العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتدى القرآن الكريم

منتدى القرآن الكريم المنتدى مخصص للقرآن الكريم وعلومه الشريفة وتفاسيره المنيرة

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

خادم الشيعة
عضو برونزي
رقم العضوية : 21699
الإنتساب : Aug 2008
المشاركات : 933
بمعدل : 0.16 يوميا

خادم الشيعة غير متصل

 عرض البوم صور خادم الشيعة

  مشاركة رقم : 11  
كاتب الموضوع : خادم الشيعة المنتدى : منتدى القرآن الكريم
Icon1 الدرس الحادي عشر (المحكم والمتشابه)
قديم بتاريخ : 14-10-2012 الساعة : 02:03 AM


الدرس الحادي عشر (المحكم والمتشابه)
تعرّض القرآن الكريم للمحكم والمتشابه من الآيات، وذكر أن هناك فارقاً هاماً بينهما حيث يحقّ للناس اتباع المحكم، بينما المتشابه لا يتبعه إلاّ المنحرفون لأجل أهدافهم المنحرفة بغية الفتنة.

ومن هنا كان لزاماً علينا تمييز المحكم عن المتشابه لنكون على بصيرة في تعاملنا مع الآيات القرآنية الكريمة.

المعنى اللغوي:

ذكرت لمادة الإحكام عدة معان لغوية نذكر منها..

1) الإتقان.

2) ان المحكم هو الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب.

3) المنع، والردّ عن الظلم، وعن الأصمعي: "أصل الحكومة ردّ الرجل عن الظلم"، قال: ومنه سمّيت حكمة اللجام لأنّها ترد الدابّة، وعن جرير: "أحكِموا سفهاءكم أي امنعوهم".

كما ذُكرت لمادة المتشابه في اللغة عدة معان:

1) التشابه. قال ابن منظور: "فإنّ أهل اللغة قالوا معنى (متشابهاً) يشبه بعضه بعضاً في الجودة والحسن".

2) الالتباس بسبب قوة الشبه، قال في القاموس: تشابها واشتبها أشبه كل منهما الآخر حتى التبسا.

وفي القرآن الكريم وقعا وصفين للقرآن وللآيات الكريمة في عدة آيات:

1- قوله تعالى: ﴿الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾(1).

2- قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾(2).

3- قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ﴾(3).

4- قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾(4).

ويتركّز البحث هنا عن الآية الرابعة ومن خلال ذلك يتضح معنى الآية الثالثة.

ونشير - بايجاز - الى ما ذكره المفسّرون حول الإحكام والتشابه في الآيتين الاُوليين رغم أنّهما أجنبيتان عن بحثنا هنا.

أمّا الآية الأولى فقد ذكر الشيخ الطوسي في تفسيرها أن الإحكام منعُ الفعل من الفساد، وحكي عن مجاهد أنّه قال (أُحكمت آياته) على وجه الجملة (ثمّ فُصّلت) أي تبيّنت بذكرها آية آية(5). واقتبس منه السيد الطباطبائي حيث قال: "المراد بالإحكام حال من حالات الكتاب كان عليها قبل النزول، وهي كونه واحداً لم يطرأ عليه التجزي والتبعيض بعد بتكثر الآيات، فهو اتقانه قبل وجود التبعض، فهذا الإحكام وصف لتمام الكتاب، بخلاف وصف الإحكام والإتقان الذي لبعض آياته بالنسبة الى بعض آخر - يشير(قدس سره) للآية الرابعة - من جهة امتناعها عن التشابه في المراد"(6).

والذي نرجّحه - والله العالِم - أن وصف الآيات بالإحكام باعتبار مضمونها وأنه المنهج المستقيم والحقائق الثابتة المحكمة التي لا يشوبها الباطل، بعكس المناهج الجوفاء للمبادىء المنحرفة، كما في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ﴾(7). وعلى هذا التوجيه يتّضح الوجه في عطف التفصيل على الإحكام في الآية، باعتبار أن التفصيل في مرحلة بيان تلك المضامين المحكمة وهو متأخر عن طبيعة تلك المضامين.

وأمّا الآية الثانية فقد قال فيها الشيخ الطوسي(قدس سره): متشابهاً في الحِكَم التي فيه من الحجج والمواعظ والأحكام التي يعمل عليها في الدين وصلاح التدبير يشبه بعضه بعضاً لا تناقض فيه(8).

وقال السيد الطباطبائي(قدس سره) في تفسير التشابه في هذه الآية ب-"كون آياته ذات نسق واحد من حيث جزالة النظم واتقان الأسلوب وبيان الحقائق والحكم والهداية الى صريح الحق كما تدل عليه القيود المأخوذة في الآية، فهذا التشابه وصف لجميع الكتاب..."(9) هذا كلّه فيما يرتبط بالآيتين الأُوليين.


1- سورة هود: 1.

2- سورة الزمر: 23.

3- سورة محمد: 20.

4- سورة آل عمران: 7.

5- التبيان: 5 446.

6- الميزان: 3 20.

7- سورة ابراهيم: 24 - 26.

8- التبيان: 9 21.

9- الميزان: 3 21.

توقيع : خادم الشيعة
ليس كل من يطلب العدل فهو عادل

متى يأتي العدل كله على ظلم كله
من مواضيع : خادم الشيعة 0 التنوع البشري
0 رزية الخميس
0 التفكير
0 علي عليه السلام في القرآن
0 المخدرات ومضارها

خادم الشيعة
عضو برونزي
رقم العضوية : 21699
الإنتساب : Aug 2008
المشاركات : 933
بمعدل : 0.16 يوميا

خادم الشيعة غير متصل

 عرض البوم صور خادم الشيعة

  مشاركة رقم : 12  
كاتب الموضوع : خادم الشيعة المنتدى : منتدى القرآن الكريم
Icon1 الدرس الثاني عشر
قديم بتاريخ : 14-10-2012 الساعة : 02:08 AM


الدرس الثاني عشروأمّا الآية الرابعة - وهي المقصودة بالبحث هنا - فقد اختلف المفسّرون في تفسير الإحكام والتشابه الواردين فيها اختلافاً شاسعاً.

كما اختلفوا في سبب نزولها فقيل: أنّه عنى به وفد نجران لمّا حاججوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أمر عيسى (عليه السلام) وسألوه فقالوا: أليس هو كلمة الله وروحاً منه، فقال: بلى، فقالوا: حسبنا، فأنزل الله ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾ إلخ.

وقيل: هم اليهود طلبوا علم أُكُل هذه الأمّة أي مقدار رزقها وحظها من الدنيا.

وقيل هم المنافقون(1). وقيل غير ذلك...

ونشير هنا الى أهم الآراء في تفسير الإحكام والتشابه فى هذه الآية:

1) إنّ المحكم هو المبين، والمتشابه هو المجمل.

2) انّ المحكم من القرآن الآيات الناسخة، والمتشابه الآيات المنسوخة.

3) إنّ المحكم ما يكون هناك دليل على معناه سواء كان ذلك الدليل واضحاً أم خفياً، والمتشابه ما لا يكون هناك دليل عليه يمكن الرجوع إليه ليدل عليه، مثل وقت قيام الساعة. ونسب الزرقاني هذا الرأي لمن سمّاهم أهل السنّة(2).

4) انّ المحكم ما يراد منه ظاهره، والمتشابه ما يراد منه خلاف ظاهره.

5) إنّ المراد بالمتشابه كون الآية بحيث لا يتعين مرادها لفهم السامع بمجرد استماعها، بل يتردد بين معنى ومعنى حتى يرجع الى محكمات الكتاب فتُعيّن هي معناها وتبيّنها بياناً، فتصير الآية المتشابهة عند ذلك محكمة بواسطة الآية المحكمة، والآية المحكمة محكمة بنفسها.

