان ومآثم معاوية بن أبي سفيان، عامله على الشام، فكتب معاوية إلى عثمان يخبره عن كلام أبي ذر، فطلبه عثمان واسترده إلى المدينة، فلما وصل إليها، نفاه إلى الربذة مع عياله، فبقي هناك حتى وافاه الأجل، فمات مقهورا، مغلوبا على أمره، وخلف ابنته الوحيدة فريدة من غير والٍ وحام في ذلك المكان الموحش.
وذكر إساءة عثمان وإيذاؤه لأبي ذر، صحابي رسول الله كثير من أعلامكم، منهم: ابن سعد في طبقاته 4/168، والبخاري في صحيحه في كتاب الزكاة.
وابن أبي الحديد في شرح النهج 3/54 ـ 58، واليعقوبي في تاريخه 2/148، والمسعودي في مروج الذهب 1/438، وغيرهم من المؤرخين فقد ذكروا تفصيل معاملة عثمان السيئة، وكذلك عماله المجرمين وإساءتهم لأبي ذر الطيب الصادق، صاحب رسول الله (ص).
حتى أن عثمان أهان الإمام علي (ع) لأنه شايع أبا ذر حين تبعيده إلى الربذة، فخرج لتوديعه مع الحسنين (ع)، وذكروا كذلك أن عثمان ضرب عبد الله بن مسعود أربعين سوطا لأنه تولى دفن أبي ذر عليه الرحمة(51).
الحافظ: إيذاء أبي ذر عليه الرحمة ونفيه لم يصدر من عثمان، وإنما كان بأمر بعض عماله ومن غير علمه، وإلا فإن عثمان أجل من هذه الأعمال، والمشهور أنه كان رحيما شفيقا يحمل بين جنبيه قلبا رقيقا.
قلت: إن كلامك هذا خلاف الواقع، وقد صدر من غير تحقيق، فإن التاريخ يؤكد أن الأوامر الصادرة في تبعيد أبي ذر إنما كانت من نفس عثمان إلى عماله ، وهم قاموا بكل ما فعلوا، تنفيذا لأوامره!
وإذا أردت أن تعرف حقيقة الأمر، فراجع تاريخ اليعقوبي 1/241، وشرح النهج لابن أبي الحديد 3/55، وغيرهما، فقد سجلوا كتاب عثمان إلى معاوية ـ وهو عامله على الشام ـ فقد كتب فيه: أما بعد فاحمل جندبا إلي على أغلظ مركب وأو عره.
فوجه به مع من سار به الليل والنهار، وحمله على شارف ليس عليها إلا قتب، حتى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد.
فبالله عليكم أنصفوا! هل هذا معنى الرحمة والرأفة مع شيخ كبير طاعن في السن كأبي ذر رحمة الله تعالى عليه!!(52).
ولا أدري لم استحق هذا الرجل الكريم ذلك الظلم العظيم؟!
وكيف نسي عثمان منزلة أبي ذر ورتبته السامية عند رسول الله (ص) ؟
وكيف نسي حديث النبي (ص) في حقه حين أعلم المسلمين فقال (ص): إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم.
قالوا: يا رسول الله! ومن هم؟
قال (ص): علي منهم ـ ثلاثا ـ ثم قال: وأبو ذر ومقداد وسلمان.
ذكر هذا الحديث من أعلامكم، منهم: الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء 1/172، وابن ماجة في السنن 1/66، والحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة: الباب 59، وابن حجر المكي في
" الصواعق المحرقة " الحديث الخامس من الأربعين حديثا في فضل الامام علي (ع) عن الترمذي والحاكم، وابن حجر العسقلاني في الاصابة 3/455، والترمذي في صحيحه 2/213، وابن عبد البر في الاستيعاب 2/557، والحاكم في المستدرك 3/130، والسيوطي في " الجامع الصغير " وغير هؤلاء من علماؤكم الموثوقين لديكم.
فهل النبي (ص) يعذر عثمان؟! هل يعذره في تلك المعاملات السيئة التي عامل بها حبيبه وصاحبه أبا ذر الذي أمره الله تعالى بحبه؟!!
هل هذه الأعمال البربرية، تصدر من ذي رحمة ورأفة، أم ذي صلابة وقسوة؟!!
الحافظ: إنما لاقى أبو ذر عقاب أعماله! لأنه كان في الشام يدعو الناس لعلي كرم الله وجهه، وكان يقول علانية: بأني سمعت رسول الله (ص) يقول : " علي خليفتي فيكم " فكان يعرض بعثمان والشيخين، بأنهم غصبوا الخلافة من علي بن أبي طالب، فكان بهذه الكلمات يوقع الخلاف بين المسلمين في الشام، فيشتت آراءهم بعد أن كانوا على رأي واحد، والخليفة المسؤول على حفظ الدين ووحدة الكلمة واتحاد المسلمين، ولم يكن بد لعثمان من طلب إرجاعه إلى المدينة، ليجعله تحت نظره ويراقب أمره.
قلت:
أولا: كان في المدينة تحت نظره ولكن أبعده إلى الشام ثم استرده إلى المدينة!
ثانيا: وهل الإسلام يخالف بيان الحق؟!
وهل من العدل والدين أن من صدع بالحق يجب أن ينفى ويعذب حتى يموت صبرا؟!!
ثالثا: وعلى فرض أن يكون من حق الخليفة أن يجعل من يحب تحت نظره ويراقب أموره، فهل من حقه أيضا أن يصدر حكما قاسيا في حق المتهم، قبل أن يراه ويحاكمه ويسمع كلامه ودفاعه عن نفسه؟!
وهل يسمح الدين القويم والعقل السليم للخليفة، أو لأي حاكم، أن يحكم على متهم ـ قبل ثبوت الجرم ـ وهو شيخ كبير مسن ضعيف نحيف، بحكم لا يطيقه ولا يتحمله؟! كما حكم عثمان وأمر في كتابه لمعاوية: أن احمل جندبا ـ يعني: أبا ذر ـ على أغلظ مركب وأوعره من غير قتب!! فلما وصل المدينة تساقط لحم فخذيه من الجهد.
فهل هذا بحكم العدل والرحمة؟! وهل هذا من المروءة والرأفة؟!!
وإذا كان عثمان يريد وحدة الكلمة واتحاد المسلمين فقام بتبعيد أبي ذر رحمه الله تعالى لكي لا تشق عصا المسلمين، فلماذا اختلف المسلمون على عهده وانشقت عصاهم، وثاروا على عثمان وقتلوه؟!!
فالمنصف المحق يعرف إنما اختلف المسلمون وثاروا على عثمان وخلعوه، بسبب ارتكابه تلك الأعمال المخالفة للإسلام والعرف!
وإذا كان الخليفة كما تزعمون، حريصا على وحدة الكلمة واتحاد المسلمين، فكان يجب عليه أن يلبي طلبات الثائرين، وكلها كانت أمورا شرعية وعرفية ، ومن أهمها أنهم كانوا يطالبوه بعزل بعض عماله المفسدين الظالمين، وإبعاد حاشيته ، أمثال: مروان طريد رسول الله (ص) والوليد بن عقبة الفاسق، ومعاوية الفاجر، الذين لعنوا في القرآن الكريم وعلى لسان النبي العظيم (ص).
