امراة العزيز تراود فتاها. لماذا قال امرأة وليست زوجة؟
بتاريخ : 19-06-2021 الساعة : 05:52 PM
(امرأة العزيز تراود فتاها). لماذا قال امرأة وليست زوجة؟
مصطفى الهادي.
لسببت ما قال القرآن في قصة يوسف (امرأة العزيز). ولم يُبين سبب ذلك وحتى التفاسير والأحاديث لم تُبين لنا سبب ذلك ولكن هناك من فسّر الآية تفسير بلاغيا. ومع ذلك فإن هناك سر يكمن في هذه التسمية بعيدا عن المتشابهات من الآيات التي ذكر الله تعالى فيها (المرأة). و(الزوجة).
ما قاله المفسرون بأن اطلاق لقب المرأة يأتي بسبب عدم وجود التوافق بين الرجل والمرأة لا من ناحية العقيدة ولا من ناحية الدين ولا التوافق النفسي،وقالوا : بأن اطلاق لفظ المرأة إنما بسبب انقطاع صلتها بزوجها بسبب عدم وجود الذرية. وقال آخرون : من الأمثلة على ذلك اطلاق القرآن لفظ المرأة على زوجة زكريا والسبب انها كانت عقيما لم تنجب ولد ، ولذلك عندما استجاب الله دعاء زكريا وحملت بيحيى اطلق عليها الله تعالى لفظ الزوجة: (فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه). (1)وهذا ما أكده الإنجيل أيضا كما نقرأ : (كان في أيام هيرودوس كاهن اسمه زكريا، وامرأته من بنات هارون اسمها أليصابات).(2) فقد استخدم الإنجيل لفظ (امرأة) أيضا عليها ولكنها لما ولدت يحيى تغير اللفظ.
من كل ذلك نفهم أنه في حال تحقق العلاقة الزوجية الكاملة بين الرجل والمرأة من دون أن ينقصها شيء فإن الله يستخدم لقب الزوجة. ولكن عند أي نقص يتبدل الحال ويطلق عليها لفظ (امرأة). كل التفاسير التي ذكرناها كانت تحوم حول شيء بين العزيز وامرأته، وهذا أدى إلى سلخ لفظ الزوجية وإضفاء لفظ المرأة عليها.
ولكن ماهو هذا الشيء الذي أدى إلى ذلك؟
أن الجواب موجود في نفس الآيات ، وذلك من خلال سلوك امرأة العزيز حيث طلبت من يوسف الاضطجاع معها، أي ممارسة الجنس (مرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا).(3) وهذه اشارة إلى أن في الأمر شيئا يتعلق بالحرمان الجنسي ، ومن اجل معرفة هذا الشيء نعود إلى الكتاب المقدس لنقرأ ما ورد في قصة يوسف والعزيز وزليخا او امرأة العزيز.
صحيح أن جمال يوسف لربما هو الذي دفعها لطلب هذا الفعل منه ، ولكن على ما يبدو من سياق القصة أن (الحرمان الجنسي) له دور كبير في ذلك وقد فهمنا ذلك بالعودة إلى ما ورد في الكتاب المقدس من قصتهما.
تكرر ذكر امرأة العزيز بهذا اللفظ في التوراة مرات كثيرة وكلها تستخدم (امرأة) في الاشارة إليها. وقد ذكر الكتاب المقدس أن امرأة العزيز كانت متزوجة من (فوطيفار) رئيس شرطة فرعون. وكان فوطيفار (خصيا). لا حاجة له بالنساء كما نقرأ : (وأما يوسف فأنزل على مصر واشتراه فوطيفار خصي فرعون ورئيس شرطته فوجد يوسف نعمة في عينيه).(4)
ثم يقول النص : (فوكلهُ على بيته ، وكان يوسف حسن الصورة وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده قالت ليوسف : اضطجع معي. فأبى ، وقال لامرأة سيده : كيف اصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله).(5)
ولكن امرأة فوطيفار (العزيز) وأمام ضغط الغريزة وما تعانية من حرمان نتيجة لزواجها من خصي : (أمسكت بثوبه قائلة : اضطجع معي. فترك ثوبه في يدها وهرب).(6) وهكذا عندما نجمع بين نص الكتاب المقدس ونص القرآن تتضح لنا حقيقة لماذا اطلق الله تعالى (امرأة العزيز) ولم يقل (زوجة العزيز). لقد كانت العلاقة غير كاملة ، لأنه من عادة الفراعنة والملوك والسلاطين أن يستخدموا الخصيان في قصورهم، لأن كل واحد منهم يمتلك جيشا من النساء والجواري والمحظيات لا يستطيع الملك أو السلطان ان يطأهن كلهن، وخشية من الممارسات الخاطئة بين من يعيشون في القصر من العبيد والجواري، يعمدون إلى خصي من تعجبهم امانته ووفائه ثم يعطوه امرأة تدير له شؤون بيته. وبذلك جاز للخصي الدخول إلى قصور الجواري.
الكتاب المقدس ذكر الحالة النفسية المزرية للخصي وللمرأة التي يعطوها له فيقول واصفا حالهم : (كالخصي يرى بعينيه ويتنهد يعانق عذراء ويتنهد).(7)
(عطشت نفسي، يشتاق جسدي ــ وأنا ــ في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء).( ولذلك لا تُلام امرأة العزيز إذا رمت بنفسها في احضان يوسف وتُراوده عن نفسه، لأنها تعيش اصلا مع شجرة يابسة كما يقول الكتاب المقدس عندما يصف الخصي بأنه (أرض ناشفة بلا ماء وشجرة يابسة).(9)
المصادر :
1- سورة الأنبياء آية : 20 . وهذا ما أكده الإنجيل ايضا
2- إنجيل لوقا 1 : 5.
3- سورة يوسف آية : 30.
4- سفر التكوين 39 : 1.
5- سفر التكوين 39 : 7.
6- سفر التكوين 39: 8.
7- سفر يشوع بن سيراخ 30 : 21. يقول المفسر المسيحي في شرح حال الخصي الذي يتنهد : (المريض يرى الطعام ولكنه غير قادر على الأكل فهو كالخصي الذي يُعانق عذراء ويتنهد فكلاهما يشتهي ولكنه غير قادر). شرح الكتاب المقدس القمص أنطونيوس فكري تفسير سفر الحكمة يشوع بن سيراخ 30.
8- سفر المزامير 63 : 1.
9- سفر إشعياء 56 : 3.