نعم هي أمراة لا تقرا ولا تكتب لم تدخل المدرسة مؤمنة ملتزمة ورعة تقية
عرف اهلها بالخلق الكريم الطيب
وتزوجت من مدرس يقربها بصلة رحمة
وتمر الايام
وانجبت تلك المراة
ثلاثة اولاد وثلاثة بنات
ربتهم اي تربية حسنة واي خلق كريم كستهم به
وصار القاصي والداني يشهد لهم بتربيتهم الحسنة
وما امتازوا به من ذكاء قوي بحيث كان الاولاد كلهم من الاوائل في الدراسة ام لم يكونوا الاول
وتمر الايام
وتكبر العائلة ولا بد من بناء بيت فتوكل زوجها المدرس
وللامانة التاريخية كان فاهما قادرا متمكنا من درسه ومادته
وعرف عنه الانضباط الشديد في الدرس
وعرف عنه ان تاخر احد الطلبة عن الدرس ساله ما سبب التاخير
فاجابة الصلاة او صلاة الظهر حينها
سمح له بالدخول
لم يكن بعثيا
لم يكن من ازلام النظام الصدامي المقيت
لم يكن ممن يضرون الناس ويغشون ويقتلون ويطعنون كما هي اخلاق حزب البعث الكافر
وحاله من حال كثير من الرجال الذين لم ينتموا الى حزب البعث
ضغط عليه هدد بالسجن بالقتل
بقطع الرزق وبالطرد من الوظيفة
لم يستسلم ضل مقاوما لهذا الطغيان البعثي الكبير
الذي استسلم له كثير من الاناس وانتموا مكرهين وكثير راغبين لحزب البعث المقيت وما ادراك ما حزب البعث
نعود لصاحبنا الاستاذ
وتمر الايام وبدأ الرجل يبني بيته
وضعه اساسه الخرساني بيده كان يعمل
ينتهي الدوام يرجع الى بيته يتغدى ويذهب الى اساس بيته
وذات يوم
جاءه الحقد البعثي
اثنين من رجالات الامن
وهو يعمل في بيته مع اولاده الثلاث يساعدونه
القوا القبض عليه
ويروي لي احد الاشخاص الثقاة
ان احد رجال الامن الصدامي اخذ حاوية المسامير والمطرقة ورماها على راس هذا الاستاذ
ناهيك عن السب والشتم والضرب امام اطفاله الصغار
صورة بقت في اذهانهم ولن تمحى طوال العمر
وهنا حلت المصيبة والضائقة على راس تلك المراة
ست اطفال صغار من يعيلهم
من يكفلهم
حتى الاقارب والاخوة
ان تكفلوا بها اعدموا او اعتقلوا
وللتاريخ
ممنوع ايضا لاي انسان ان يسلم عليهم وان سلم عليهم وضعت علامات عليه
او كما نسميها
علامة اكس
وطبيعي ابن المعدوم ياخذ اعلى درجة التي هي ثلاثة اكسات
اي خطا في خطا في خطا
ولاحهم الفقر واحاطهم من كل حدب وصوب
ولا يمكن لاي انسان ان يمد يد العون لهم
لانهم ان مدوا يد العون قطعت رقابهم لا ايديهم
وهكذا
ومع الايام والايام والايام
لا ملابس اكل بسيط لا يسد الرمق جوع وخوف
وكل يوم فرق الامن تفتش البيت
وتحضن المراة اطفالها بعباءتها
وهكذا مرت الاعوام
منذ 1980 تاريخ اعتقال والدهم
وتلك المراة تعمل وتربي وتكد وتطعم وتكسوا اولادها الستة
بجهدها بعرقها بنور عينها
والحمد لله اكملت البيت البسيط الذي كان زوجها
الذي ابلغهوم فيما بعد
باعدامه
والى يومنا هذا لم يحصلوا على جثته
وجلبت اولادها معها الستة خوفة عليهم ولتبتعد عن حيهم الذي خان بهم
وطبيعي ان من كتب التقارير الامنية على هذا الاستاذ هو احد الاقارب او الجيران
هربت الى بيتها البسيط المتواضع
اكملته بشق الانفس ومع بيع كل ما تملكه لم يبقى لها من شي الا باعته
المهم
ان يكون لها بيتها
الحمد لله
ولكن مصاريف الدراسة بدات تكبر وتكبر
فالابن الاكبر الان في في الكلية وحصل على قبول في كلية الهندسة
والاخرين في كلية الطب
وهذا مما زاد من ثقل حملها وهمها وكيفية الحصول على لقمة العيش ومصاريف دراسة اولادها
وزادت من جهدها ومجهودها
لتكافح وتكافح ولا تستلم
وهنا اذكر
هجوم الرفاق على بيتها ذات يوم للتفتيش
ولم يكتفوا بالتفتيش
بل انهالوا عليها بالسب والشتم
فلا مجيب لنداءها سوى الدمع
وللامانة التاريخية
فان احد الرفاق الذي سبوها وشتموها اصيب بسرطان الكبد
فكانت رائحته انتن من القذارة نفسها ومقته حتى اهله ولم يستقبلوه
وهذه نهاية الطغيان
كما هو ابوهم صدام اللعين
ومما زاد من اعباءها
ان سقف البيت ايل للسقوط ولا مكان اخر تذهب اليه
فما بين لا مكان لديها تذهب اليه وما بين خوفها على اولادها من الحزب وما بين الجوع والحرمان
وما بين مصاريف دراستها التي انهكت ظهرها
ذهب اولادها ليعملوا في عطلتهم الصيفية
بينما بقية الشباب والاولاد هنالك من يعينهم ويساعدهم
هؤلاء تكسرت اظهرهم من كثرة العمل في البناء او كما نسميها العمالة هنا او في المزارع
او والف او
المهم ان يجمعوا المال كي يكملوا دراستهم
وهكذا سنين وسنين استمرت تلك المراة في حالها هذا
وذات يوم وصل بهم الامر الا يملك الاولاد قميصا يذهبون به الى كليتهم
لم يبقى لها سوى عباءتها
جلبتها الى احد الخياطين من اقاربي
وطلبت منه ان يخطيها الى ثلاثة قمصان لاولادها
وبالفعل
قام ذاك الخياط بخياطة القمصان مع صعوبة الخياط في هكذا نوع من الاقمشة
وهذا يذكرنا بقصة ذهب مع الريح حين خاطت ستائر بيتها ثوبا لها
الا ان
هذه المراة
خاطت عباءتها الى اولادها
واليوم
الحمد لله
تخرج الاولاد
وتزوجت البنات
وصاروا اطباء مشهورين جدا
بالاخلاق وبالعلم وبالتواضع
واليوم
اعيد بناء البيت الى بيت جديد
واي بيت
ولكن
تقوس ظهر تلك المراة وضاع شبابها وضعف نظرها
وما عادت قادرة على الحركة كما كانت في السابق
ولكن حين تصيح اه
يهب اولادها الثلاث يصيحون نعم اماه
نعم اماه
حيا الله هكذا نساء مربيات شجاعات قويات صامدات
باعن نور عيونهن لاجل اولادهن
حميد الغانم
هو أحد طلبة المرحلة الثالثة في كلية الطب
شاب جميل في العشرين من عمره
من الله عليه بصحة وعافية وأب وأم واخوة كانوا طيبين معه
وفروا له الرعاية والمال وما شاكلها من أمور تعينه على دراسته الصعبة جدا
وهي كلية الطب
ومن المعروف ان هذه الكلية تتطلب معدلا عاليا يتجاوز التعسين درجة من مائة
ومن هنا نرى ان صاحب قصتنا هو من الاذكياء
ولكن
وقلنا اه من هذه ال ( لكن )
