كان شاباً في غاية الوسامة والجمال ، فقد ألقى الله عليه مسحة من جمال نبيه يوسف الصدّيق (ع) فأصبح فتنة للناظرين ، وأصبحت تتغنى بحسنه وجماله ، وتتمنى قربه وصاله، كل العذارى من فتيات قريته الصغيرة الهادئة، القابعة بالقرب من أحد الشواطئ البحرية الجميلة حيث يغازلها البحر بموجات مياهه الزرقاء ،والمزدانة بالبساتين والمزارع، المكتظة بالنخيل الباسقة والأشجار الخضراء والورود ذات الرائحة الزكية النفاثة... لتجتمع في تلك القرية الصغيرة كل مظاهر الجمال المتمثلة في : الخضرة والماء والوجه الحسن.
**********************
ولكنهم فجأة افتقدوه !!!، فله بضعة أيام لم يحضر جلسات المسامرة الليلية التي يعقدونها في بعض المزارع الجميلة الواقعة بطرف القرية فيتعشون بشيء من المشويات، ويأكلون شيئاً من الفاكهة التي يقطفونها من الثمار المتدلية من أشجار تلك المزرعة الجميلة، ثم يشربون الشاي أو العصير وهم يخوضون في شتى الأحاديث، فمرة عن :القضايا الاجتماعية ، وأخرى عن المشاكل الأخلاقية ، وتارة عن الهموم الدراسية .....
كما أن (باسم) لم يعد يحضر إلى الجامعة التي كان متفوقاً فيها ، وهو في سنته الأخيرة منها، ولم يبقَ شيء على تخرّجه وحصوله على" البكالوريوس" ليمارس مهنته في (الطب العام) إلى أن يُوفّق لنيل شهادة "الماجستير" ومن بعدها "الدكتوراه" في طب "العيون" كما كان يأمل أن يكون.
ونتيجة لما يتحلى به "باسم" من حلو السجايا ، وجميل الصفات، أسر قلوب أصدقائه وزملائه ونال إعجابهم ، وحظي بحبهم... فأصبحوا يأنسون بمجالسته ، ويرتاحون لمعاشرته ، ويطربون لسماع حديثه وعذوبة كلامه، الذي يجمع بين المتعة والفائدة مع الطرفة والفكاهة..
ومما يزيد قلق أصحابه عليه، وحيرتهم في أمره ،أنهم كلما ذهبوا إلى منزله وطلبوا مقابلته أجابهم( أبوه) :
أن باسم قد أغلق على نفسه باب غرفته ولا يريد مقابلة أحد من الناس البتة .
وكلما ها تفوه عن طريق هاتفه المحمول وجدوه مقفلاً ، وسمعوا النداء الآلي يخاطبهم: (إن الهاتف المطلوب لا يمكن الإتصال به الآن ،فضلاً أعد المكالمة فيما بعد وشكراً".
*********************
طالت غيبة "باسم" أياماً حتى كاد أن يتمّ فصله من الجامعة لولا حب الأساتذة – بما فيهم العميد- له ،وحرصهم على عدم ضياع مستقبله ، ولكنهم كانوا متحيرين في أمره ، لا يعرفون شيئاً عن أخباره ، ولا يعلمون ما هي مشكلته ،ولا يدرون ماذا يصنعون؟؟!!!.
وحينما امتدت الغيبة وطال الغياب، أصدر عميد الجامعة قراره بفصل " باسم"، فتأثر أصحابه حتى سالت دموعهم على خدودهم ، "كالنساء!!" حزناً على صديقهم وضياع مستقبله .... لكنهم لم ييأسوا، وأخذوا يفكرون بجدّية في طريقة تمكّنهم من الوصول إلى باسم ومحاولة التعرف على مشكلته علّهم يتمكنون من مساعدته وإعادته إلى سابق عهده.
طال تفكيرهم إلى أن برق جبين أحدهم فرحاً وهو" ثامر" فراح يقول:
لقد اهتديت إلى فكرة جميلة.
سألوه بلهفة:
ما هي؟
أجابهم وهو "يحك" شعر رأسه محاولاً تجميع أفكاره:
أرى أن نجتمع بمجموعة من الأساتذة المحبين لباسم ونطلب منهم أن يتوسطوا لدى العميد بتأخير قرار فصل باسم أياماً .
صمتوا قليلاً كالمتأملين في فكرته ومدى جدواها، إلى أن بدد "هشام" الصمت قائلاً:
الفكرة جميلة ،ولكن هب أن الأساتذة لم يقتنعوا بها ، أو أن العميد نفسه لم يقبل وساطتهم فماذا نفعل؟؟؟.
وقبل أن يجيب"ثامر" سبقه "جمال" إلى الكلام فقال:
بل سيستجيب الأساتذة لطلبنا ،وسيقبل العميد بوساطتهم أيضاً ،أنا واثق من ذلك لمعرفتي بمدى حب الجميع بما فيهم الأساتذة والعميد لباسم.
وأتم ثامر كلام جمال بقوله:
ومع ذلك فهي محاولة إن لم تنفعنا شيئاً ،فلن تضرنا بشيء.