وهذا الرأي اختاره السيد الطباطبائي، وذكر(قدس سره) ان سبب وصف المحكمات بأنّها أم الكتاب - والأم بحسب أصل معناه ما يرجع إليه الشيء - ليس إلاّ أنّ الآيات المتشابهة ترجع إليها. فالبعض من الكتاب - وهي المتشابهة - ترجع الى بعض آخر - وهي المحكمات - قال: "ومن هنا يظهر أنّ الإضافة في قوله: أم الكتاب ليست لامية كقولنا: أم الأطفال، بل هي بمعنى (من) كقولنا: نساء القوم، وقدماء الفقهاء ونحو ذلك، فالكتاب يشتمل على آيات هي أم آيات أخر، وفي إفراد كلمة الأم من غير جمع دلالة على كون المحكمات غير مختلفة في أنفسها، بل هي متفقة مؤتلفة"(3).

ونحن عندما نتمعّن في الآية الكريمة نلاحظ ما يلي:

1- إنّها قسّمت الآيات الى قسمين، ويبدو منها أن القسمين متباينان وغير متداخلين، فلكل منهما وصف خاص وأتباع معيّنون، حيث انّ المحكمات أمّ الكتاب، بينما المتشابهات ليست كذلك، كما أنّها تتميز ثانياً بأنّ تأويلها مختص بالله تعالى أو بما يشمل الراسخين في العلم. وثالثاً أن أتباعها الذين في قلوبهم زيغ، بخلاف المحكمات.

2- وصف المحكمات بأنّها أم الكتاب، قال الرازي في توجيه ذلك: الأُم في حقيقة اللغة الأصل الذي يكون منه الشيء، فلما كانت المحكمات مفهومة بذواتها، والمتشابهات انّما تصير مفهومة بإعانة المحكمات، لاجرم صارت المحكمات كالأُم للمتشابهات(4).

وعلى هذا - الذي بنى عليه كثير من العلماء - تكون الآيات المحكمات مرجعاً لفهم الآيات المتشابهة، وأنّها ليست أجنبية عنها.

3- ان الآية الكريمة فرضت إمكانية اتباع الآيات المتشابهة، ومعنى هذا ان الآيات المتشابهة ليست بالضرورة تكون مبهمة يمتنع اتباعها، كالحروف المقطعة ونحوها - على فرض ابهامها المطلق - بل ربّما يُفهم من الآية ان هناك ظهوراً للآيات المتشابهة في معنى ما، وأنّها ليست موجبة للحيرة المطلقة والإبهام وإلاّ لم يصلح ولم يصدق الاتباع لها.

4- يبدو من الآية الكريمة ان أتباع المتشابه هم أهل الزيغ والمنحرفون، ولا يشمل كل من أخطأ في فهم القرآن، بل ربّما يفهم منها ان هدف المنحرفين من اتّباع المتشابه هو الفتنة من خلال التفسير الكيفي الموافق لأهوائهم.

ومن مجموع هذه الملاحظات وبعض الشواهد الأخرى يمكن أن نفهم المقصود من المحكم والمتشابه في الآية الكريمة... بأنّ هناك مجموعة من الآيات تنافي بظاهرها بعض المفاهيم أو الأحكام الإسلامية التي دلّت عليها الشواهد والأدلة المعتبرة - سواء كان القرآن الكريم نفسه أم السنّة أم حكم العقل اليقيني - فتوجب وقوع الإنسان في الالتباس وسوء الفهم - كما تدل عليه لفظة المتشابه -، مما يفتح المجال للمنحرفين كي يبثوا سمومهم ويثيروا الشبهات حول القرآن الكريم أو الإسلام أو بعض التعاليم الصحيحة، وهذه هي الآيات المتشابهة التي أمر الله سبحانه المسلمين أن يتعاملوا معها بتعقل ورويّة، فلا هم ينزلقون في منزلق المنحرفين ولا هم يرفضون انتسابها للقرآن مثلاً، بل يؤمنون بها إجمالاً موكلين تحديد معانيها التفصيلية لله سبحانه ولو من خلال من خصّهم بتعليمها.

ورغم وجود هذه المجموعة من الآيات فإنّه لا يؤثر على دور القرآن الرئيسي وأهميّته باعتباره كتاب هداية ومناراً، لأنّ المحكمات من الآيات متكفلة للقيام بهذا الدور ووافية به، وكأنّ التعبير بأمّ الكتاب يشير الى ذلك. والله سبحانه العالم.

وعندما نرجع الى السنّة نجد مجموعة من النصوص تشير الى المحكم والمتشابه بما ينسجم مع هذا المعنى، منها:

1- ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم): "وإنّ القرآن لم ينزل ليكذّب بعضه بعضاً، ولكن نزل يصدّق بعضه بعضاً، فما عرفتم فاعملوا به، وما تشابه عليكم فآمنوا به"(5).

2- وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "المحكم ما يعمل به والمتشابه ما اشتبه على جاهله"(6).

3- وعن الإمام الرضا (عليه السلام): "من ردّ متشابه القرآن الى محكمه هُدي الى صراط مستقيم - ثم قال - إنّ في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن فردّوا متشابهها الى محكمها ولا تتبعوا متشابهها فتضلوا"(7).

وقد يتساءل المرء عن الحكمة من وجود المتشابه في القرآن، وللاجابة على ذلك نشير الى أمرين قد تكمن فيهما حكمة وجود المتشابه:

الأول: تأكيد حالة التعبّد والخضوع العملي لله تعالى، لأن الحياة مليئة بالفتن والاختبارات المتنوّعة، كما شاء الله لها ذلك ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾(8) وما لم تتأكد قضية التعبّد في نفس المؤمن يضعف ارتباطه الروحي بالله تعالى ولا يلبث أن يزيغ متأثراً بالمنحرفين من أصحاب المواهب القادرين على التأثير في مستمعيهم وأتباعهم.

الثاني: توجيه المسلم الى التمسّك بالمنهج الإلهي للطاعة، والحجج الذين اختارهم الله تعالى ليكونوا سبلاً الى هدايته، بدلاً من التخبّط يميناً وشمالاً تبعاً لاحتمالات واستحسانات تفتقر الى الحجة والبرهان، كما يحدث ذلك بتأثير الغرور النفسي الذي يصدّ الانسان عن الاعتراف بالجهل والعجز. والله العالم.


1- يراجع مجمع البيان:2 701.

2- يراجع مناهل العرفان: 2 291.

3- راجع الميزان: 3 20.

4- تفسير الرازي: 7 173.

5- الدر المنثور: 2 8.

6- تفسير العياشي: 1 162.

7- عيون أخبار الرضا: 1 290.

8- سورة العنكبوت: 1 - 2.



المكتبة المقروءة » علوم القرآن » دروس منهجية في علوم القرآن • الدرس الثاني عشر
- عدد القراءات: 227 - نشر في: 12-مايو-2007م
الدرس الثاني عشر
وأمّا الآية الرابعة - وهي المقصودة بالبحث هنا - فقد اختلف المفسّرون في تفسير الإحكام والتشابه الواردين فيها اختلافاً شاسعاً.

كما اختلفوا في سبب نزولها فقيل: أنّه عنى به وفد نجران لمّا حاججوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أمر عيسى (عليه السلام) وسألوه فقالوا: أليس هو كلمة الله وروحاً منه، فقال: بلى، فقالوا: حسبنا، فأنزل الله ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾ إلخ.

وقيل: هم اليهود طلبوا علم أُكُل هذه الأمّة أي مقدار رزقها وحظها من الدنيا.

وقيل هم المنافقون(1). وقيل غير ذلك...

ونشير هنا الى أهم الآراء في تفسير الإحكام والتشابه فى هذه الآية:

1) إنّ المحكم هو المبين، والمتشابه هو المجمل.

2) انّ المحكم من القرآن الآيات الناسخة، والمتشابه الآيات المنسوخة.

3) إنّ المحكم ما يكون هناك دليل على معناه سواء كان ذلك الدليل واضحاً أم خفياً، والمتشابه ما لا يكون هناك دليل عليه يمكن الرجوع إليه ليدل عليه، مثل وقت قيام الساعة. ونسب الزرقاني هذا الرأي لمن سمّاهم أهل السنّة(2).

4) انّ المحكم ما يراد منه ظاهره، والمتشابه ما يراد منه خلاف ظاهره.

