يعود تاريخ تدوين هذه الأسطورة البابلية إلى عصر المملكة البابلية القديمة (2000-1600 ق.م) وتجري أحداثها في الأزمان البدائية الأولى. فبعد أن انتهت الآلهة من خلق العالم وترتيب الجهات الأربع، ووضعوا اللمسات الأخيرة على نظام الكون والطبيعة،
شرعوا في بناء أول مدينة للانسان هي مدينة كيش في الشمال السومري ، وأسكنوا فيها البشر وتولوا إدارتها وحراستها بأنفسهم لأن مؤسسة المملوكية لم تكن قد هبطت بعد من السماء. بعد ذلك شعر الآلهة بضرورة إحداث مؤسسة المملوكية، وراحوا يبحثون عن شخص مناسب يوكلون إليه مهام الحكم والسلطان ليدير المدينة عوضاً عنهم، فوجوده في شخص الشاب الصالح المدعو إيتانا: الآلهة الكبار ، آلهة الإيجيجي صمموا مدينة آلهة الإيجيجي وضعوا لها الأساسات آلهة الإيجيجي جعلوا أبنيتها القرميدية مكينة ثم ان الالهة السبع الكبار، صانعو المصائر جلسوا يتشاورون في أمور البلاد بعد أن خلقوا الجهات الأربع وشكلوها لم يكونوا قد أقاموا ملكاً على حشود البشر ولم تكن منصة العرش قد رُفعت الآلهة السبع أغلقوا البوابات لحمايتها والآلهة أنفسهم كانوا يقومون بحماية المدينة في ذلك الوقت عشتار كانت تبحث عن راع كانت تبحث هنا وهناك عن ملك وكان إنليل يبحث عن منصة عرش لإيتانا الشاب الذي كانت عشتار لاتني تبحث عنه بهذه الطريقة جرى تثبيت ملك على البلاد وفي مدينة كيش أقيمت المملوكية.. عند هذه النقطة ينكسر اللوح الأول، ونفقد من النص نحو 021 سطراً. في اللوح الثاني نجد أن الكاتب قد تحول إلى قصة أخرى بطلاها حية ونسر. فقد نمت إلى جانب القصر الملكي شجرة عملاقة حط على قمتها نسر هائل وصنع عشاً لفراخه، بينما استقرت عند قاعدتها حية ضخمة وحفرت حجراً لصغارها. ثم إن النسر قال للحية: «تعالي نعقد بيننا صداقة ونبرم عهداً». فقالت له الحية: « إنك كائن شرير وقد ارتكبت أعمالاً ونقسم على احترامه». وافق النسر وأقسم الاثنان اليمين أمام شمش، واتفقا على اقتسام الصيد بينهما؛ فإذا اصطادت الحية شيئاً جاءت به فاقتسمته مع النسر، وإذا اصطاد النسر شيئاً جاء به واقتسمه مع الحية. سارت الأمور على مايرام بين الطرفين حتى كبر فراخ النسر، عند ذلك أضمر النسر الشر للحية ونوى أن يأكل صغارها: فتح فمه وقال لفراخه: «إنني أخطط لأكل صغار الحية ولسوف تغضب الحية علي بالتأكيد ولكني سوف أحلق في السماء وألوذ بها ولن أهبط عن قمة الشجرة إلا لألتقط الثمار» فقال له فرخ مزغب كثير الحكمة من فراخه: «يا أبي لا تأكل صغار الحية، فتصطادك شبكة شمش إن من يتعدى حدود شمش يسلمه إلى الصياد ولكن النسر لم يصغ لنصيحة ولده، فهبط والتهم صغار الحية. عادت الحية بصيدها واكتشفت ما حدث، فتوجهت بدعاءٍ حار إلى الإله شمش ليأخذ حقها من النسر. استجاب إله الشمس والعدل لدعاء الحية ودلها على طريقة للانتقام من النسر. سوف تذهب إلى البرية لتجد هناك ثوراً مقيداً، فتنفذ إلى جوفه وتستقر هناك، فإذا حطت عليه طيور السماء لتأكل منه سوف يحط معها النسر، عند ذلك سوف تقبض عليه وتنتف ريش أجنحته وتلقي به في أعماق بئر جاف قريب، سارت الخطة وفق المرسوم ووجد النسر نفسه مثخناً بالجراح في غياهب الجب غير قادر على الطيران، موشكاً على الموت من الجوع والعطش. فأخذ النسر يتضرع للإله شمس في كل يوم: «هل قُدر علي أن أموت في هذا الجب؟ وهل سيعرف أحد بأنك فرضت علي هذا العقاب؟ انقذني وسوف ألهج بذكرك إلى الأبد» ففتح شمش فمه وقال للنسر: «لقد ارتكبت عملاً مرذولاً لايقبل الصفح ستعاني سكرات الموت ولكنني لن أقترب منك على أنني سأقيض لك رجلاً فاطلب منه العون عند هذه النقطة تنتهي قصة الحية والنسر، ويعود بنا النص إلى قصة إيتانا الصالح الذي كان عاقراً ولم ينجب ولداً يرثه على العرش، فراح يصلي إلى الإله شمش لكي يزيل عنه العقم ويدله على نبتة الإخصاب التي سمع أنها ستشفيه: «لقد قدمتُ لك ذبائح من أفضل غنمي فأعجبتك ورويتُ الأرض من دم ماشيتيقيال إلهي هبني نبتة الإخصاب، أرني إياها انزع عني عاري وتفضل علي بنسل» فتح شمش فمه وقال لإيتانا: اذهب في هذه الطريق واعبر الجبل ولسوف تجد بئراً فانظر إلى جوفه لسوف ترى هناك نسراً ملقى وهو الذي سيدلك على نبتة الإخصاب اتبع إيتانا تعليمات شمش فوصل إلى الجب وهبط فضمد جراح النسر الملقى هناك وزوده بالطعام والشراب، ولما تقوى أصعده من الحفرة وراح يساعده على استعادة قدرته على الطيران مدة ثمانية أشهر ، حتى استرد عافيته ونمى ريشه وصار في قوة وضراوة الأسد. فقال النسر لإيتانا: لقد صرنا حقاً أصدقاء.فقل لي ياصديقي ما الذي تريده مني وأنا أحققه لك. فقال له إيتانا «بدّل لي قدري، واجعلني أطلع على المخبوء» . ذهب النسر هنا وهناك يبحث عن نبتة الإخصاب، ولكنه لم يجدها في أي مكان. فقال لإيتانا: هلم ياصديقي، دعني أحملك عالياً إلى السماء فنلتقي هناك بعشتار سيدة الولادة والإخصاب ضع ذراعيك على جانبي وتمسك بقوادم أجنحتي ففعل إيتانا، وارتقى به النسر قرابة ميل، وقال: «ياصديقي انظر إلى الأرض وقل لي كيف تبدو». فقال له إيتانا: «إن الأرض مثل.. والبحر ليس أوسع من حظيرة». ثم ارتقى به النسر قرابة ميل آخر، وقال: «ياصديقي انظر إلى الأرض وقل لي كيف تبدو» فقال إيتانا: «صارت الأرض مثل حديقة والبحر ليس أوسع من سطل ماء ثم ارتقى به النسر قرابة ميل ثالث، وقال: «ياصديقي انظر إلى الأرض وقل لي كيف تبدو» فقال له إيتانا: «إني لا أرى الأرض، والبحر الواسع قد غاب تماماً فقال له النسر: «ياصديقي لن استطيع ارتقاء السماء أكثر من ذلك دعنا نعود أدراجنا، دعني أرجع إلى بلدي» هبط النسر ميلاً فتزعزع إيتانا ولكنه استرده إليه هبط النسر ميلاً ثانياً فتزعزع إيتانا ولكنه استرده إليه هبط النسر ميلاً ثالثاً فتزعزع إيتانا ولكنه استرده إليه يلي ذلك فجوة في النص الذي يقص هنا عن عودة إيتانا إلى بلده. وعندما يصير النص واضحاً للقراءة من جديد، نجد إيتانا وهو يقص على النسر حلماً رآه، فيرى النسر في الحلم بشارة بنجاح رحلة ثانية لهما إلى السماء، ثم يرى إيتانا حلماً ثانياً، وثالثاً، وفي كل مرة يقص حلمه على النسر الذي يجده فيها بشارة بنجاح رحلتهما المقبلة ، ثم طلب منه أن يرتقي ظهره مجددا للشروع في الرحلة... ينطلق الاثنان ويجري بينهما الحوار نفسه حول هيئة البحر والأرض من الجو.. ولكنهما بعد المرحلة الثالثة في الصعود