*******************
اجتمعوا بخمسة من الأساتذة المحبين لباسم والمقربين من العميد أيضاً وطرحوا عليهم فكرتهم، فأيدوها بقوة وتحمّسوا لها بشدة ، ولكنهم صدموهم بسؤال قالوا فيه:
نحن قد نؤثر على العميد، ونقنعه بتأخير قرار فصل باسم،ولكن ما هي الخطوة القادمة؟؟!!، وما الذي يمكنكم القيام به من أجل إقناع باسم بالرجوع إلى الجامعة؟؟!!،وأنتم إلى الآن لم تتمكنوا حتى من رؤيته ،أو معرفة مشكلته؟؟!!.
أدهشهم السؤال ،فطأطأوا رؤوسهم متحيرين ، وبان أثر الخيبة والحزن في وجوههم... مرّت عليهم دقائق ودقائق وهم سكارى من الحيرة والدهشة، إلى أن عاد إلى "هشام" شيء من وعيه ورشده، فقال وهو يحاول أن يخفي اضطرابه ويتمالك أعصابه:
فعلاًهذه مشكلة كبيرة ، فطيلت الأيام الماضية لم نتمكن من الالتقاء بباسم رغم محاولاتنا المتكررة، ولكن لديّ فكرة إن وافقتموني عليها ربما نصل من خلالها إلى نتيجة.
سألوه عن فكرته فأجابهم:
كلكم تعلمون مدى حب العميد لباسم، فلماذا لا نستغل هذا الحب؟؟!!.
سأله أحد الأساتذة وهو الأستاذ "هاني" وعلامات التعجب بادية على محياه:
نستغل هذا الحب؟! كيف؟!!.
ــ اسمحوا لي أن أوضح لكم قصدي ،وما أرمي إليه.
ــ تفضل.
هكذا أجابه " ثامر" فقال "هشام" :
نستغل هذا الحب بأن لا يكتفي الأساتذة بمحاولة إيقاف قرار الفصل فقط.
سأله الدكتور "هاني" بدهشة:
وماذا بوسعنا أن نفعل أكثر من ذلك؟؟!!!.
تبسم وأجاب:
مع محاولة إيقاف قرار الفصل ، تحاولون أن تقنعوا العميد بأن يتدخل بنفسه لحل مشكلة باسم،وذلك بأن يذهب إلى بيته ويحاول أن يلتقي به.
ضج الدكاترة الجامعيون في وجهه:
ما هذا الهراء يا هشام؟؟!!، أتظن أن لنا كل هذه السلطة على العميد حتى نطلب منه هذا الطلب؟؟!!، نحن غير واثقين من تأثيرنا عليه وثنيه عن قرار الفصل،فكيف نقنعه ـ وهو العميد ـ بالذهاب إلى باسم وما هو إلاّ طالب من الطلبة،وإن امتاز عليهم بالجد والإجتهاد؟؟!!.
رد هشام:
أعلم أن الأمر ليس سهلاً عليكم ، ولكن حبنا لباسم وخوفنا عليه يدفعنا إلى المحاولة والتشبث بكل سبيل من أجل حلّ مشكلته:
وتدخل جمال في الحديث فقال:
كلامك صحيح يا هشام، فعلينا أن نسلك كل الطرق من أجل حلّ هذه المشكلة ، ولكني لا أوافقك الرأي في أن يطلب الدكاترة من العميد الذهاب إلى باسم في بيته ،فأنت بهذا تضعهم في مأزق كبير،وموقف محرج جداً.
صاح ثامر:
لكن ليس لدينا أي حلّ آخر
أجابه جمال بثقة:
بل أمامنا حلول كثيرة.
ــ مثل ماذا؟!
هكذا أبدى هشام سؤاله التعجبي ،فأجابه جمال:
إذا تمكن الدكاترة من إقناع العميد بإلغاء قرار الفصل أو تأجيله على أقل تقدير فهذا يكفينا، أما الخطوة الثانية فأرى أن نذهب أنا والدكتور هاني للقاء باسم، فأنتم تعلمون أن باسم يحب الدكتور هاني ويحترمه كثيراً، ولا أظنه سيمتنع عن لقائه.
استصوب الجميع هذه الفكرة وأيدوها،واستقر رأيهم عليها.
***********************
في صبيحة اليوم التالي ذهب الدكاترة الخمسة إلى العميد،وبعد أن أخذ الإذن لهم (سكرتيره ومدير مكتبه) دخلوا عليه فتلقاهم بالتحية والترحاب ثم سألهم عن سبب زيارتهم ،عندها شرع الدكتور هاني في الكلام فقال:
إننا يا سيادة العميد جئناك برجاء ، وأملنا أنك لن تردنا فيه.
تبسم وسأل:
وما هذا الرجاء؟.
ــ لقد أصدرتم قبل أيام قراراً بفصل باسم من الجامعة،وأملنا فيكم أن تعيدوا النظر في هذا القرار، فكما تعلمون سيادتكم أن باسم طالب خلوق ومجد ، وجدير بكم أن تقوموا بمساعدته.
ــ صدقني يا دكتور هاني أنه يؤسفني جداً أن أصدر مثل هذا القرار في طالب نجيب كباسم ، ولكن ماذا أفعل فأنا مقيّد بالقانون والنظام ، وباسم قد تجاوز المدة القانونية للغياب بأيام كثيرة، ومع ذلك فهو لم يقدّم أي عذر ولا نعرف عنه أي شيء.
ــ ولأننا لا نعرف عن أمره أي شيء ولا ندري ما هي مشكلته جئنا لسيادتكم أنا وسائر زملائي الأساتذة والدكاترة نلتمس منكم تأجيل هذا القرار وإعطاءنا فرصة لمعالجة هذا الموضوع.