5) إنّ المراد بالمتشابه كون الآية بحيث لا يتعين مرادها لفهم السامع بمجرد استماعها، بل يتردد بين معنى ومعنى حتى يرجع الى محكمات الكتاب فتُعيّن هي معناها وتبيّنها بياناً، فتصير الآية المتشابهة عند ذلك محكمة بواسطة الآية المحكمة، والآية المحكمة محكمة بنفسها.

وهذا الرأي اختاره السيد الطباطبائي، وذكر(قدس سره) ان سبب وصف المحكمات بأنّها أم الكتاب - والأم بحسب أصل معناه ما يرجع إليه الشيء - ليس إلاّ أنّ الآيات المتشابهة ترجع إليها. فالبعض من الكتاب - وهي المتشابهة - ترجع الى بعض آخر - وهي المحكمات - قال: "ومن هنا يظهر أنّ الإضافة في قوله: أم الكتاب ليست لامية كقولنا: أم الأطفال، بل هي بمعنى (من) كقولنا: نساء القوم، وقدماء الفقهاء ونحو ذلك، فالكتاب يشتمل على آيات هي أم آيات أخر، وفي إفراد كلمة الأم من غير جمع دلالة على كون المحكمات غير مختلفة في أنفسها، بل هي متفقة مؤتلفة"(3).

ونحن عندما نتمعّن في الآية الكريمة نلاحظ ما يلي:

1- إنّها قسّمت الآيات الى قسمين، ويبدو منها أن القسمين متباينان وغير متداخلين، فلكل منهما وصف خاص وأتباع معيّنون، حيث انّ المحكمات أمّ الكتاب، بينما المتشابهات ليست كذلك، كما أنّها تتميز ثانياً بأنّ تأويلها مختص بالله تعالى أو بما يشمل الراسخين في العلم. وثالثاً أن أتباعها الذين في قلوبهم زيغ، بخلاف المحكمات.

2- وصف المحكمات بأنّها أم الكتاب، قال الرازي في توجيه ذلك: الأُم في حقيقة اللغة الأصل الذي يكون منه الشيء، فلما كانت المحكمات مفهومة بذواتها، والمتشابهات انّما تصير مفهومة بإعانة المحكمات، لاجرم صارت المحكمات كالأُم للمتشابهات(4).

وعلى هذا - الذي بنى عليه كثير من العلماء - تكون الآيات المحكمات مرجعاً لفهم الآيات المتشابهة، وأنّها ليست أجنبية عنها.

3- ان الآية الكريمة فرضت إمكانية اتباع الآيات المتشابهة، ومعنى هذا ان الآيات المتشابهة ليست بالضرورة تكون مبهمة يمتنع اتباعها، كالحروف المقطعة ونحوها - على فرض ابهامها المطلق - بل ربّما يُفهم من الآية ان هناك ظهوراً للآيات المتشابهة في معنى ما، وأنّها ليست موجبة للحيرة المطلقة والإبهام وإلاّ لم يصلح ولم يصدق الاتباع لها.

4- يبدو من الآية الكريمة ان أتباع المتشابه هم أهل الزيغ والمنحرفون، ولا يشمل كل من أخطأ في فهم القرآن، بل ربّما يفهم منها ان هدف المنحرفين من اتّباع المتشابه هو الفتنة من خلال التفسير الكيفي الموافق لأهوائهم.

ومن مجموع هذه الملاحظات وبعض الشواهد الأخرى يمكن أن نفهم المقصود من المحكم والمتشابه في الآية الكريمة... بأنّ هناك مجموعة من الآيات تنافي بظاهرها بعض المفاهيم أو الأحكام الإسلامية التي دلّت عليها الشواهد والأدلة المعتبرة - سواء كان القرآن الكريم نفسه أم السنّة أم حكم العقل اليقيني - فتوجب وقوع الإنسان في الالتباس وسوء الفهم - كما تدل عليه لفظة المتشابه -، مما يفتح المجال للمنحرفين كي يبثوا سمومهم ويثيروا الشبهات حول القرآن الكريم أو الإسلام أو بعض التعاليم الصحيحة، وهذه هي الآيات المتشابهة التي أمر الله سبحانه المسلمين أن يتعاملوا معها بتعقل ورويّة، فلا هم ينزلقون في منزلق المنحرفين ولا هم يرفضون انتسابها للقرآن مثلاً، بل يؤمنون بها إجمالاً موكلين تحديد معانيها التفصيلية لله سبحانه ولو من خلال من خصّهم بتعليمها.

ورغم وجود هذه المجموعة من الآيات فإنّه لا يؤثر على دور القرآن الرئيسي وأهميّته باعتباره كتاب هداية ومناراً، لأنّ المحكمات من الآيات متكفلة للقيام بهذا الدور ووافية به، وكأنّ التعبير بأمّ الكتاب يشير الى ذلك. والله سبحانه العالم.

وعندما نرجع الى السنّة نجد مجموعة من النصوص تشير الى المحكم والمتشابه بما ينسجم مع هذا المعنى، منها:

1- ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم): "وإنّ القرآن لم ينزل ليكذّب بعضه بعضاً، ولكن نزل يصدّق بعضه بعضاً، فما عرفتم فاعملوا به، وما تشابه عليكم فآمنوا به"(5).

2- وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "المحكم ما يعمل به والمتشابه ما اشتبه على جاهله"(6).

3- وعن الإمام الرضا (عليه السلام): "من ردّ متشابه القرآن الى محكمه هُدي الى صراط مستقيم - ثم قال - إنّ في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن فردّوا متشابهها الى محكمها ولا تتبعوا متشابهها فتضلوا"(7).

وقد يتساءل المرء عن الحكمة من وجود المتشابه في القرآن، وللاجابة على ذلك نشير الى أمرين قد تكمن فيهما حكمة وجود المتشابه:

الأول: تأكيد حالة التعبّد والخضوع العملي لله تعالى، لأن الحياة مليئة بالفتن والاختبارات المتنوّعة، كما شاء الله لها ذلك ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾(8) وما لم تتأكد قضية التعبّد في نفس المؤمن يضعف ارتباطه الروحي بالله تعالى ولا يلبث أن يزيغ متأثراً بالمنحرفين من أصحاب المواهب القادرين على التأثير في مستمعيهم وأتباعهم.

الثاني: توجيه المسلم الى التمسّك بالمنهج الإلهي للطاعة، والحجج الذين اختارهم الله تعالى ليكونوا سبلاً الى هدايته، بدلاً من التخبّط يميناً وشمالاً تبعاً لاحتمالات واستحسانات تفتقر الى الحجة والبرهان، كما يحدث ذلك بتأثير الغرور النفسي الذي يصدّ الانسان عن الاعتراف بالجهل والعجز. والله العالم.


1- يراجع مجمع البيان:2 701.

2- يراجع مناهل العرفان: 2 291.

3- راجع الميزان: 3 20.

4- تفسير الرازي: 7 173.

5- الدر المنثور: 2 8.

6- تفسير العياشي: 1 162.

7- عيون أخبار الرضا: 1 290.

8- سورة العنكبوت: 1 - 2.





