|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 81994
|
الإنتساب : Apr 2015
|
المشاركات : 1,288
|
بمعدل : 0.37 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الشيخ عباس محمد
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 07-01-2018 الساعة : 08:33 PM
السؤال: (إِنّما) فيها أداة حصر
الإخوة المسؤولين عن الموقع المحترمين..
لدي سؤال أرجو مساعدتي في الإجابة عليه، وجزاكم الله خير الجزاء:
إنّ آية الولاية التي جاءت في القرآن الكريم، جاءت مقيّدة بأداة (إِنَّمَا)، والسؤال هو: هل أداة (إنّما) تستخدم أحياناً لأغراض أُخرى عدا الحصر؟ وما هي هذه الأغراض؟
الجواب:
(إِنَّمَا) أداة حصر على ما يظهر من تصريح أهل اللغة، بل عن بعضهم أنّه لم يظهر مخالف فيه، وعن آخر دعوى إجماع النحاة عليه، وهو المنقول عن أئمّة التفسير، ويقتضيه التبادر؛ إذ لا إشكال في ظهورها في انحصار المتقدّم بالمتأخّر.
قال العلاّمة الطباطبائي(قدس سره): (( إنّ القصر في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )) لقصر الإفراد، كأنّ المخاطبين يظنّون أنّ الولاية عامّة للمذكورَين في الآية وغيرهم، فأفرد المذكورين للقصر، ويمكن بوجه أن يُحمل على قصر القلب(1).
وعلى كلّ حال فالأداة (إِنَّمَا) أداة حصر هنا بل دائماً - كما ذكرنا آنفاً - عندما تكون متكوّنة من (إنَّ) المشبّهة بالفعل و(ما) الكافّة، وهي تفيد قصر صفة على الموصوف أو العكس.
(1) الميزان في تفسير القرآن 6: 14.
السؤال: الحصر الموجود في الآية وكيفية استفادة الولاية لباقي الأئمّة(عليهم السلام)
قال لي أحد المخالفين: إنّ معنى (إنّما) في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا... )) (المائدة:55) تفيد الحصر, وهذا يعني إنّ مَن تجب ولايته في هذه الآية، أي: يقصد آية الولاية، هم: الله والرسول والذين يؤتون الزكاة وهم راكعون, فكيف نثبت الولاية لباقي الأئمّة الأطهار؟
الجواب:
لقد فُسّرت الآية الكريمة بالأئمّة الاثني عشر من آل البيت(عليهم السلام)، كما يروي ذلك الشيخ الصدوق بسند صحيح عن سليم بن قيس الهلالي، عمّا رآه وسمعه من عليّ(عليه السلام) من حديث المناشدة، وفيه:
(إنّ الناس سألوا النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن هذه الآية لمّا نزلت: أهي خاصّة في بعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟ فأمر الله عزّ وجلّ نبيّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يعلمهم ولاة أمرهم, وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم, وزكاتهم, وصومهم, وحجّهم... إلى أن يقول: فقالا: يا رسول الله: هذه الآيات خاصّة بعليّ؟ قال: بلى فيه وفي أوصيائه إلى يوم القيامة)(1).
وروى الكليني: عن بعض أصحابنا، عن محمد بن عبد الله، عن عبد الوهّاب بن بشر، عن موسى بن قادم، عن سليمان، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ: (( وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ )) (البقرة:57)؟
قال: (إنّ الله تعالى أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أن يظلم، ولكنّه خلطنا بنفسه، فجعل ظلمنا ظلمه، وولايتنا ولايته، حيث يقول: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا... )) يعني الأئمّة منّا).. ثمّ قال في موضع آخر: (( وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ ))، ثمّ ذكر مثله(2).
وروى أيضاً: عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء، قال: ذكرت لأبي عبد الله(عليه السلام) قولنا في الأوصياء: أنّ طاعتهم مفترضة، قال: فقال: (نعم، هم الذين قال الله تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) (النساء:59)، وهم الذين قال الله عزّ وجلّ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا... )) )(3).
وغيرها من الروايات الكثيرة.
فإذا سلّمنا بهذا وأخذنا بتفسير النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للآية بالأئمّة(عليهم السلام) جميعاً، عرفنا أنّها تعني النصّ على إمامة عليّ(عليه السلام) والأئمّة من ولده..
وعرفنا أيضاً معنى الروايات التي وردت بحصول هذا الفعل - التصدّق عند الركوع - من بقية الأئمّة(عليهم السلام)(4).
(1) كمال الدين وتمام النعمة: 276 الباب الرابع والعشرون.
(2) الكافي 1: 146ح11 باب النوادر.
(3) الكافي 1: 187ح7 باب فرض طاعة الأئمة.
(4) الكافي 1: 288ح3 باب ما نصّ الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمة واحداً فواحد.