الحافظ: من أين نعرف أن أبا ذر كان صادقا، وبالحق ناطقا، فنحن نقول: إنه كان يجعل الأحاديث على لسان رسول الله (ص): كما أنتم تقولون في أبي هريرة!

أبو ذر أصدق الناس
إني أستغرب كلامك، فكأنك لم تطالع تاريخ أبي ذر رحمه الله ولو لمرة واحدة، وإلا لما كنت تتكلم بهذا الكلام الواهي، فإن كلامك هذا يناقض كلام رسول الله (ص) ويخالف حديثه الشريف في حق أبي ذر إذ قال (ص): ما أقلت الغبراء وما أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.
وهذا حديث مشهور، نقله أعلامكم ومحدثوكم، منهم: محمد بن سعد في طبقاته 4/167 و 168، وابن عبد البر في الاستيعاب 1/48 باب جندب، والترمذي في صحيحه 2/221، والحاكم في المستدرك 3/342، وابن حجر العسقلاني في الاصابة 3/622، والمتقي الهندي في كنز العمال 6/169، والامام أحمد في المسند 2/163 و 175، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3/56 ط. بيروت ـ دار احياء التراث العربي، والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء، وفي كتاب " لسان العرب " وكتاب " ينابيع المودة " فقد رووه بأسانيد كثيرة وطرق عديدة.
بناء على هذا الحديث الشريف، لا يحق لكم أن تنسبوا الكذب لأبي ذر رحمه الله تعالى، لأن تكذيبه يكون تكذيب رسول الله (ص) وهو كفر!
ولذلك، فنحن نعتقد أن كل ما أعلنه أبو ذر صدق محض، وحق بحت، وليس لنا ولكم إلا التصديق والقبول.
وبناء على الحديث الآخر الذي رويته لكم قبل هذا، عن أعلامكم وطرقكم، بأن (ص) قال: إن الله تعالى أمرني بحب أربعة... كان أبو ذر أحدهم، ومن الواضح أن الله سبحانه لا يأمر نبيه بحبه رجل كاذب يجعل الحديث وينسبه إلى النبي والعياذ بالله!
ثم أقول: لو كان لبان، أي: لو كان أبو ذر كاذبا لكان علماؤكم بينوا أكاذيبه وأعلنوا كذبه، كما بينوا أباطيل أبي هريرة وأكاذيبه.
بالله عليكم فكروا في هذه الحقائق وأنصفوا!
هل من الحق والعدل والرحمة والرأفة: أن رجلا من خواص أصحاب محمد (ص) ومن المقربين لديه، والذي حبه فرض من الله عليه (ص) وهو أصدق الأمة، بل أصدق إنسان على وجه الغبراء وتحت السماء، يعامل تلك المعاملة السيئة، فيعذب وينفى إلى صحراء قاحلة، فيموت فيها جوعا وعطشا!! لأنه عمل بواجبه فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وصدع بالحق وأعلن الحقيقة؟!!
والجدير بالذكر أن رسول الله (ص) أخبر بابتلائه ومصابه في الله تعالى، فقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء 1/162 بإسناده عن أبي ذر الغفاري أنه قال: كنت عند رسول الله (ص) فقال: أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء من بعدي.
قلت: في الله؟
قال (ص): في الله.
قلت: مرحبا بأمر الله.
والآن، وبعد سرد هذه الحوادث الفجيعة والوقائع الفظيعة، بقي عليكم، إما أن تردوا وتكذبوا كل أعلامكم وكبار علمائكم من أصحاب الصحاح والمسانيد والتواريخ والتفاسير وغيرهم الذين ذكروا هذه الحوادث ونقلوا تلك الوقائع.
وإما أن تذعنوا بأن عثمان لا تشمله الآية الكريمة، ولا تنطبق عليه جملة (رحماء بينهم) فقد كان فظا غليظا، وصعبا قاسيا، شديدا على المؤمنين، ورؤوفا رحيما شفيقا بالفاسقين والمنافقين!!
الحافظ: لقد ثبت عندنا وعند كثير من العلماء الأعلام: أن أبا ذر رحمه الله، هو الذي اختار المقام في الربذة من غير إجبار، بل أحب أن يجتنب الأحداث، فسافر إلى مسقط رأسه الربذة.
قلت: هذا قول بعض المتأخرين من علمائكم المتعصبين، وهو قول اجتهادي من غير دليل وبدون أي مستند تاريخي(53)، وإلا فكبار علمائكم ذكروا أنه أبعد إلى الربذة بالقهر والجبر، حتى كاد أن يكون هذا الخبر من المسلمات غير القابلة للنقاش.
وكنموذج، انقل هذا الخبر الذي رواه الامام أحمد في المسند 5/156، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3/57، قال: روى الواقدي عن مالك بن أبي الرجال، عن موسى بن ميسرة: أن أبا الأسود الدؤلي قال: كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه، فنزلت الربذة، فقلت له: أ لا تخبرني؟ أ خرجت من المدينة طائعا أم أخرجت مكرها؟
فقال: كنت في ثغر من ثغور المسلمين، أغني عنهم، فأخرجت إلى مدينة الرسول (ص) فقلت: أصحابي و دار هجرتي، فأخرجت منها إلى ما ترى!
ثم قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد، إذ مر بي رسول الله (ص) فضربني برجله و قال: لا أراك نائما في المسجد!
فقلت: بأبي أنت و أمي! غلبتني عيني فنمت فيه.
فقال: كيف تصنع إذا أخرجوك منه؟!
فقلت: إذن ألحق بالشام، فإنها أرض مقدسة، و أرض بقية الإسلام ، و أرض الجهاد.
فقال: فكيف تصنع إذا أخرجت منها؟!
فقلت: أرجع إلى المسجد.
قال: فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟!
قلت: آخذ سيفي فأضرب به.
فقال (ص): أ لا أدلك على خير من ذلك، انسق معهم حيث ساقوك، و تسمع و تطيع، فسمعت و أطعت، و أنا أسمع و أطيع، و الله ليلقين الله عثمان و هو آثم في جنبي.
و كان يقول بالربذة: ما ترك الحق لي صديقا، ردني عثمان بعد الهجرة أعرابيا!

علي مصداق (رحماء بينهم)
كل ما ذكرناه كان ردا على تأويل الشيخ عبد السلام لجملة (رحماء بينهم) على عثمان، وقد أثبتنا خلافه.
واعتقادنا أن الذي يكون من أجلى مصاديق هذه الجملة هو الإمام علي عليه السلام، إذ حينما بويع بالخلافة وتسلم الحكم، عزل كل من ظلم الناس وجار على الضعفاء في حكومة عثمان.
وقد أشار عليه بعض الصحابة أن يترك الأمور على حالها ويقوي أركان حكومته، فإذا استتب له الأمر وتمكن من الرقاب بدأ بعزلهم واحدا واحدا، فأجابه الإمام: والله لا أداهن في ديني، ولا أعطي الرياء في أمري.
ولما أشار عليه ابن عباس في معاوية فقال: ولِّه شهرا واعزله دهرا.