توقيع : خادم الشيعة
ليس كل من يطلب العدل فهو عادل

متى يأتي العدل كله على ظلم كله
من مواضيع : خادم الشيعة 0 التنوع البشري
0 رزية الخميس
0 التفكير
0 علي عليه السلام في القرآن
0 المخدرات ومضارها

الصورة الرمزية الروح
الروح
الادارة
رقم العضوية : 33752
الإنتساب : Apr 2009
المشاركات : 18,773
بمعدل : 3.30 يوميا

الروح غير متصل

 عرض البوم صور الروح

  مشاركة رقم : 13  
كاتب الموضوع : خادم الشيعة المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-10-2012 الساعة : 02:12 AM


بوركت أياديكم أخي الكريم
جعل الله القرآن شفيعكم بمحمدٍ وآله
تم دمج المواضيع في موضوع واحد
وهذا لتسهل المتابعة من الأعضاء
وايضاً لايمكن نشر اكثر من موضوعين في اليوم
ودي وتقديري


توقيع : الروح
«برنارد شو»: (الشَّخص الوَحيد الذي أعرف أنَّه يَتصرّف بعَقلٍ
هو الخَيّاط، فهَو يَأخذ مَقاساتي مِن جَديد في كُلِّ مَرَّة يَراني!
أمَّا البَاقون فإنَّهم يَستخدمون مَقاييسهم القَديمة،
ويَتوقَّعون منِّي أن أُناسبها)..!
من مواضيع : الروح 0 الأماكن المهجورة
0 مساحَةٌ مُتَقاطِعَة
0 ندااااااااء .. الروح .. للجميع ..
0 من أقوال مالك بن نبي :)
0 بينَ الجبر والتفويض أمرٌ بين أمرين ( درس )..؛

خادم الشيعة
عضو برونزي
رقم العضوية : 21699
الإنتساب : Aug 2008
المشاركات : 933
بمعدل : 0.16 يوميا

خادم الشيعة غير متصل

 عرض البوم صور خادم الشيعة

  مشاركة رقم : 14  
كاتب الموضوع : خادم الشيعة المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-10-2012 الساعة : 04:22 PM


شكرا اختي تحياتي لكي

توقيع : خادم الشيعة
ليس كل من يطلب العدل فهو عادل

متى يأتي العدل كله على ظلم كله
من مواضيع : خادم الشيعة 0 التنوع البشري
0 رزية الخميس
0 التفكير
0 علي عليه السلام في القرآن
0 المخدرات ومضارها

خادم الشيعة
عضو برونزي
رقم العضوية : 21699
الإنتساب : Aug 2008
المشاركات : 933
بمعدل : 0.16 يوميا

خادم الشيعة غير متصل

 عرض البوم صور خادم الشيعة

  مشاركة رقم : 15  
كاتب الموضوع : خادم الشيعة المنتدى : منتدى القرآن الكريم
Icon1 الدرس الثالث عشر (النسخ في القرآن)
قديم بتاريخ : 14-10-2012 الساعة : 04:28 PM


الدرس الثالث عشر (النسخ في القرآن)
النسخ في اللغة يستعمل في عدة معان، منها..

1) الإزالة(1)، مثل: ﴿فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾(2).

2) نقل الشيء وتحويله مع بقائه، فعن السجستاني: النسخ ان تحوّل ما في الخلية من العسل و النحل في أخرى(3).

وأما في الاصطلاح فـ "هو رفع أمر ثابت في الشريعة المقدسة بارتفاع أمده وزمانه، سواء أكان ذلك الأمر المرتفع من الأحكام التكليفية أم الوضعية، وسواء أكان من المناصب الإلهية أم غيرها من الامور التي ترجع الى الله تعالى بما أنه شارع"(4).

ومن خلال هذا التعريف يتضح أن النسخ في القرآن بل في الشريعة بشكل عام لا يستند الى انكشاف أمر مجهول لله سبحانه وتعالى، بل يرجع الى مجرد نقض دلالة الدليل السابق أو ظهور حالة في الدوام.

وهذا نظير معنى البداء الذي ورد في العديد من النصوص حيث لا يراد منه أنّه ينكشف لله تعالى وجه الصلاح والفساد في الشيء، لأنّ الله سبحانه عالم بالخفيات وبحقائق الأمور كلّها ولا تخفى عليه خافية، بل المراد به "ظهور أمر أو أجل كان محتماً عنده تعالى من الأزل وخافياً على الناس ثم بدا لهم أي ظهرت لهم الحقيقة"(5).

والفرق بين النسخ والبداء المذكور هو ان النسخ يكون في الأحكام أو في آيات القرآن، بينما البداء في التكوينيات أو غيرها من الأمور الاعتبارية غير الفقهية.

والفرق بين النسخ والتخصيص: ان النسخ تخصيص أزماني، والثاني تخصيص أفرادي.

وعلى كل حال فقد أكدت المصادر الإسلامية، ومنها القرآن الكريم نفسه تحقق النسخ في القرآن قال تعالى: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(6).

هذا، وقد ذكروا للنسخ في القرآن ثلاثة أقسام..

الأول: نسخ الحكم والتلاوة

بمعنى أن تنزل آية بمضمون ينافي مضمون آية أخرى فتحذف الآية الأولى وينتهي أمد مضمونها.

وقد أثبت كثير من أبناء العامة أو أكثرهم هذا القسم معتمدين على أحاديث تضمنتها كتبهم المعتمدة..

منها: ما أسندوا الى عائشة أنّها قالت: "كان فيما أُنزل من القرآن "عشر رضعات معلومات يحرّمن" ثم نسخن "بخمس معلومات" قالت: وتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهن فيما يقرأ من القرآن"(7).

ونلاحظ ان مضمون هذه الرواية - الصحيحة عندهم - غريب جداً، حيث يفترض بقاء الآية المزعومة الى ما بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) فنتسائل: انّها كيف اختفت؟ ومن أخفاها بعده(8

وقد ادّعى الزرقاني إجماع القائلين بالنسخ على وقوع هذا القسم، ويقصد بهم خصوص (أهل السنّة). متجاهلاً تماماً آراء العلماء من شيعة أهل البيت(عليهم السلام) حيث أنكروا هذا النوع من النسخ، ووافقهم في ذلك بعض العامة كالسرخسي والجزيري(9).


1- مجمع البحرين: 2 302.

2- سورة الحج: 52.

3- معجم مقاييس اللغة: 5 425.

4- البيان في تفسير القرآن: 296.

5- تلخيص التمهيد: 1 414. ولمزيد من الإطلاع حول البداء يراجع البيان في تفسير القرآن من صفحة 407.

6- سورة البقرة: 106.

7- صحيح مسلم بشرح النووي: 10 29. وقد حكي عن السرخسي ان الشافعي صحح الحديث المذكور. وقد حاول النووي توجيهه بأن بعض الناس كانوا يقرؤونها جهلاً بالنسخ.

8- ما أدري كم كان حجم التهم على شيعة آل البيت(عليهم السلام)، لو كانت أمثال هذه الرواية في مصادرهم حتى إذا لم تكن ذات قيمة علمية!

9- يراجع اصول السرخسي:2 78. والفقه على المذاهب الأربعة: 3 25

توقيع : خادم الشيعة
ليس كل من يطلب العدل فهو عادل

متى يأتي العدل كله على ظلم كله
من مواضيع : خادم الشيعة 0 التنوع البشري
0 رزية الخميس
0 التفكير
0 علي عليه السلام في القرآن
0 المخدرات ومضارها

خادم الشيعة
عضو برونزي
رقم العضوية : 21699
الإنتساب : Aug 2008
المشاركات : 933
بمعدل : 0.16 يوميا

خادم الشيعة غير متصل

 عرض البوم صور خادم الشيعة

  مشاركة رقم : 16  
كاتب الموضوع : خادم الشيعة المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-10-2012 الساعة : 04:35 PM


الدرس الرابع عشر
الثاني: نسخ التلاوة دون الحكم

بمعنى أن ترفع تلاوة آية من القرآن الكريم سواء لم تكن من آيات التشريع أم كانت، لكن حكمها يبقى غير منسوخ.

وقد التزم بوقوع هذا القسم عدد كبير أو العدد الأكبر من علماء العامّة حتى السرخسي وابن حزم. واعتبروا من ضمنها ما ورد من النصوص التي تضمنتها كتبهم المعتبرة..

منها: ما صحّت روايته عندهم عن عمر بن الخطاب انّه قال: كان فيما أُنزل من القرآن (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة)(1).

وفي لفظ أبي داوود: ".. وأيم الله لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله عزّ وجلّ لكتبتها"، ونظير ذلك فى موطأ مالك.

ومنها: ما رووه عن أبي موسى الأشعري من قوله: ".. وإنا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فاُنسيتُها غير أني قد حفظتُ منها "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً* ولايملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب" وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبهها باحدى المسبحات فاُنسيتُها غير أني حفظتُ منها "يا أيّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون فتُكتَبُ شهادةً في أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيام"(2).

