وقال : الخامس منها : ما نقله عن موفق بن أحمد أيضا بإسناده إلى أبي
سليمان راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ليلة أسري
بي إلى السماء ، قال لي الجليل جل جلاله : " آمن الرسول بما أنزل إليه من
ربه " .
فقلت : والمؤمنون ، قال : صدقت .
قال : من خلفت في أمتك ؟ قلت : خيرها ، قال ، علي بن أبي
طالب عليه السلام ؟ قلت : نعم يا رب
قال : يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها ،
فشققت لك اسما من أسمائي ، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي ، فأنا
المحمود وأنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ثم اطلعت الثانية : فاخترت منها عليا ، وشققت له اسما من أسمائي ،
فأنا الأعلى وهو علي .
يا محمد إني خلقتك ، وخلقت عليا ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ،
والأئمة من ولده من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات
والأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من
الكافرين .
يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع ، أو يصير كالشن
البالي ثم جاءني جاحدا لولايتكم ما غفرت له ، حتى يقر بولايتكم .
يا محمد تحب أن تراهم ؟ قلت : نعم يا رب ، فقال : التفت عن يمين
العرش ، فالتفت فإذا بعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين عليهم السلام ، وعلي بن
الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن
موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ،
والمهدي عليهم السلام ، في مصباح من نور ، قيام يصلون ، وهو في وسطهم - يعني
المهدي - كأنه كوكب دري ، وقال : يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من
عترتك ، وعزتي وجلالي أنه الحجة الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من
أعدائي .
وقال الثامن منها : ما نقل عن الحمويني بإسناده إلى سعيد بن جبير ،
عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن خلفائي وأوصيائي ،
وحجج الله على الخلق بعدي اثنا عشر : أولهم أخي وآخرهم ولدي ، قيل
يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ومن أخوك ؟ قال : علي بن أبي طالب عليه السلام ، قيل : فمن
ولدك ؟ قال : المهدي الذي يملأها قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا ،
والذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك
اليوم ، حتى يخرج فيه ولدي المهدي ، ينزل روح الله عيسى بن مريم ، فيصلي
خلفه ، وتشرق الأرض بنور ربها ، ويبلغ سلطانه المشرق والغرب
.
وقد ذكر في الباب الثاني عشر من طريق العامة أخبارا كثيرة تدل على
أن عدتهم عليهم السلام اثنى عشر .
منها : ما عن ابن عباس ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : معاشر
الناس ! اعلموا أن لله تعالى بابا من دخله أمن من النار ، ومن النزع الأكبر ،
فقام إليه أبو سعيد الخدري ، فقال : يا رسول الله إهدنا إلى هذا الباب حتى
نعرفه ، قال : " هو علي بن أبي طالب سيد الوصيين ، وأمير المؤمنين ، وأخي
رسول رب العالمين ، وخليفة الله على الناس أجمعين .
معاشر الناس ! من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها
فليتمسك بولاية علي بن أبي طالب ، فإن ولايته ولايتي ، وطاعته طاعتي .
معاشر الناس ! من أحب أن يعرف الحجة بعدي ، فليعرف علي بن أبي
طالب .
معاشر الناس ! من سره أن يقتدي بي فعليه أن يتولى ولاية علي بن أبي
طالب والأئمة من ذريتي ، فإنهم خزان علمي .
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري ، فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما عدة الأئمة ؟
فقال : يا جابر سألتني - رحمك الله - عن الإسلام بأجمعه ، عدتهم : عدة
الشهور ، وهي عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات
والأرض . وعدتهم عدة العيون التي انفجرت منه لموسى بن عمران ، حين
ضرب بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، وعدة نقباء بني إسرائيل ، قال
الله تعالى : " ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر
نقيبا "
، فالأئمة - يا جابر - اثني عشر إماما : أولهم علي بن أبي طالب ،
وآخرهم القائم صلوات الله عليهم أجمعين .
وبالجملة الأخبار من طريقهم في أن عدة الأئمة عليهم السلام ، اثنا عشر
مستفيضة ، لو لم تكن متواترة و من طريقنا متواترة، فليعتبر المعتبر .
دلالة الكتاب المجيد على اختصاص الإمامة والولاية بمولانا أمير المؤمنين
والأئمة الطاهرين من ذريته ، وذرية خاتم النبيين ، صلوات الله عليهم أجمعين
على أقسام ثلاثة :
1 - منها الآيات النازلة في شأنهم ، كما عرفت شطرا منها .
2 - ومنها تقسيم الكتاب المجيد إلى أقسام ثلاثة : مجمل ، ومحكم ،
ومتشابه .