تعليق على الجواب (1)
عظيم جدّاً ما ذكرتم ..
لكن المشكلة أن الخصم لا يعتبر هذه المصادر حجّة عليه..فهل أفدتمونا بمصادر من المخالفين حتى نلزمهم بها، فانهم يحتجون بنفس الحجة.. وهذا قولهم: ((ان سلمنا جدلاً أن الآية في عليّ فما وجه إثبات إمامة الحسن والحسين والتسعة من أولاد الحسين)).
الجواب:
لو سلّم المخالف جدلاً بنزول الآيه في عليّ(عليه السلام)، فهذا يعني ثبوت ولايته بنص القرآن الكريم، فصارت الإمامه أو الولاية منصباً إلهياً مشاراً إليه في القرآن، ولا يحق لغيره ممن لم ينزل فيهم النص الإلهي ان يتصدّا للخلافه أو الإمامه، فتسقط خلافة الثلاثه السابقين وخلافة اللاحقين الذين لم ينص عليهم الخليفه الشرعي وهو عليّ(عليه السلام)، فتثبت الخلافه لمن نص عليه الخليفه الشرعي، وقد نصّ عليّ(عليه السلام) بإجماع المسلمين للإمام الحسن(عليه السلام)، ونصّ الحسن للحسين(عليهما السلام) في بنود الهدنه مع معاويه.. ومن خلال حديث الاثني عشر خليفه يثبت أنّ الولايه هي للاثني عشر خليفه الذين أشار إليهم الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فارجع الى الموقع/ الاسئلة العقائدية / حديث اثني عشر خليفه/النصوص المعرفه بهم في كتب السنة.
السؤال: بيان المراد من آية الولاية والآيات المكتنفة بها ردّاً على دعوى وحدة السياق
تفاسير الشيعة وتأويلاتهم للقرآن الكريم التي يوظّفونها لتأييد مذهبهم كلّها مغالطات عجيبة تلوي النصوص ليّاً وتصادم اللغة العربية والعقل مصادمة واضحة.
وإليكم بيان هذا القول مفصّلاً نقطة نقطة حول ما سُمّي: آية الولاية:
1- موضوع الولاية أو الولاء أو الموالاة لم تكن بداية الكلام عنه في هذه الآية، وإنّما هذه الآية، وهي برقم (55) من سورة المائدة، وردت وسط سياق موحّد الموضوع، واضح الاتّصال، وجاءت ما قبل الآيتين الخاتمتين للموضوع، أي: الآيتين (56 و57).
هذه واحدة.
2- ما هي الآية التي بدأت السياق المتعلّق بهذا الموضوع؟
سياق الموضوع ابتدأ في الآية (51)، التي تقول بصراحة ووضوح لا يحتاجان إلى تفسير، فضلاً عن التأويل: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء بَعضُهُم أَولِيَاء بَعض وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللّهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ )).
إذاً الآية ذكرت كلمة (( أَولِيَاء )) مرّتين، وهي جَمع مفردها: (وليّ)، وهما متبوعتان بالفعل المضارع (يتولّى).
وكلمة (وليّ) هي نفس الكلمة التي ستذكر في ختام السياق، أي: في الآيات (55 و56 و57).
3- ماذا أفادت الآية (51)؟
الآية كما هو واضح تنهى المؤمنين عن أمر ما.
فهل هذا الأمر المنهي عنه هو: اتّخاذ اليهود والنصارى أولياء، بمعنى تنهى المؤمنين أن يجعلوا بينهم وبين اليهود والنصارى مودّة ونصرة وإخلاصاً وغيرها من المظاهر التي تدلّ على الولاء، أم تنهاهم أن يتّخذوا ويُنصّبوا اليهود والنصارى أئمّة عليهم؟
الجواب طبعاً أوضح من أن يبيّن.
4- ثمّ ما الذي تبع الآية (51)؟
الآيتان (52 و53): وتتحدثان عن المنافقين الذين يبررون مسارعتهم ومبادرتهم للارتماء في أحضان اليهود والنصارى وموالاتهم، بأنّهم يرجون العون والمساعدة من هؤلاء الكفّار خشية نازل ينزل بهم من حرب أو فقر أو جائحة، أو غير ذلك من النوازل والمصائب، وتفضحانهم وتبينان حبوط عملهم وخسرانهم عقب تلك الموالاة:
(( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأتِيَ بِالفَتحِ أَو أَمرٍ مِّن عِندِهِ فَيُصبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِم نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقسَمُوا بِاللّهِ جَهدَ أَيمَانِهِم إِنَّهُم لَمَعَكُم حَبِطَت أَعمَالُهُم فَأَصبَحُوا خَاسِرِينَ )).
5- ثمّ تأتي الآية (54) لتبيّن للمؤمنين خطر موالاة اليهود والنصارى على الدين، وأنّ من يقترفونها فقد ارتدّوا عن دينهم، وأنّ الله سيخلفهم بقوم آخرين خير منهم.