وكذلك رواية اُبي بن كعب: "أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال له: إن الله أمرني أن أقرأ عليك، فقرأ عليه (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) فقرأ فيها: إن ذات الدين عند الله الحنيفية المسلمة لا اليهودية ولا النصرانية. من يعمل خيراً فلن يكفره. وقرأ عليه "ولو أن لابن آدم وادياً من مال لابتغى إليه ثانياً، ولو كان له ثانياً لابتغى إليه ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب، ويتوب الله على من تاب"(3).

ومنها: ما رووا أن أبابكر كان يقرأ (لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم) وروى البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب انّه قال: ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله (أن لا ترغبوا عن آبائكم) أو (انّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم)(4).

ومنها: ما رووا أن أنس بن مالك كان يقول: قرأنا في القرآن (بلّغوا عنّا قومنا انّا لقينا ربّنا فرضي عنا وأرضانا)(5).

ومنها: ما رووه عن عبدالله بن عمر: لا يقولن أحدكم أخذت القرآن كله، ما يدريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير ولكن ليقل: قد أخذت منه ما ظهر(6).

هذا وقد رووا عن عائشة قولها: قد نزلت آية الرجم والرضاعة، فكانتا في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها(7).

وقد رووا روايات أخرى كثيرة تؤكد الحذف والزيادة بالنسبة للقرآن الذي كان في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولكنّهم سمّوه نسخاً لا تحريفاً!

وقد رفض علماء الشيعة - كما سنلاحظ - هذين النوعين، فعن الشيخ المفيد "والنسخ عندي في القرآن انّما هو نسخ متضمَّنِه من الأحكام، وليس هو رفع أعيان المُنزل منه، كما ذهب إليه كثير من أهل الخلاف... وهذا مذهب الشيعة وجماعة من أصحاب الحديث وأكثر المحكِّمة والزيدية، ويخالف فيه المعتزلة وجماعة من المجبِّرة، ويزعمون أن النسخ قد وقع في أعيان الآي كما وقع في القرآن"(8).

الثالث: نسخ الحكم دون التلاوة

وهذا هو المعروف بين العلماء والمفسرين قيل: "واتفق الجميع على جوازه امكاناً وعلى تحققه بالفعل أيضاً"(9).

وقد شهد القرآن الكريم نفسه بوقوع هذا القسم. كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾(10). حيث لم يعمل بها سوى الإمام علي (عليه السلام) - كما روى أصحاب الحديث في قضية معروفة - فنسخت بآية أخرى بعدها ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾(11).

وفي هذا القسم تبقى الآية ثابتة في القرآن، لكن حكمها أو مفادها ينسخ ولا يستمر.

والقسم الثالث من النسخ - وربّما يعم الحديث غيره عند من لا يخصّص النسخ بهذا القسم - أربع صور:

1- أن ينسخ مفاد آية بمفاد آية أخرى لاحقة في نزولها، بحيث تكون الآية الثانية ناظرة للأولى، كآية الصدقة عند مناجاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وهذه الصورة لاشك في وقوعها، كما شهد به القرآن الكريم نفسه.

2- أن ينسخ مفاد آية بمفاد آية أخرى لاحقة، من دون أن تكون الآية اللاحقة ناظرة للسابقة، بل من خلال المنافاة بينهما يحكم بالنسخ، وقد اختلف العلماء في هذا القسم، ويبدو من السيد الخوئي(قدس سره) انكاره، لأنّه لا دليل على كون الآية اللاحقة ناسخة للآية السابقة، فربّما يكون فهم التنافي بينهما نتيجة عدم التدبر في معنى الآيتين.

3- أن ينسخ مفاد الآية بسنّة قطعية لاشك فيها، ومثّلوا له بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(12).

فإنّها بظاهرها لا تتنافى مع آية العدة والمواريث إلاّ انّ السنّة المتضافرة وإجماع المسلمين أثبتا نسخها بآيات العدة والمواريث. وقد أنكر بعض العلماء المعاصرين هذا القسم من النسخ(13).

4- نسخ السنّة بالقرآن ومثلوا له بقوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ﴾(14). الناسخة للحكم السابق بالتوجه إلى بيت المقدس الذي كان ثابتاً بالسنّة.

ومنها: تجويز إتيان النساء في ليالي شهر رمضان، فقد روي انّه كان محرماً على المسلمين بمقتضى السنّة ثم نسخ بقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ...﴾(15).


1- الجامع الصحيح: 4 258. وكذا أبو داوود في الحدود: 3 145، وابن ماجه في الحدود: 3/232، ومالك في الحدود: 548، وأحمد بن حنبل في مسنده: 5 183.

2- صحيح مسلم بشرح النووي: 7 140.

3- سنن الترمذي باب المناقب: 5 666 وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقد روي من غير هذا الوجه.

4- الجامع الصحيح: 4 258. وصحيح مسلم: 4 167، و 5 116.

5- يراجع أصول السرخسي: 2 78، والفقه على المذاهب الأربعة: 3 257.

6- الإتقان: 3 72.

توقيع : خادم الشيعة
ليس كل من يطلب العدل فهو عادل

متى يأتي العدل كله على ظلم كله
من مواضيع : خادم الشيعة 0 التنوع البشري
0 رزية الخميس
0 التفكير
0 علي عليه السلام في القرآن
0 المخدرات ومضارها

خادم الشيعة
عضو برونزي
رقم العضوية : 21699
الإنتساب : Aug 2008
المشاركات : 933
بمعدل : 0.16 يوميا

خادم الشيعة غير متصل

 عرض البوم صور خادم الشيعة

  مشاركة رقم : 17  
كاتب الموضوع : خادم الشيعة المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-10-2012 الساعة : 04:36 PM


الدرس الخامس عشر (شبهات حول النسخ)
أثيرت عدة شبهات حول النسخ، منها..

1- انّه لو جاز على الله أن ينسخ حكماً لكان امّا لحكمة ظهرت له كانت خافية عليه أو لغير حكمة، وكلاهما محال، لأنّ لازم الأول نسبة الجهل له ولازم الثاني نسبة العبث إليه تعالى.

الجواب: إنّ النسخ يرجع الى مقام الدلالة على الحكم، بمعنى انّ الله سبحانه عالم من أول الأمر أن أمد مصلحة الحكم محدودة بفترة معينة، لكن المصلحة لم تسمح بذكر هذا التحديد من أول الأمر فشُرّع الحكم الأول دائماً بظاهر دليله، ولذا قال الأصوليون انّ النسخ تخصيص أزماني، فالحكم الناسخ يكشف ان تحديد الحكم الأول بهذا الزمان كان مقصوداً لله سبحانه من أول الأمر.

2- ان الآية الناسخة منافية للآية المنسوخة فوقوع النسخ يناقض مفاد الآية الكريمة: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾(1﴾.

الجواب: ان الآية الناسخة حيث كانت تكشف عن انتهاء أمد حكم الآية الأولى فلا تكون منافية ومناقضة للأولى، بل هي قرينة على معناها الواقعي وموافقة لها، أو قرينة على أمد وفترة فاعلية الآية الأولى، فلا تكون مناقضة لها.

الجري والانطباق

من الأمور المهمة في القرآن الكريم أنّ مضمونه لا يختص بزمان دون زمان، ولا تختص آياته بأسباب النزول بل تجري باستمرار الزمان وتنطبق على كل الأجيال.

روى العياشي عن عبد الرحيم القصير قال: كنتُ يوماً من الأيام عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال: يا عبد الرحيم قلت: لبيك: قال: قول الله ﴿إنما أنت منذر ولكلّ قوم هاد﴾ إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): أنا المنذر وعلي الهاد ومَن الهاد اليوم؟ قال: فسكتّ طويلاً، ثم رفعتُ رأسي فقلتُ: جعلتُ فداك هي فيكم توارثونها رجل فرجل حتى انتهت إليك، فأنتَ - جعلت فداك - الهاد. قال: صدقتَ يا عبد الرحيم،إنّ القرآن حي لا يموت والآية حية لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا فمات القرآن، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين.

وقال عبد الرحيم: قال ابو عبد الله (عليه السلام): إنّ القرآن حيّ لم يمت، وإنه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما تجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أوّلنا(2).

