كم أعلمَ عليه السلام عن حادثة وقعت بعد حين، وعن أمر حدث كما أخبر عن مُلك بني العبّاس مراراً قبل أن يكون، جاءه أبو مسلم الخراساني وناجاه سرّاً بالدعوة له، وأعلمه أنّ خلقاً كثيراً أجابوه، فقال له الصادق عليه السّلام: إِن ما تؤمي اليه غير كائن لنا حتّى يتلاعب بها الصبيان من وُلد العبّاس، فمضى الى عبد اللّه بن الحسن فدعاه، فجمع عبد اللّه أهل بيته وَهَمَّ بالأمر، ودعا أبا عبد اللّه عليه السلام للمشاورة، فلما حَضر جلس بين السفّاح والمنصور، وحين استُشير ضرب على منكب السفّاح، فقال: لا واللّه أو يملكها هذا أوّلاً، ثمّ ضرب بيده الاُخرى على منكب المنصور وقال: وتتلاعب بها الصبيان من وُلد هذا، ووثب
{ 257 }
وخرج من المجلس(1).
ودعاه عبد اللّه بن الحسن مرّة اُخرى للبيعة لابنه محمّد، فقال له: إِنَّ هذا الأمر واللّه ليس لك ولا لابنيك، وإِنمّا هو لهذا - يعني السفّاح - ثمّ لهذا - يعني المنصور - ثمّ لولده من بعده، ولمّا خرج تبعه أبو جعفر فقال: أتدري ما قلت يا أبا عبد اللّه ؟ قال عليه السلام: اي واللّه أدريه وأنّه لكائن(2) وما اكثر ما أنبأ عن مُلك بني العبّاس.
كما أخبر عن مقتل محمّد وإِبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن في مواطن عديدة، فقد قال يوماً: مروان خاتم بني اُميّة، وإِن خرج محمّد بن عبد اللّه قُتل(3).
وقال لمحمّد يوماً وقد فاخره: فكأني أرى رأسك وقد جيء به ووضع على حجر بالزنابير، يسيل منه الدم الى موضع كذا وكذا، فصار محمّد إِلى أبيه فأخبره بمقالة الصادق عليه السلام فقال أبوه: آجرني اللّه فيك، إِن جعفراً أخبرني أنك صاحب الزنابير(4).
وأخبر بذلك يوماً اُمّ الحسين بنت عبد اللّه بن محمّد بن علي بن الحسين عليهم السلام وقد سألته عن أمر محمّد فقال عليه السلام: فتنة يقتل فيها محمّد عند بيت رومي، ويقتل أخوه لاُمّه وأبيه بالعراق، وحوافر فرسه في الماء(5).
______________________________
(1) كتاب الوصيّة للمسعودي: ص 141.
(2) مقاتل الطالبيّين في تسمية المهدي: 255 - 256، بحار الأنوار: 47/131.
(3) كتاب الوصيّة.
(4) أعلام الورى للطبرسي طاب ثراه: 269، وهو الفضل بن الحسن بن الفضل من أعيان علماء الاماميّة وهو صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن الذي لم يؤلّف مثله، وله مؤلّفات اُخر جليلة، توفي ليلة النحر في سبزوار عام 548.
(5) المقاتل في تسمية المهدي.
{ 258 }
وقال لعبد اللّه بن جعفر بن المسور(2): أرأيت صاحب الرداء الأصفر - يعني أبا جعفر ؟ - قلت: نعم، قال عليه السلام: فإنّا واللّه نجده يقتل محمّداً، قلت: أوَيقتل محمّد ؟ - قال: نعم، قلت في نفسي: حسده وربّ الكعبة، ثمّ ما خرجت واللّه من الدنيا حتّى رأيته قُتل.
وأخبر بذلك أباهما عبد اللّه بن الحسن وقال له: إِن هذا - يعني المنصور - يقتل محمّداً على أحجار الزيت، ثمّ يقتل أخاه بعده بالطفوف(3) وقوائم فرسه في الماء(4).
فكان كلّ ما أخبر به من أمر العبّاسيّين ومحمّد وإِبراهيم قد وقع لم يفلت منه شيء.
