جهل مركب !!
أسأل الله العظيم أن يلهمني الصبر على مقارعة باطلكم ودحض شبهاتكم
لقد
اتفق العلماء على أن قول عمر
" إن رسول الله قد غلبه الوجع عندكم القرآن حسبنا كتاب الله"
رد على من نازعه لا على أمر النبى صلى الله عليه وسلم
كما أن العلماء عدّو قوله :
من قوة فقهه ودقيق نظره ومن موافقاته للوحى
قصد منه التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين رآه قد غلب عليه الوجع وشدة الكرب وقامت عنده قرينه بأن الذى أراد كتابته
ليس مما لا يستغنون عنه إذ لو كان من هذا القبيل لم يتركه عليه الصلاة والسلام
لأجل اختلافهم ولغطهم لقوله تعالى
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)
كما لم يترك تبليغ غيره بمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه وفى تركه عليه الصلاة والسلام الإنكار على عمر إشارة إلى تصويبه رأيه )
وهذا من أقوى ما يتمسك به
لأن ترك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
الإنكار على عمر رضي الله عنه
هو إقرار منه بتصويب رأيه ويأخذ هذا الإقرار
حكم المرفوع المسند
ويؤيد صحة ما سبق من صحة رأى عمر وأن أمره صلى الله عليه وسلم بالكتابة لم يكن على سبيل الوجوب
ما جاء فى نفس الحديث من وصيته عليه الصلاة والسلام بثلاث قال
(اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة
أو قال الراوى : فنسيتها )
فهذا يدل على أن الذى أراد أن يكتبه صلى الله عليه وسلم لم يكن أمراً متحتماً
لأنه لو كان مما أمر بتبليغه لم يكن يتركه لوقوع اختلافهم
ولعاقب الله عز وجل من حال بينه وبين تبليغه ولبلغه لهم لفظاً
كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك
وقد عاش عليه الصلاة والسلام بعد هذه المقالة أياماً وحفظوا عنه أشياء لفظاً فيحتمل أن مجموعها ما أراد أن يكتبه ويبعد مع كل هذا أن يكون أمره عليه الصلاة والسلام
بالكتابة على الوجوب ويتركه
كما يبعد كل البعد بدليل ما سبق ما يزعمه الرافضة من الوصية لعلى بن أبى طالب رضى الله عنه بالخلافة من بعده عليه الصلاة والسلام
وزعمهم أن عمر رضى الله عنه
حال بين رسول الله وبين كتابة تلك الوصية
قال الإمام المازرى يرحمه الله
( وإنما جاز للصاحبة الاختلاف فى هذا الكتاب مع صريح أمره صلى الله عليه وسلم لهم بذلك لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب فكأنه ظهرت منه عليه الصلاة والسلام قرينة دلت على أن الأمر ليس على التحتم بل على الاختيار فاختلف اجتهادهم وصمم عمر رضى الله عنه على الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلم
قال ذلك من غير قصد جازم وعزمه صلى الله عليه وسلم على الكتابة كان إما بالوحى وإما بالاجتهاد وكذلك تركه الكتابة إن كان بالوحى فبالوحى وإلا فبالاجتهاد أيضاً
وفيه حجة لمن قال بالرجوع إلى الاجتهاد فى الشرعيات"
وفى كلا الحالتين العزم على الكتابة وتركها سواء كان بالوحى أو بالاجتهاد
فيه إقرار من رسول الله صلى الله عليه وسلم
لرأى عمر رضى الله عنه
فيأخذ حكم المرفوع المسند
وهو دليل على صحة موقف الصحابة رضى الله عنهم من اختلافهم فى الكتاب مع صريح أمره صلى الله عليه وسلم
قال الإمام القرطبى رحمه الله (واختلاف الصحابة رضى الله عنهم فى هذا الكتاب كاختلافهم فى قوله صلى الله عليه وسلم : "لا يصلين أحد العصر إلا فى بنى قريظة" فتخوف ناس فوات الوقت فصلوا وتمسك آخرون بظاهر الأمر فلم يصلوا فما عنف صلى الله عليه وسلم أحد منهم من أجل الاجتهاد المسوغ والمقصد الصالح)
وعلى ما سبق من اختلاف الصحابة رضى الله عنهم في فهم أمره صلى الله عليه وسلم
ثم إقراره عليه الصلاة والسلام
لهذا الاختلاف فى فهمهم لأمره يرد على زعم أن اختلاف الصحابة فى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتابة سوء أدب منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأنهم رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يراجعونه
صلى الله عليه وسلم فى بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم كما راجعوه يوم الحديبية فى كتاب الصلح بينه وبين قريش
فأما إذا أمر عليه الصلاة والسلام بالشئ أمر عزيمة
ولا قرينة تصرفه عن ذلك فلا يراجع فيه أحد منهم
***
اما بالنسبة لقوله رضي الله عنه :
"حسبنا كتاب الله"
دعوى منه للاكتفاء به عن بيان السنة
زعم لا دليل عليه لأن سيدنا عمر رضى الله عنه لم يرد بقوله هذا الاكتفاء به عن بيان السنة المطهرة
بل قال ما قاله لما قام عنده من القرينة على أن الذى أراد صلى الله عليه وسلم كتابته مما يستغنى عنه
بما فى كتاب الله عز وجل لقوله تعالى :
(ما فرطنا فى الكتاب من شئ)
حيث لا تقع واقعة إلى يوم القيامة إلا وفى الكتاب
أو السنة بيانها نصاً أو دلالة
وفى تكلف النبى صلى الله عليه وسلم فى مرضه من شدة وجعه كتابة ذلك مشقة ومن هنا رأى عمر رضي الله عنه الأقتصار على ما سبق بيانه إياه نصاً أو دلالة تخفيفاً عليه صلى الله عليه وسلم ولئلا ينسد باب الاجتهاد على أهل العلم والاستنباط وإلحاق الفروع بالأصول
وقد كان سبق قوله صلى الله عليه واله وسلم
(إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر)
وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم
وكّل بعض الأحكام إلى اجتهاد العلماء
وجعل لهم الأجر على الاجتهاد
فرأى عمر رضى الله عنه الصواب تركهم على هذه الجملة
لما فيه من فضيلة العلماء بالاجتهاد مع التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفى تركه عليه الصلاة والسلام الإنكار
على عمر رضي الله عنه
دليل على استصوابه رضى الله عنه رغم أنف الرافضة
قال تعالى
(وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين )
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
قال تعالى
(تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الارض
ولا فساداً والعاقبة للمتقين )