في ماذا يختلف هؤلاء القوم الذين يأتي بهم الله عن المرتدّين الذين والوا الكفّار؟
إنّهم يختلفون عنهم بالتحديد في مسألة (الموالاة)، التي عبّرت عنها الآية بكلّ وضوح بـ:محبتهم لله (أي: تولّيهم له)، ومحبّة الله لهم (أي: توليه لهم)، ومحبّتهم لإخوانهم المؤمنين وتذلّلهم لهم (أي: تولّيهم لهم)، وعزّتهم على الكفّار (إظهار عكس الولاء لهم، أي: البراءة منهم)، أي: يتّصفون بخلاف ما اتّصف به هؤلاء الذين بادروا بموالاة الكفّار: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَومَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم )).
6- الآية (55)، وهي بيت القصيد في نهاية السياق - قبل ختامه بالآيتين (56 و57) - وهو السياق الذي استهلّ بالنهي عن موالاة اليهود والنصارى، جاءت لتحدّد حصراً: من هم الذين تجب موالاتهم؟ وبنفس اللفظ المعبر به للنهي عن موالاة اليهود والنصارى، وهو هنا في الآية (55) لفظ: (وليّ) وهو مفرد جمعه: (أولياء)، الذي ورد في بداية السياق في الآية (51).
إذاً هل يفهم أنّه بعد النهي عن اتّخاذ اليهود والنصارى أولياء، الذي اتّضح معناه في بداية السياق، يتغيّر من دون سبب مدلول لفظ (وليّ) في هذه الآية ليصير دالاً على الإمارة أو الإمامة؟
وهل يصحّ تقدير الآية بناء على هذا المعنى كالآتي: إنّما (إمامكم أو أميركم) الله ورسوله والذين آمنوا...
طبعاً هذا من جهة لا يصحّ عند أي عاقل، ومن جهة أُخرى لا يتوافق مع السياق الموحّد الذي يتحدّث عن الوَلاية (بفتح الواو)، وليس عن الوِلاية (بكسر الواو)، التي تعني: الإمارة.
7- ثمّ تأتي بعدها مباشرة الآية (56) مواصلة السياق لتزيد الوضوح وضوحاً وتأكيداً، وقد ورد فيها الولاء بصيغة الفعل المضارع (يتولّى): (( وَمَن يَتَوَلَّ )) مبيّنة أنّ من يتولّون الذين حدّد الله وجوب وَلايتهم حصراً، وهم: الله ورسوله والذين آمنوا، هم حزب الله، وهم أهل الغلبة، فلا داعي ولامبرّر لتولّي غيرهم: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )).
8- ثمّ تأتي الآية (57) الخاتمة لسياق الوَلاية (بفتح الواو طبعاً) لربط آخر السياق ببدايته، فتعود إلى نفس النهي الذي ابتُدئ به السياق، ولكن ليس للتكرار، ولكن لتضيف تعليلاً وجيهاً تذكر به المؤمنين لعدم اتّخاذهم اليهود والنصارى وعموم الكفّار أولياء، مع التنويه إلى أنّ الآية عمّمت النهي على موالاة عموم الكفّار؛ لاشتراكهم في استهزائهم بدين الإسلام.
9- إذاً الآية (55) حدّدت وحصرت من يجب ولاء المؤمنين لهم، وهم: الله ورسوله وعموم الذين آمنوا، ثمّ اتّبعت الذين آمنوا بوصف يميّزهم ويظهر إخلاصهم بنعتهم أنّهم: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
سؤال وجيه:
قد ذُكرت إقامة الصلاة كصفة للمؤمنين فلماذا يعاد وصفهم في نفس الجزء من الآية بـ (( وَهُم رَاكِعُونَ ))؟
(وهي حال) مع أنّ الركوع جزء من الصلاة المذكورة؟
هل هذا تكرار أم أنّ في الأمر شيء آخر؟
طبعاً بلاغة القرآن الكريم التي فاقت كلّ بلاغة تنزّهه عن تكرار بدون فائدة ولا مبرر.
إذاً هل (راكعون) هي تعبير عن هيئة الركوع في الصلاة؟
إذاً كان الأمر كذلك فإنّ المعنى سيصير وصف الذين آمنوا بأنّهم هم أولئك الذين يقيمون الصلاة ويؤدّون زكاتهم حال ركوعهم في الصلاة.
وهذه في الحقيقة هيئة في منتهى الغرابة لأداء الزكاة.
وإذا علمنا أنّ المنسوبة له هذه الهيئة هو عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) فإنّ الغرابة والعجب يزدادان! لأنّه (رضي الله عنه) أجدر وأولى أن يحوّل استغراقه في الخشوع في صلاته وهو راكع، واضع كفّيه على ركبتيه دون الالتفات إلى أي شيء آخر، والاشتغال به عن الصلاة.