وفي الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انّه قال لعمر بن يزيد لمّا سأله عن قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ﴾(3﴾، "هذه نزلت في رحم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقد تكون في قرابتك ثمّ قال: فلا تكونن ممن يقول للشيء: انّه في شيء واحد"(4).

وفي تفسير فرات: "ولو ان الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء، ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات والأرض ولكل قوم آية يتلوها هم منها من خير أو شر"(5).

وهناك العديد من النصوص الأخرى التي تشير الى ذلك، ولكن لابد أن نشير الى أن هذه النصوص لا تعني عدم نزول بعض الآيات في شخص أو فئة خاصة، لتميزهم عن غيرهم ببعض المميزات مثل قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾(6)، وغير ذلك من الآيات الكريمة.

ويفترض في المفسّر والباحث أن يكون دقيقاً في فهم الآيات والنصوص المفسّرة لها، فيميّز بين المعنى المقصود من الآية وبين التطبيقات التي تشير إليها بعض النصوص التفسيرية، فالأول لا يمكن التصرف فيه وتطبيقه على غيره، بينما الثاني مجرّد فرد ومصداق - مهما كان بارزاً ومتميزاً - لا تقتصر عليه الآية المفترضة. والله العالم.

الأسئلة

1 - ما هو الوجه في وصف المحكمات بأنها اُمّ الكتاب؟
2 - ما معنى المحكم والمتشابه في قوله تعالى: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾(7﴾؟
3 - ما هي أقسام النسخ المدعى في القرآن الكريم، وما هو القسم الذي التزمه شيعة آل البيت(عليهم السلام)؟
4 - اذكر الصور الأربع للقسم الثالث من النسخ.
5 - اذكر شبهة حول النسخ والجواب عنها.


1- سورة النساء: 82.

2- تفسير العياشي: 2 218 - 219.

3- سورة الرعد: 21.

4- الكافي: 2 156.

5- يراجع البيان: 31.

6- سورة الأحزاب: 21.

7- سورة آل عمران: 7.

توقيع : خادم الشيعة
ليس كل من يطلب العدل فهو عادل

متى يأتي العدل كله على ظلم كله
من مواضيع : خادم الشيعة 0 التنوع البشري
0 رزية الخميس
0 التفكير
0 علي عليه السلام في القرآن
0 المخدرات ومضارها

خادم الشيعة
عضو برونزي
رقم العضوية : 21699
الإنتساب : Aug 2008
المشاركات : 933
بمعدل : 0.16 يوميا

خادم الشيعة غير متصل

 عرض البوم صور خادم الشيعة

  مشاركة رقم : 18  
كاتب الموضوع : خادم الشيعة المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-10-2012 الساعة : 04:37 PM


الدرس السادس عشر (الوحي)
الوحي من الأمور التي دار حولها الجدل بين الباحثين، والبحث فيه متعدد الجوانب فيبحث مرةً في حقيقة الوحي وواقعه، وأخرى في أصل وجوده والأدلة على ذلك. وثالثة في أقسامه... الى غير ذلك..

وسوف نتناول الموضوع ضمن نقاط:

1 - الوحي في اللغة

اختلف علماء اللغة بين من اعتبر فيه الخفاء والسرعة، ومنهم من اعتبر واحداً منهما فحسب.

قال الراغب: (أصل الوحي الإشارة السريعة، ولتضمّن السرعة، قيل: أمر وحيّ أي سريع، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب وبإشارة بعض الجوارح وبالكتابة)(1).

وقال أبو اسحاق: (أصل الوحي في اللغة كلها، إعلام في خفاء، ولذلك سمي الإلهام وحياً)(2).

2 - الوحي في القرآن

عند مراجعة القرآن الكريم نلاحظ انّ الوحي قد استخدم في موارد عديدة، منها..

1 - إيجاد الداعي في نفس الموحى إليه من دون أن ينتبه الشخص لمصدر الوحي، سواء كان من الله تعالى مثل قوله عزَّ وجلّ: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾(3﴾. أم من الشياطين كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾(4﴾.

2 - الإلهام الغريزي، فيكون أثره فِعْل ما تمليه الغريزة قال تعالى: ﴿وأوحى ربّك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون﴾(5﴾.

ويمكن إدراج هذين المعنيين تحت عنوان واحد هو الشعور الباطني، والفرق الوحيد بينهما انّ الشعور الثاني من مقتضيات الفطرة الغريزية التي خُلق عليها الشخص بخلاف الشعور في المورد الأول.

3 - الخَلْق، قاله بعضهم في تفسير قوله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا﴾(6﴾.

بينما فسّره بعضهم بالوحي الى أهل السماء أي الملائكة.

4 - الإسرار، حكي في لسان العرب عن الأنباري في تفسير قوله تعالى: (يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غروراً). "معناه يُسّر بعضهم الى بعض، فهذا أصل الحرف ثمُ قُصِر الوحي للإلهام"(7).

5 - الإيماء، وقد فسّرت به الآية الكريمة المتحدّثة عن زكريّا ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾(8﴾. حيث أ نّ زكريّا (عليه السلام) لم ينطق ولم يتحدّث معهم، بل أشار إليهم وأومأ إليهم فعرفوا ما يريد.

6 - الإلهام مع شعور الشخص الملهَم بذلك سواء كان مصدر الإلهام هو الله تعالى، كما يلهِم سبحانه رسله مباشرةً بتعاليمه وإرشاداته وأحكامه أحياناً، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً﴾(9﴾، أم غيره مثل جبرئيل كما في قوله تعالى: ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾(10﴾ فإنّ مصدر الوحي في قوله (فيوحي) هو الرسول مثل ما يوحي جبرئيل للنبي.

ويمكن أن يندرج تحت هذا النحو من الوحي كل الموارد التي استخدم فيها الوحي منسوباً للقرآن الكريم مثل ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾(11﴾ فقد كان وحي القرآن عن طريق جبرئيل (عليه السلام) كما تدلّ عليه الآية الكريمة ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾(12﴾. حيث فُسّر الرّوح الأمين بجبرئيل (عليه السلام). والله العالم.

7 - مطلق التبليغ من الله تعالى للأنبياء ونحوهم الشامل للوحي بكل الأنحاء المختلفة، وذلك كما في الآيات التي تتحدّث عن الوحي للرّسل بشكل مطلق، مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم﴾(13﴾.

حيث لا تتحدث الآية الكريمة عن أسلوب معيّن من الوحي بل الوحي فيها بمعنى عام ينطبق عليها كلّها.


1- المفردات: 515. وقد ذكر بعض اللغويين معاني اخرى للوحي لا يهمنا البحث فيها.

2- لسان العرب: 15 381.

3- سورة القصص: 7.

4- سورة الأنعام: 121.

5- سورة النحل: 68.

6- سورة فصلت: 12.

7- لسان العرب: 5 380، مادة وحي.

8- سورة مريم: 11.

9- سورة الشورى: 51.

10- سورة الشورى: 51.

11- سورة يوسف: 3.

12- سورة الشعراء: 193 - 194.

13- سورة النحل: 43.

توقيع : خادم الشيعة
ليس كل من يطلب العدل فهو عادل

متى يأتي العدل كله على ظلم كله
من مواضيع : خادم الشيعة 0 التنوع البشري
0 رزية الخميس
0 التفكير
0 علي عليه السلام في القرآن
0 المخدرات ومضارها

خادم الشيعة
عضو برونزي
رقم العضوية : 21699
الإنتساب : Aug 2008
المشاركات : 933
بمعدل : 0.16 يوميا

خادم الشيعة غير متصل

 عرض البوم صور خادم الشيعة

  مشاركة رقم : 19  
كاتب الموضوع : خادم الشيعة المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-10-2012 الساعة : 04:38 PM


الدرس السابع عشر
3 - دور الوحي في مصير الإنسان

تتضح مدى أهمية الوحي ودوره في حياة ومصير الإنسان بملاحظة نقطتين:

النقطة الأولى: الإنسان اجتماعي بطبيعته

من الواضح انّ الإنسان اجتماعي لا يروم بل لا يمكنه العيش وحيداً من دون انضمام للمجتمع.

