بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
قسماً يا زهراء سنثأر!
بات لزاما علينا ونحن نقترب من إكمال خمس سنوات من عمر "خدام المهدي عليه السلام"؛ أن نبوح بسرٍ ظل مخفيا في الآنف من الزمن. ولم يكن في واردنا أن نبوح به، لأنه سر ظل طيّ الكتمان طوال هذه الفترة إلا في حدود ضيقة وفي دوائر شديدة الخصوصية، ولم نكن نرى أن ينتشر هذا السر في سنوات المهد، لما قد يعتري تلك السنوات من مخاطر الانزلاق في الدعاية وتزكية النفس، ولما قد يؤديه مثل ذلك البوح من تبعات غير ضرورية في مرحلة التأسيس.
أما وقد تجاوز الخدّام هذه المرحلة، وأصبحت أقدامهم أكثر ثباتا ونفوسهم أكثر طمأنينة، بعدما صقلتهم التجربة، ومحّصهم البلاء، فإن هذا السر وأمثاله لا مندوحة عن كشفه وتبيانه، حتى ولو كان بهذا الحجم وبهذه الخطورة، لأن أمرا كهذا لابد أن يظهر يوما، وفي ظهوره حافز - إن شاء الله تعالى - لتحقيق المبادئ والمُثُل العليا لخدام الإمام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
أما سرّنا المخفي، فيكمن في السبب الحقيقي لقيام هذه الهيئة المباركة وتأسيس هذا الخط، وما يتعلق بنقطة التفكير بالانطلاق، والغاية الأساسية من التحرك والإنشاء. متى كان ذلك.. وأين.. ولماذا؟!
أما الزمان فكان في مثل هذه الأيام، قبل ست سنوات، أي في أيام استشهاد قطب رحى الوجود والأكوان، مولاتنا الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها. وأما المكان فكان في مجلس فاطمي عامر، ارتقى فيه الخطيب المنبر، فبدأ يقصّ على الحاضرين قصة مقتل الزهراء أرواحنا فداها. وبينما كان الجميع يبكون ويندبون؛ ضجّ (أحدنا) بالعويل والصياح ما إن وصل الخطيب إلى لحظة ما صرخت الزهراء "آه" بين الحائط والباب!
وهنا أقسم (أحدنا) بهذا القسم: "قسما يا زهراء سنثأر"!
ومنذ ذلك الحين، حملنا أمانة هذا القسم المقدّس، ونذرنا أنفسنا للثأر للزهراء صلوات الله عليها، مهما اجترّ ذلك من تحدّيات ومواجهات ورزايا وخطوب. ولذا فإن أحدا لم يسجّل طوال هذه الخمس سنوات؛ تراجعا واحدا من الخدّام عن مبدأ من مبادئهم، لأن الخدّام قد باعوا دنياهم من أجل الزهراء سلام الله عليها، كما باعهم كلُّ من استعبدته الدنيا من الناس.. من أجل الدنيا!
ومع هذا؛ فلا يصح لنا أن نكابر على أنفسنا، كأن نقول : أننا لم نتأثّر أو نتضرر يوما بسبب التزامنا بسلوك هذا المسلك الوعر، بل نقول أننا تأثرنا كثيرا، وتضرّرنا أكثر، وقاسينا مرارا من عدم استعداد أحدٍ يُذكر للوقوف إلى جانبنا في المحن والمصاعب، لافتقاد معظم البشر الجرأة والشجاعة التي تجعلهم أنصارا للدين بحق. بيد أننا كنا واثقين من تأييد الزهراء أرواحنا فداها، وكان قد هوّن علينا كل ما نزل بنا من الكرب أنه "بعينها" صلوات الله وسلامه عليها.
لقد كان أمرا صعب المراس علينا؛ أن نسير في هذا الطريق الشائك لوحدنا مع ثلة قليلة من الناس امتلكت القوة الإيمانية الخالصة، وحتى هذه الثلة القليلة، لم تكن بمعزل عن الاهتزاز في فترات، والتضعضع في أخرى، فإن القوة تظل في حالة صعود ونزول مع اختلاف الظروف وحجم التحدّيات. ولكن وعلى كل حال؛ ظل "خدام المهدي عليه السلام" صامدين لم يتزحزحوا عن البرّ بقسمهم الأعظم إذ قالوا: "قسما يا زهراء سنثأر"..
كيف استطاعوا ذلك؟ والجواب يتلخّص في كلمة عظيمة من كلمات المولى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، والتي نطق بها تنفيسا عن همّه الأكبر، وحزنه الأعمق، وانكساره الأشد. وإن من الواجب أن تكون هذه الكلمة العظيمة نبراسا ومنهاجا لكل مؤمن موالٍ حيث قال عليه السلام: "قد عزَّ على علي بن أبي طالب أن يسوَدَّ متنُ فاطمةََ ضربا"!!
كلنا يعرف أن الأمير (عليه السلام) عندما قام بتغسيل الزهراء (عليها السلام) لاحظ أن متنها قد اسودَّ من ضربة السوط التي أقدم عليها السفلة الأنذال من أبناء العواهر في الحملة البكرية العمرية اللعينة! فكيف يا ترى كانت مشاعر عليٍّ (عليه السلام) وهو يرى ما حلَّ بزوجته البتول الشهيدة المقتولة؟! لا شك أنها بقت غصّة في صدره الشريف، وجرحا نازفا من قلبه المقدّس، وهكذا ينبغي لكل مؤمن موالٍ أن يكون.
وعندما كان الخدّام يتعرّضون للرزايا، وحينما كان الجبناء ينفضّون من حولهم، كانوا بلا شك يتأثرون، ولكن هذه الكلمة العلوية العظيمة كانت تتوقد في قلوبهم نارا، فكانوا كلّما استذكروها يزدادون تحمّلا وصبرا وغيرة على مقام سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها، تلك الغيرة التي جعلتهم يصمدون حتى اليوم، وإلى ما شاء الله تعالى. ولعل هذه الكلمة بحق تصلح لأن تكون شعارا لهم.. "قد عزَّ على علي بن أبي طالب أن يسوَدَّ متنُ فاطمةَ ضربا".
إننا مدركون تمام الإدراك أن الالتزام بهذه الكلمة، والبرّ بذلك القسم، سيكلفنا الكثير الكثير من التضحيات، غير أننا لا نرى كل ذلك شيئا يُذكر أمام بحر التضحيات التي قدّمها أئمتنا المظلومون المقتولون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ويكفي فخرا أن راية الخدّام لا تزال خفاقة عالية بحمد الله تعالى، رغم ما اجتهد به أهل الضلال والنفاق؛ والنصب والكفر؛ لتنكيسها وإنهاء وجودها! ولكنهم جهلوا أن هناك سرا! وغاب عنهم أن هناك قوة إلهية "دارت على معرفتها القرون الأولى" تقف وراء هذه الراية وتدافع عنها وتحمي من يحملها.. إنها الزهراء أرواحنا وأرواح العالمين لتراب أقدامها الفداء.
لا عجب إذن أن يأتينا اتصال هاتفي من إحدى قارئات "المنبر" التي شهدت بأنها رأت الصديقة الكبرى (سلام الله عليها) في المنام فقالت لها: "مجلة المنبر مجلتنا"!!
إنه السرّ.. قسما يا زهراء سنثأر!