- وكيف ستعالجونه؟.
- لقد ارتأينا أنا وسائر الزملاء ـ بعد إذن سيادتكم طبعاًـ أن أقوم أنا بزيارة باسم في بيته محاولاً التعرف على مشكلته ومساعدته على حلها، لعلّ وعسى أن يعود باسم إلى ما كان عليه من قبل.
قام العميد عن مكتبه وجلس مقابلهم على أريكة أخرى وراح يقول:
إنني أقدّر فيك يا دكتور هاني أنت وأخوتك الأساتذة هذا الاهتمام بالطلبة المجتهدين وحرصكم على مستقبلهم، ولكن المشكلة أن الموضوع قد خرج من يدي تماماً.
سأله مدهوشاً:
كيف؟!!
فأجاب:
لقد رفعت قرار فصل باسم إلى الوزارة ،ولم يعد بإمكاني فعل أي شيء.
هزهم النبأ من الأعماق وراحوا يسألون بذهول:
ماذا تعني يا سيادة العميد؟! أتعني أنه لم يعد بالإمكان إرجاع باسم إلى الجامعة؟؟؟!!.
- لا،لا،لا أعني ذلك ، ولكن لا يمكن أن يرجع إلاّ بتقديم مبرر مقبول لغيابه.
- وما الذي يمكننا فعله لمعالجة هذا الأمر؟!!.
صمت العميد مفكراً وهم يرقبونه على أحرّ من الجمر إلى أن قام من أمامهم وعاد إلى الجلوس على مكتبه وهو يقول:
أنا تقديراً لكم وحباً لباسم سوف أعالج هذا الموضوع ، وسأقوم بالتنسيقمع بعض المستشفيات، من أجل إصدار تقرير طبي يثبت أن باسم كان مريضاً وبحاجة إلى إجازة مرضية ،فقط أنتم تكفّلوا بإقناع باسم بالرجوع إلى الجامعة ثم دعوا الأمر لي.
تهلّلت وجوههم فرحاً وشكروا العميد شكراً بالغاً وخرجوا من مكتبه والأمل يحدوهم بحلّ هذه المشكلة وإنهائها
في المساء حلّ الدكتور "هاني" و"جمال" ضيوفاً على "أبي باسم" الذي استقبلهما بالحفاوة والتكريم، وبعد أن استقّر بهما المجلس وقدّم لهما أبو باسم شيئاً من الفاكهة وعصير البرتقال ،عرّف الدكتور هاني نفسه لأبي باسم قائلاً:
أنا الدكتور هاني أحد أساتذة ابنك باسم في الجامعة.
- أهلاً وسهلاً بك يا دكتور، لقد تشرّفنا بزيارتك الكريمة.
- بل لي الشرف بالتعرف على رجل طيب مثلك ،وأرجو أن تعذرني على تطفلي ولكن حبي لباسم وحرصي على مستقبله دفعني إلى التطفل والفضول بزيارتكم من أجل السؤال عن باسم وسبب تغيبه؟؟!!.
تأوه أبو باسم،وظهرت عليه علامات التأثر،وأجاب بحسرة وألم:
ليتني أعرف يا دكتور لكنت قد أجبتك،فإن قضية باسم لم تقف عند حد تغيبه عن الجامعة فقط،،بل أنه تغيّر كليّاً،ولم يعد باسم الذي تعرفه.
فمنذ فترة من الزمن وهو حابس نفسه في غرفته
لا يخرج منها إلاّ للضرورة،وقد حرّم على نفسه الطعام والشراب،حتى تدهورت صحته،كما أنه لم يعد يجلس معنا و يمتعنا بحديثه ونكاته وطرائفه كما كان يفعل من قبل،وأصبحت الوحدة والعزلة أحب إليه.
تأثر الدكتور هاني لهذا الكلام،حتى بان الألم على صفحات وجه،وراح يسأل باهتمام بالغ:
وما الذي أوصله إلى هذه الحالة؟!!!.
- قلت لك أنني أجهل السبب تماماً، فقد تغيّر فجأة.
- ألم تحاول أن تجلس معه وتكشف سرّه.
- لقد حاولت حتى كللت ومللت،كما حاولت معه أمه أيضاً ،ولكن دون جدوى.
- هل تسمح لي أن أتدخل في الموضوع؟
- بل يسعدني ذلك ،فكل ما يهمني هوأن تنتهي هذه المشكلة ويعود ابني إلى طبيعته الأولى.
- وأين باسم الآن؟
- في غرفته كعادته.
- هل من الممكن أن تناديه ليجلس معنا.
- لن يستجيب لأنه لا يحب أن يقابل أحداً من الناس.
- حاول معه، وقل له أنني موجود هنا وأود رؤيته.
- سأحاول رغم معرفتي بالنتيجة مسبقاً.
تركهما في المجلس ودخل إلى داخل البيت،وطال غيابه إلى ما يقرب من نصف ساعة، ثم عاد وعلامات الخيبة بادية على محياه،جلس متأوهاً وقال بحسرة وتأثر:
أنا آسف يا دكتور،فقد رفض باسم مقابلتك؟؟
طأطأ الدكتور رأسه إلى الأرض مدهوشاً متفكرا،وبعد برهة من الزمن رفع رأسه وقال ملتفتاً إلى أبي باسم:
أتأذن لي بالذهاب إليه في غرفته؟؟.