هنا يطرح تساؤل عن منشأ كون الإنسان اجتماعياً؟ يرى بعض الباحثين انّ الدافع الاجتماعي لدى الانسان ليس فطرياً بل فرضته عليه الضرورة والمصلحة الذاتية، ويفسّر هؤلاء تكوّن المجتمعات بأنّ الانسان يفكر في مصالحه الذاتية ويحاول استثمار كلّ شيء في سبيل تحقيق رغباته ومصالحه، وعندما أدرك أنّه لا يمكنه بمفرده توفير ذلك لنفسه وانّ تحقيق بعض هذه الرغبات والمصالح بل كثير منها مرهون بجهود الآخرين التي لا يمكن ضمانها إلاّ بالتعاون والتعايش معهم اضطرّ الى التعايش ولذلك تكوّنت المجتمعات.

ويستشهد أصحاب هذا الرأي على ذلك بأنّ الإنسان حيث كان همّه هو تحقيق رغباته لذلك فهو لا يتوانى عن الاعتداء على الآخرين وتسخيرهم والتجاوز على حقوقهم في سبيل ذلك، وانّه لا يحفظ حقوق الآخرين إلاّ عندما يعجز عن حفظ حقوقه ومصالحه من دون ذلك(1).

لكن الملاحظة التي نسجلها على هذه النظرية أن شعور الإنسان بالرغبة بل ضرورة الانخراط في المجتمع شعور فطري غريزي وليس بدافع المصلحة الذاتية، رغم إقرارنا بقضية اهتمام الإنسان وحرصه على مصلحته الشخصية.

وخير شاهد على ذلك ما نجده من الأمراض والمشاكل النفسية التي تواجه ابناء المجتمعات الغربية رغم الرخاء المادي الذي يعيشونه وتوفّر مستلزمات الحياة المترفة للأفراد، كل ذلك بسبب تفكك البنية الاجتماعية وفتور العلاقات والروابط الأسرية والاجتماعية بينهم، فكيف سيكون الحال لو افترضنا انهيار المجتمع بكامله؟!

ونلاحظ كذلك ان من أقسى الضغوط التي تمارسها السلطات ضد المعتقلين هو عزلهم في سجون انفرادية لكي لا تلبى هذه الحاجة الفطرية لديهم.

إذن فالعيش ضمن المجتمع من أهمّ حاجات الإنسان ومتطلباته التي فُطر عليها.

النقطة الثانية: تنوّع الآراء والحاجة الى القانون

بعد أن يتعايش البشر ضمن المجتمع ويشعرون بارتباط مصالحهم ببعضهم وتشابكها وضرورة تماسك مجتمعهم الذي يعيشون فيه تبرز مشكلتان:

الأولى: تنوّع الآراء المطروحة لحفظ الكيان الاجتماعي والمحافظة على حقوق أبناء المجتمع.

الثانية: ظهور بعض العناصر المنحرفة التي لا تكتفي بحقّها وتحاول سلب حقوق الآخرين والاعتداء عليهم، واختلاق امتيازات غير مبرَّرة لأنفسها.

هاتان المشكلتان تحتّمان إيجاد مرجعية تشرف على إدارة المجتمع وتشريع قوانين تحافظ على تماسك المجتمع وتحفظ حقوق الأفراد فيه ولو نسبياً وبأعلى نسبة ممكنة. وهذه هي الدولة - بمفاصلها واجهزتها المختلفة - في العصر الحديث.

ولكن يطرح السؤال عن المصدر الذي تعتمده الدولة في تشريعاتها وخطواتها؟

قد نجد من يجيب على ذلك بأن العقل البشري يصلح أساساً ومرجعاً لتمييز الخير من الشر، والنافع من غير النافع، فهو المَعين الذي يوجّه الدولة في قراراتها المختلفة. بل يهدي المجتمع الى اختيار طبيعة النظام الأفضل الذي يناسبه.

لكن نلاحظ في هذا الجواب ثغرتين:

الأولى: ان من الخطأ أن ننظر الى الإنسان نظرةً تجزيئية، بل لابدّ من شمولية النظر إليه، فنلاحظه بكل قواه وشخصيته وكل المؤثرات في سلوكه، ومن الواضح انّ الانسان لا ينحصر تأثره بالعقل، ولا يقتصر في سلوكه على ما يرسمه له عقله. بل هناك الهوى والرغبات والغرائز النفسية المختلفة التي تؤثر في سلوكه ويختلف الأفراد فى مدى التأثر بكلٍّ منها شدّة وضعفاً، بحيث نجد العقل يضعف أمامها في كثير بل في أكثر الأحيان. فتنهار الحدود التي رسمها العقل وضوابطه التي حدّدت فاعلية كل منها.

يكفينا أن نلقي نظرة على المجتمعات الغربية فبرغم توفر كل الوسائل الكفيلة بسعادتهم إلاّ انّ فاعلية قوى الشر والرذيلة أدّت الى سلبهم هذه السعادة، وزجّهم في متاهات لا نهاية لها، حيث ضعفت عندهم المثل الروحية وتبددت الأسرة وتفكّك المجتمع وانتشرت الفحشاء والمخدرات والجرائم المتنوّعة، وفقدت الحياة طعمها وحيوّيتها، فصارت عبئاً على كثير منهم فعمّهم اليأس والاحباط ولجأوا الى الخمور والمخدّرات وحتى الانتحار للتخلص منها، رغم التطور التكنولوجي والجوانب المشرقة الأخرى بالإضافة الى توفّر الوسائل المادية لديهم الكفيلة بحياة الرخاء والهناء.

الثانية: انّه لو كانت مساحة الحياة محصورة في هذه الدنيا فلربّما أمكن ادعاء الرجوع للعقل، ولو باعتباره المرجعية الممكنة في هذه الحياة، إلاّ انّه حيث كنا نستقبل حياة أخرى بمعايير وقوانين تختلف عمّا في هذه الحياة، وبما ان الإنسان في هذه الحياة بعيد تماماً عن طبيعة ومتطلبات السعادة في ذلك العالم، ولا يعرف بالضبط ما ينفعه هناك وما لا ينفعه أو يضره فمن الطبيعي أن يتجه الإنسان لربّه ليمنّ عليه برسم الخطوط العريضة له، ومنحه الآلية التي تساعده في بلوغ السعادة والمقام الرفيع في الآخرة، وذلك من خلال الوحي الى الأنبياء ليُخرجوا الناس من الظلمات الى النور، وليوقظوا الناس في هذه الحياة، لأنّ "الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا" كما جاء في الحديث. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾(2﴾.

إذن للوحي دور حاسم في مصير الإنسان وتحديد ورسم الخطوط العريضة - على الأقل - في مسير حياته.

وقد تنبّه الى أهمية الوحي - ولو ضمن تصوره - الفيلسوف الفرنسي المعروف جان جاك روسو، فقال: "... لاكتشاف أفضل أنواع قواعد المجتمع التي تتلاءم مع طبيعة الأمم، لابدّ من توفّر عقل ممتاز يرى جميع أهواء الناس ولا يعاني من أي هوى، ولا تكون له أيّة علاقة مع طبيعتنا، لكنّه يدركها حتى أعماقها وتكون سعادته مستقلة عنّا، ومع ذلك يريد الاهتمام بسعادتنا، وأخيراً كيف يستطيع هذا العقل - وهو يراعي مجداً بعيداً لنفسه في تقدّم العصور - العمل في قرن ليحصد ثماره في قرن آخر.

وبعبارة أخرى لابدّ من آلهة، لتمنح القوانين للبشر... ولكن لا يحقّ لكلّ انسان أن يجعل الآلهة تتكلّم، ولا أن يكون مصدَّقاً عندما ينبىء الناس انّه ترجمانها فإنّ روح المشرّع العظيمة هي المعجزة التي يجب أن تثبت رسالته... انّ الشريعة اليهودية ما زالت باقية، وشريعة ابن إسماعيل "محمد" التي تحكم العالم منذ عشرة قرون ما برحت تنبىء حتى اليوم بعظمة الرجال الذين أملوها، وبينما لا ترى فيهم كبرياء الفلسفة أو روح التحيّز العمياء سوى دجالين حسني الحظ، فإنّ السياسة الحقيقية تُعجَب في مؤسساتهم بتلك العبقرية العظيمة والقوية التي تُشرف على منشآتهم الدائمة"(3).