يتابعان الطيران حتى الوصول إلى سماء آنو: وعندما وصلا إلى سماء آنو مضيا عبر بوابة آنو وإنليل وإيا، فانحنيا ثم مضيا عبر بوابة سن وشمش وأداد وعشتار، فانحنيا رأى إيتانا بيتاً فيه نافذة غير موصدة دفعها فانفتحت وولج منها فرأى هناك شابة جالسة مليحة ومزينة بتاج وهناك عرش منصوب.. وتحت العرش أسود مزمجرة رابضة فلما رأت إيتانا قفزت نحوه عند هذه النقطة ينكسر الرقيم وتضيع بقية القصة التي تحكي ولا شك عن حصول إيتانا على نبتة الإخصاب من الآلهة عشتار، تلك الشابة الحسناء التي رآها تجلس على عرش تحف به الأسود. وما يؤكد لنا هذه النهاية هو أن الوثيقة المعروفة بقائمة ملوك سومر تقول لنا إن إيتانا كان أول ملك على مدينة كيش بعد الطوفان (أي في العصور التاريخية)، وأنه مؤسس سلالة كيش الأولى، وأن وريثه على العرش كان ابنه المدعو بالح من الواضح أن الهدف الرئيسي لهذا النص هو تأصيل مؤسسة الملوكية التي هبطت من السماء. فنحن والحالة هذه أمام أسطورة أصول تنتمي إلى تلك الزمرة من الأساطير التي تهدف إلى تبرير المؤسسات الاجتماعية القائمة، والمنجزات الحضارية، وتجذيرها في الأزمان الميثولوجية الأولى.. إن مطلع النص يعود بنا إلى تلك البدايات الميثولوجية ، عندما كان الآلهة يضعون اللمسات الأخيرة على الكون بعد عملية الخلق والتكوين. لقد كانت مؤسسة الملوكية أول ما التفتوا إليه بعد أن انتهوا من هندسة المكان وتشكيل الجهات الأربعة، وبناء أول مدينة للإنسان. فالملوكية والحالة هذه ليست مؤسسة دنيوية من مبتكرات الحضارة الانسانية وجدلياتها الداخلية، وإنما هي مؤسسة ذات طابع قدسي يعزي ابتكارها للآلهة، والملك ليس شخصاً عادياً مثل بقية الناس، ارتقى سدة السلطان وفق ظروف سياسية معينة، بل هو مختار الآلهة وموضع ثقتها، أنابته عنها لحكم البشر وإدارة شؤونهم. بعد ذلك تنتقل الأسطورة إلى تأصيل الملوكية الوراثية وتجذيرها في الأزمان الأولى فالملكية الوراثية قد جاءت أيضاً من السماء عن طريق نبتة الإخصاب التي وهبتها عشتار لإيتانا. إن كل ملك جاء بعد الملك الأول إيتانا إنما يستمد سلطته من عالم الآلهة لا من عالم البشر، وكل ولي عهد إنما يستمد حقه في وراثة الحكم من تلك الحادثة الأولى التي جاءت بنبتة الإخصاب من عند الآلهة. ويبدو أن فكرة الحق الإلهي الذي يحكم الملك بموجبه، هي أقدم من نصنا هذا، وتعود إلى عصر السلالات الأولى في بلاد الرافدين ، أي إلى مطلع الألف الثالث قبل الميلاد. فلقد وصلتنا أختام من العصر الأكادي، أي أواسط الألف الثالث قبل الميلاد أختام يظهر في المشهد المصور عليها رجل يمتطي ظهر نسر محلق، الأمر الذي يدل على شيوع اسطورة إيتانا قبل تدوينها بوقت طويل. ولدينا نص سومري يسبق بكثير نص إيتانا يتحدث عن الملوكية التي هبطت من السماء، وهو نص يروي قصة الطوفان كما عرفها السومريون، وتقول مقدمته: بعد أن قام الآلهة آن وإنليل وإنكي بخلق الكائنات الانسانية انبعثت المزروعات ونمت من الأرض وجرى خلق الكائنات التي تدب على أربع وبعد أن تم إنزال الملوكية من السماء بعد أن تم إنزال التاج والعرش من السماء بنى الآلهة المدن الخمس وأسكنوا فيها البشر.