في مرحلة من مراحل حياته صاحب من هم من ذوي الطباع السيئة فانفجر في هذا التيار ليكتسب اول شي تدخين السكائر ومن ثم الخروج ليلا لساعات متاخرة
ومن ثم وثم وثم
وصل اخر الامر به الى شرب الكحوليات
نعم شرب المواد المسكرة المعربدة
وهنا كان الوقت وقت حصار على العراق
ولا يتحتاج الحصار الى تعريف اسال اي عراقي كبير بالسن او بلغ الاربعين يجيب ما الحصار وماله من اثار
وكيف كانت الامور المادية تعبة جدا
مع هذا
فان صاحب قصتنا كان لديه ما يبتغيه من مال مكنه من العيش بلا جوع او ملابس ممزقة او حذاء مقطع او جوع او يبقى يوم كامل بلا لقمة عيش
ولكن
وفرة المال من قبل الاهل لم يكن كافيا ليلبي حاجياته
ليس حاجيات الدراسة واجورها وكتبها ودفاترها
بل
لم تعد تلك النقود تكفي لشراء المشروبات الكحولية
او كما نسميه بالعراق وبلهجتنا العامية
يشرب عرك
هذا الامر جعل نقوده تنتهي من اول اسبوع
ويبقى الشهر كله بلا مال
ولولا مساعدة اصدقاءه الطيبين في اكل وشربه
لمات من الجوع
وكان اول ايام يشرب بالسر لا بالعلن
ولكن مع مرور الايام تطور الامر
وصار الشرب علنا
ومع زيادة الشرب للكحوليات
ساءت درجاته بشكل كبير
وبدأ يتغيب عن درسه ودوامه
وبدأ اصدقاءه يتركونه واحدا تلو الاخر
ومن هنا
وصل به الامر
بلا نقود او فلس واحد
ويريد ان يشرب
كيف حصل على النقود
والعمل ليس عيبا
ولكن العيب ان تعمل للحصول على نقود لغرض ان تشرب وتذل نفسك اكثر واكثر
لا يستطيع ان يخبر اهله بان لا نقود عنده ومن هنا ينكشف امره
ولا صديق يعينه
فهو قد تاخر في دفع الايجار لثلاثه اشهر
وهذا شي طبيعي
لنرى صاحبنا هذا طالب كلية الطب جميل الشكل الشاب ذو العائلة ذات السمعة الطيبة
مذا فعل
ذات يوم كان هنالك مجاري ثقيلة
لاحد البيوتات وكان صاحب البيت يبحث عن من ينظف هذا المجاري والقاذورات
وحقيقة صعب هذا السطر جدا ان يكتب بحقه ولكن لغرض المقارنة حالما نعرف نهاية حكايتنا
فصار ذاك طالب الطبية عاملا عند صاحب البيت
ينظف القاذورات والنفايات والمجاري الثقيلة
ليس عيبا هذا العمل
ولكن
عيب ان تذل نفسك نفسك
ان
تعمل لاجل كسب لقمة العيش
ولكن ان تعمل لاجل ان تشتري الكحول
ومن هنا
احس
باذلال نفسه
وخصوصا اصحابه الذين تغيرت نظرتهم اليه
وكرامته المهانة بنظر كثير من الناس
فبدات رياح التغير تعصف على ارضه وبحره لتمطر مطرا يغسل الدرن الذي احتوى قلبه
وبدا رويدا رويدا يتغير نحو ذاك الشاب الطيب التقي المصلي البشوش
الحكيم في تصرفاته
وتحسنت درجاته
كثيرا
هذا بالامس
اليوم
تخرج صاحبنا من كلية الطب
وصار
طبيبا مشهورا بين الناس
مصليا ورعا تقيا
وتزوج من زميلة له طبيبة
وكون عائلة
وبنى مستقبله
وللامانه
صار معروف بين الناس بطيبه وحسن تعامله وخلقه الكريم
وكثيرا ما
كان يساعد الفقير المحتاج
ولا ياخذ منه اجور الفحص الطبي
وكثير هم المرضى المحتاجين
وكثيرا من ساعدهم ولم ياخذ منهم فلسا واحد
وايضا للتاريخ
زرته واصحابه يوما في احد الفنادق الساكنين بها
هنالك
التقطنا صورة فوتوغرافية
حين اراها اتبسم
لانه
كان حين التقطنا الصورة
كان يحمل القران الكريم على صدره
والى اليوم باقية هي الصورة
والى اليوم
بقي صاحبنا الطبيب
حاملا القران لا على صدرة
بل في صدره
فالقران ربيع لنا
هكذا هي حال الكحوليات نهايتها الهلكات
وهكذا
هو الخلق الطيب الكريم والارادة
تبني شابا ومستقبلا وعائلة وتساعد فقيرا محتاجا
حميد الغانم
مضت الايام وحان وقت الزيارة الاربعينية الى الامام الحسين سلام الله عليه
والحمد لله وفقت واصحابي الى الزيارة ماشين على الاقدام من
النجف الاشرف من عند ضريح أمير المؤمنين علي سلام الله عليه
الى كربلاء المقدسة
من هنا سجلنا مواقف كثيرة وكثيرة وهذا الطريق المكتظ بمئات الالاف من الزائرين
السائرين الى الامام حسين
وهنالك سائر زائر حافي القدمين اقتربت منه فاذا هو غارق في تسبحيه وسبحته التي لم تفارق يده
اقترب منه ورايت كم هو محلق في عالم العبادة والتسبيح
حافي القدمين مع برودة الاجواء الشديدة
مع ما يحمله من ثقل وحقيبة على ظهره
هنالك
طفلة صغيرة قدرت عمرها بالست او الخمس سنوات
وكانت ترتدي قمصلة والدها الذي كان يسير بجبنها
طفلة صغيرة تسير في هذا البرد
العجيب اننا بسرعتنا بالكاد لحقناها وهي طفلة صغيرة
حقيقة موقف يشد العزم على المسير والوصول الى كربلاء المقدسة
اقتربت من والدها سلمت عليها
ضحكت مع الطفلة الصغيرة
قائلا
زيارة مقبولة زايرة زغيرونة
وباللهجة العراقية
سالت والدها من اين مشت هذه الطفلة
من النجف الاشرف الى كربلاء المقدسة
قال لا
استغربت حقيقة
فقلت من اين
قال من محافظة ذي قار او الناصرية كما نسميها ها هنا
حقيقة شجاعة هي هذه الطفلة
فالمسافة من الناصرية الى كربلاء المقدسة طويلة جدا مرهقة
تتورم لها الاقدام
فاذا بتلك الطفلة تسيرها ولا تزال سائرة بعزم واصرار
هنالك كبير منغمس في بحر العبادة
هنا صغير الى الحسين يسير لا يهمه البرد والتعب والالم
وتستمر مسيرتنا ونصل الى أمراة كبيرة بالعمر من جنسية غير عراقية
اغلب الظن لبنانية
مع كبر تلك الامراة وثقل حملها
الا اننا رايناها تسير وتسير بخطئ سريعة تسبق خطانا
وعلى الرغم من ثقل الايام وكبر العمر فان ارادتها كبيرة قوية صامدة
وسبقتنا بالمسير
واكملنا مسيرنا صوب الحسين قاصدين
عائلة كاملة طفل بالرابعة من عمر قد قدرته جميل الشكل مع والده يسير وامه واخوه اقتربت من ذاك الطفل الصغير مددت يدي اليه سلمت عليه
امسك بيدي بقوة مبتسما
وراح والده مبتسم ايضا
حاولت الكلام معه لكن للاسف لم افلح لانه كان من ايران الاسلام وللاسف لا اجيد هذه اللغة
هناك لبنان وهنا ايران
واسترحنا قليلا عند احد المواكب
ومر بقربنا شاب يبحث عن مكان ليستريح فيه لساعتين يصلي ويكمل مسيره
فعلا جلس يستريح خلع نعله القى بجسده على الفراش استراح قليلا