قال عليه السلام: والله لا أطلب النصر بالجور، فليس لي عند الله عذر إن تركت معاوية ساعة يظلم الناس.
وجاءه طلحة والزبير يطلبان حكومة مصر والعراق، فلو لبى طلبهما لما خرجا عليه وما كانت فتنة البصرة ومعركة الجمل، ولكنه هيهات أن يغلب على أمره، فإنه أبى أن ينصب للولايات إلا العدول الكفوئين من المؤمنين ممن امتحنهم الله عز وجل ونجحوا في الأحداث والفتن التي عاصروها، ولم يميلوا عن طريق الحق، ولم تلههم الدنيا بزخرفها، ولم يكنزوا الذهب والفضة، ولم يجمعوا أموال المسلمين المحرومين إلى أموالهم!
ولقد حورب عثمان وحصر، على أن يعزل بعض ولاته وعماله فلم يجب إلى ذلك، فكيف يفتتح الإمام علي عليه السلام أمره بهذه الدنية ويداري الأشخاص بالولايات، على أن يكون خليفة بالظاهر، وليس له مراقبة أمورهم والنظر في أعمالهم ؟!!
والجدير بالذكر، أننا نرى بعض الناس الذين ينظرون إلى أمور على ظواهرها ولا يفكرون في حقائقها، ولا يدرسون الوقائع دراسة تعمق وإمعان، فيقيسونها بمقياس الدنيا لا الدين، وينوها بمعيار الشياطين والمغوين، لا المعيار الذي عينه رب العالمين، فيستشكلون على سياسة أمير المؤمنين عليه السلام!
ولكن لو تعمقوا وأنصفوا، لأذعنوا أن عليا عليه السلام كان يريد إدارة البلاد والعباد بالسياسة الدينية والطريقة الإلهية، فهو لم يطلب الحكم إلا ليقيم الحق ويدحض الباطل، ويقيم حدود الله سبحانه على القوي والضعيف، فيأخذ حقوق الضعفاء المحرومين من الأقوياء الظالمين.
فالراعي والرعية والرئيس والمرؤوس عنده سواء، والأصل عنده رضا الله عز وجل لا رضا الناس، فلم تكن قاعدته في الحكم قاعدة غيره من الحكام والخلفاء ، إذ جعلوا رضا الناس واستمالة قلوب الرؤساء أصلا لحكوماتهم فطلبوا النصر بالجور.
فكان علي عليه السلام رحيما بالضعفاء، طالبا لحقوق المحرومين، مواسيا للمساكين، رؤوفا بالفقراء، عطوفا على الأرامل والأيتام، فكان يعرف بأبي الأرامل والأيتام، وصاحب المساكين.
وروى المحدثون والمؤرخون: أنه نظر الإمام علي عليه السلام إلى امرأة على كتفها قربة ماء، فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها، وسألها عن حالها ، فقالت: بعث علي بن أبي طالب زوجي إلى بعض الثغور فقتل، وترك صبيانا يتامى، وليس عندي شيء، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس، فانصرف الإمام علي عليه السلام وبات ليلته قلقا، فلما أصبح حمل زنبيلا فيه طعام، فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك، فقال: من يحمل وزري عني يوم القيامة؟ فأتى وقرع الباب فقالت: من هذا ؟ قال: أنا العبد الذي حمل معك القربة، فافتحي فإن معي شيئا للصبيان، فقالت: رضى الله عنك وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب، فدخل وقال: إني أحببت اكتساب الثواب، فاختاري بين أن تعجني وتخبزي وبين أن تعللي الصبيان لأخبز أنا، فقالت: أنا بالخبز أبصر عليه وأقدر، ولكن شأنك والصبيان، فعللهم حتى أفرغ من الخبز، قال : فعمدت إلى الدقيق فعجنته، وعمد علي عليه السلام إلى اللحم فطبخه، وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره.
فرأته امرأة تعرفه فقالت لأم الصبيان: ويحك هذا أمير المؤمنين ..
فكان رحيما ورؤوفا برعاياه حتى أهل الذمة منهم، فإنه كان يوما على المنبر في مسجد الكوفة فسمع بأن بسر بن أرطاة هاجم بعض البلاد التي كانت تحت حكومته، فروع الناس وأرعبهم وأخذ سوار امرأة معاهدة ذمية من يدها.
فبكى علي عليه السلام من هذا الخبر وقال: لو أن امرءا مات من هذا الخبر أسفا ما كان ملوما، بل كان به جديرا.
وكان عليه السلام رحيما بعدوه وصديقه، فإن عثمان على ما كان عليه من سوء التصرف وسوء السيرة معه حتى إنه ضرب الإمام عليه السلام بالسوط ـ كما رواه ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكار، في شرح النهج 9/16 ـ مع كل ذلك فقد ذكر المؤرخون ـ منهم ابن أبي الحديد في شرح النهج 2/148 ـ أنه: لما مُنع عثمان الماء واشتد الحصار عليه، فغضب علي عليه السلام من ذلك غضبا شديدا، وقال لطلحة: أدخلوا عليه الروايا فكره طلحة ذلك و ساءه، فلم يزل علي (ع) حتى أدخل الماء إليه.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434
التعديل الأخير تم بواسطة زكي الياسري ; 14-01-2010 الساعة 05:08 AM.


الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 20  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:10 AM


ونقل أيضا في صفحة 153 عن أبي جعفر ـ الطبري، صاحب التاريخ ـ قال: فحالوا بين عثمان و بين الناس، و منعوه كل شي‏ء حتى الماء، فأرسل عثمان سرا إلى علي (ع) و إلى أزواج النبي (ص) أنهم قد منعونا الماء، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا ماء فافعلوا.
فجاء علي (ع) في الغلس، فوقف علي (ع) على الناس، فوعظهم و قال: أيها الناس! إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين و لا أمر الكافرين، إن فارس و الروم لتأسر فتطعم و تسقي، فالله الله! لا تقطعوا الماء عن الرجل.
فأغلظوا له و قالوا: لا نَعِم و لا نعمة عين.
فلما رأى منهم الجد نزع عمامته عن رأسه و رمى بها إلى دار عثمان يعلمه أنه قد نهض، و عاد.... إلى آخره.

مقايسة بين علي عليه السلام وعثمان
لقد سبق أن ذكرنا عطايا عثمان لأقاربه ورهطه، أمثال أبي سفيان والحكم بن أبي العاص وابنه مروان وغيرهم، فكان يخصص أموال المسلمين من بيت المال بهؤلاء ونظرائهم، ويمنعها عن أهلها أبي ذر وعبد الله بن مسعود وغيرهما.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج 9/16: و روى الزبير بن بكار عن الزهري، قال: لما أتي عمر بجواهر كسرى، وضع في المسجد فطلعت عليه الشمس فصار كالجمر، فقال لخازن بيت المال: ويحك! أرحني من هذا، و اقسمه بين المسلمين، فإن نفسي تحدثني أنه سيكون في هذا بلاء و فتنة بين الناس.