ــ ليس لدي مانع ولكني أخشى أن......
قطعه الدكتور هاني قبل أن يتم كلامه:
لا تخش شيئأً، فأنا واثق أني سأصل معه إلى نتيجة.
ــ كما تشاء يادكتور.
هكذا أجابه أبو باسم،ثم مهّد له الطريق إلى غرفة ولده.طرق الدكتور الباب مستأذناً،وقبل أن يأتيه الإذن فتح الباب ودخل،فهاله وأدهشه ما رأى!!!.
فقد رأى شخصاً آخر يختلف تماماً عن الشخص الذي يعرفه!!،رأى شخصاً كثّ اللحية،طويل الشعر، شاحب اللون هزيل البدن،ذابل النضارة......قابع على كرسيه الصغير يتطلّع إلى أعلى السقف بعينين غائرتين،وهو شارد الذهن مستسلم للهموم والأحزان....
حاول الدكتور -هاني- أن يخفي ما أصابه من الهول والروع, وتقدم نحو باسم بخطى بطيئة وثقيلة، إلى أن وصل إليه ووضع يده على كتفه ملقيا التحية عليه بقوله:
كيف حالك يا باسم؟.
رفع باسم طرفه إلى الدكتور وأطال النظر في وجهه بصمت رهيب , ثم أشاح بوجهه عنه إلى الجهة الأخرى، دون أن يرد التحية , أو يتكلم ببنت شفة.... استدار إليه الدكتور من الجهة الأخرى وبدأ يتأمل في وجهه من جديد، وهما في صمت قاتل حزين... طأطأ باسم رأسه إلى الأرض , فمد الدكتور إليه يده وهي ترتعش من التأثر , وضعها تحت ذقته ورفع وجهه فلاحظ
دمعة خرساء تسيل من عين باسم على خده... مسحها الدكتور بلطف وراح يقول بنبرات حزينة مؤثرة :
ما بك يا باسم؟ ما الذي أصابك؟ وماذا دهاك؟
تأوه بقوة , ولم يجب بشئ , وإنما قام عن كرسيه . ووقف مقابلا الحائط واضعا يديه خلفه معطيا الدكتور ظهره .... بدأ الدكتور يتأفف ويتضجر من باسم وتصرفاته . ولكنه ما زال يحلّي نفسه بالصبر , ويمنيها بالأمل ... وقف خلف باسم ووضع يده على كتفه وادار وجهه إليه , وهزّ كتفيه برفق وراح يقول وهو يتطلع في وجهه :
ما ظننتك هكذا يا باسم ! أبهذه الطريقة تقابلني ؟! أنسيت من أنا؟! ألست أنا أستاذك الدكتور ‘‘هاني‘‘ وأقرب الأساتذة إليك من بين الدكاترة ؟!
طأطأ رأسه إلى الأرض قليلاً، ثم رفعه وقال بصوت حزين:
أرجوك يا دكتور،اذهب واتركني وشأني.
مسك الدكتور يده وضغطها بلطف وراح يقول:
وكيف أتركك وأنت.....
ــ أرجوك يا دكتورلا تكمل،قلت لك:
اتركني وشأني،ولو سمحت تفضل مع السلامة،فإني أريد أن أخلو بنفسي قليلاً.
تأثر الدكتور هاني كثيراً،وتغيّرت ملامح وجه،وأصابته الحيرة والإرتباك،حتى أنه لم يدر ماذا يفعل.....تأوه بألم و قال:
الله!!،أإلى هذا الحد يا باسم؟؟!!،تطردني من بيتك وأنا قد جئت من أجلك؟؟!!،حسناً..حسناً،كما تشاء يا باسم..كما تشاء.
قال ذلك لباسم،ثم أدار وجهه مولّيا شطر الباب وقد عزم على الخروج...وصل إلى باب الغرفة ووضع يده عليه ليفتحه،وما أن همّ بفتحه،حتى سمع صوتاً حزيناً تكاد تخنقه العبرة،يناديه من خلفه:
دكتور هاني..،أرجوك لا تذهب،أنا آسف جدا،ارجع من فضلك.
استوقف الصوت الحزين الدكتور هاني،وجعله يطأطىء رأسه إلى الأرض متأوهاً، لتمضي عليه لحظات ولحظات وهو على تلك الحالة....رفع رأسه ليفاجأ بباسم وهو يرمي نفسه على صدره وقد استسلم للبكاء،حتى علا نشيجه وارتفع صوته وغرق في بحر دموعه...منحه الدكتور هاني فرصة ليخفّف أحزانه ،ويغسل آلامه بدموع عينيه،مرّت عليه لحظت وهويبكي..ويبكي..ويبكي..والدكتور هاني يربت على كتفه،إلى أن هدأ من بكائه قليلاً،فرفع الدكتور رأسه عن صدره،وجعل وجهه بين راحتي يديه،وراح يمسح دموع عينيه عن خديه،محاولاً أن يُهدء من روعه ويخفّف من حزنه،وهو يردد:
اهدأ يا باسم،أرجوك اهدا يا حبيبي،يكفيك بكاءً يا عزيزي...
ثم أخذ بيديه وأجلسه على كرسي خشبي صغير،وقد هدأ باسم قليلاً...توجه الدكتور هاني إلى باب الغرفة فتحه قليلاً وصاح رافعاً صوته:
يا أبا باسم..يا ابا باسم..أين أنت؟؟،أرجوك احضر بسرعة.