أضف إلى ذلك: أنّ التصدّق سواء أكان على سبيل النفل أو الفرض يمكن إرجاؤه إلى حين الفراغ من الصلاة، وليس هناك داعٍ للاستعجال على حساب الخشوع في الصلاة.
ثمّ إنّه من المعروف المشهور أنّ عليّاً(رضي الله عنه) لم تكن تجب عليه زكاة؛ لفقره، ولأنّ المذكورة في الآية هي الزكاة وليست صدقة النفل، حيث أنّ الزكاة يصحّ تسميتها بالصدقة، كما ورد ذلك في القرآن، أمّا صدقة التطوّع فلم ترد تسميتها بالزكاة التي تعني حصراً الزكاة كركن.
فما المقصود بالركوع إذاً؟
إذا عرفنا أنّ معنى الركوع مثله مثل السجود لغة، هو: الخضوع والانقياد، أدركنا أنّ اللفظ في الآية مستعمل بمعناه اللغوي لا بالمعنى الذي اشتهر به، وهو هيئة الركوع في الصلاة، وبهذا ينجلي أمامنا معنى هذا الجزء من الآية بوضوح فيكون تقديرها:
...والذين آمنواالذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راضون خاضعون خاشعة قلوبهم منقادون لأمر الله.
أي يؤتون الزكاة عن حب وإيمان وطيب خاطر وخشوع.
وهذا ما تؤيده الآية: (( وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلَى رَبِّهِم رَاجِعُونَ )) (المؤمنون:60).
10- (الذين يقيمون الصلاة) (و يؤتون الزكاة) (وهم راكعون) جمل وردت في صيغة جمع الغائب وعليّ(رضي الله عنه) مفرد.
وأمّا من قال أنّ الجمع جاء على سبيل التعظيم، فهذه مغالطة لا يمكن لها أن تصمد لحظة واحدة.
نعم، يمكن استعمال الجمع ولكن لمخاطبة المفرد على سبيل التعظيم، أمّا استعمال جمع الغائب للكلام عن المفرد الغائب فليس في ما عرف من كلام العرب الفصيح ما يثبت ذلك، إلاّ أن يأوّل كلام في صيغة الجمع الغائب على أنّه يشير إلى من اشتهر بقول أو فعل، ولكنّه لم ينفرد بذلك، بل يشاركه غيره في ذلك القول أو الفعل.
وهذا كاف لينهدم أي احتجاج بهذه الآية كنصّ من القرآن على خلافة عليّ(رضي الله عنه) ممّا يغنينا عن الدخول في أي جدال حول ما قيل عن سبب نزول الآية سواء أكان بحقّ أو بغير حقّ.
أنا في انتظار نشر التعليق وردّكم.
الجواب:
لا يوجد في تفسير الشيعة لهذه الآية تأويلات، وإنّما هو استدلال بالظاهر وبالروايات مقابل شبهات يثيرها المخالفون. فراجع معنى التأويل وفرقه عن التفسير لتعرف ما نقول. ولقد أجبنا عمّا ذكرت وأكثر منه في ردّنا على ما قاله الآلوسي في السؤال السابق، اقرأه بتمعّن وتركيز حتى تفهم ما كتبنا، ولا ترجع وتكرّر ما أرسلته لنا.
ومع ذلك سنعيد الجواب على ما ذكرته من نقاط باختصار:
1- إنّ معظم ما ذكرته يدورحول نقطة واحدة وهي الاستدلال بالسياق، ولكنّك لم تذكر منه سوى الدعوى من دون دليل؛ فانظر إلى قولك: (( وردت وسط سياق موحّد الموضوع واضح الاتّصال )) فهو لا يخرج عن مجرد الدعوى، بل دعوى الوضوح لهذه الدعوى.
نعم، إذا كنت تريد أنّها جاءت بترتيب واحد في القرآن فقولك صحيح، ولكن هذا لا يعني وحدة السياق؛ فإنّ السياق المراد هو النزول، وإثبات ذلك دونه خرط القتاد.
بل حتى في هذا الترتيب الموجود في القرآن لا توجد وحدة للموضوع بين الآيات؛ فإنّ موضوع النهي عن موالاة اليهود والنصارى يبدأ من الآية (51)، وينتهي بنهاية الآية (53)، ثمّ يبدأ موضوع جديد في الآية (54) متعلّق بالارتداد، ويبدأ بـ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) وينتهي بنهاية الآية (56)، وآية الولاية، وهي الآية (55) من ضمن هذه الآيات، ثمّ يأتي موضوع آخر في الآية (57) ويبدأ أيضاً بـ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ))، فأين وحدة السياق فضلاً عن وحدة الموضوع واتصاله؟
وإن تنزّلنا عن ذلك فإنّ السياق ليس بحجّة إذا قام الدليل على خلافه عند الكلّ، وخاصّة إذا كان من أسباب النزول.