فقال: يا أمير المؤمنين، إن قسمته بين المسلمين لم يسعهم و ليس أحد يشتريه، لأن ثمنه عظيم، و لكن ندعه إلى قابل، فعسى الله أن يفتح على المسلمين بمال فيشتريه منهم من يشتريه.
قال: ارفعه فأدخله بيت المال.
و قتل عمر و هو بحاله، فأخذه عثمان لما ولي الخلافة فحلى به بناته!
هذا، وانظروا إلى الخبر الذي نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج 11/253، قال: سأل معاوية عقيلا عن قصة الحديدة المحماة.
قال [ عقيل ]: نعم، أقويت و أصابتني مخمصة شديدة، فسألته فلم تند صفاته، فجمعت صبياني و جئته بهم، و البؤس و الضر ظاهران عليهم، فقال ائتني عشية لأدفع إليك شيئا.
فجئته يقودني أحد ولدي، فأمره بالتنحي، ثم قال: أ لا فدونك، فأهويت ـ حريصا قد غلبني الجشع، أظنها صرة ـ فوضعت يدي على حديدة تلتهب نارا، فلما قبضتها نبذتها، و خرت كما يخور الثور تحت يد جازره.
فقال لي: ثكلتك أمك! هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا، فكيف بك و بي غدا إن سلكنا في سلاسل جهنم؟!
ثم قرأ: (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُون)(54).
ثم قال: ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلا ما ترى، فانصرف إلى أهلك.
فجعل معاوية يتعجب، و يقول: هيهات هيهات! عقمت النساء أن يلدن مثله! انتهى.
فقايسوا بين الاثنين، واعرفوا الحق في أين!

عفوه عن الأعداء
كان علي عليه السلام في أعلى مرتبة من مراتب العفو والصفح، كان يقول: لكل شيء زكاة، وزكاة الظفر بعدوك العفو عنه.
ولقد عفا عن مروان بن الحكم وعبدالله بن الزبير لما ظفر بهما وهما أسيرين مقيدين في يوم الجمل، فأمر بفك قيدهما وأطلق سراحهما، مع العلم أنهما كانا من ألد أعدائه وأشد مبغضيه.
وصفحه عن عائشة، أعظم من كل عفو وصفح، لأنها سببت تجمع الناس الغافلين، وأغوت الجاهلين، وقادتهم لقتال أمير المؤمنين وسيد الوصيين عليه السلام ، فهي التي أضرمت نار الحرب وأججت الفتنة، ومع كل ذلك، لما اندحر أنصارها، وانكسر جيشها، وسقطت من الجمل مغلوبة مقهورة، أسيرة في أيدي المؤمنين، أمر الإمام علي عليه السلام أخاها محمد بن أبي بكر أن يأخذها إلى بيت في البصرة ويقوم بخدمتها ويكرمها.
وبعد ذلك هيأ الإمام عليه السلام عشرين امرأة من قبيلة عبد القيس، وأمرهن بلبس ملابس الرجال والعمائم، وأن يحملن معهن السيوف والسلاح ويلثمن حتى لا يعرفن، وأمرهن أن يحطن بأم المؤمنين عائشة ويوصلنها على المدينة المنورة، وأرسل خلف النسوة رجالا مسلحين ليراقبوهن من بعيد ويذبوا عنهن عند الحاجة.
فلما وصلت إلى المدينة ونزلت بيتها واستقرت، اجتمعت زوجات رسول الله (ص) وبعض المؤمنات من أهل المدينة عندها وعاتبنها على خروجها! فأظهرت الندم، وشكرت لعلي عليه السلام عفوه وصفحه عنها ومقابلته لها بالرحمة والكرامة، إلا أنها قالت: ولكن ما كنت أظن أن يبعثني علي بن أبي طالب مع رجال أجانب من البصرة إلى المدينة، فإنه ما راعى حرمة رسول الله (ص) في حبيبته!!
فهنا كشفن المرافقات لها لثامهن وخرجن من زي الرجال إلى ظاهرهن وحقيقتهن.
فخجلت كثيرا وشكرت عليا أكثر من ذي قبل!
نعم هكذا يكون أولياء الله وخلفاؤه.

معاوية يمنع وعلي عليه السلام يسمح
وأذكر لكم شاهدا آخر على رأفة علي عليه السلام ورحمته حتى بالخارج عليه لقتله، مثل معاوية وحزبه الفاسقين، في صفين.
لقد ذكر جميع المؤرخين وأصحاب السير، منهم: المسعودي في مروج الذهب، والطبري في تاريخه، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3/318 و10/257، وينابيع المودة ـ للقندوزي ـ باب 51، وغيرهم ذكروا أن معاوية استولى على الفرات فمنع جيش الإمام علي عليه السلام من حمل الماء، وقال: لا والله لا ندعهم يشربوا حتى يموتوا عطشا!
فهاجمهم جيش الإمام علي عليه السلام واستولوا على الفرات وانهزم جيش معاوية، ولكن عليا عليه السلام لم يمنعهم الشرب وسمح لهم بحمل الماء.
بالله عليكم أيها الحاضرون أنصفوا! أي الخليفتين تشمله الجملة من الآية الكريمة (رحماء بينهم) ؟
وإذا كنتم تريدون تعريف الآية الكريمة وإعرابها كاملة..
فيكون (محمد رسول الله ) مبتدأ (والذين معه ) معطوف على المبتدأ وخبره وما بعده خبر بعد الخبر، وكلها صفات شخص واحد: الذين يعدون مع رسول الله (ص) ويوصفون بمعيته، هم الذين يكونون أشداء على الكفار، رحماء بينهم... إلى آخره.
وحيث إن هذه الصفات ما اجتمعت في أحد من الصحابة غير علي عليه السلام، فالذي يعد مع رسول الله (ص) معية حقيقية معنوية، فلا فارقه ولا فكر بمفارقته حتى ساعة واحدة، هو علي عليه السلام، فكأنهما أصبحا حقيقة ونفسا واحدة، اتحدا روحا ومعنى وإن افترقا جسما وبدنا.
الشيخ: عندنا إجابات وردود كثيرة على كلامكم، ولكن نكتفي بواحدة منها، وهي: إن معاني الآية الكريمة إذا كانت تنطبق على سيدنا علي كرم الله وجهه فقط، ولم تشمل أحدا غيره، فلماذا جاءت الآية على صيغة الجمع؟! فتقول والذين معه، أشداء، رحماء، ركعا، سجدا، يبتغون، سيماهم، وجوههم... كلها كلمات على صيغة الجمع.
قلت:
أولا: أنا حاضر لأستمع كل إجاباتكم وردودكم، وإلا فسكوتكم يدل على صحة حديثي وربما كان عنكم مغالطات تسمونها إجابات! فاطرحوها، فإني لا أتركها بلا جواب، إن شاء الله تعالى.
ثانيا: إن سؤالكم هذا، نقاش لفظي، لأنكم تعلمون أن في كلام العرب والعجم يطلقون صيغة الجمع على المفرد من أجل التعظيم والتفخيم، وكم لها في القرآن نظائر! منها:

آية الولاية ونزولها في الامام علي عليه السلام
القرآن الكريم هو أعظم مرجع في اللغة العربية، وأقوى سند لها، وفي ما نحن فيه أيضا، القرآن دليل قاطع، وبرهان ساطع.