أقبل أبو باسم مسرعاً حتى كاد يسقط من فرط سرعته،ومن تلهفه لمعرفة أخبار ولده،لم يلتقط أنفاسه،بل راح يسأل:
ها أنا قد أقبلت،بشرني يا دكتور،ما هي أخبار ولدي؟؟،وهل تعرّفت على مشكلته؟؟.
ــ اطمئن يا أبا باسم،كل الأمور إلى خير،فقط قدم لنا
الآن قدحين من الماء،وكأسين من عصير الليمون،وكن مطمئناً.
ــ حالاً يا دكتور،حالاً.
غاب قليلاً ثم عاد يحمل صينية متوسطة الحجم،في وسطها قدحي الماء وكأسي العصير.
دفع الصينية إلى الدكتور وعاد يسأل:
أرجوك يا دكتور طمئني عن ولدي،فإني متشوق لمعرفة الأخبار.
ــ قلت لك: اطمئن يا أبا باسم،فليس هناك ما يدعو إلى القلق والانزعاج؟
ــ اسمح لي أن أكون معكما.
ــ من الأفضل أن تدعنا وحدنا،صدقني،فاذهب وكن مطمئن القلب،هادىء النفس.
ـ آه،ومن أين أهدأ؟؟!!،ولكن كما تحب،سأذهب،وأرجو أن لا تتأخر عليّ،فإني في غاية القلق والشوق لمعرفة أخبار ولدي وحبيبي.
ــ ما هي إلاّ دقائق معدودة،وستأتيك الأخبار السارة إن شاء الله.
انصرف أبو باسم وهو يتمتم:
إن شاء الله،إن شاء الله
أغلق الدكتور هاني باب الغرفة،ووضع صينية العصير على طاولة مكتبية كان باسم يستذكر عليها دروسه ويكتب واجباته،وجلس بالقرب من باسم على كرسي آخر،وقدم له قدحاً من الماء.
أخذه باسم شاكراً وشرب منه قليلاً ثم وضعه مكانه..التفت إلى الدكتور خجلاً،وراح يقول محاولاً الإعتذار:
أنا آسف جدا يا دكتورهاني،فلم يكن قصدي أن...
تبسم الدكتور هاني،ووضع يده على كتف باسم وهزّه برفق،وقال وهو يتطلع في وجهه الشاحب:
لا داعي للأسف يا باسم،فلم يحدث أي شيء إطلاقاً،فدعك من الإعتذار،وكل ما أريده منك الآن أن تتناسى أنني أستاذك،وحدثني كصديق وفيّّ مخلص،فأنت تعلم كم أنا أحبك وأتمنى لك الخير والسعادة،فافتح لي قلبك،وأخبرني عن مشكلتك،فلعلي أستطيع مساعدتك؟.
- فات الأوان يا دكتور ، فقد تحطمت حياتي ولم يعد هناك جدوى من الحديث .
- ما عهدتك يائساً مستسلماً؟؟!!.
- إلاّ في مشكلتي هذه، فأنا يائس فعلاً، ليقيني بأنه ليس لها حلّ.
- ليست هناك مشكلة ليس لها حلّ ، صدقني يا باسم ،فقط افتح لي قلبك ، وسترى أننا سنصل إلى نتيجة بإذن الله تعالى.
يتبع
- حسناً يا دكتور هاني ، سأفتح لك قلبي، وأشرح لك مشكلتي،ليس بحثاً عن حلّ لها ليقيني – كما قلت لك – أنه ليس لها حلّ ، ولكن لأنني أشعر أنني بحاجة فعلاً إلى شخص مثلك أحبه وأحترمه لأشكو له همي وحزني، لعلّ وعسى أن يرتاح قلبي قليلاً.
- تفضل يا باسم ، فكلي آذان صاغية.
قام باسم عن كرسيه وأخذ يتمشى في الغرفة جيئة وذهابا والدكتور هاني يرقبه باهتمام بالغ.. وقف باسم والتفت إلى الدكتور قائلاً:
مشكلتي يا دكتور أنني.....أنني محب عاشق
تبسم الدكتور هاني ابتسامة عريضة أشرق منها وجهه وراح يقول:
وهل تعتبر هذه مشكلة يا باسم؟؟!!!،كيف؟؟!! والحب أجمل شيء في الحياة!!!.
تأوه باسم وأجاب:
أعلم يا دكتور أن الحب أجمل شيء في الحياة، فلولاه لما أصبح لحياتنا معنى،ويقيني أنه هو الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي،وبدونه تتحول الدنيا إلى صحراء قاحلة،وكل شيء فيها يذبل ويموت؟
أخذ الدكتور كأس العصير وشرب منه قليلاً،ثم وضعه وهو يبتسم،وقال محاولاً أن يلاطف باسم:
كلامك عن الحب حلو ٌوجميل،وكله شاعرية ورومانسية،فقد حوّلك الحب من طالب يدرس الطب إلى شاعر وأديب،يحوّل النثر بعذوبة كلامه إلى شعر منظوم؟
تكلّف باسم الإبتسامة،ولكنه قبل أن ينطق بكلمة واحدة،قام الدكتور عن كرسيه ووقف أمامه،وقال والإبتسامة لا تزال طافحة على وجهه:
ولكن أخبرني إلى أي مدى بلغ بك الحب والعشق،يا قيس؟؟!!.