2- قبل الكلام عن مجيء لفظة (الولي) بمعنى واحد في جميع الآيات، يجب الكلام عن معناها في اللغة، ومن ثمّ النظر في أنّها هل جاءت بمعنى واحد في الآيات أو لا.
إنّ معنى (الوليّ) هو: الأولى والأحقّ، وهو متّحد مع (المولى)، قال الفرّاء: (( إنّ الوليّ؛ والمولى في لغة العرب واحد، وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري: إنّ المولى: الوليّ، والمولى: الأولى بالشيء، وحكى الأخطل عن أبي العبّاس المبرّد أنّه قال: الوليّ: الذي هو الأحقّ والأولى، ومثله: المولى ))(1).
و(الأولى) هو أصل المعنى الذي ترجع إليه باقي المعاني، فكلّها متضمّنه لمعنى: الأولى؛ لأنّ المعنى لو كان مالك الرق فهو أولى بتدبيرعبده، ولو كان هو المعتق كان أولى بالميراث، وبالعكس كان أولى بتحمّل جريرته، ولو كان ابن العم لكان أولى بالنصرة، ولو كان الناصر فقد اختص بالنصرة فهو أولى بها، ولو كان الحليف والجار كانا أولى بالنصرة والمعونة، ولوكان بمعنى الإمام كان الأولى بالرعية.
وكانت هذه المعاني ترجع إلى الأولى لما تضمّنت من القرب وعدم الفصل، توسعةً للقرب من حيث المكان.
قال الراغب في (المفردات): (( الولاء والتوالي: أن يحصل شيئان فصاعداً، حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد ))(2).
ومن هنا يعلم أنّ معنى المولى والوليّ يتحدّد بحسب متعلّقه، وقد جاءت في قوله تعالى: (( لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء )) (المائدة:51) مطلقة، ولكن قوله تعالى بعده: (( بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )) (المائدة:51) يحدّد أنّ المراد منها ولاية المحبّة والمودّة؛ لأنّها هي التي تجعل اليهود والنصارى بعضهم من بعض، وذلك من جهة المحبّة القومية والدينية لا التحالف والنصرة.
وكذلك قوله تعالى: (( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم )) (المائدة:51)؛ لأنّ ولاية النصرة لا تجعله منهم، بل ولاية المحبّة والمودّة تجعله كأنّه منهم، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاءَ تُلقُونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ وَقَد كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِنَ الحَقِّ )) (الممتحنة:1)، مع ما في معنى النصرة من مناقضة لذكر النصارى في الآية؛ فإنّه لم يكن للنصارى وجود في المدينة.
3- ومن هنا يظهر أنّ ما جَمعته من المعنيين (المودّة والنصرة) وأنّهما المرادان من الولاية في الآية (51) غير صحيح، كما بيّناه آنفاً، وأنّ المعنى المراد والمنهي عنه هو: ولاية المحبّة، والذي هو أحد مصاديق معنى الأولى.
وأنت تلاحظ أنّنا لم نستعمل التأويل لبيان معنى الآية هنا! وإنّما اعتمدنا على أقوال أهل اللغة في بيان المعنى المراد من الولي، وهو ما يسمّى بالتفسير.
4- وأمّا قولك بأنّ الآية (52) والآية (53) تتحدّثان عن المنافقين، فغير صحيح؛ لأنّ القرآن جاء فيه: (( الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ )) وهم غير المنافقين، كيف وقد قال الله تعالى: (( وَإِذ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا )) (الأحزاب:12)؟ فجمع بينهما وهو دلالة المغايرة، وجاء ذلك في آيات أُخر أيضاً.
ومرض القلب يتناسب مع المحبّة كما لا يخفى؛ لأنّ المحبّة شيء جوانحي موضعه القلب.
5- وأمّا الآية (54) فهي تتكلّم عن موضوع جديد كما بيّنا: وهو: الارتداد، ولا يكون الارتداد إلاّ بنوع ردّ ورفض لأمر من أوامر الله ورسوله، وهو ما تبيّنه الآية التي بعدها وهو الولاية لله ورسوله والذين آمنوا.
فجعلك هذه الآية (54) مرتبطة سياقاً بما قبلها لا يخرج عن الدعوى، ولم تأت بدليل عليه سوى الرغبة بردّ كلام الشيعة.
كيف وفي الآية نصّ على محبّة الله لهم؟ وهي محبّة مطلقة لم تقيّد في الآية بجهة من الجهات، وهذهِ المحبّة المطلقة لا تكون بسبب عدم محبّة اليهود والنصارى فقط ومن دون أدنى ريب، وإنّما تكون لمن له المكانة السامية والمنزلة العظيمة، ومنهم الأئمّة(عليهم السلام)، وهل يشكّ أحد في أنّ محبّة الله لا تكون لمن كره اليهود والنصارى وإن كان عاصياً من جهة أُخرى ؟!!