فنجد فيه آية كريمة أخرى وهي: آية الولاية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(55)، فكلماتها على صيغة الجمع، واتفق المفسرون والمحدثون من الفريقين ـ الشيعة والسنة ـ أنها نزلت في حق علي عليه السلام وحده، منهم: الإمام الفخر الرازي في " التفسير الكبير " 3/431، والإمام أبو اسحاق الثعلبي في تفسير " كشف البيان " وجار الله الزمخشري في " الكشاف " 1/422، الطبري في تفسيره 6/186، أبو الحسن الرماني في تفسيره، ابن هوازن النيسابوري في تفسيره، ابن سعدون القرطبي في تفسيره، الحافظ النسفي في تفسيره المطبوع في حاشية تفسير الخازن البغدادي، الفاضل النيسابوري في غرائب القرآن 1/461، أبو الحسن الواحدي في أسباب النزول: 148، الحافظ أبو بكر الجصاص في تفسير أحكام القرآن:542، الحافظ أبو بكر الشيرازي في كتابه " ما نزل من القرآن في علي عليه السلام "، أبو يوسف الشيخ عبد السلام القزويني في تفسيره الكبير، القاضي البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل 1/345، جلال الدين السيوطي في الدر المنثور 2/293، القاضي الشوكاني في تفسيره " فتح الغدير " السيد محمود الألوسي في تفسيره " روح المعاني " الحافظ ابن أبي شيبة الكوفي في تفسيره، ابو البركات في تفسيره 1/496، الحافظ البغوي في " معالم التنزيل " الامام النسائي في صحيحه، محمد بن طلحة الشافعي في " مطالب السؤول " ابن أبي الحديد في شرح النهج 13/277، الخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره 1/496، الحافظ القندوزي في " ينابيع المودة " الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه " المصنف "، رزين العبدري في " الجمع بين الصحاح الستة "، ابن عساكر في تاريخه، سبط ابن الجوزي في التذكرة: 9، القاضي عضد الأيجي في كتابه " المواقف ":276، السيد الشريف الجرجاني في شرح المواقف، العلامة ابن الصباغ المالكي في " الفصول المهمة ": 123، الحافظ أبو سعد السمعاني في " فضائل الصحابة "، أبو جعفر الاسكافي في " نقض العثمانية "، الطبراني في الأوسط، ابن المغازلي في " مناقب علي بن أبي طالب "، العلامة الكنجي القرشي الشافعي في " كفاية الطالب "، العلامة القوشجي في " شرح التجريد "، الشبلنجي في نور الأبصار: 77، محب الدين الطبري في الرياض النضرة 2/227، وغيرهم من كبار أعلامكم.
رووا عن السدي ومجاهد والحسن البصري والأعمش وعتبة بن أبي حكيم وغالب بن عبد الله وقيس بن ربيعة وعباية بن ربعي وعبدالله بن عباس وأبي ذر الغفاري وجابر بن عبد الله الأنصاري وعمار بن ياسر وأبو رافع وعبد الله بن سلام، وغيرهم من الصحابة، رووا أن الآية الكريمة نزلت في شأن سيدنا علي عليه السلام، وقد اتفقوا على هذا المضمون وان اختلفت ألفاظهم، قالوا:
إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يصلي في المسجد، إذ دخل مسكين وسأل المسلمين الصدقة والمساعدة، فلم يعطه أحد شيئا، وكان علي عليه السلام في الركوع فأشار بإصبعه إلى السائل، فأخرج الخاتم من يد الإمام علي عليه السلام، فنزلت الآية في شأنه وحده على صيغة الجمع، وذلك من أجل التعظيم والتفخيم لمقامه عليه السلام.
الشيخ عبد السلام: إن هذا التفسير وشأن النزول لم يكن قول جميع علمائنا، فقد خالف هذا القول جماعة، فمنهم القائل: إنها نزلت في شأن الأنصار، وبعض قالوا: نزلت في شأن عبادة بن الصامت، وجماعة قالوا: نزلت في حق عبد الله بن سلام.
قلت: إني أتعجب منكم، حيث تتركون قول أعظم أعلامكم وأشهر علمائكم وأكثرهم، إضافة إلى إجماع علماء الشيعة في ذلك، وتتمسكون بأقوال شاذة من أفراد مجهولين أو معلومين بالكذب والنصب والتعصب، بحيث نجد أقوالهم ورواياتهم مردودة وغير مقبولة عند كبا علمائكم.
والجدير بالذكر أن بعض علمائكم ادعى إجماع المفسرين واتفاقهم على أن الآية: نزلت في شأن الإمام علي عليه السلام، منهم: الفاضل التفتازاني، والعلامة القوشجي في شرح التجريد، قال: إنها باتفاق المفسرين نزلن في حق علي بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع..
فهل العقل السليم يسمح لكم بترك قول جمهور العلماء والمفسرين وتتمسكوا بأقوال واهية وشاذة صدرت من المتعصبين والمعاندين الجاحدين للحق والدين؟!

شبهات وردود
الشيخ عبد السلام: سماحتكم أردتم بهذه الآيات أن تثبتوا خلافة سيدنا علي كرم الله وجهه بلا فصل بعد النبي (ص)، والحال أن فيها أمورا تمنع من قصدكم.
أولا: كلمة " الولي " في الآية بمعنى المحب، لا بمعنى الإمام والخليفة، وإذا كانت بالمعنى الذي تقولونه فلا ينحصر الولي في رجل واحد، بل تشمل الآية أفرادا كثيرين، على القاعدة المقررة عند العلماء وهي: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المعنى والسبب، وعلى هذا فالإمام علي كرم الله وجهه هو أحد أفراد الآية الكريمة.
ثانيا: صيغة الجمع في كلمة (وليكم) وكلمة (الذين) تفيد العموم، وحمل الجمع على الفرد ـ بدون دليل ـ يكون تأويلا لكلام الله تعالى بغير مجوز.
قلت:
أولا: كلمة " الولي " جاءت بصيغة المفرد وأضيفت إلى ضمير الجمع ، أي إنما ولي المسلمين.
ثانيا: أجبناكم من قبل أن الأدباء واللغويين يجيزون إطلاق الجمع على الفرد لأجل التفخيم والتعظيم.
وأما القاعدة المقررة عند العلماء، أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فنحن أيضا نلتزم بها، فقد جاء في اللفظ (إنما وليكم...) وهي أداة حصر، فلذا نقول: إن الآية نزلت في شأن أمير المؤمنين عليه السلام والولاية الإلهية في عصره منحصرة فيه، فهو ولي المسلمين دون غيره، ولا يحق لأحد أن يدعي الولاية على الإمام علي عليه السلام ما دام في الحياة، فإذا مات أو قتل فالولاية الإلهية التي تضمنها الآية تنتقل إلى غيره، وهم الأئمة الأحد عشر من ولده، واحد بعد الآخر، فحينئذ يحصل مرادكم أيضا، لأنكم تقولون: إن الآية تشمل أفرادا كثيرين لا فردا واحدا.