وأخبر شعيب بن ميثم(5) بدنوّ أجله معرضاً به، قال له أبو عبد اللّه عليه السلام: يا شعيب ما أحسن بالرجل يموت وهو لنا ولي ويعادي عدوّنا، فقال له شعيب: واللّه إِني لأعلم أن من مات على هذا أنه لعلى حال حسنة، قال عليه السلام: يا شعيب أحسن الى نفسك، وصِل قرابتك، وتعاهد إِخوانك، ولا تستبدل بالشيء تقول: أدّخر لنفسي وعيالي، إِن الذي خلقهم هو الذي يرزقهم، قال شعيب: قلت في نفسي نعى إِليَّ واللّه نفسي، فما لبث بعد ذلك إِلا شهراً فمات(6).
______________________________
(2) الظاهر أنه المخرمي نسبة الى جدّه مخرمة أب المسور، وعدّوه في أصحاب الصادق عليه السلام، الخرائج والجرائح: ص 244.
(3) جمع طف: الشاطي.
(4) المقاتل في تسمية المهدي: 255 - 256.
(5) التمّار: وهو من أصحاب الصادق عليه السلام وقد كتبنا عنه في رسالتنا في ميثم التمّار ص 78.
(6) بحار الأنوار: 47/126، المناقب: 3/350.
{ 259 }
وأخبر أيضاً إِسحاق بن عمّار الصيرفي الثقة الجليل بأنه سيموت في شهر ربيع، وذلك أن إِسحاق قال للصادق عليه السلام يوماً: إِن لنا أموالاً ونحن نعامل الناس، وأخاف إِن حدث أن تفرّق أموالنا، فقال عليه السلام: إِجمع أموالك في شهر ربيع، فمات إِسحاق في شهر ربيع(1).
وأخبر عن قتل مولاه المعلّى بن خنيس، الذي قتله داود بن علي قبل أن يقتله بسنة وأخبر بجميع ما يجري عليه(2).
وسأل أبا بصير عن أبي حمزة الثمالي فقال: خلفته صالحاً، قال عليه السلام: إِذا رجعت اليه فاقرأه السلام واعلمه أنه يموت كذا من شهر كذا، قال أبو بصير: فرجعت، فما لبث أبو حمزة أن مات في تلك الساعة من ذلك اليوم(3).
ولمّا بلغه خبر قتل زيد وصلبه وهرب ابنه يحيى الى خراسان واجتماع الناس عليه، قال عليه السلام: إِنه يُقتل كما قُتل أبوه ويُصلب كما صُلب أبوه، فقُتل بالجوزجان وصُلب(4).
هذا بعض إِعلامه عن حوادث لم تقع فوقعت كما أعلَم، وأمّا إِعلامه عن حوادث وقعت فما أوفرها، وهاك شيئاً منها:
وقع شجار بين مهزم بن أبي بريدة الأسدي الكوفي - وهو من رواة الامام عليه السلام - وبين اُمّه، وقد جاء بها حاجّاً، وكان كلامه معها في المدينة وقد أغلظ لها فيه، فلمّا أصبح ودخل على الصادق عليه السلام ابتدأه قائلاً: يا مهزم مالَك وللوالدة أغلظت لها البارحة، أوَما علمت أن بطنها منزل سكنته، وأن
______________________________
(1) مناقب ابن شهراشوب: 3/368، وأعلام الورى: ص 270.
(2) الكشي، في أحوال المعلّى: ص 239.
(3) كشف الغمّة: 3/190.
(4) ينابيع المودّة: ص 381.
{ 260 }
حجرها مهد قد مهدته، وأن ثديها وعاء قد شربته، فلا تغلظ لها(1).
ودخل عليه رجل فقال له الصادق عليه السلام: تُب الى اللّه ممّا صنعت البارحة، وكان الرجل نازلاً بالمدينة في دار وفيها وصيفة أعجبته، فلمّا انصرف ليلاً ممسياً واستفتح الباب وفتحت له مدَّ يده الى ثديها وقبض عليه(2).