فتحدثنا معه لهجته عربية ولكن بها شي غريب
سالناه من اين البلدان انت
قال انا افغاني ولكنني مقيم في الكويت
وهذه اول زيارة لي ماشيا على الاقدام الى الحسين سلام الله عليه
وصرنا نحكي ونسال عن رؤياه للزيارة الاربعينية المليوينة
وقال لن افوتها بعد اليوم
كل سنة بحول الله ماشيا الى كربلاء
جلسنا وبتنا في ذات المكان
اما صاحبنا الزائر الافغاني
تناول عشاءه وتوكل على الله ليسير في الليل يحدوه الشوق الى الحسين
وليلتها
وحين وقت النوم
طرق ابواب الموكب الحسيني رجل معمم شيخ في الثلاثين من العمر اكثر بقليل حسب التقدير
الغريب نظرت اليه وكان الوقت ليلا تقريبا الساعة التاسعة والدنيا باردة جدا
ولكنه كان حافي القدمين يسير يحمل عصاه بيمينه بلا نعل او حذاء
فاي اصرار يملكه هذا الشيخ وهو يسير بهذا الليل بلا زميل او صديق
ومشينا صباحا وراينا شابين يحملان مجسما الى قبة الحسين سلام الله عليه وصادف ان التقينا بهم اكثر من مرة
اي اصرار يحلمونه لحمل هذا المجسم الثقيل من النجف الاشرف الى كربلاء المقدسة
ومشينا والتقينا عائلة عراقية
اطفال صغار وشباب وام واب
يسيرون ويسيرون صوب الحسين
وراينا مواكب ومواكب
واناس تخدم وتخدم للزارئرين
ورجل كبير بالعمر
قد جاوز الستين عاما
لم ينطق بكلمة يمر من هنا وهناك يحمل اكواب الشاي الفارغة ينظف المكان يجمع النفايات وينظف المكان بصمت
كبير بالعمر هكذا ولم يوقفه عجزه ولا كبره عن اداء واجبه الذي هو يراه واجبا
قلت سبحان الله الكريم
فنرى ان دين اليزيدية لا غيرة لا نخوة لا كرم لا عطاء لا تضحية لا فداء
كل ما همهم هو المال ثم المال والحقد الاعمى الذي ملئ تلك القلوب القاسية
وسبحان الله اذ يقول
لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم
فماذا انفق الحسين سلام الله عليه
كي يجمع تلك القلوب من بلدان الارض جميعا
ويوحدها الحب الحسيني
وكما قال رشيد الحسيني
ان رجلا مات ابنه وهو يخدم زوار الحسين
قال قبلوه لي واكفنوه وادفنوه وقولوا له ان ابيك يخدم زوار الحسين
سلام الله عليك يا ابا الاحرار الحسين بن علي بن ابي طالب
وسلام الله على كل قطرة دم زاكية سقطت في ارض كربلاء تذود عن العز والكرامة والحرية
عن دين الله
الاسلام
فهنا البناء
حميد الغانم
ثابت العزل
----------
من الصفات الطبيعية في الانسان هي قابلية التحمل او ما يطلق عليه في علم الفيزياء بثابت العزل ومقدار ما لدى المادة من عزل كهربائي
يعمل على عزل الكهرباء عن كل الاشياء المحطية به
وبذلك يحمي الانسان من الموت بالصعقة الكهرباء
ومن هنا ننطلق اليوم في حكايتنا
اذ حين كنا طلاب في المرحلة الثالثة كان هنالك استاذا قديرا
يدرسنا الالكترونيات والكهربائية
تطرق الى قصة جميلة حول احد العلماء
حيث قال ان هذا العالم دخل الى احد السجون وقد حضر معادلة رياضية تبين ان لك لانسان قابلية تحمل او ثابت عزل بعدها ينهار او ينكسر ويبدا بالثوران والهيجان والاكتساح وتفليش كل ما يمر امامه
فعلا بقى سنة كاملة في السجن ودرس حالة كل السجناء
وبالفعل طبق معادلته
وانهار السجناء وبدات ثورتهم داخل السجن
وطبق معادلته في شهر واسبوع ويوم
واستمر استاذنا يحكي قصته
وانتهى بانه سمي ذاك السجن بالسجن الثائر
اليوم
نحكي قصة مؤلمة مفجعة موجعة بذات الوقت
عائلة فقيرة الحال او نقول متوسطه الحال
اب وام واخوة واخوات
ثلاثة من الصغار ينامون في غرفة واحدة
اطفال بعمر الورد اخوان لعبهم وضحكهم اكلهم منامهم سواسية
ومع البرد القارس الذي مر بالعراق خلال الايام الماضية
اضطرت هذه العائلة الى تشغيل المدفاة الزيتية
او كما نسميها هنا في جنوب العراق الصوبة الزيتية
وطبيعي ان هنالك بلاء اخر في العراق
وهو الفقر والعوز
والاسعار الجنونية التي وصلت اليها اسعار العقارات ومواد البناء
مما يضطر الاب الى ان يشتري موادا ليست بذلك السعر الغالي
وطبيعي ليس بالجودة العالية
ومن هنا
وفي منتصف الليل
ونتيجة للحمل الزائد اي تشغيل الزيتية بكل الواحها
وهذا الامر يتطلب تيارا كهربائيا اضافيا
وهذا الامر طبيعي يتطلب سلكا حاملا ذا ثابت عزل كهربائي عالي
كما نوهنا اعلاه
ان كل انسان له قابلية تحمل
هذا يتحمل ساعة
هذا يتحمل يوم
هذا يتحمل شهر او سنة او سنين
وهذا ما يتحمل لحظة من اللحظات
الا وقد فقد اعصابه وانهار كل الانهيار
من هنا
وقع ما ليس بالحسبان
بدات الزيتية تسحب تيارا كهربائيا عاليا
وهذا بطبيعته يولد حرارة عالية تتضاعف مع مضاعفة التيار الكهربائي
وطبيعي ان الفقر جعل الاب يشتري سلكا ليس غاليا اي ليس ذا جودة عاليه
واثناء نوم الجميع
بما فيهم الثلاثة اطفال الصغار
بدا عازل السلك الكهربائي ينهار وينصهر
مما ولد حرارة عالية نتيجة لاشتباك الاسلاك مع بعضها
وبذلك ولدت شرارة كهربائية بدات تتناثر على ما في الغرفة من بطانيات وفراش
وسرعان ما شبت النار في الغرفة لتزداد لهيبا شيئا فشيئا
استيقظ الاطفال على حرارة النار
ولهيبها
صرخوا وصرخوا
ولكن الغازات الناتجة من الاحتراق قد اغلقت الباب بقوة فلم يستطع الاخوة
فتح الباب
ركض الاخوة الثلاثة الصغار الى الشباك علهم يفتحوه ويشموا ذرة هواء
تنجيهم من الاختناق
وهنا المصيبة الثانية
ان انصهار العازل واحتراقة لم يولد الحرارة فقط بل نزل هذا السلك على حديد الشباك
وحال لمس الاطفال الثلاثة
للشباك
وقعت المصيبة
صعقوا ثلاثتهم بالتيار الكهربائي وهم يصطرخون ولا مجيب ولا من يسمع صرخاتهم
ولا من ينقذهم
وبعد حين تنبه الاهل الى هذا الامر
ولكن بعد فوات الاوان
وهكذا مات الثلاثة الاطفال واقفون بجنب بعضهم البعض وايديهم ممتدة صوب الشباك يرجون الحياة ولكن لا مجيب الا الممات
وصرخة ام فقدت روحها بفقدانهم
اقول
ان تحميل الشي ما لا يطيقه يؤدي الى غير النتيجة المرجوة