فالأفراد المشمولون بالآية هم الأئمة المعصومون من أهل البيت عليهم السلام كما قال الزمخشري في " الكشاف " في ذيل الآية الكريمة: ولو أن الآية حصر في شأن علي عليه السلام فإن المقصود من نزولها بصيغة الجمع كان لترغيب الآخرين ليتبعوا عليا عليه السلام في هذا الأمر ويتعلموا منه.
ثالثا: أما قولكم بأن الشيعة أولوا الآية بغير مجوز ودليل، ما هو إلا سفسطة كلام تريدون من ورائه إغواء العوام.
ونحن ذكرنا لكم ثلة من أسماء كبار علمائكم وأشهر أعلامكم ومفسريكم الذين قالوا بأن الآية نزلت في شأن علي عليه السلام، وهذا القول إنما يكون تنزيل الآية وتفسيرها، لا تأويلا أو رأيا اجتهاديا.
الشيخ عبد السلام: أما كلمة (الولي) فهي بمعنى: المحب والناصر، لا بمعنى الأولى بالتصرف حتى تستنبطوا منها معنى الخلافة، لأنها إذا كانت بمعنى الخلافة، فيجب بعد نزول الآية أن يخلف علي كرم الله وجهه رسول الله في حال حياته إذا سافر أو غاب لبعض شؤونه، وأن يقوم مقامه ويتصرف في الأمور مثله (ص) وهذا الأمر لم يكن في حياة النبي (ص) فلذا نقول: إن كلامكم باطل.
قلت: بأي دليل تقول: إن هذا الأمر ـ أي قيام الإمام علي عليه السلام مقام النبي (ص) ـ لم يكن في حياة النبي (ص)؟!
فظاهر الآية يثبت مقام الولاية لعلي عليه السلام من حين نزولها ، واستمرار المقام بدليل الجملة الاسمية، وأن " الولي " صفة مشبهة، وهذان دليلان على ثبات ودوام مقام الولاية.
ويؤيد هذا المعنى أن النبي (ص) جعل عليا عليه السلام خليفته في المدينة حين خرج منها إلى تبوك، ولم يعزله بعد ذلك إلى أن توفي (ص).
ويؤيده حديث المنزلة، فإنه (ص) كرره في مناسبات كثيرة، قائلا : علي مني بمنزلة هارون من موسى، أو يخاطبه في الملأ: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.
وقد ذكرنا لكم بعض مصادره في الليالي الماضية.
وهذا دليل آخر على أن عليا عليه السلام كان خليفة النبي (ص) في غيابه لما كان حيا واستمرت خلافته للنبي (ص) بعد حياته أيضا.
الشيخ عبد السلام: لو تعمقتم في شأن نزول الآية كما تقولون وفكرتم فيه، لعدلتم عن رأيكم، لأنه لا يعد منقبة لسيدنا علي، بل يعد نقصا له كرم الله وجهه، وهو أجل من ذلك.
قلت:
أولا: لا يحق لأحد بلغ ما بلغ من العلم، أن يغير ويبدل شأن نزول آيات القرآن الحكيم، سواء ثبتت بها منقبة أو منقصة لأي شخص كان، فإن شأن النزول يتبع الواقع وليس بأمر اجتهادي، ولا يدخل فيه رأي هذا و ذاك، ولا يتصرف أحد في شأن نزول الآيات إلا شقي عديم الدين والأيمان، يتبع هواه ولا يطيع الله عز وجل، مثل البكريين في هذا الشأن، فإنهم اتبعوا قول عكرمة الكذاب وقالوا: إنها نزلت في شأن أبي بكر.
ثانيا: أوضحوا لنا كيف تكون الآية الكريمة منقصة لمن نزلت في شأنه؟!
الشيخ عبد السلام: لأنه من جملة خصال سيدنا علي كرم الله وجهه التي تعد من أجمل خصاله وفضائله، أنه لما كان يقف للصلاة كان ينسى نفسه وكل شيء سوى الله سبحانه، فلا يحس ولا يبصر إلا عظمة الله وآياته.
وقد روى بعض العلماء، أنه عليه السلام لما أصيب بسهم في رجله في إحدى المعارك، فأشار عليه طبيب جراح ليأذن له حتى يشق اللحم ويخرج السهم من رجله، فأبى عليه السلام.
ثم لما وقف بين يدي الله عز وجل واستغرق في العبادة في حال السجود أمر الإمام الحسن ـ رضي الله عنه ـ أن يخرج الجراح السهم من رجل أبيه، فأخرجه وما أحس سيدنا علي أبدا!
فإن رجلا هذا حاله حين الصلاة، كيف يلتفت إلى سائل فقير فيعطيه خاتمه وهو في حال الركوع؟!
ألم يكن انصرافه عن الله تعالى والتفاته إلى الفقير نقصا لصلاته ونقضا لعبادته؟!
قلت: إن هذا الإشكال أهون من بيت العنكبوت! لأن التفات المصلي إلى الأمور المادية تعد نقصا، وأما إلى الأمور المعنوية فهو كمال، فإعطاء الزكاة والصدقة للفقير عبادة مقربة على الله سبحانه، والصلاة ـ أيضا ـ عبادة أقامها علي عليه السلام قربة إلى الله تعالى، فهو لم يخرج عن حال التقرب إلى الله، ولم ينصرف عن العبادة إلى عمل غير عبادي، وإنما انصرف من الله تعالى إلى الله، وتكررت عبادته، فقد آتى الزكاة في حال الصلاة، فجمع فرضين ليكسب رضا الله عز وجل ويتقرب إليه، وقد قربه الباري سبحانه وتعالى وقبل منه الزكاة والصلاة، فأنزل الآية وأعطاه الولاية، ليكون دليلا على قبول عمله وعبادته.
ألم يكن هذا دليل على فضل الإمام علي عليه السلام وكماله؟!
ما لكم كيف تحكمون؟!

عود على بدء
فثبت أن الذي تنطبق عليه الآية الكريمة تطبيقا كاملا وصحيحا وصريحا من غير تأويل وتعليل، إنما هو الإمام علي عليه السلام الذي كان مع النبي (ص) معية امتزجت نفسه عليه السلام بنفسه (ص) الطيبة، وأخلاقه عليه السلام بأخلاقه (ص) الكريمة، وصفاته عليه السلام بصفاته (ص) الحميدة، حتى أصبحا حقيقة واحدة لا يمكن افتراقهما.
وثبت أنه لم يكن أشد منه عليه السلام على الكفار، ولا أرحم وأرأف منه عليه السلام بالمؤمنين.
فكان صلب الإيمان، ثابت العقيدة ما شك في النبوة والدين لحظة واحدة، ولا تزلزل في رسالة سيد المرسلين طرفة عين أبدا.
الشيخ عبد السلام: لا أدري ما الذي تقصده من هذه الكنايات والنكايات؟!
فهل شك أحد الخلفاء الراشدين والصحابة المهتدين، بعد ما آمنوا بالدين؟!
وهل تزلزل أحدهم في رسالة خاتم النبيين؟! حتى تقول: إن عليا ما شك وما تزلزل! بل كلهم كذلك، ما شكوا وما تزلزلوا، فلماذا هذا التأكيد على سيدنا علي كرم الله وجهه؟!