توضيح الحال : إنه لا شبهة في أن الغرض من الكتاب المجيد هداية
الناس إلى الدين الحنيف ، واهتداؤهم إلى ما فيه مما يكمل به دينهم من
المعارف الحقة . . . على العزائم ، والرخص ، والحلال والحرام والحدود ،
والأحكام وهكذا ، لا مجرد التلاوة والقراءة من دون تدبر وتفهم ، فلا محالة
يكون وافيا بجميع ما تحتاج إليه الأمة ، وإلا لزم أن يكون الكتاب مما فرط فيه
شئ ولا يكون مكملا لدينهم ، وهو رد لقوله تعالى شأنه وكفر به
ومحكمات القرآن لا تفي بجميع ما يحتاج إليه الأمة ، كما هو ظاهر ، فلا بد
أن يكون هذا الاكمال في مجموع الكتاب ، ومنه المجمل والمتشابه . فلا بد
للأمة من معرفتهما عند الحاجة .
ومن المعلوم أنه لا سبيل إلى معرفتهما بالحدس والرأي لاختلافهما
باختلاف الأنظار ، فيزداد بهما الحيرة والضلالة ، والحكيم تعالى شأنه لا يخل
بغرضه ، فالعقل يحكم حينئذ حكما جزميا بأن الحكيم تعالى شأنه الذي قسم
الكتاب المجيد إلى هذه الأقسام الثلاثة قرنه بمترجم رباني كاشف عن حقائقه ،
لا شبهة في حكمه ، عالم بجميع الكتاب من عنده ، مصون من الزلل ، وهذا
المترجم الرباني ليس إلا خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه المعصومين سلام الله عليهم
أجمعين .
ومن المعلوم ان الخلفاء الثلاثة ليسوا عالمين بمجمله ومتشابهه كما يظهر
من مراجعتهم في كثير من الموارد التي أشكل عليهم الأمر فيها إلى مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام كما هو مذكور في كتب الفريقين ، ولا يجوز أن يكون حامل أسرار رب العالمين - أعني مجملات القرآن ومتشابهه - معزولا عن الخلافة ،
والأجنبي عنها خليفته تعالى شأنه ، وهذا الصنع في الكتاب المجيد - كما يدل
على أن مع القرآن حاملا ربانيا ما دام الدين باقيا لا يفارق القرآن عنه - يدل على أن في الأمة من يدعي حقهم ، ويستولي على مقامهم ، وإلا لم يجعل
منه مجملا ومتشابها ، ضرورة أن الرمز والتشابه إنما هو لإخفاء الأمر على
المدعى المعارض .
وقد ورد عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أن الله تعالى قسم كتابه إلى
محكم ، ومجمل ، ومتشابه ، حتى يتميز خليفته عمن استولى على الأمر .
3 - ومنها : قصص أوصياء الأنبياء في الكتاب المجيد ، فإن بيان
حالاتهم ، وصفاتهم ، وعلومهم إرشاد إلى معرفة أوصياء خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم
أجمعين ، فمن تدبر في قصة آصف بن برخيا وزير سليمان بن داود عليه السلام الذي
قال تعالى شأنه في حقه : " وقال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل
أن يرتد إليك طرفك " ( علم أن سؤال سليمان ليس لعجز منه في إحضار
عرش بلقيس ، كما أحضره آصف وإلا لزم أن يكون الوصي أفضل من
الأصل ، وهو محال ، فغرضه عليه السلام ظهور هذا من وصيه ، حتى يقر الناس
بفضله ، ويعلموا أنه يستحق الوصاية ، فإذا كان وصي سليمان بهذه المنزلة ،
مع أن سليمان ليس من أولي العزم من الأنبياء ، بل من أتباع موسى بن
عمران عليه السلام وعامل بشريعته ، فلا محالة يكون وصي موسى أفضل من وصي
سليمان ، وحيث إن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من جميع الأنبياء ، يكون وصيه
أفضل من جميع أوصياء الأنبياء ، فيستحيل أن يكون خليفة سليمان ووصيه
عالما بعلم من الكتاب " به يقدر على إتيان عرش بلقيس ، قبل ارتداد الطرف ،
ووصي خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم لا يعرف شيئا من بواطن الكتاب . فلا محالة يكون
وصيه أعلم من وصي سليمان ، بل هو العالم بالكتاب كله كما قال تعالى في
شأنه : " ومن عنده علم الكتاب " .
وقد سئل مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن الذي عنده علم من
الكتاب أعلم ، أم الذي عنده علم الكتاب ؟ فقال عليه السلام : ما كان علم الذي
عنده علم من الكتاب إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر ،
يعني أن منزلة من عنده علم الكتاب منزلة البحر ، ومنزلة الذي عنده علم من
الكتاب منزلة القطرة