وقد وردت الروايات الكثيرة عندنا بأنّ المراد من هذه الآية: عليّ(عليه السلام) وأولاده الأئمّة(عليهم السلام) ومن تبعهم.
ولا نعرف كيف غاب عنك معنى النصرة هنا واقتصرت على معنى المحبّة! إذ قلت: بمحبّتهم لله (أي: تولّيهم له)، ومحبّة الله لهم (أي: تولّيه لهم)، ومحبّتهم لإخوانهم المؤمنين وتذلّلهم (أي: تولّيهم لهم)، أليس كان من الأجدى لك أن تقتصر على معنى المحبّة فقط من البداية؟!
6- وأمّا بخصوص الآية (55)، أي: آية الولاية مورد البحث، فقد ذكرنا سابقاً أن لا سياق يجمعها مع الآيات السابقة، وما هو إلاّ مجرّد دعوى، بل هناك دعوى مقابلها على أنّها منفردة خارج السياق المفترض، ومع هذه الدعوى الثانية دليل، ألا وهو الروايات المتواترة بشأن نزولها في عليّ(عليه السلام)..
وقد بيّنا أيضاً أنّ معنى الوليّ هو: الأولى بالأمر والأحق، وأنّ معناها يتحدّد حسب المتعلّق بها، وهنا جاء لفظها مفرداً (وليّكم)، ومتعلّقها مفرداً (الله ورسوله)، وولاية (الله ورسوله) مطلقة فلا يناسبها من مصاديق معنى الولاية إلاّ: الأولى بالأمر والأحقّ، ثمّ عطف عليها (الذين آمنوا)، الموصوفون بالصفة المذكورة، (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، وهم بعض المؤمنين قطعاً لا كلّهم، وإلاّ لانتفت فائدة الوصف، فأثبتت الآية الولاية لهؤلاء البعض بعد الله ورسوله، وهو ما لا يتوافق مع الحصر لو كان المراد من الولاية: الولاية العامّة، أي: المحبّة؛ فولاية المحبّة عامّة لكلّ المؤمنين لا للبعض، فلا يصحّ ما لوّحت به من معنى الآية بأنّها جاءت لتحدّد حصراً من هم الذين تجب ولايتهم، أي: ما عدا اليهود والنصارى حسب السياق المدّعى، الذي تحاول التمسّك به جاهداً!
ومعنى الولاية في الآية ليس الإمامة والإمارة كما ظننت، وإنّما: الأولى به والأحقّ به، وهو ينطبق على الله ورسوله وعلى الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ويتحدّد معنى الوليّ حسب متعلّقه، فيكون أحد مصاديق معناه: الإمامة والإمارة للموصوفين في الآية.
وأمّا ادّعاءك أنّ المراد في الآية (الوَلاية) بالفتح دون (الوِلاية) بالكسر فهو دعوى مثل دعاويك السابقة؛ لأنّهما مشتقّان من أصل واحد، وهو (وليّ) أي: الولاء، وقد جاءت في القرآن بلفظة (وليّكم) ولم تأت بـ (الوَلاية) ولا (الوِلاية)؛ قال الراغب الأصفهاني: (( ولي: الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعداًَ، حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد.
والولاية: النصرة، والولاية: تولّي الأمر، وقيل: الوِلاية والوَلاية، نحو: الدِلالة والدَلالة، وحقيقته: تولّي الأمر، والوليّ والمولى يستعملان في ذلك، كلّ واحد منهما يقال في معنى الفاعل، أي: الموالي، وفي معنى المفعول، أي: الموالى ))(3).
7- أمّا الآية اللاحقة وهي الآية رقم (56)، فهي مرتبطة بما قبلها، وتبيّن أنّ النصر والغلبة ستكون للذين تولّوا مَن أمر الله بولايتهم خاصّة؛ إذ فيها إشارة للحزب، ولا بدّ للحزب من إمام، فضلاً عن ورود الروايات بأنّ المعني بها: عليّ(عليه السلام) وشيعته.
8- وأمّا الآية (57) فقد شرعت بخطاب جديد للذين آمنوا، فهي مرتبطة بالآية التي بعدها رقم (58) لا بالتي قبلها، إذ فيها إدخال للكفّار مع اليهود والنصارى، ولم يذكروا في تلك الآيات، وفيها إشارة إلى حقيقة أهل الكتاب والكفّار بأنّهم: (( اتَّخَذُوا دِينَكُم هُزُوًا )) (المائدة:57)، ولم ترد إشارة من ذلك في الآيات السابقة، ثمّ تتبعها آيات تُعدّد مساوئ ومثالب أهل الكتاب والكفّار؛ فهي نازلة في غرض آخر جديد غير غرض الآيات التي سبقتها.