لعلك تريد أن تقول: بأن الشيخين أو غيرهما من الصحابة الكرام شكوا في الدين وتزلزلوا في الأيمان؟!
قلت: يا شيخ! أشهد أني لم أقصد بكلامي ما ظننت، ولو كان كذلك لأظهرته بالصراحة لا بالكناية.
الشيخ عبد السلام: إن أسلوب حديثك ينبئ بأن عندك شيئا في هذا المجال، ولا تريد أن تظهره بالمقال، ولكني أريد منك أن تبين كل ما في قلبك ولا تبقي شيئا، ولا تنس أننا لا نقبل منك شيئا إلا مع الدليل والبرهان.
قلت: لو كنتم تعفوني من الخوض في هذا الموضوع لكان أجمل وأحسن ، وان كانت أدلتي كلها من كتب علمائكم الأعلام ومحدثيكم الكرام، ولكن رعاية لبعض الجهات أحب أن لا أطرح هذا الموضوع أبدا.
الشيخ عبد السلام: إنك بهذا الكلام ألقيت الشك في قلوب هؤلاء العوام، فإنهم سيظنون أن الشيخين ـ رضي الله عنهما ـ وغيرهما من الصحابة الكرام قد شكوا يوما وتزلزلوا في الدين الحنيف والنبوة!
فالرجاء الأكيد... إما أن تقيم الدليل والبرهان الصريح الواضح على هذا الكلام، أو أن ترجع في كلامك الذي فيه إبهام، وتعلن من غير إبهام، بأن الشيخين وغيرهما من الصحابة الكرام، ما زلت بهم الأقدام، ولم يشكوا طرفة عين في النبوة والإسلام.
قلت: يا شيخ! إن الشك والترديد كان يعتري أكثر الصحابة الذين كانوا في مرتبة دنيا من الإيمان، ولما دخل الإيمان قلوبهم، ولم يمتزج بنفوسهم.
فكان بعضهم يبقى في حال الشك والريب، فكانت آيات من القرآن الحكيم تنزل في شأنهم وذمهم، كالمنافقين الذين نزلت آيات كثيرة في سورة المنافقين وغيرها في ذمهم.
وبعضهم كان يعرض عليه الشك والترديد ثم يزول عنه بعد مدة. هذا جواب عام، ولا نريد أن نمس أحدا، فأرجوكم أنت تكتفوا بهذا المقدار في هذا الإطار.
الشيخ عبد السلام: إن الشك الذي وقع بسبب كلامك في قلوب الحاضرين باق، فإما أن تذكر ما يختلج في قلبك، واضحا من غير التباس، مستدلا بأقوال علمائنا المعتمدين عندنا وكتبنا الموثوقة المعتبرة لدينا، أو تصرح بأن الشيخين كانا في اليقين، وما شكا في الدين، ولم يتزلزلا في نبوة سيد المرسلين، طرفة عين.
قلت: يا شيخ! إن إلحاحك وإصرارك على هذا الأمر، اضطرني أن أكشف عن حقائق لم أكن أحب أن أكشف عنها.
نعم، لقد شك عمر بن الخطاب في نبوة خاتم النبيين (ص)، وتناقل الخبر بعض علمائكم الأعلام، مثل ابن المغازلي الشافعي في كتابه: مناقب علي بن أبي طالب(56) والحافظ محمد بن أبي نصير الحميدي في كتاب " الجمع بين الصحيحين " نقل عن عمر بن الخطاب أنه قال بعد يوم الحديبية: ما شككت في نبوة محمد قط كشكي يوم الحديبية.
فسياق الكلام يقتضي أنه شك في هذا الأمر كرارا، ولكن شكه يوم الحديبية كان أقوى وأشد.
النواب: لو سمحت، بين لنا ما كان سبب شك الفاروق في الحديبية ؟ وما الذي جرى هناك حتى وقع عمر منه في شك؟!
قلت: شرح القضية بالتفصيل يحتاج إلى وقت كثير، لكن ملخصه:

شك عمر في نبوة النبي (ص)
إن النبي (ص) رأى في ما يرى النائم، أنه دخل مكة مع أصحابه واعتمروا.
فلما أصبح حدث الأصحاب برؤياه، فسأله الأصحاب عن تأويلها وتعبيرها، فقال (ص):
" ندخل إن شاء الله ونعتمر " ولم يعين وقتا للدخول إليها.
ثم تهيأ مع الأصحاب للسفر إلى مكة وأداء العمرة، فلما وصل الحديبية ـ وهي بئر بالقرب من مكة على حدود الحرم ـ، علمت قريش بمجيء النبي والمسلمين، فخرجوا مسلحين ليمنعوهم من الدخول.
والنبي (ص) لم يكن يقصد من سفره إلا زيارة البيت الحرام وأداء العمرة ولم ينو الحرب والقتال، لذلك لما بعث المشركون من قريش وفدا للمفاوضة، استقبلهم رسول الله (ص) وفاوضهم وكتب معهم صلحا اشتهر بصلح الحديبية، على النبي والمسلمون في ذلك العام ثم يأتون في العام المقبل، ليؤدوا مناسكهم ويعتمروا، من غير مانع... إلى آخر الشروط.
فلما وقّع النبي (ص) على ذلك شك عمر بن الخطاب في نبوة سيد المرسلين محمد (ص) فقال
: النبي لا يكذب، أما قلت: ندخل مكة ونأتي بالمناسك معتمرين ؟! فلماذا صالحتهم على الرجوع ولم تدخل مكة؟!
فقال النبي (ص): لكني ما عينت وقتا، فهل قلت، ندخل مكة في هذا العام؟!
قال عمر: لا.
فقال (ص): أقول مؤكدا: ندخل مكة إن شاء الله، ورؤياي تتحقق بإذن الله تعالى.
فنزل جبرئيل بالآية الكريمة مؤكدا أيضا: (لقد صدق الله ورسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين، لا تخافون...) إلى آخرها(57).
فهذا ملخص صلح الحديبية وكيفية شك عمر بن الخطاب بنبوة خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد (ص).
وكان هذا الأمر امتحانا للمسلمين ليمتاز الثابت عن المتزلزل، والمتيقن عن الشاك والمرتاب.

هل يستمر الحوار؟
لما وصل الحديث إلى هنا، نظر بعض العلماء إلى ساعته وقال: أخذنا الحديث كل مأخذ، وانقضى من الليل نصفه أو أكثر، لذا نترك متابعة الموضوع والحديث إلى الليلة القابلة إن شاء الله.
الحافظ: لقد سررنا بلقياكم، وفرحنا بمجالسكم، وانجذبنا إلى حديثكم، فانقادت مسامعنا بل قلوبنا أيضا إلى كلامكم القويم، وبيانكم الرصين، وبقي عندنا كلام كثير ما أبديناه لضيق الوقت، وعدم المجال، فتؤجله إلى وقت آخر، وسفر آخر إنشاء الله، فإننا نريد أن رجع إلى الوطن [أفغانستان] فإن لنا هناك أعمالا وأشغالا كثيرة قد تعطلت وأمورا تأخرت، وإن لنا هناك مهاما تفوتنا إن لم نحضر.
