ربما من الحكمة بمكان التذكير بأهمية - الإتفاق الأمني - بين العراق وأمريكا ، كما إنه من الحكمة إيضاً ان لانضيع تلك الأهمية في جدل بيزنطي فاسد يقصده البعض ويريده لتحقيق أغراض الغير ونواياهم من وراء الجدار .
الأمن بما هو ومن حيث هو هاجس العراقيين ومطلوبهم الذي يريدون ، بعدما ذاقوا من الإنفلات والفوضى والقتل والتهجير ألوان ، وبعدما أختلط في ذهنهم عقم الديمقراطية وتجربتها في العراق ، فالديمقراطية إن لم يكن معها أمن وأستقرار للمواطن فلاتُراد ولا تُطلب .
وهنا نود التذكير تارةً أخرى بما يتطلبه الواجب الوطني من حرص وسلامة موقف وإنتماء واضح للوطن وعلاماته الفارقة ، ولايجب الركون أو إعتماد الخداع والتعميه والتضليل وتجريد الشعب من حقه في الحياة وحقه في الوجود .
والمرجعية الدينية على أهميتها هي عنوان عام وهي ليست - ولا ية الفقيه السياسية - كما قد يتوهم البعض بل هي درجة من الفقاهه متقدمة يُركن إليها في باب الفتوى الشرعية ومعرفة الحكم الشرعي هذا بحسب طبيعتها الموضوعية ، كما إن شرط - ولاية الفقيه السياسي - بمعناه الموضوعي الدقيق غير مرتبط بها ، إلاّ من حيث كونها تعبير عن الولاية على القُصر واليُتم ، والمعبر عنها إصطلاحاً في أدب الفقهاء - بالحسبة - .
وهذا المعنى للمرجعية يوافق ما عليه السيد السيستاني (دام ظله) ومن معه من مراجع النجف (حفظهم الله) على الخصوص ، وهذا يعني خروجهم من مفهوم الولاية المتداولة والحاكمة في إيران ، والتي تعني هناك الحاكمية السياسية .
وبما إن الفرق كبير بين المفهومين على الصعيد المعرفي والعلمي ، لذلك فهو فرق يجب رصده على صعيد الواقع . لكن بعض ساسة العراق يتعمد تجهيل الناس من خلال الإدعاء بين الفينة والأخرى : - بان المرجعية أو إن المرجعية ترى كذا وتريد كذا في شؤونات العمل السياسي - وهذا كما ترى تضليل وإختراق يُقصد منه كسب التأييد الشعبي في ساحة المواجهة مع الغير .
وأريد أن أُبرء ساحة المرجعية من غايات وأفعال الساسة والسياسيين .. فأقول إن المرجعية ليست شخصاً واحداً بعينه ، بل هي عنوان عام لكل من له أهلية النطق بالحكم عبر الأدلة المعتمدة .
و مرجعيات العراق الدينية متعددة فهناك مثلاً الشخصية الديناميكية وهناك مرجعية النضال والجهاد الطويل أعني مرجعية - السيد المدرسي – وهناك مرجعيات ذات رؤى على غاية من المتانة والرجاحة والقوة ، ولكن لا يؤخذ برأيها بل ويُشهر فيها بين الحين والآخر .
فلو كانت النوايا صادقة في حماية العراق وتدعيم جبهته الداخلية ، فالواجب يقتضي أولاً : سماع صوت هؤلاء فرادى ومجتمعين من خلال إعتماد مقولة السيد الشيرازي في معنى ومفهوم - شورى الفقهاء – وهذا ممكن وهو أمر ليس بعزيز ، وقد تبنى هذا الرأي - الشيخ الركابي في كتابه الأسس السياسية والمذهب الواقعي - ، وأنا أُعيد طرحه من جديد طارقاً الباب ليكن للشفافية والصدق معنى في سياسة العراق : وذلك من خلال الدعوة لمؤتمر يجمع أهل العلم من المراجع والمفكرين من أهل الخبرة السياسية للتباحث في شأن هذه الإتفاقية ، وقدرتها وصحتها ، ومدى موائمتها للشعب وللوطن العراقي ، ودراستها من كافة الجوانب ، وتبيان نقاط الضعف ونقاط القوة فيها ، وعدم ترك الأمر لجماعة من الناس همها مناصبها وما تشغله ، فالقضية بحجمها وبعدها الإستراتيجي لا يمكن ان تطرح للأستفتاء هكذا قبل إن يشرع أهل العلم في دراستها وبيان القدرة فيها على منفعة الشعب والوطن .
وكما قال ضابط أمريكي فالإعتماد على قدرة نواب المجلس على إتخاذ مايلزم في هذا الشأن بعيد لأن أكثرهم يُباع ويُشترى بثمن بخس أو له ميول لطرف ثالث لا مصلحة له بأستقرار العراق وحماية أمنه ، ونحن نعرف بعضهم ونعلم عن بعض وسجلاتهم القديمة لا تؤهلهم ليكونوا حكماً في مسائل كبيرة وذات بعد يستهدف حاضر العراق ومستقبله ..
أنا مع الإتفاقية المقرؤة بعمق وليس المتطير منها كما تريد بعض دول الجوار ، أنا مع الإتفاقية حين يكون شرطها الموضوعي ومشروعها حماية العراق من الأستبداد وحاكمية الفرد الواحد أو الحزب الواحد ، وأنا مع الإتفاقية حين تساعد العراقيين على التعايش والعيش المشترك مع بعضهم البعض والإيمان بالحقوق المتبادلة لهم جميعاً ، وأنا معها حين تساهم في خنق أدوات الإرهاب عبر القانون والنظام والدستور ، وأنا مع الإتفاقية التي تساعد في خنق عناصر الفتنة التي تبعثر الناس ملل وطوائف كما يٌريد لها البعض من بقايا التراث المريض ، ويجب ان تكون الإتفاقية واقعية وبعيدة عن روح الإحتلال – تصنع الغد - وتمنع العصى من ان تكون أداة للظلم والعدوان ، كما يلوح بذلك البعض .
هي إذن إرادة من طرفين لحماية مشروع الأستقلال والعدل والحرية والسلام ، ولا يحق لكائناً ما ان يعطي رأياً مسبقاً فيها من دون النظر مع الجميع ، وهذا كلام أوجهه لبعض المرجعيات لكي لاتئنى بنفسها فالكل سواء في هذا .
ولا يجب استغفال الشعب مرتين أو إشراكه في العملية من دون وعي أو علم أو إرادة ....
التعديل الأخير تم بواسطة منتصر العذاري ; 23-11-2008 الساعة 11:51 PM.