9- إذاً الآية (55) حصرت الولاية بمعنى: (الأولى بالأمر)، بالله ورسوله والذين آمنوا، ثمّ بيّنت المراد من (الذين آمنوا)، بذكر وصف خاص لهم، وهو: اقامتهم للصلاة وإعطاءهم الزكاة حال الركوع، وهذا الوصف يكون قيداً اضافيّاً يضيّق المعنى المراد، ويحدّد المصداق؛ فليس المراد كلّ المؤمنين قطعاً، وإنّما من يتّصف بهذه الصفة، والمراد من الركوع في الآية: ركوع الصلاة، بما ينطبق على المعنى اللغوي والشرعي، وقد بيّناه في السؤال السابق بما لافائدة من التكرار هنا.
وهو وإن كان فيه هيئة غير معتادة لاعطاء الزكاة، لكنّ الغرض منه في الآية هو: لتمييز وتحديد من هذا فعله ليوالى، وليدلّ على شدّة مسارعتهم لفعل الخيرات حتى في حال ركوع الصلاة، ولم يُذكر الركوع وحده ليكون تكراراً، وإنّما ذُكر كحال لإعطاء الزكاة، فلا تكرار.
وأمّا إشكال الجهّال بأنّ إعطاء الزكاة على هذه الحال منافٍٍ لخشوع عليّ(عليه السلام) في الصلاة، فكان الأجدر بمن يورده أن يراجع سيرة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في صلاته، كما بيّناه مكرّراً في عدّة أسئلة سابقة، ولكن أعماه غرضه من الردّ على الشيعة عن ذلك.
والإشكال بأنّه كان بإمكان عليّ(عليه السلام) أن يرجئ إعطاء زكاة النفل حتى الفراغ من الصلاة، فيه غفلة عمّا ورد من أسباب النزول في الآية، من أنّ السائل رفع يده للدعاء وطلب الشهادة من الله بأنّه لم يعطه أحد في مسجد المسلمين، كما فيه غفلة عمّا ورد من الحثّ على المسارعة في الخيرات..
والغفلة نفسها تأتي في الإشكال بعدم وجوب الزكاة على عليّ(عليه السلام) في ذلك الوقت؛ لأنّ كلّ الروايات أجمعت على أنّ عليّ(عليه السلام) أعطى صدقة، أي: زكاة نافلة.
وأمّا الادّعاء بأنّ الصدقة لم تسمّ زكاة في القرآن، فهو من العجب العجاب!!
فأين ذهب قوله تعالى في إبراهيم وإسحاق ويعقوب: (( وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ )) (الأنبياء:73)، وقوله تعالى في إسماعيل: (( وَكَانَ يَأمُرُ أَهلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرضِيًّا )) (مريم:55)، وقوله تعالى حكاية عن عيسى: (( وَأَوصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمتُ حَيًّا )) (مريم:31)؟! ولم تكن زكاة ركنية في شرائعهم كما هي موجودة في شريعة الإسلام.
وأمّا دعواك أنّ معنى الركوع لغة هو: الخضوع، فليتك ذكرت أنّه معنىً مجازي، والحمل على المعنى الحقيقي المطابق للشرعي أولى وأظهر وأصحّ.
10- وأمّا الإتيان بلفظ الجمع والمراد: واحد، فقد بيّنا في الأسئلة السابقة صحّة إعطاء حكم كلّي، أو الإخبار بمعرّف جمعي بلفظ الجمع ولا يكون المصداق إلاّ واحد في الخارج، وإلاّ ماذا تقول في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاءَ تُلقُونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ )) (الممتحنة:1)، وقد أجمع المفسّرون أنّ المراد به: واحد، وهو: حاطب بن أبي بلتعة؟!
وقوله تعالى: (( يَقُولُونَ لَئِن رَجَعنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنهَا الأَذَلَّ )) (المنافقون:8)، والقائل هو: عبد الله بن أبّي بن سلول؟!
وغيرها من الآيات بصيغة الجمع للغائب، ولا يوجد أصدق من القرآن شاهد !
والقول كما قلت بأنّه: يؤوّل (( على أنّه يشير إلى من اشتهر بقول أو فعل، ولكنّه لم ينفرد بذلك، بل يشاركه غيره في ذلك القول والفعل )) لا يفيد؛ لأنّه:
أوّلاً: يدلّ على جواز استعمال الجمع للغائب لنكتة ما مجوّزة، فلتكن في قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) نكتة مجوّزة، وهي: الإشارة إلى أنّ الولاية الثابتة في الآية لم تُعط جزافاً لبعض دون بعض، وإنّما تتبع الإخلاص والمسارعة والسبق في العمل، وأنّ هناك آخرين مشاركين في هذه النكتة، وهم الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت(عليهم السلام).