وان نجسب حساب كل حمل سوف نحمله اليوم وغدا ومستقبلا قبل ان نشتري ما يعيننا على ذلك الحمل
وان الاستهانة بامر بسيط تؤدي الى شي مفجع موجع اليم
حميد الغانم
قد يستغرب البعض من عنوان القصة او حكاية هذه الليلة ولكن بعد ان نقرا الاسطر التالية لنا ان نعرف ربطها بموضوع التنمية البشرية ونظم الامر وسبل الراحة في حياة الفرد ومن ثم المجتمع واطر البناء فالخوارزمية اسهل وافضل الطرق للوصل ما بين بداية شي ونهايته وتفادي التقاطعات والازدواجات والتسلسل الطويل المعقد
من هنا ننطلق في حكايتنا
وتبدأ من منحة طلبة الجامعات والمدارس الابتدائية والثانوية في العراق وغيرها
من هنا تم التصويت في البرلمان والاقرار ومصادقة رئاسة جمهورية العراق ووزارة التخطيط والمالية ووزارة التعليم العالي
كل هذه الوزارات والهيئات صوتت صوب مشروع ناجح في كافة ابعاده والتي تصب في انجاح مسيرة العلم في العراق وسد حاجة الطالب الفقير
تم التنفيذ باستلام المبالغ المالية وحسبما سمعة ان احدى الجامعات استلمت مبلغ 26 مليار دينار عراقي
مبلغا ليس بالبسيط واستلم الطلبة دفة ثلاثة اشهر مقدما اي ثلاثمائة الف دينار عراقي ولكن من الشهر القادم يكون المبلغ مائة الف دينار عراقي
فاين المشكلة
في التنفيذ لهذه القرار او المشروع حيث غابت عن المشرع كثير من الاشياء التي هدمت فرحة الطالب بمبلغه المالي المتحصل عليه
كيف ذلك
قبل ان نجيب علينا ان نشرح مفهوم في الجامعات العراقية اسمه استضافة طالب او الاستضافة
نشرح من خلال مثال طالب من سكنة محافظة الديوانية مقبول في محافظة النجف الاشرف لذا يذهب ليداوم في الديوانية في جامعة القادسية ويبقى اسمه وسجله وملفته في جامعة النجف الاشرف
وذلك حلا لاشكالات البعد عن الاهل والنقل والاجور والقسم الداخلي
الى حد الان ممتاز هو القرار
ونربط كلامنا مع منحة الطلبة
اين
بمشكلة بسيطة معقدة
وهو ان الجامعات اتخذت قرار قالت ان الطالب المستضاف يذهب الى الجامعة الاصلية المسجل بها ويستلم
اكرر يذهب ويستلم من محافظة ثانية
هنا كنت في زيارة مديرة شؤون الطلبة في احدى الكليات
وعندها طالب من محافظة الموصل ويداوم في جامعة الموصل ولكن كليته الاصلية في جنوب العراق
ووفقا للتعليمات على هذا الطالب ان ياتي الى الجنوب من شمال العراق ويوقع ويستلك المائة الف دينار
اين الاشكال او العبث او غياب التخطيط
ببساطة
المسافة بين الشمال والجنوب تتجاوز 800 كيلو متر
حتى يصل الطالب من جامعات الشمال الى جامعات الجنوب يحتاج
1- الى يومين او ثلاثة وطبيعي اثناء الدراسه وهذا يسبب ضياعا في الوقت وضياعا في عمره الدراسي فعليه ان يغيب عن محاضراته ليستلم مبلغة
2- ان هذا الطالب الذي هو من سكنة الموصل سوف ينفق اجور نقل للسيارات اكثر من مائتي الف دينار لاجل ان يستلم مائة الف دينار
واتذكر هنا قصة لجحا حين احرق دينار ورقيا ليرى درهمه الضائع منه
هذا حال الطالب اصرف مائتي الف دينار من اجل مائة الف
3- حتى يستلم المبلغ هذا الطالب عليه ان يجلب تاييد راتب عن والديه واستنشاخ لكل البطاقات المدنية له ولعائلته واوراق اخرى اضافة الى كثرة اتصالاته عبر الهاتف النقال ليعرف شموله من عدمه من اين يستلم وهذا مبلغ اضافي
4- خطورة الطريق من الموصل مثلا الى جنوب العراق مع طول المسافة والمطر وبرودة الجو هذه لم تحسب بالحسبان
5- ان الطالب في مسيره يحتاج الى ماكل وملبس وايضا يحتاج الى منام وبذلك يؤجر غرفة في فندق اقل سعر 35 الف دينار عراقي وهذا مبلغ اضافي اخر
هل انتهينا ..... بقي القليل
ان السيارات التي تنقل الطلبة وكثير هم من محافظاتهم في الشمال الى جامعاتهم في الجنوب والعكس تصرف بنزين واستهلاك اطارات ودخان وغيرها وغيرها وغيرها
كل هذه اثار جانبية تصب في مضرة المجتمع
واليوم امراة كبيرة بالعمر ضعيفة جاءت لتستلم عن بنتها
قائلة بلهجتها العامية البسيطة
يمة ما عدنا وهي البنية تدرس وما تكدر تجي بوحدها
نبهتنا الى شي مهم
ان الطالب ممكن ان ياتي لوحده ولكن الطالبة البنت هل يمكن بالطبع لا
من هنا واجب ان تاتي معها امها او اقاربها وهذا مصرف اضافي
فياترى من وضع القرار وخططه واقره وصوت عليه ووقع عليه
لم يفكر بان يضع عبارة بسيطة جدا جدا قصيرة
والطالب المستضاف يستلم من كليته التي هو فيها مستضاف لا كليته الاصلية
سطر واحد كان من الممكن ان يكون الخط المستقيم الذي هو الاقرب بين نقطتين
لا ان ندور وندور وندور
والنتيجة سلبا لا ايجابا
لشي كنا نتصوره انه يصب في مصلحتنا فانقلب ضدنا
ونقول
قول الامام علي سلام الله عليه
وعليكم بنظم امركم
حميد الغانم
سرنا متوجهين صوب النجف الاشرف حيث تبدأ رحلة المسير زائرين الى الامامالحسين سلام اللهعليه
وبالفعل وصلنا الى بفضل الله عز وجل الى النجف الاشرف
وتشرفنا بزيارة سيدي ومولانا الامامعلي بن ابي طالب
سلام اللهعليه
وبعد الزيارة بدأنا المشي صوب الحسين منادين بصمت
لبيم يا حسين لبيك ياداعي الله
وكان معي زميلي وقد أطال زيارته الى ضريح الامامعلي
وبعد خروجه قلت له لما
قال قد تكون هذه اخر زيارة لي للامام
لم أفهم كلامه حينها
وسرنا صوب كربلاء ليلا الساعة الواحدة كنا اثنين ومع مسيرنا نتحدث في شي علمي حينها
ومضى الوقت ونحن نسير حتى علت الله اكبر بصوت المؤذن معلنا وقت صلاة الفجر
الحمد لله صلينا ونمنا قليلا واستمر المسير بعد ثلاث ساعات
والمسير مستمر والشوق الى الحسين يكبر ويكبر
ومع ذاك المسير تنطرح الاسئلة التالية
لو انفقت ما في الارض ما الفت بين قلوبهم
لو اختبر الانسان بغير وقت هل يكون كريما كما هو الان
لو طلب من انسان ان يخدم غيره هكذا خدمة كما هي في المواكب الحسينية هل يفعل ذلك
لو قيل لرجل تعال واخدم كل هؤلاء الزائرين واخدمهم واطعمهم واغسل ملابسهم هل يفعل
