من المعروف أن أي فكر يأتي يتعرض لهُ الفكر المضاد له ، وهذا ينطبق على جميع العقائد حتى لو كانت من وضع انسان. والدين كذلك مع علم الإنسان بأنه نازل من الله وأنه لخيره ،إلا ان انانية الانسان تدفعهُ للتدخل فيعمد إلى تغيير الكثير من التشريعات ويسن تشريعات أخرى بدلا عنها تتناسب ومزاجه العام وما تُحققه من مصالح.
الرسالة الاسلامية تعرضت أيضا إلى شتى الحملات ومن كل الاطراف المحيطة بها محليا ودوليا، وقد تعرض الرسول شخصيا إلى ضروب من المحن والبلاء في سبيل تبليغ الرسالة. ولكن بعد وفاته حصل الانقلاب المريع ثم تلاه التغيير المباشر لكل ما جاء به النبي من تشريع. هذا والفئة الصالحة تُناضل من أجل الحفاظ على جوهر الدين، ومن هنا انشق الإسلام إلى مدرستين .
مدرسة تتبع خلفاء الانقلاب.
ومدرسة تتبع آل البيت عليهم السلام.
فأصبح لنا مدرستين الأولى هي مدرسة الخلفاء والتي جرى على يديها تغيير كل معالم الاسلام طيلة حكم ابو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وصولا إلى يوم القيامة. وهذا ما نراه يلوح من رواية أنس بن مالك. يقول الزهري : (دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت له: ما يُبكيك؟ قال : لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضُيّعت).(1) وفي رواية أخرى قال أنس : (ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبي (ص) إلا قولكم اشهد ان لا اله إلا الله. قيل الصلاة؟ قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها).
من هذه الروايات يتبين لنا أن عملية التغيير جرت والنبي بعده حيّ واشتدت عملية التغيير المتعمد بعد وفاته حتى زمن الإمام علي عليه السلام الذي حاول ارجاع بعض الشرائع إلى مكانها الصحيح فلم يقدر على ذلك فقد ترسخ التغيير والتحريف في نفوس الناس ونشأت عليه اجيال. وهذا ما نراه واضحا في خطبة الإمام علي عليه السلام عندما قالها بكل وضوح : (قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله(ص) متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده ، مغيرين لسنته، ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت عليه في زمن رسول الله (ص) لتفرق عنّي جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله).(2)
ولكن الإمام علي وآل البيت بقوا محافظين على الصحيح على الرغم من الاذى الذي لحقهم في سبيل ذلك . روى مطرف قال : (صليت أنا وعمران بن حصين صلاة خلف علي بن أبي طالب (ع) .. فلما سلّم أخذ عمران بيدي فقال : لقد صلى بنا هذا صلاة محمد صلوات الله عليه وآله).(3) وعن عمران بن حصين قال : (صلى مع علي (ع) في البصرة فقال : لقد ذكّرنا هذا الرجل صلاة كنّا نصليها مع رسول الله (ص).(4)
والسؤال هو : إلى أي مدى وصلت عملية تغيير شرائع الإسلام طيلة اكثر من ألف وأربعمائة سنة على يد مدرسة الخلفاء؟.نظرة فاحصة على ما موجود لدى المذاهب الأخرى تحكي لنا واقع الأمة الاسلامية على ضوء عملية التغيير والتبديل التي قاموا بها.فلا ترى إلا اسلاما مسخ مشوه يعتمد سياسة الاقصاء والقتل والتكفير ورمي الآخرين بالشرك، على الرغم من علمهم بأن ما يؤمنون به ويدينون به غير صحيح وهو بعيد عن الاسلام بعد السماء عن الأرض.
وقد استمر هذا الخلاف لسنة رسول الله (ص) حتى اليوم . وتنعكس حقيقة هذه الخلاف في قول أبي حنيفة : (خالفت جعفرا في كل ما يقول أو يفعل، لكني لا أدري هل يغمض عينيه في السجود أو يفتحهما). وهذا جهلٌ فاضح اخزى الله فيه ابا حنيفة حيث أنه نسى أن رسول الله (ص) امر بعدم اغماض العيون في السجود. (إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه).(5)
أما مدرسة آل البيت عليهم السلام فقد أمرنا الأئمة صلوات الله عليهم بأن نخالف كل ما يقوم به بقية المسلمين المنتمين إلى مذاهب السلطة كما ورد عن الامام الصادق (ع) : (إن الرشد في خلافهم).وقوله كذلك : (ما خالف العامة ففيه الرشاد).(6)
المصادر:
1- صحيح البخاري المجلد الأول ، الكتاب العاشر ، حديث رقم 507.
2- انظر خطبته في الكافي الجزء الثامن ص : 58.
3- انظر صحيح البخاري الجزء الثاني ص : 209، كتاب الصلاة، ومسند الامام أحمد الجزء السابع ص : 200.
4- فتح الباري شرح صحيح البخاري أبواب صفة الصلاة باب إتمام التكبير في الركوع حديث رقم 751.
5- ميزان الاعتدال الذهبي ج4 ، ص : 119. والجامع الصغير للسيوطي ص : 780.
6- فرائد الأصول - الشيخ الأنصاري - ج ١ - الصفحة ٦١٥ . وكذلك في الوسائل ج8 ص : 18.