وقَدِمَ رجل من أهل الكوفة على أهل خراسان يدعوهم الى ولاية الصادق عليه السلام، فاختلفوا في الأمر، فبين مطيع مجيب، وبين جاحد مُنكر، وبين مُتورّع واقف، فأرسلوا من كلّ فِرقة رجلاً الى الصادق عليه السلام لاستيضاح الحال، ولمّا كانوا في بعض الطريق خلا واحد منهم بجارية كانت مع بعض القوم، وعندما وصلوا الى الصادق عليه السلام عرفوه بالذي أقدمهم، فقال للمتكلّم وكان الذي وقع على الجارية: من أيّ الفِرق الثلاث أنت ؟ قال: من الفِرقة التي ورعت، قال عليه السلام: فأين كان ورعك يوم كذا وكذا مع الجارية ؟ فسكت الرجل(3).
وهذه لعمر الحقّ اكبر دلالة على الامامة لو كان القوم طالبين للحقّ وللدلالة على الامامة.
وكان عبد اللّه النجاشي(4) زيديّاً منقطعاً الى عبد اللّه بن الحسن فدخل يوماً
______________________________
(1) بصائر الدرجات: 5/263.
(2) بصائر الدرجات: 5/262.
(3) المناقب، وبصائر الدرجات: 5/265، وهو لمحمّد بن الحسن الصفّار القمّي أبي جعفر الأعرج، وكان وجهاً في القمّيين ثقة عظيم القدر، قليل السقط في الرواية، وله كتب كثيرة جليلة، توفي عام 290 وعدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الحسن العسكري عليه السلام، وكتابه بصائر الدرجات جليل كبير النفع.
(4) أبو بجير الأسدي وكان والياً على الأهواز وبعد أن رجع الى القول بإمامة الصادق صار يراسله ويسأله عن أشياء من وظيفته وللامام كتاب كبير أرسله اليه جواب سؤال منه ذكر فيه ما يجب عليه من السيرة والعمل الصالح، وسنذكره في وصاياه.
{ 261 }
على الصادق عليه السلام فقال له: ما دعاك الى ما صنعت، تذكّر يوم مررت على باب قوم فسال عليك الميزاب من الدار فسألتهم فقالوا: إِنه قذر، فطرحت نفسك في النهر بثيابك فكانت منشغة(1) عليك فاجتمع عليك الصبيان يضحكون منك ويصيحون عليك، فلمّا خرج من عند الصادق عليه السلام قال: هذا صاحبي دون غيره(2).
وجاء من عدَّة طرق دخول أبي بصير على الصادق عليه السلام وهو جُنب، وردع الصادق إِيّاه، ومن ذلك ما قاله أبو بصير، قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وأنا اُريد أن يعطيني من دلالة الامامة مثلما أعطاني أبو جعفر عليه السلام، فلمّا دخلت وكنت جُنباً قال: يا أبا محمّد تدخل عليّ وأنت جُنب، فقلت: ما عملته إِلا عمداً، قال: أوَلم تؤمن ؟ قلت: بلى ولكن ليطمئن قلبي، فقلت عند ذلك: إِنه إِمام(3).
______________________________
(1) تسيل.
(2) المناقب، وبصائر الدرجات: 5/265 وغيرها.
(3) وسائل الشيعة: 1/490/3 وذكر بعض أحاديث أبي بصير الشيخ المفيد في الارشاد، وابن بابويه في دلائل الامامة، والطبرسي في أعلام الورى وغيرهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الَلَّهٌمَّ صَلَِ عَلَىَ مٌحَمَّدْ وَآلِ مُحّمَّدْوعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَالْعَنْ أَعْدَائَهُمْ
اللهمَ اجْعلْ صِيامي فـيه صِيـام الصّائِمينَ
وقيامي فيهِ قيامَ القائِمينَ ونَبّهْني فيهِ عن نَومَةِ الغافِلينَ
وهَبْ لي جُرمي فيهِ يا الهَ العالَمينَ واعْفُ عنّي يا عافياً عنِ المجْرمينَ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احسنتم اخينا الكريم بارك الله بكم ايضا الموضوع طويل ولكنه يستحق القراءه والاشاده والثناء
بارك الله بكم موضوع متكامل
دمتم محاطين بالالطاف المهدويه
الراحله الى ربها في وقت غير معلوم: خادمة السيد الفالي