4 - كيفية وحي القرآن

بعد ملاحظة المعاني السّابقة للوحي والطرق المختلفة للإيحاء يبدو من بعض آيات القرآن والنصوص والأحداث التاريخيّة انّ القرآن الكريم أُنزل على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن طريق أحد الملائكة المقرّبين وانّه جبرئيل (عليه السلام)، قال تعالى: ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ﴾(4﴾. ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾(5). وقال عزَّ من قال: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾(6).

وقد نصّت بعض التفاسير على انّ المقصود من روح القدس هو جبرئيل (عليه السلام).

لكن مجموعة من الباحثين(7) يرون انّ بعض القرآن قد أوحي الى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) بشكل مباشر من دون توسط جبرئيل، ويستشهدون ببعض النّصوص المروية، إلاّ انّ الملاحظ - بالإضافة إلى ضعف سند أكثرها - انّها ليست صريحة في وحي القرآن. فلا تصلح دليلاً واضحاً في مقابل هذه الآيات القرآنية الكريمة وغيرها، والله العالم.


1- يراجع كتاب (قرآن در إسلام): 128/132.

2- سورة الجمعة: 2.

3- سورة البقرة: 97.

4- سورة الشعراء: 192 - 195.

5- يراجع تلخيص التمهيد: 1 22. وكذا غيره.

6- سورة آل عمران: 108.

7- يراجع المذاهب الإسلامية الخمسة بحث الدكتور محمد وفاريشي: 256، مركز الغدير للدراسات الإسلامية.

توقيع : خادم الشيعة
ليس كل من يطلب العدل فهو عادل

متى يأتي العدل كله على ظلم كله
من مواضيع : خادم الشيعة 0 التنوع البشري
0 رزية الخميس
0 التفكير
0 علي عليه السلام في القرآن
0 المخدرات ومضارها

خادم الشيعة
عضو برونزي
رقم العضوية : 21699
الإنتساب : Aug 2008
المشاركات : 933
بمعدل : 0.16 يوميا

خادم الشيعة غير متصل

 عرض البوم صور خادم الشيعة

  مشاركة رقم : 20  
كاتب الموضوع : خادم الشيعة المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-10-2012 الساعة : 04:39 PM


الدرس الثامن عشر
5 - تحديد المُنزل بالوحي

من الواضح انّ الذي أُنزل على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) هو القرآن الكريم بلفظه ومعناه، ويفترض أن لا يكون هناك ريب أو تردد في ذلك، ويكفي شاهداً على ذلك مجموعة من الآيات القرآنية مثل قوله تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ﴾(1)، وقوله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾.

ولكن نسب إلى الأحناف رأي غريب، وهو أن القرآن الكريم اسم للمعنى فقط وليس اسماً للنظم والمعنى معاً(2). ويبدو أنّهم اختلفوا على قولين:

أولهما: ان جبريل انّما نزل بالمعاني خاصة، وانّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) علم تلك المعاني وعبّر عنها بلغة العرب.

وثانيهما: انّ جبريل ألقى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) المعنى، وانّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) عبّر بهذه الألفاظ بلغة العرب، وانّ أهل السماء يقرؤونه بالعربية، ثم نزل به جبرئيل كذلك بعد ذلك(3).

ولكنّ تفاهة هذا الرأي وما تفرّع عليه تغني عن مناقشته. كيف! وقد قال تعالى - مخاطباً نبيّه - ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾(4). حيث يدل على أن آيات القرآن بألفاظ محدّدة مقروءة.

وقد قيل ان أبا حنيفة رجع عمّا أوجب ذلك "وان القرآن الكريم عند الحنفية عموماً وأبي حنيفة خصوصاً اسم للنظم والمعنى جميعاً كما هو الشأن عند الأُمة كلها"(5).

6 - شبهات حول الوحي

تعرّض الوحي - لكونه من الظواهر غير المألوفة للإنسان - إلى مجموعة من الشبهات والتساؤلات. وفي عصر النهضة المادية فى اوروبا واجه الباحثون الغربيون قضية الوحي بنظرة الريب بل الإنكار، ومن خلاله طعنوا في الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) ورسالة الإسلام.

وهذا الموقف منهم لا ينطلق من موقف سلبي خاص تجاه الوحي، بل يرتبط بنظرتهم العامّة لما وراء الطبيعة حيث إنّ اكثرهم حصروا الوجود بعالم المادّة، فمن الطبيعي أن يتنكّروا لما وراءه، وهم على ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: المتطرفون الذين يتّهمون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالافتراء بهدف تحقيق مكاسب ومصالح دنيوية، مثل السلطة والشهرة.

الصنف الثاني: المعتدلون الذين يرون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عبقرياً ذا شخصية نزيهة وطموحة، رام إنقاذ قومه من حالة الانحطاط والتخلّف التي كانوا غارقين فيها، من خلال أفكاره السامية التي كان يحملها، ونتيجة لإدراكه تخلّف قومه وعدم تفاعلهم مع أفكاره الإصلاحية قرّر الإيحاء لهم انّه مرتبط بالله تعالى وانّه مرسل من قبله بهذه الأفكار والمشاريع الإصلاحية حتى يكونوا أكثر استعداداً لتقبّل هذه الأفكار والدّفاع عنها.

والبعض من هؤلاء الغربيين يتعاملون مع كل الأنبياء على أساس هذه الفكرة، ولا يخصّون نبيّ الإسلام بذلك.

والحقيقة انّ هذه الأفكار والشبهات ليست مستحدثة وانّما اقترنت ببداية بعثة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) ودعوته، فقد واجهه قومه بهذه التهم الباطلة ورفضوا ارتباطه بالله تعالى، ولذلك نجد القرآن الكريم يردّ عليهم بتأكيد هذا الارتباط في مواضع عديدة من زوايا مختلفة وبصيغ متنوّعة، فتارةً يتحدّى الإنس والجن من أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وأخرى يؤكد على ارتباط الرسول بالوحي وانّه لا يملك الخيارات، وأخرى يحاججهم بانتظام القرآن وعدم الاختلاف فيه.. وغير ذلك، مثل قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾(6).

﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾(7).

﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾(8).

﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾(9).

﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾(10).

﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾(11).

ويمكن مناقشة هؤلاء المنكرين بما يلي:

أ: الوجوه المتقدمة التي تثبت إعجاز القرآن وانّه ليس من إنشاء البشر.

ب: الأدلة والشواهد المثبتة لعالم الروح، وعدم حصر الوجود بالعالم المادّي.

ج: استقامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل البعثة وبعدها وتحمّله المشاق والمصاعب في سبيل نشر رسالة الإسلام، حتى أثر عنه قوله: "ما أُوذي نبيٌّ مثل ما أُذيت"(12)، إضافةً للأدلة الدالة على علمه بالمآسي التي تواجه أهل بيته، ممّا يكشف انّه لم يكن يقوم بدور مزيّف، بل هو مكلّف من ربّه بتبليغ الرسالة مهما كلّف الثمن، كسائر الأنبياء والرسل الذين تحمّلوا من قومهم ما تحمّلوا في سبيل أداء رسالتهم.


1- راجع البرهان للزركشي:1/229، والاتقان للسيوطي:1/108 - 157 ط، مطبعة أمير.

2-

3-

4- سورة القيامة: 16 - 18.

5- يراجع كتاب المذاهب الإسلامية الخمسة: 258.

6- سورة البقرة: 23.

7- سورة الإسراء: 88.

8- سورة النساء: 82.

9- سورة يونس: 37.

10- سورة الحاقة: 44 - 46.

11- سورة النجم: 3 - 5.

12- بحار الأنوار: 39 56.

توقيع : خادم الشيعة
ليس كل من يطلب العدل فهو عادل

متى يأتي العدل كله على ظلم كله
من مواضيع : خادم الشيعة 0 التنوع البشري
0 رزية الخميس
0 التفكير
0 علي عليه السلام في القرآن
0 المخدرات ومضارها
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 11:58 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية