السلام عليكم
اللهم صلٍ على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف ........
قد دلّت الروايات المتضافرة على انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ارتحل وقد نصب عليّاً (عليه السلام) للولاية والخلافة، فأبان ولايته وولاية من بعده من الاَئمّة في مواقف مختلفة، نذكر منها موقفين:
الاَوّل: انّ سائلاً أتى مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ (عليه السلام) راكع، فأشار بيده للسائل، أي اخلع الخاتم من يدي، فنزل قوله سبحانه: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُون)
وقد تضافرت الروايات على نزول الآية في حقّ علي (عليه السلام) و نقلها الحفاظ، منهم: ابن جرير الطبري(تفسير الطبري:6|186.
) والحافظ أبو بكر الجصاص الرازي(أحكام القرآن:2|542.
) و الحاكم النيسابوري(. معرفة أُصول الحديث:102.
) و الحافظ أبو الحسن الواحدي النيسابوري( أسباب النزول : 113.
) وجار اللّه الزمخشري(الكشاف:1| 468) إلى غير ذلك من أئمّة الحفاظ و كبار المفسِّرين ربما ناهز
عددهم السبعين . وهم بين محدِّث ومفسّر وموَرِّخ.
والذي يجب التركيز عليه هو فهم معنى الولي الوارد في الآية المباركة والذي وقع وصفاً للّه سبحانه ولرسوله ومن جاء بعده.
المراد من الولي في الآية هو الاَولوية الواردة في قوله سبحانهالنَّبيُّ أولى بِالمُوَْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) .(1)
فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى من الموَمنين بأنفسهم وأموالهم فهو بما انّه زعيم المسلمين ووليّهم، يتصرّف فيهم حسب ما تقتضيه المصالح في طريق حفظ كيان الاِسلام وصيانة هويَّتهم والدفاع عن أراضيهم ولغاية نشر الاِسلام.
وليست الغاية من هذه الولاية الموهوبة للنبي ص هي حفظ مصالح النبي ص الشخصية، بل الغاية كما عرفت هو صيانة مصالح الاِسلام والمسلمين.
فالولاية بهذه المعنى هي المراد من قوله سبحانه: (إِنَّما وَليّكُمُ اللّهَ وَرَسُولُه) و القرائن الدالَّة على تعُّين هذا المعنى كثيرة، نذكر منها ما يلي:
الاَوّل: إذا كان المراد من الوليّ هو الزعامة يصحّ تخصيصها باللّه سبحانه و رسوله ومن أعقبه، وأمّا لو كان المراد منه هو الناصر و المحب، فهو ليس مختصاً بهوَلاء، لاَنّ كلّموَمن محب للآخرين أو ناصر لهم كما يقول سبحانه: (وَ المُوَْمِنُونَ وَ المُوَْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَولياءُ بَعْضٍ)
الثاني: انّ ظاهر الآية انّ هناك أولياء و هناك مولى عليهم، ولا يتحقّق التمايز إلاّ بتفسير الولاية بمعنى الزعامة حتى يتميّز الزعيم عن غيره، وهذا بخلاف ما فسرناه بمعنى الحب والود أو النصر، فتكون الطوائف الثلاث على حد سواء الثالث: إذا كان المراد من الولي هو الزعيم، يصحّ تخصيصه بالموَمن الموَدّي للزكاة حال الصلاة، و أمّا لو كان المراد بمعنى المحبّ والناصر وما أشبهها يكون القيد زائداً أعني: إعطاء الزكاة في حال الصلاة، فانّ شرط الحب هو إقامة الصلاة وأداء الزكاة، وأمّا تأديتها في حال الركوع فليس من شرائط الحب والنصرة، وهذا دليل على انّ المراد فرد أو جماعة خاصة يوصفون بهذا الوصف لا كلّ الموَمنين.
الرابع: انّ الآية التالية تفسر معنى الولاية، يقول سبحانه: (ومَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُون)
فانّ لفظة (الّذين آمنوا) في هذه الآية هو الوارد في الآية المتقدمة، أعني: (وَالّذينَ آمَنُوا الّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاة) ، وعلى هذا يكون المراد من القول أخذهم زعيماً وولياً بشهادة انّ حزب اللّه لا ينفك من زعيم يدبِّر أمرهم.
إلى هنا تبيّن انّ الاِمعان في القرائن الحافَّة بالآية تفّسر معنى الولي وتعّين المعنى و تثبت انّ المقصود هو الزعيم، لكن من نكات البلاغة في الآية انّه سبحانه صرح بولايته و ولاية رسوله ومن جاء بعده و على ذلك صارت الولاية للثلاثة، وكان اللازم عندئذٍ أن يقول إنّما أولياوَكم يصيغة الجمع لكنّه أتى بصيغة المفرد إشارة إلى نكتة، وهي انّ الولاية بالاَصالة للّه سبحانه وأمّا ولاية غيره فبإيهاب من اللّه سبحانه لهم ، ولذلك فرّد الكلمة ولم يجمعها، لكن هذه الولاية لا تنفك من آثار، وقد أُشير إلى تلك الآثار في آيات مختلفة، وإليك بيانها:
1. (أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الاََمْرِ مِنْكُمْ)
فانّ لزوم إطاعة اللّه والرسول وغيرهما من آثار ولايتهم وزعامتهم،فالزعيم يجب أن يكون مطاعاً.
2. (وَماكانَ لِمُوَْمِنٍ وَلا مُوَْمِنَة إِذا قَضى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)
فينفذ قضاوَه سبحانه و الَّذي هو من آثار الزعامة، ونظيره قوله سبحانه: (إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الكِتابَ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ).
3.(فَلْيَحْذَرِ الّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرهِ أنْ تُصيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَو يُصيبَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ). فحرمة مخالفة أمر اللّه ورسوله من توابع زعامتهم وولايتهم.
فهذه الحقوق ثابتة للنبي ص بنص القرآن الكريم ولمن بعده بحكم انّهم أولياء بعد النبي فانّ ثبوتها للنبي ص لاَجل ولايته فإذا كانت الولاية مستمرة بعده فيتمتع كلّوليٍّ بهذه الحقوق.
وبهذا تبيَّنت دلالة الآية على ولاية علي (عليه السلام) وانّها حقّ من حقوقهم لصالح الاِسلام والمسلمين.
نعم بعض من لا تروقهم ولاية أهل البيت (عليهم السلام) وزعامتهم حاولوا تضعيف دلالة الآية بشبهات واهية واضحة الرد، وقد أجبنا عنها في بعض مسفوراتنا فلنكتف في المقام بهذا المقدار.
غير انّا نركز على نكتة وهي انّ الصحابة الحضور لم يفهموا من الآية سوى الولاية ولذلك صبَّ شاعر عهد الرسالة حسان بن ثابت ما فهمه من الآية بصفاء ذهنه في قالب الشعر ، وقال:
فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع * فدتك نفوس القوم يا خيـر راكـع
بخـاتمـك الميمـون يـا خيـر سيد * و يـا خيـر شـار ثـمّ يا خيــر بايع
فـانـزل فيــك اللّه خيــر ولايــة * و بينّها فـي محكمـات الشـرائـع( مناقب الخوارزمي:178؛ كفاية الطالب للكنجي:200 ؛ تذكرة ابن الجوزي:25.
)
والظاهر ممّا رواه المحدّثون انّ الاَُمّة الاِسلامية سيُسألون يوم القيامة عن ولاية علي (عليه السلام) ، حيث ورد السوَال في تفسير قوله سبحانه: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْوَولُون).
روى ابن شيرويه الديلمي في كتاب «الفردوس» في قافية الواو، باسناده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْوَولُون) عن ولاية علي بن أبي طالب.( شواهد التنزيل للحسكاني:2|106.
)
ونقله ابن حجر عن الديلمي، وقال: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْوَولُون) أي عن ولاية علي وأهل البيت، لاَنّ اللّه أمر نبيّه ص أن يعرف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلاّ المودة في القربى، والمعنى انّهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة.(الصواعق المحرقة:149)
الثاني(مضي الاَوّل: 245.): من تلك المواقف هو يوم الغدير و هو أوضحها وآكدها وأعمّها و قد صدع بها في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام في منصرفه من حجّة الوداع، وقد قام في محتشد كبير بعد ما خطب خطبة مفصَّلة وأخذ من الناس الشهادة على التوحيد والمعاد ورسالته وأعلن انّه فرط على الحوض، ثمّ ذكر الثقلين وعرَّفهما، بقوله:« الثقل الاَكبر، كتاب اللّه، والآخر الاَصغر: عترتي؛ وانّ اللطيف الخبير نبَّأني انّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»، ثمّقال: «أيّها الناس من أولى الناس بالموَمنين من أنفسهم؟» قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: «إنّ اللّه مولاي، وأنا مولى الموَمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه»، ثمّ قال: «اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب».
ففي هذه الواقعة الفريدة من نوعها أعلن النبي ولاية علي (عليه السلام) للحاضرين وأمرهم بإبلاغها للغائبين، ونزل أمين الوحي بآية الاِكمال، أعني: قوله سبحانه: (الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي)
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «اللّه أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الربّ برسالتي، والولاية لعلي من بعدي».
ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير الموَمنين (عليه السلام) و ممَّن هنَّأه في مقدم الصحابة : الشيخان أبو بكر وعمر، كلّ يقول:
بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّموَمن وموَمنة.
وقد تلقّى الصحابة الحضور انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوجب ولايته على الموَمنين، وقد أفرغ شاعر عهد الرسالة حسّان بن ثابت ما تلقّاه عن الرسول، في قصيدته وقال:
فقال لـه قـم يـا علـيّ فانّنـي * رضيتك من بعدي إماماً وهادياً
فمن كنـت مـولاه فهـذا وليـّه * فكونوا له أنصار صدق موالياً