ترك الدكتور هاني واقفاً يتأمله وراح يتمشى في الغرفة محاولاً أن يصف حبه بالصوت والصورة فقال:
صدقني يا دكتور ما بلغ حب قيس لليلى معشار حبي لحبيبتي،كيف؟؟!!وهي نبض قلبي،والدم الذي يجري في شراييني،والنور الذي تبصر به عيني...إنها...إنها يادكتور هاني كل كياني،فهي الروح التي تهبني الحياة..وهي.....
قهقه الدكتور ضاحكا ًوهو يقول:
يكفي!!،يكفي!!،يا باسم،فحقاً إنك من العاشقين!!،ولكن أخبرني عن حبيبتك:أهي جميلة،وتستحق كل هذا الحب؟؟!!.
صاح بلا وعي:
طبعاً يا دكتور،إنها جميلة،وجميلةجدا،وتستحق هذا الحب وأكثر،فما أبصرت عيناي غزالة أجمل منها في دنيا الوجود!!،إنها كظبي البراري في جمالها،وحسن صورتها،ورشاقة قوامها.....فهي:
ممتلئة البدن،رشيقة القوام..قمرية الوجه..عسلية العينين..أسنانها مستوية كالعقد المنظوم..شعرها أسود كالليل البهيم..ناعم كالحرير......فكيف لا تستحق كل هذا الحب؟؟!!،ولو أني وضعتها في عيوني،إلى يوم القيامة ما كفاني؟!!!.
ــ ما شاء الله!!..ما شاءالله!!،إنك تحسن الوصف،وتجيد القول يا باسم!!!.
ــ هذا من إلهام حبها وعشقها،وماهو إلاّ قطرة في محيط جمالها.
جلس الدكتور هاني على سرير باسم،واتكأ عليه براحتي يديه،وراح يهزّ قدميه ويسأل:
أخبرني يا باسم،هل حبيبتك هذه،تبادلك حباً بحب،وتحمل لك ما تحمله لها من العواطف والمشاعر والأحاسيس؟؟.
كان باسم قد ارتاحت نفسه،وانشرح صدره بسبب حديثه عن معشوقته،فجاء وجلس إلى جانب الدكتور هاني وأجابه وهو ينظر إلى وجهه ويبتسم:
طبعاً،إنها تبادلني حبا بحب،وعشقا بعشق.
هزّ الدكتور رأسه وهو يقول:
جميل...جميل...ولكن ما أدراك أنها تحبك؟؟!!،فهل أخبرتك هي بهذا الحب؟؟.
ــ لا، يا دكتور،إنها لم تخبرني لأنها لا تتكلم،ولكني فهمت ذلك من خلال تعاملها معي.
التفت الدكتور إليه وسأله متعجباً:
ماذا قلت؟؟!!، إنها لا تتكلم؟؟!!،لماذا؟؟!!،هل حبيبتك خرساء؟؟!!.
أجابه بضجر:
لا،يا دكتور،إنها ليست خرساء،ولكن طبيعتها هكذا.
قام الدكتور هاني عن السرير،وذهب إلى جانب الطاولة المكتبية،وأخذ عصيره ورشف منه رشفة،ثم التفت إلى باسم وهو لا يزال واقفاً وتبدو على وجهه علامات الإستغراب والدهشة،وقال:
مع أني لم أفهم ماذا تعني بكلامك هذا،ولكن أين تكمن المشكلة،إذا كنتما تحبان بعضكما إلى هذا الحد؟؟!!.
عاد إلى باسم حزنه،وظهرت عليه ملامح الألم ،وأجاب بحسرة وتأثر:
المشكلة يا دكتور تكمن في أن هناك من اعتدى على هذا الحب الجميل،وفرّق بيني وبين حبيبتي.
تفاعل الدكتور مع هذا الكلام كثيرا،فتطلع في وجه باسم بدهشة وسأله باستغراب:
هناك من اعتدى على حبك؟؟!!،وفرّق بينك وبين حبيبتك؟؟!!.
ــ نعم، يا دكتور،نعم.
ــ ومن هو؟؟!!.
- قد لا تصدق إذا أخبرتك!
- أخبرني!!!!.
- إن..إ..إنه أبي.
صرخ بدهشة:
ماذا؟؟أبوك!!!،ولماذا؟؟!!.
ــ ليتني كنت أدري؟؟!!.
- لعله رأى فيها عيباً.
- أبداً، فقد أخبرتك أنها مثال الجمال والكمال ، وأبي نفسه كان يحبها ومن المعجبين بها.
ـ عجباً!! ، أبوك يحبها ومعجب بها، ومع ذلك يفرّق بينك وبينها.
- تصور !!. حتى تعرف إلى أي مدى تصل قسوة الآباء على أبنائهم أحيناً.
- ألم تناقشه وتحاول أن تعرف سبب فعله هذا؟!!!.
قام عن سريره وجلس على كرسيه الخشبي وقال والحزن يعصر قلبه:
- لم أجرؤ على ذلك، فهيبته في قلبي وحبي واحترامي له، كل ذلك منعني من سؤاله.
- ولكن هذا خطأ يا باسم ،فيجب أن تناقش أباك في أمرخطير كهذا.
- قلت لك لا أستطيع، ثم ليس هناك فائدة، فقد خسرت حبيبتي وانتهى كل شيء.
- ولكن من خلال مناقشتك لأبيك قد يعود إليك ما خسرته.
- كيف؟؟!!، وقد باعها في السوق؟!
دُهش الدكتور بقوة لسماع هذه الكلمة إلى درجة أن كأس العصير قد سقط من يده على الأرض ،وقال بتلعثم واستغراب:
- ما..ما.. ماذا؟! باعها في السوق؟!!!
- نعم يا دكتور ،صدقني،فأنا لا أمزح ، لقد باعها في السوق.
فتح عينه وفاه من الدهشة ، وأخذ يتطلع في وجه باسم وقد انعقد لسانه عن الكلام ، ثم انطلق فصرخ:
هل جننت يا رجل؟؟!!،كيف يكون باعها؟؟!!،وهل هناك فتاة تباع وتشترى؟؟؟!!!!!!.
قام عن كرسيه قائلاً بحدة وانفعال:
ما هذا الكلام يا دكتور؟؟!!!،أرأيتني حدثتك عن فتاة؟؟!!.
صرخ الدكتور بانفعال أكبر،وقد وقف شعر رأسه من هول ما يسمع من كلام عجيب غريب:
إذن عن ماذا كنت تحدثني؟؟؟!!!!.
ـ إنما أحدثك عن حبيبتي" صباح".
يتبع
صاح بغضب ودهشة:
- وصباح هذه أليست فتاة من الفتيات؟!!
- طبعاً لا.
- طبعاً لا !! إذن ماذا تكون صباح هذه ؟!!.
- إنها " نعجتي"الجميلة ، أنا سميتها"صباح"لجمالها
وصباحة وجهها.
رمى الدكتور نفسه على الكرسي وقد احمرّ وجهه من الغيظ والدهشة اللذين اجتمعا عليه معاً ، وبقي صامتاً كأنما أُلجم الحجر،ثم رفع رأسه إلى باسم سائلاً:
أكل هذا الوقت الذي أمضيناه معاً،إنما كنت تحدثني فيه عن نعجتك (صياح).
هزّ رأسه مجيباً:
نعم,إنما كنت أحدثك عن نعجتي العزيزة: (صباح).
- وكل هذا الحب الكبير إنما هو لهذه النعجة؟!!
- نعم، نعم إنه لها وهي تستحقه.
- وهذا الحزن الذي أنت فيه ، والذي جعلك تهجر أصدقاءك ، وتترك جامعتك، وتحبس نفسك في هذه الغرفة أهو من أجل هذه النعجة فقط؟!!
- نعم يا دكتور، نعم هو من أجلها،وهو قليل في حقها.
- صفق الدكتور يداً بأخرى وراح يقول:
- لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لقد جُنّ باسم وفقد عقله.
صرخ باسم بقوة:
أرجوك يا دكتور،فأنا لم أُجن.
فصرخ الدكتور:
بل جُننت وخرفت!!، وإلاّ كيف تضيّع حياتك ومستقبلك من أجل نعجة؟؟!!!
هدأ باسم قليلاً وقال:
ربما يحق لك أن تقول ذلك ، فأنت لا تعرف ماذا تعني لي هذه النعجة ، ولا تدري ما هي قصتي معها ، ولو أنك علمت شيئاً من ذلك لعذرتني.
تأوه وأجابه:
هات وحدثني.
- وتسمعني بهدوء.
- أسمعك وأمري لله.
شرع باسم يحكي قصته مع تلك النعجة قائلاً:
لقد بدأت علاقتي بهذه النعجة منذو اليوم الأول من ولادتها،فقد ماتت أمها يوم ولدتها ،فنشأت تلك النعجة ( يتيمة)،وأنا من تكفّل بتربيتها ورعايتها،وقد أوليتها من الرعاية والاهتمام ما عوضها حنان الأم،فقد كنت أشتري لها الحليب الصناعي وأرضعها بنفسي......،أتعلم يا دكتور هاني أن هذه النعجة هي أختي من الرضاعة؟؟!!!!.
رقص الدكتور هاني طرباً لهذا الكلام المضحك،وعلّق مبتسماً:
يا سلام..،ما أجمل هذا الكلام!!!،هذه النعجة أختك من الرضاعة؟؟!!،كيف؟؟!!، فهل أرضعتك أمها من ضرعها؟؟!!.
ــ لا يا دكتور،بل أمي هي التي أرضعت هذه النعجة بلبن أختي الصغيرة (ضياء)،فقد جعلت (ثدياً) خاصاً بضياء،والثدي الآخر جعلته لصباح.
- من صباح هذه؟!
- إنها النعجة.
- آه ،نعم، لقد نسيت،أكمل.
- بل أكثر من ذلك يا دكتور.
ـ أكثر من ذلك؟؟!،ماذا تعني؟؟!!.
ــ كنت أكثر من ملاعبة هذه النعجة ومداعبتها.
ـ هذا طبيعي يا عزيزي، فا لتيوس على أشكالها تقع،المهم أكمل ،وأخبرني ماذا جرى بعد ذلك؟؟!!.
ــ مازلت أهتم بتلك النعجة وأسهر على تربيتها،إلى أن شبّت واشتد عودها،وكنت أخرجها معي للتنزّه والترويح عن النفس،وأصطحبها معي إلى الحدائق والمنتزهات وشواطىء البحار......
قهقه الدكتور ضاحكا وقال ساخرا:
أحقا كل هذا كنت تفعله لهذه النعجة؟؟!!،يا لها من نعجة محظوظة ومدللة!!!.
ــ بل أكثر من ذلك يا دكتور.
- أكثر من ذلك ! جميل..جميل.. هيّا هات وأخبرني.
- أتعلم أنني كنت أتركها تنام معي في فراش واحد، ونمضي معاً أوقاتاً جميلة وسعيدة قبل النوم.
سأله باهتمام وقد وضع يده على قلبه خشية نزول صاعقة:
ماذا تقصد؟!أكنت تفعل معها....
قاطعه قائلاً:
لا يا دكتور،فقد ذهب فكرك بعيداً،فأنا لست من التيوس الذين لا يفكرون إلاّ في إشباع غرائزهم،ولا يكفون عن ملاحقة النعاج ومغازلتهن فكل،فإذا كنت لاأعتدي على النعجة الأجنبية،فكيف تريدني أن أعتدي على نعجتي وهي من أهلي ومحارمي؟؟!.
ـ النعجة (صباح) من أهلك ومحارمك؟؟!!.
ـ بالتأكيد!!،أم أنك نسيت أني وهي أخوان من الرضاعة؟؟!!.
ـ آه!!،فعلاً لقد نسيت ذلك!!،فأنا آسف جداً ياتيسي،عفوأ،
أقصد: يا باسمي العزيز،المهم أخبرني: ماذا تعني بقولك تقضي مع تلك النعجة أوقاتاً جميلة في الفراش؟؟!!.
ـ كل ما أعنيه أنه كل ما جنّ الليل اصطحبّتها معي إلى فراشي ، وبدأت ألاعبها ، فأحملها بيدي ، وأضعها على صدري ،وأوسدها ذراعي ، وأحكي لها الحكايات الجميلة.
- ما شاء الله ! ما شاء الله! أكل هذا كنت تفعله لهذه النعجة؟! جميل جداً.. هيّا أكمل.
- صدقني فأنا لا أمزح ، فقد حكيت لها حكاية " قمر الزمان" و" بنت السلطان" و"السند باد البحري"
و" الشاطر حسن" و"علي بابا والأربعين حرامي" .... وغيرها من الحكايات الكثيرة الجميلة.
- وطبعاً هي كانت تسمعك وتفهمك؟؟!!.
- طبعاً ، فهي ذكية جداً ، فحينما تتوسد ذراعي وأشرع في سرد الحكاية، كانت لا ترفع بصرها عن وجهي ،وتصغي إليّ باهتمام كبير... فإذا ما انتهيت من حكايتي تبسّمتْ تبسم الرضا والسرور، ولعقتْ بلسانها(أرنبة أنفي) معبّرة بذلك عن شكرها وتقديرها لي ، ثم تغمض عينيها وتنام.
- لا إله إلاّ الله!!، حقاً إنها نعجة مدللة وذكية!! ،فماذا حدث بعد ذلك!!
- طبعاً كبرت النعجة وبلغت مبلغ النعاج.
- وهنا أصبحت محرمة عليك، ولا يجوز لك الإختلاء بها.
- هذا صحيح، ولهذا فرّقتُ بيني وبينها في المضاجع ، خشية أن يحدث بيننا ما لا تحمد عقباه ، فأسيء إلى شرفها وكرامتي وأجلب لها ولنفسي الخزي والعار.
- ما شاء الله ! أإلى هذا الحد بلغ تحرجك في الدين، وتحرزك من الحرام!! ، حقاً إنك يا باسم رجل تقي ،ورع ، مؤمن!!!.
- هذا من فضل ربي، وشكراً على هذه الشهادة يا دكتور.
ــ المهم أكمل فقد استهواني حديثك الشائق عن نعجتك المدللة:
ــ رغم أننا افترقنا عن بعضنا في المنام،إلاّ أنني ما كنت أطيق أن أنمام دون أن أراها!!،فكنت أزورها كل ليلة في (زريبتها)(فتربض) هي في (زاوية) وأنا في (زاوية) أخرى وكلّ منا يسترق النظر إلى الآخر ويغازله بعينيه، ولكن بحشمة ووقار.
- طبعاً!!، فإيمانكما وورعكما يمنعانكما من الإخلال بالآداب والأخلاق!!!.
- الأمر كما تفضلت يا دكتور ، فإيماننا كان يمنعنا من الوقوع في الرذيلة، خصوصاً وأن(صباح)...
- عفواً، تقصدالنعجة طبعاً.
- نعم، أقصد النعجة صباح.
- نعم، أكمل،ما بها صباح؟!
- أقول : خصوصاً أن صباح كانت عفيفة وتستحي.
- هذا شيء طبيعي يا باسم ، فزينة (المرأة)، عفواً أقصد(النعجة) :العفة والحياء.
- أحسنت يا دكتور ، أحسنت.فياليت، (نعاج) هذه الأيام يفهمن هذا الكلام.
ــ لو كان لهن عقول كعقول نعجتك لفهمنّ،ولكنهنّ بلا عقول.
ـ وهل تقيس يا دكتور نعاج هذه الأيام بنعجتي الذكية؟؟!!.
- قطعاً،لا، فنعجتك أفضل منهنّ بكثير، على كل حال أكمل ، ودعني أرى إلى أين سأنتهي معك.
يتبع