بل السؤال
لو سالوا الزائر الماشي هل كنت تمشي لو كان مشيك ومسيرك لغير كربلاء
وكثيرة هي الاسئلة التي تنطرح
وبالفعل طرحها كثير من الناس الاجانب
من اين ياتي هذا المال الذي ينفق على عشرين مليون زائر
من اين
ودول عجزت على ان تتحمل هكذا مصروف
وصلنا الساعة الثالثة والنصف عصرا الى محطة توقفنا
بحثنا في الموكب الاول كان قد أمتلأ بالزائرين الكرام
مشينا قليلا
الحمد لله وصلنا الى موكب بسيط متواضع
جلسنا لنستريح
وبالفعل جاء صاحب الموكب يسال بكل تواضع
هل تبيتون هنا ام لا
قلنا نبات ان شاء الله
وما ان سمع كلامنا حتى جاءنا ببطانيات وقال استراحوا وبدا يقسم الزارئرين
هذا مكانك ويحمل بيده البطانيات
ويقسم مجموعة اخرى بين هذا المكان وذاك ويحمل اليهم الاغطية والماء وكل حاجة يطلبونها
سرعان ما أمتلأ الموكب بالزائرين ولم يبقى الى اماكن بسيطة لبعض الزائرين
جلس بقربنا يتحدث ويسال
ومن باب المزاح
قلنا له ان شاء الله يوم العرس
بحكم انه رجل كبير بالعمر وصل الى الستين من عمره
هنالك
نطقها وقال احكي لكم حكاية
كان هنالك رجل قوي ومعافى وبصحة جيدا وبالفعل دخل ذلك الرجل الى المطعم وطلب الشواء او كما نسميه بالعراق الشيش كباب
وطلب كمية اكثر من الاخرين من اللحم
وكان هنالك رجل اخر من اصحاب الخديعة
او كما يسمى باللهجة العامية ها هنا لوتي
واصلها من يلوي الشي
وجاء هذا اللوتي الى صاحبنا اكل الشيش كباب
وقال له مالك اصفر اللون
قال لا لست باصفر
قال بل اصفر وجفنك هادل
قال لا
لست اصفر ولا جفني هادل
قال بل انت كذلك الم ترى نفسك في المراة
يبدو لي ان صفارك وهدول جفنك شي مخيف
وعليك مراجعة الطبيب
واستمر هذا اللوتي الحيال
يقنع ذاك الرجل بمرضه وصفرته وهدول جفنه
وكانت اللقمة بفمه
فلفظها وترك لحمه وذهب ينظر الى نفسه بالمراة
وترك المطعم مغادرا لم ياكل لقمة واحده
كان الجميع يستمع الى صاحب الموكب
وهو يحكي هذه الحكاية الجميلة الطريفة بمعناها
سالناه
يا عم
ما المغزى
قال انما نفسية الاسنان تمنعه من الزواج
فان لم يكن مرتاحا كيف يرتاح معه اهله
هنالك
قلنا له
واي راحة اكثر من خدمتك لزوار محمد وال محمد
اي نعم
علت ابتسامة كبيرة على وجهه وهو يسمع هذه الكلمات
فكما هنالك
من كلام يهدم النفس ويكسرها
هنا
كلام يبني النفس وينميها
وللاسف
لم نكمل حديثنا
بل كان هذا الحاج ينظر الى باب الموكب
فلما راى زائرين قادمين حتى قفز وقال من رخصتكم فلدي من اخدمهم
فاي حب يكنه للحسين جعله يتغلب على كل همومه
وينسى كل الامه وكبر سنه ويركض ليخدم غيره
ولنكن هكذا مثل صاحب الموكب لا مذل ذلك الحيال
ننطق لنبني
لا
ننطق لنهدم
حميد الغانم
الحجي النجفي
--------
تبدأ هذه الحكاية منذ الشهر العاشر من عام 2013 ومستمرة الى يومنا هذا
والبداية كانت منذ قبول الطلبة الجدد في المراحل الاولى للكليات
وبحكم عملنا فعلينا استقبال الطلبة الجدد من محافظتنا خلال اول اسبوع من التسجيل
واما بقية الطلبة من غير المحافظات فيكون تسجيلهم ممتد لاسبوعين بسبب ظروف البعد والمصاريف وطبيعة التغير في نمط حياتهم
من هنا جاءنا
رجل كبير في العمر تجاوز الستين سنة من عمره ومعه ابنته من محافظة النجف الاشرف
وطبيعي كان امر التعامل مع الطلبة ان المحافظات يسجل اولا وان جاء متاخرا بسبب البعد والمسافة الطويلة وكونه يريد الرجوع لترتيب اموره وما شاكلها من قسم وملبس وماكل ومصروف
وللامانة كان تعامل الموظفين والموظفات جيد جدا وطيب بدون تاخير مع العدد الكبير من معاملات التسجيل التي تتطلب جهدا كبيرا وقلة الكادر المختص
الحمد لله تم اكمال معاملة الرجل الا انها خالية من الوثيقة المدرسية اي وثيقة الصف السادس العلمي
تم تسجيل بنته على الرغم من عدم جلب الوثيقة المصدقة وهو امر قانوني لا اشكال فيه
ووعد الرجل بانه سوف يجلب الوثيقة
ولكنه طلب نقل بنته الى محافظتها او المحافظة الاقرب وهي كربلاء المقدسة
كان الجواب
يا حجي لا يوجد نقل للمرحلة الاولى
وعلى الطالب ان يقضي في كليته سنة كاملة وينجح عندها يتم نقله الى محافظته
استغرب الحاج النجفي
ولكنه قال هل من وسيلة او سبيل الى ذلك
اجبناه
نعم ان اصدر الوزير امرا بذلك النقل او الاستضافة
لم يعرف الرجل معنى الاستضافة
فكان الجواب باللهجة العراقية هي اخت النقل
قال الحاج النجفي
بفهمه البسيط المتواضع وعدم قدرته على القراءة والكتابة
نعم هذا الحاج لا يقرا ولا يكتب
ولكن قلبه كبير نظيف نقي يتمنى الخير للجميع
قال انا ذاهب الان ولدي عضوة برلمان ذات قلب كبير من اقاربي
ارجع بحول الله الى النجف الاشرف وعندها اكلمها
وطلبنا منه ان لا بنسانا بالدعاء والزيارة عند سيدنا ومولانا امير المؤمنين
علي بن ابي طالب سلام الله عليه
وبالفعل رحل مع ابنته والسائق الذي جلبهم مباشرة من النجف الاشرف بمبلغ مئتي الف دينار عراقي
مبلغ كبير بالنسبة لرجل بسيط فقير
وفي ثاني يوم
نعم
ثاني يوم اتصل بنا وقال ذهبت مباشرة الى عضوة البرلمان الدكتورة كما يسميها
وقصصت لها حكاية طلبة المحافظات والبعد
فعلا
رفعت الهاتف واتصلت بوزير التعليم العالي
وافهمته القصة والمشاكل التي يعانيها الطلبة في هذا الوقت الراهن
وخصوصا من قبل في المناطق الساخنة كما يسمونها
فمن قبل في الانبار او الموصل او تكريت
كيف يذهب
وبعد ان دار نقاش بين الوزير والدكتورة اقارب الحاج
وعد بعرض الامر على هيئة الرأي
وهي اعلى هيئة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
وبالفعل صدر بعد ذلك امر باستضافة الطلبة في الجامعة الاقرب
اتصل بنا الحجي النجفي
وقلنا نعم يا حجي وصل الامر
تعال واكمل معاملة ابنتك
قال هل يحتاج ان اجلب ابنتي معي
فكان الجواب بالنفي فقط انت يا حجي تعال واجلب معك الورقة هذه وهذه الورقة كي لا ترجع فالطريق بعيد
الحمد لله
هذا الحجي لم يسعى فقط لنفسه او بنته بل سعى لكل الطلبة
وكان دائما يقولها بكلامه البسيط
الشاهد الله اركض لكل الناس
ولكن الحجي تاخر ولم ياتي على الرغم من صدور القرار
اتصل بنا بعد ايام
قال انا سائر من النجف الاشرف الى كربلاء مشيا على الاقدام لزيارة الامام الحسين سلام الله عليه
وهنالك اخدم في موكب حسيني وهذا سبب تاخري
فاستفسر هل هنالك عائق ان تاخر
فكان الجواب لا ان شاء الله سوف تكتمل معاملة ابنتك
ولكن
ظهر عائق جديد
وهو ان هنالك اقسام علمية لا توجد في اقسام جامعة الكوفة وبذلك اختار الطلبة جامعة كربلاء او جامعة القادسية
الا انه ظهر بعد الاداريين يرفضون استقبالهم بحجة انهم ليسوا من ذات المحافظة وان كلياتهم لا تستوعب هذا العدد الكبير
اتصلنا بالحجي النجفي واخبرناه بالقضية
وطلبنا مساعدة عضوة البرلمان التي لم نعرف من هي لحد ساعة كتابة هذه الاسطر
الحمد لله
اتصل بنا قال ابشروا فان شاء الله سوف يستقبلون الطلبة في الجامعة الاقرب
وبالفعل
تم اجراء معاملات الطلبة الى جامعات اخرى قريبة وانتفع كثير كثير من الطلبة
فذاك الذي من الموصل الى البصرة وهذا من البصرة الى تكريت وهكذا
حلت مشكلة اخرى
وما ان انتهى الحاج النجفي من خدمة زوار ابا عبدالله الحسين
حتى جاء ليكمل معاملة الاستضافة
والحمد لله اكتملت ورجع الى بيته مرتاحا راضيا بتوفيق الله
ولكن
تم اصدار امر جديد بالنقل من الكلية الاصلية الى الكلية الاقرب
فراجع الحاج النجفي من جديد ايضا لينقل ابنته الى كلية اخرى يوجد فيها قسم رياضيات
باعتبار ابنته ذكية في مجال الرياضيات
وبرزت مشكلة جديدة
ان بعض رؤوساء الجامعات لم يقبلوا بالنقل بل فقط استضافة
وبالفعل
ركض الحجي النجفي الى عضوة البرلمان ليبين لها العراقيل التي وضعت تجاه النقل
وفعلا
مرت الايام وصدر الامر بان النقل من جامعتنا الى الجامعات الاخرى مفتوح
وجاء الحجي النجفي من جديد
واكمل المعاملة التي تتطلب ذهابا وايابا الى النجف الاشرف والى الجامعة وكثير من التنقلات وصرف الاموال
ولم يياس ولم تنكسر ارادته وقوته
هنا
اكتملت معاملة الحجي النجفي ونقلت ابنته الى جامعة الكوفة وغيرها نقل الى جامعات اخرى بجهود هذا الرجل البسيط
هل انتهت حكايتنا
مع نهاية حكاية نقل ابنة الرجل الى محافظتها
ومع انتهاء حاجته معنا
كلا والف كلا
بقي الرجل يتصل ويواصل ويطمئن علينا مرات ومرات
فوفاء هذا الرجل كبير على الرغم من اننا لم نفعل له الا ما نص عليه القانون
ولكن الكلمة الطيبة مثمرة بالوفاء
نعم
اتصل بي قبل عدة ايام
مستفسرا عن امر لاحد الطلبة لا يمت له بصلة
قلت له يا حاج لا يحل الا بهذه الطريقة
قال ان شاء الله
اليوم
اتصل بي
قال قضيت مسالة الطالب على تمام الخير
الحمد لله
وقال
منذ ايام كلفتني بموضوع حول الطلاب واستلام منحهم
وهو ما اشرنا اليه في قصتنا السابقة
فقال ذهبت الى عضوة البرمان وحدثتها بالمشاكل والمصاريف التي يصرفها الطالب
حتى يستلم منحته وان الامر ببساطة بكلمات بسيطة
وهي ان الطالب المستضاف يستلم من الكلية المستضيفة
اتصل بي الحجي ليستفسر عن بعض الامور
وللامانه
نعم اخبرته وطلبت منه هذا الامر
ولكن نسيت مع كثر المشاغل والاداريات ووقت الامتحان
الا
ان هذا الحجي النجفي لم ينسى
واتصل اليوم بي ليستفسر حول الامر
وبالفعل قال اليوم ساذهب وان شاء الله سوف يصير الامر الى ما يصب في مصلحة الطالب
والسؤال
هذا الحجي الكبير بالعمر يتصل ويذهب وطبيعي ينتقل بسيارة مع فقره وكبر عمره
ما حاجته لكل هذا التعب وابنته هي تستلم منحتها وقرب بيتها وعند اهلها
الجواب
قلبه الكبير المحب للخير
وطيبته التي تتمنى النجاح لكل طالب
وارادته القوية الصلبة التي لم تجعله يياس بل سعى لانجاح ما يريد
وابوته الكبيرة لابنته بل وفاءه لكل الطلبة
فهنالك اباء لنا لا نعرفهم
واخوان لنا في الخفاء لا نعرفهم
يبذلون كثيرا ويعطون كثيرا من اجل راحتنا
طاعة لله عز وجل
وهذا الرجل النجفي الكبير واحد منهم
واخر كلامي
دائما يقول لا انسى فضلكم والله ابدا ما بقيت حيا
والابتسامة على وجوهنا
بل الواجب ان نقول
اننا يا حجي يا نجفي يا طيب
لا ننسى فضلك انت
ولا ننسى خدمتك لكثير من الطلبة وكثير من اهلهم
واننا تعلمنا منك كثيرا يا حجي يا نجفي
حميد الغانم
اللهم صلي على مُحمد وآل مُحمد وعجل فرجهم واهلك عدوهم من الجن والإنس من الأولين والآخرين
العراق يحتاج الى عدد من امثال هذا الحاج النجفي
عوضا عن البرلمانين
منذ حوالي اربع سنوات بدأ مشروع اعادة انعاش الاهوار في جنوب العراق وفعلا كانت المحاولات حثيثة وجيدة وتبشر بالخير
ولكن كمية المياة والامطار كانت قليلة وخصوصا مع ما تحجبه تركيا من اطلاقات مائية نحو دجلة والفرات
الامر الذي اخر اتمام المشروع
والحمد لله بدأت خطوات كبيرة اخرى في هذا المجال اذ تم انشاء نواظم حديثة ومتطورة جدا لحبس مياة الاهوار وعدم ضياعها
اقصد ذهابها الى مياه الخليج المالحة
وكان لي بحث مشترك مع صديق لي في كلية الهندسة
واحيانا لاجده في الكلية فاتصل به هاتفيا فيقول لي انه في مشروع انعاش الاهوار
وتكررت زياراته واشرافه وكان حاضرا حين تم صب كل سدة من السدود
ولا يقبل بالخطا ولو البسيط في المشروع
فمعروف عنه امانته واخلاصه وتفانيه في العمل
وتكررت زياراته اكثر من مرة
وذات يوم كنت متجها الى كلية الهندسة حيث صديقي
وبالفعل وجدته هناك
ولكن وجدت معه صديق مقرب اخر ولكنه يعمل في مديرية الموارد المائية
بعد التحية والسلام
سالته عن سبب وجوده هل من خدمة نقدمها لك
قال جئت لاستاذ مثنى وهذا اسم صديقي المهندس
لانه مشرف على صب مشاريع السدود او النواظم لانعاش الاهوار
حقيقة استبشرت خيرا كثيرا
فهذا الصديق الاخر معروف عنه
نزاهته واخلاصه وتفانيه في العمل ولا يقبل بالدرهم كرشوة او فساد
وكل همه ان يكون العمل صحيحا دقيقا يصب في مصلحة المواطن
حكينا حول المشروع واهميته والفترة الزمنية التي يستغرقها وعن ابعاده البيئية والاقتصادية والصحيحة والاجتماعية
خصوصا مع هجرة سكان الاهوار الى محافظات اخرى
وغياب الثروة الحيانية وايضا ارتفاع درجة الحرارة كون الاهوار مسطحات مائية تطلق الاوكسجين من خلال ما تحتويه من اعشاب
او ما يعرف هنا بالعراق البردي والعنكر وغيره من الاعشاب الخضراء التي هي علف ممتاز للجاموس
ومع ما يحتويه الهور من اسماك متنوعة وطيور محلية وطيور مهاجرة
اذ تهاجر الطيور وقت الشتاء من المناطق الباردة في الصين واوربا وروسيا الى جنوب العراق بحكم جوه الدافئ
من هنا
اكمل صديقي حديثه عن المشروع وعن كمية المياه التي يحتاجونها
والمسطحات المائية وغيرها من الامور
وحقيقة كان ملما بكل المشروع وابعاده من ناحية التخطيط والتنفيذ والمدة الزمنية اللازمة وكمية المياه والاطلاقات المائية
فعلا يغنيك عن اي سؤال يخطر في بالك
واخر الختام
فان المشروع كان بحاجة الى سدة ترابية في مكان معين لحبس المياه ومن ثم ارتفاع منسوبها ودخلوها الى الاهوار
ولكن
هنالك اناس منذ زمن اللعين صدام حسين
وطبيعي بحكم الرفاقية او المحسوبية او الدرجة الحزبية والقرب من البعث
نالوا امتيازات وامتيازات
من ضمن هؤلاء مهندس اخر نال درجة خبير في الموارد المائية
نعم
هذا الخبير اعترض على انشاء هذه السدة الترابية
وراح ياتي باسباب واسباب كثيرة
ولا يصح ولا يجوز ولا يقبل
ومن انواع الكلمات التي تكسر الهمم
وللامانة
كان هنالك مهندسة في وزارة الموارد المالية
لا تعتمد على هذا الخبير المزيف الذي لم يستحقها بعمله وخبرته الفعليين
بل بقربه من السلطان الصدامي
وراح مصدقا بنفسه انه خبير وصار يخطط ولكنه فعلا يهدم
وصار يقول لا في موضع نعم
ذات يوم جاءت مهندسة الموارد المائية من العاصمة بغداد
وسالت صديقي المهندس عن المشروع
واسبابه ومسبباته ونجاحه ونسب فشله
والاهمية من السدة الترابية
شرح صاحبنا لها كل الخطوط بوضوح وبانت الصورة
الحمد لله
حين تاخذ المعلومة من الموضوع الصحيح الصادق تظفر بالنجاح
وحين تاخذها من خبير بالاسم لا خبير بالفعل مصير عملك الفشل والتكسير
وفعلا
نفذت السدة الترابية ونفذ المشروع
ومن الله عز وجل علينا بامطار غزيرة خلال السنوات الماضية ساهمت برفع منسوب المياه في الاهوار
وظهرت مساحات مائية ونباتات واسماك
وبدأت بشائر الخير اذ انخفض سعر السمك الى النصف اذ عادت الحياة الى الاهوار
اذ عادت الطيور المهاجرة الى الاهوار
اذ تعدلت درجات الحرارة في الصيف
اذ وجد الفقير مجالا ليكسب قوت يومه من الصيد
واذ واذ
نتائج جدا قيمة وكبيرة فرح الجميع بها
الا
ذاك الخبير
لان نجاح المشروع يعني فشله وانكشاف زيفه وخداعه
وتمر الايام والايام
وصادف ذات يوم اذكر قبل اسبوع ان كنا عائدين من كليتنا الى البيت
فكان الحديث عن الاهوار والسمك
وتشاء الصدف ان يكون معنا احد الاساتذة القادمين من مركز المدينة
وكان الحديث حول السمك والطير
وانجر كلامنا الى مقترح ان نذهب ونشتري سمكا من منطقة الاهوار ونطلع على المناظر الجميلة والهواء النقي
فعلا مشت السيارة بنا كثيرا الى ان وصلنا
وجدنا اناس يبيعون السمك على حافة الطريق
سمك طازج للتو قد اصطيد
سالنا عن السعر
فعلا كانت مفاجاة اذ السعر يصل الى نص ماهو موجود في مركز المدينة
وبدات العملة كما نسميها هنا من اجل تخفيض السعر
وبالفعل افلح صديقي بخفض السعر كونه خبيرا بالسمك
اشترى حوالي خمسة كيلوات من السمك الصغير او كما نسميه الزوري هنا في جنوب العراق
بكم بثمانية الاف دينار واشترى سمكا اخر واخر
ملئ الكيس البلاستيكي بالسمك وضعه في السيارة
ورحنا نصور مناطق الاهوار
وصلنا الى احد النواظم
هنا كانت المفاجاة
ان الماء قد ارتفع فوق مستوى الناظم وامتلات الاهوار بالماء والبردي والاعشاب
والسمك كان امامنا رخيصا متوافر والبردي قد ملئ الاهوار على طول البصر
وقررنا ان نكمل رحلة العودة على طريق اخر يمر بالسدة الترابية
وفعلا وصلنا الى السدة
وكانت مفاجاة اخرى اذ ان الماء ارتفع بشكل كبير
بحيث صار الماء يعبر من ضفة الى اخرى كانه الشلال المتساقط بقوة
فرحت علت وجوهنا ووجوه من كان واقفا ينظر الى هذا المشهد
الذي لم يكن لنصل اليه لولا وفاء اناس خيرين محبين لبلدهم متفانين بعملهم
واثقين بنجاحهم متوكلين على الله عز وجل
هل انتهت حكايتنا
بقي جزء اخر
منذ يومين توفي اقارب لي في منطقة الاهوار ورحت لقراءة سورة الفاتحة وصلنا ليلا هناك
ونعم التقيت بصديقي مهندس الموارد المائية
بعد السلام
قلت مازحا معه ابو علاوي خوية احنه بقطرة الماي والسدة تعبر ليش تروح هاي القطرة صوب الخليج
تبسم وقال غيرك اتصل بي كثيرا
الحمد لله هنالك من صار اليوم يعرف قيمة قطرة الماء وما تعنيه لبلدنا
واكمل قائلا تعال انظر
سحب هاتفه النقال واخرج صورا لبيوت الناس في الاهوار
فعلا مستوى الماء مع مستوى بيوتهم
ولم يبقى الا القليل ويصعد الماء على مستوى الشارع والتبليط ويقطع الطريق
قال لابد من تقليل الضغط لانه لو بقي الماء محبوسا لفاضت البيوت وغرق الناس
قلت سبحان الله سبحان الله سبحان الله
وسبحان مغير الاحوال من حال الى حال
اين كنا بالامس واين اليوم صرنا
وهذا بفضل الله عز وجل
والسبب
التخطيط الجيد والتنفيذ الحكيم والامانة
واناس مهندسين وعاملين اجتمعوا على حب بلدهم وامنياتهم بالخير لكل الناس
ليت البرلمانيين يتعلمون كيف يخططون
حميد الغانم
الاجيال
-----------------
ليست بالقصة الغريبة او التي لا تحدث كل يوم او الغير معروفة في قريتنا الريفية البسيطة
ولكن يمكن ان تكون غريبة غير معروفة في غير مكان او غير زمان
تحكي حكايتنا عن حالات الوفاة للاقارب وما يجري فيها من عادات وتلاحم ورأفة ورحمة بين الاهل والاقارب والجيران والاصدقاء
وتبدأ حكايتنا منذ ايام
اذ خرجت للذهاب الى الطبيب بسبب وعكة صحية المت بي
فوجدت ابن عمي واقفا في مكان وزمان ليس بعادته ان يقف فيه
سلام عليكم وعليكم السلام
سالته باللهجة العامية
هااااا اشو واكف هنا خيرا
قال ابن عمنا ينزاع ووصل الى لحظات عمره الاخيرة
سبحان الله قلت منذ يومين كان بحالة جيدة
قال منذ البارحة ساءت حالته الصحية
( وهذه حال الدنيا يوم في مسرة ويوم في مضرة )
سارعنا للذهاب الى ابن عمنا ودخلنا البيت
وهناك مشهد محزن مبكي الابن يصارع سكرات الموت وينازع الحياة وفي اخر رمق
وبجنبه عمي الكبير في العمر هو الاخر لا مريض ولا يعلم ما يدور حوله
جلسنا بين السريرين حيث وجدت اغلب اقاربي هناك جالسين بين السريرين
بين سرير الاب الذي لا يعلم ان ابنه يموت وبين الابن الذي ينازع
(موقف غريب فعلا وموجع بذات اللحظة فلا ندري باي وادي نموت )
وهنالك الصمت سائد والاخ الاكبر بين ان يبلل شفة اخيه الاصغر منه الذي ينازع
وبين ابوه الذي كل لحظة لا ينطق الا كلمات بسيطة انا عطشان انا عطشان
وهنا نتذكر الحسين سلام الله عليه
فهناك صرخة كربلاء فلا مجيب للحسين الا اعداءه
وهنا
يصيح الاب انا عطشان حتى يهب الابن الاكبر ليسعف ابيه بشربه ماء
ومن ثم يعود ليقرا القران الكريم لاخيه ام ابيه
وهذه اولى العادات اامتوارثة بين اجيالنا
ان نجتمع مع اقاربنا عند نزع الروح ونواسيهم
ان نقرا القران ونصلهم ونترحم عليهم
وتمر اللحظات واللحظات
ويجتمع الاقربون ويزدادوا وبوسط هذا الجمع
تدخل الام
حضنت ابنها قبلته مسحة جبينه ذرفت الدمع
وهي تنادي
يمة اخذني وياك شلي بدنياي من بعدك
كررتها اكثر من مرة
والحاضرين يذرفون الدمع
( فاي قلب قلب كل ام سبحان الذي زرع فيها هذا الحب والعطف)
وكأن قلب الام شاهد على اخر لحظات حياة ابنها
وفعلا ماهي الا سويعات قليلة حتى توفي ابن عمي
الى رحمة الله عز وجل
وهنا اجتمع الاقربون كلهم والجيران والاصدقاء ليلا
وذهبوا الى التغسيل جميعا
وفريقا قد حضرمكان الاستقبال او كما نسميه هنا الديوانية الكبيرة
( وهذه العادة كما نسميها هنا اذ يهب الاهل والاقربون والجيران والاصدقاء عن الشدائد الى من كان عنده فاجعة او مصيبة او فرح )
ومن هنا اتذكر موقف احد القادمين من المدينة اذ وجد ان احد جيراننا كان قد استلم اعداد الشاي والقهوة او كما نسميه نحن هنا الكهوجي فساله ليسوا باقاربك فلما انت هنا قال اصلا كل محلاتنا قد اغلقناها ليس وحدي بل كل اقاربي لانهم جيراننا واصدقاءنا
بالطبع يقصد منطقتنا وحينا
وهي عادة اخرى ورثناها من اباءنا واجدادنا بان نتعامل مع جيراننا كانفسنا
ونقف معه
وما ان انتهى التغسيل والتكفين حتى حضر الجميع يصلون عليه ويقرأون سورة الفاتحة
ويصلون ركعتين بثواب المرحوم
وهكذا يستمر الجيران كلهم مع جيرانهم
وهكذا المجتمع ينبني ويصلح بالتواصل والتراحم
ويعلن المؤذن اذان الفجر ويحمل التابوت الى البيت
هنالك الوداع الاخير
حيث قلب الام المكسور حيث الاخوات والاخوة حيث الاحفاد وحيث وحيث
وهناك يعلن عبر مكبرات الصوت ان فلانا بن فلان قد توفي وسيكون تشيعه في الساعة كذا وكذا
ويجتمع الناس كثيرا وكثيرا وياتي ساعة الرحيل
ويحمل الاهل والاقربون والجيران ذاك التابوت الى مثواه الاخيره
ويسير خلفه مئات الناس
ومع كل مسير يترك الناس محالهم ويسيرون خلف التابوت
وينادي المنادي بصوت عالي
جل الله جل الله لا اله الا الله
ويردد خلفه كل السائرين
بصوت عالي جل الله جل الله لا اله الا الله
ويستمر التشيع لمسافة نص كيلو متر او اكثر
الى حين الوصول الى السيارة التي تحملهم الى النجف الاشرف
ويعود الاهل والاقربون والاصحاب ليستقبلوا المعزين طوال ثلاثة ايام
ومعهم جيرانهم واهليهم واقاربهم واصحابهم
وياتي المعزين من كل مكان قريب او بعيد
وتستمر الفاتحة ثلاثة ايام متواصلة
ومن هنا
ناتي الى اليوم الذي يليه
في الجيل السابق الذي ورثناه عن اباءنا
كان الناس يقيمون الفاتحة او الماتم لمدة ثلاثة ايام او اكثر بقليل
اليوم في جيلنا
صارت تقام الفاتحة ثلاثة ايام ولكن الجديد انه في كل ليلة يقام ماتم حسيني لذكر الحسين الشهيد واهل بيته واصحابه
ويستمر هذا الماتم المقام بثواب المرحوم الى اسبوعين او اكثر
وفي كل ليلة جمعة تقام وجبة طعام للفقراء والمساكين والاقربون
ما ان ينتهون حتى يقراوا سورة الفاتحة ويهدونها الى المرحوم
الحمد لله
عادة جميلة محمودة
ولكن
ننظر الى من هو في سن المراهقة قد حمله هاتفه النقال وانشغل عن ما يجري حوله من عادات حميدة وقراءة الفاتحة والماتم الحسيني
وبين اطفال يلعبون هنا وهناك وقد علا صياحهم مع صوت القارئ الحسيني
وبين
اخوة واصدقاء واقارب طلم ينسوا اخوهم او صديقهم او اقاربهم
على الرغم من رحيله عن دار الدنيا
صاروا ياتون كل ليلة يقراون القران له ويذكرون محاسنه ويقولون
ربي ارحمه برحمتك الواسعة
وبين اب يصارع هو الاخر ويلات المرض والاه وقد رحل ابنه عن دار الدنيا وهو لا يعلم ان ابنه قد رحله قبله
وبين اخ اكبر يداري ابيه من مرضه ويبكي على فقدان اخيه
وبين اخوة واصحاب واقارب يذكرون من فارقوه بخير ويترحمون عليه
وبين شباب قد شغله الهاتف النقال عن ما يجري حوله
وبين اطفال يلعبون ويمرحون لم يشغلهم ما حولهم عن ذاك اللعب
بين كل هذا
تساءلت
هل ستبقى هذه العادات الحميدة كما بقيت منذ سنين وسنين وورثناها عن اهل بيت النبي محمد صلوات ربي عليه وعلى اله
وبين
ان تضيع تلك العادات
ينتقل جيل وياتي جيل وسيرحل وياتي غيره
ولا يبقى الا العمل الصالح في ظل مجتمع سليم حميد
حميد الغانم