وثانياً: تأويل باطل، خاصّة بالنسبة للآيات المتقدّمة، فإنّه وإن احتملنا رضا الآخرين بفعل حاطب وعبد الله بن أبيّ بن سلول، ولكن من كتب الكتاب ومن قال القول واحد لا غير، وهما: حاطب، وابن أُبيّ بن سلول.
وأمّا قولك في النهاية: (( وهذا كاف لينهدم أي احتجاج بهذه الآية كنصّ من القرآن على خلافة عليّ(رضي الله عنه ) )) غير كاف، بل خطأ واضح، وعناد سافر؛ إذ حتى لو سلّمنا بكلّ ما قلت من أوّله إلى آخره، ثمّ جاء الدليل من الروايات القطعية على سبب النزول، لكان الواجب حسب القواعد تقديم مدلولها على كلّ ما حاولت ليّه من معاني الآيات القرآنية.
وقد أجبنا على مضمون هذا الإشكال بصورة أكثر علمية وصناعة تحت عنوان: (آية الولاية/الآية عامّة والعام يتحقّق بوجود مصداقه في الخارج فكيف تخصّص؟!)، فليراجع!
(1) العمدة: 113، الفصل الرابع عشر.
(2) مفردات غريب القرآن: 533 مادة (ولي).
(3) مفردات غريب القرآن: 533 مادة (ولي).
تعليق على الجواب (1) عطفاً على ما سبق..
نكتة لطيفة جدّ هامّة..
لو كانت الآية نزلت في عليّ وحده بسبب أنّه آتى الزكاة وهو راكع، فهل (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ )) هم جميع المؤمنين، أم فقط عليّ(رضي الله عنه)؟
لو كان عليّ هو وحده المعني بهذا الوصف: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) والذي هو الوصف المزعوم لحال خاصّة به، ألم يكن أولى وأجدر أن تقتصر الآية على هذه الميزة الاستثنائية الخاصّة به والكافية لتعريفه، من أن يوصف أيضاً بـما يشترك فيه بداهة جميعُ المؤمنين: (إقامة الصلاة)، وهي أصلاً ركن من أركان الإسلام؟
حيث - لو تنّزلنا وقلنا بجواز الكلام عن المفرد الغائب بصيغة جمع الغائب، وغضضنا أيضاً الطرف عن كون الفعل المضارع يفيد الحاضر والاستمرار، أي: بما يعني في الآية أنّ فعل إيتاء الزكاة يتكرر ويتعدّد - كان يكفي ويلزم أن تأتي الآية على التقدير الآتي: (إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون).
لأنّ إقامة الصلاة هي من الصفات المعروفة لجميع المؤمنين، الملازمة على الأقل لجميع المخلصين منهم، فما الداعي لذكرها والمقام - جدلاً - ليس مقام ذكر صفات، أو واحدة من الصفات المشتركة بين جميع المؤمنين، وإنّما مقام نعت وتمييز من تعيّن أن يكون أميراً للمؤمنين بصفة وميزة خاصّة به لم يشترك فيها معه أحد منهم؟
فهل كان ذكر إقامة الصلاة ضرورياً لتمييز عليّ(رضي الله عنه)؟ أي: ألم يكن ذكر ما تميّز به من صفة استثنائية كافياً لنعته وأولى لتعيينه؟
إذاً ألا تكفي هذه النكتة لكلّ غافل أو مستغفَل عاقل كي ينتبه أنّ المعنيّين بالآية هم: جميع المؤمنين، وأنّها وصفت المؤمنين بأنّهم: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، كإرشاد إلى الصفات الظاهرة لتمييز المؤمنين الصادقين المخلصين المستحقّين حصراً للولاء بجميع مظاهره، من مودّة، ونصرة، ونصيحة (أي: إخلاص)، وما إلى ذلك، من المنافقين الذين هم أيضاً (يُصلون) ولكنّهم لا يقيمون الصلاة، وإنّما: (( ... إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً )) (النساء:142)، و (( لاَ يَأتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُم كُسَالَى )) (التوبة:54)، وهم أيضاً ينفقون أموالهم ولكنّهم: (( ... لاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُم كَارِهُونَ )) (التوبة:54)، عكس المؤمنين الصادقين الذين ينفقون ويؤتون زكاتهم كما وصفهم الله تعالى في آية أُخرى: (( وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلَى رَبِّهِم رَاجِعُونَ )) (المؤمنون:60)، أي: يؤتون الزكاة في حال من الخضوع والانقياد لله تعالى والخشوع والإيمان واليقين.
وهذا ما يتّفق مع صفة إيتاء المؤمنين الصادقين للزكاة الواردة في الآية (55) من سورة المائدة.
هذا، والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل.
يتبع
|
|
|
|
|