لذا أرجو أن تتفضل علينا وتأتي إلى بلادنا، فنقوم بضيافتكم، ونستمر في البحث والحوار معكم، لعلنا نصل إلى نتيجة فيها رضا الله سبحانه.
النواب ـ متوجها إلى الحافظ قائلا ـ: نحن لا ندعك أن ترجع إلى بلادك حتى نصل إلى نتيجة قطعية مع السيد المبجل، لأنكم كنتم تقولون لنا إن الرفضة [الشيعة] ليسوا أهل بحث ومناقشة، ولا أهل عقل ومنطق، لأنهم لا يملكون أدلة وبراهين في إثبات عقائدهم، وإذا جلسوا معنا على طاولة النقاش والحوار سوف يتنازلون لدلائلنا وبراهيننا القاطعة.
ولكنا على عكس ذلك، رأيناكم خاضعين أمام براهين السيد، مستسلمين لأدلته، ونحن كلنا شهود.
فالرجاء منكم، أن تبقوا عندنا، وتستمروا في المناظرة والحوار حتى يتبين الحق وتظهر الحقيقة، فحينئذ نختار لأنفسنا المذهب الحق الثابت بدلائل القرآن الحكيم والعقل السليم.
الحافظ: نحن ما خضعنا ولا استسلمنا لأدلة السيد، وإنما سكتنا لنستفيد من بيانه العذب وحديثه الطيب فإنه خطيب عجيب، ذو سحر في البيان، وطلاقة في اللسان، فاستمعنا حلاوة كلامه، وذهلنا لسحر بيانه، وانجذبنا لعذوبة لسانه، فقد راعينا الأدب في حقه، وما أردنا أن يتأذى ضيفنا العزيز، وإلا فإنا بعد لم ندخل في صلب المواضيع الأساسية، وإذا أردنا أن نقيم الدليل والبرهان، لثبت لكم أن الحق معنا.
النواب: أما نحن فإلى هذه الساعة لم نسمع منكم كلاما مستدلا وحديثا مستندا إلى العقل السليم والقرآن الكريم.
وأما كلام مولانا السيد فكله مستند إلى كتاب الله وأحاديث رسول الله (ص) المروية في كتب علمائنا.
فإذا كانت عندكم أدلة وبراهين تنقض كلام مولانا السيد فأتوا بها ، وإلا فإني أقول لكم بصراحة: إن هذه المحاورات والمناظرات قد انتشرت في الصحف والمجلات، وأوقعت الشك والترديد في نفوس أكثر أهل السنة والجماعة، في هذا البلد.
فإذا لم تظهروا الحق، ولم تعلنوا الحقيقة التي يريدها الله تعالى من عباده، فإنكم مسؤولون أما الله سبحانه وأما صاحب الشريعة المقدسة، النبي الكريم (ص).
على أثر هذا الكلام امتقع لون الحافظ وتغير وجهه، وقد ظهر أثر الفشل والخجل على وجوه علماء القوم، فكان الحافظ ينظر إلي تارة وينظر إلى الأرض أخرى، ثم توجه إلى النواب قائلا:
أرجو أن تراعوا جانب الضيف الكريم فإنه كان يريد السفر إلى خراسان لزيارة علي بن موسى الرضا، ولكنه تفضل علينا بتأخير سفره، فلا يجوز لنا أن نأخره أكثر من هذا.
قلت: إنني أشكر ألطافكم وإحساسكم، صحيح إني كنت عازما على السفر والزيارة، وأخرت سفري لأجلكم، ولكني فرحت بتأخير سفري، إذ عملت بواجبي، وخدمت الدين والمجتمع في كشف الحقيقة وإثبات الحق من خلال مناظرتي وحواري معكم، وفي حضور هؤلاء الطيبين الكرام، فعرفوا الحق أحسن من ذي قبل.
وإنني مستعد لأبقى معكم وأستفيد من مجالستكم سنة أو أكثر حتى ينكشف الحق.
ولكني خجل من مضيفي الكريم الأستاذ الميرزا يعقوب علي خان، فقد أتعبته في هذه المدة كثيرا.
وإذا بالميرزا يعقوب علي خان وإخوانه ـ ذي الفقار علي خان، وعدالت علي خان، وكلهم من شخصيات قزلباش ـ أجابوا قائلين: يا مولانا السيد ما كنا نتوقع منكم هذا الكلام، فإن بيوتنا كلها بيوتك، ونحن نفتخر بخدمتك، ونتشرف بإقامتك عندنا.
ثم تقدم السيد محمد شاه ـ وهو من أشراف " بيشاور " وأعيانها ـ وكذلك السيد عديل أختر ـ وهو من علماء الشيعة في " بيشاور " ـ فقالوا: نحن نرجو من سماحتكم أن ينتقل هذا المجلس إلى بيوتنا حتى نحظى بخدمتكم ونتشرف ونفتخر بوجودكم عندنا.
فقال الميرزا يعقوب علي خان: لا يمكن ذلك أبدا، بل مادام مولانا في " بيشاور "، وهذا المجلس مستمر في الانعقاد، فبيتي محله ومستقره.
قلت: أشكر الجميع، وبالأخص صاحب البيت الأستاذ الكريم الميرزا يعقوب علي خان المحترم.
الحافظ ـ بعدما هدأ المجلس ـ قال: وأنا أنزل عند رغبة الأستاذ النواب والأخوة الحاضرين وأؤجل سفري وإن كانت عندي مهام وأعمال معطلة في أفغانستان ، ولكن أرجو أن ينتقل مجلسنا هذا في الليالي القابلة إلى البيت الذي نحن فيه، مراعاة للعدالة، ورعاية لأهل هذا البيت الكريم، فإنهم تعبوا كثيرا، وأثقلنا عليهم كثيرا.
قلت: لا مانع لدي من ذلك، ولا أصر على أن يكون المجلس في هذا البيت فقط، إلا أن هذا البيت فقط، إلا أن هذا البيت واسع بحيث يضم الجمع الغفير الذي يحضر كل ليلة، وإن وسائل الضيافة والتكريم متوفرة عندهم، فالاختيار إليكم، وأما أنا فأينما يتعقد المجلس أحضر إن شاء الله تعالى.
الميرزا يعقوب علي خان: أظن أن الحافظ لا يعرف عادات ورسوم قبيلة قزلباش، ولكن أهل البلد يعرفون ويعلمون أن قبيلتنا يحبون الضيف ويفرحون به، ويفتخرون بخدمته وخاصة إذا كان الضيوف علماء ومشايخ وسادة، مثل فضيلة مولانا السيد سلطان الواعظين، ومثل سماحة الحافظ، وحضرات العلماء الحاضرين، والاخوة الأعزة المحترمين من كل الطبقات والأصناف، فأهلا بكم ومرحبا في كل يوم.
الحافظ: أشكركم جميعا وأستودعكم الله، وإلى اللقاء في الليلة الآتية إن شاء الله تعالى.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليالي بيشاور, الرافضه, الرد على الروافض, ابو بكر, اسلام, اهل السنه و الجماعه, muslim shia sunna, عمر, عبدة القبور



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 03:26 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية